“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
أعلن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إبان زيارته الى لبنان أخيرا ومن على منبر وزارة الخارجية اللبنانية بأن” الولايات المتحدة الأميركية سوف تستمر باستخدام جميع الأساليب السلمية المتاحة لتضييق الخناق على التمويل والتهريب وشبكات الإرهاب الإجرامية وإساءة استخدام المناصب والنفوذ الذي يغذي عمليات إيران و”حزب الله” الإرهابية” بحسب تعبيره. وقال بومبيو علانية بأن “الولايات المتحدة الأميركية لن تتوانى عن الإعلان عن الجهات الداعمة سلبا أو إيجابا لهذه النشاطات”. يحمل هذا الكلام من رأس الدبلوماسية الأميركية والشخصية الاكثر قربا من الرئيس دونالد ترامب الكثير من الحدّة فضلا عن تهديد مبطن للبنان الدولة. يشرح الخبير بالشؤون الأميركية موفق حرب ردّا على اسئلة موقع “مصدر دبلوماسي” الخلفيات العملية لهذا الكلام، منبّها الى تغيير رئيسي طرأ أخيرا على النظرة الأميركية الى لبنان والى دور الجيش اللبناني وكذلك الى دور “حزب الله” الذي اعتبر محاربا في فترة ما للإرهاب الداعشي. هذا التبدّل أملاه اندحار تنظيم “داعش” الإرهابي كليا، وتضاؤل تأثيره على استقرار لبنان. ولفت حرب الى أن الموقف السياسي للبنان في شأن “حزب الله” أمر منفصل عن ضرورة التزامه بالعقوبات ضدّ “الحزب” وإيران، حيث أن أي خرق أو التفاف على العقوبات سيؤدي الى وضع الجهة المعنية على اللوائح السوداء لوزراة الخزانة الأميركية بما في ذلك الشخصيات الداعمة أو الحليفة أو التي تشكل “واجهة” لـ”حزب االله” بحسب تعبير حرب. وتحدث حرب على وضع النازحين السوريين قائلا بأن الولايات المتحدة الأميركية تربطه بالحل السياسي، ولافتا الى اتصالات أميركية في شأن النزاع البحري الحدودي بين لبنان وإسرائيل لكنها لم ترتق بعد الى مستوى الوساطة.
في ما يأتي نص الحوار:
*ما أهمية زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى لبنان والرسائل السياسية التي تضمّنتها؟
-تبرز الأهمية الأولى بعودة لبنان الى خريطة اهتمام كبار المسؤولين الأميركيين لدى مجيئهم الى الشرق الأوسط، هذا أمر مهمّ بحدّ ذاته ويعكس مراقبة واهتماما أميركيين بالشأن اللبناني ربطا مع الشأن الإقليمي. تناول الوزير بومبيو ملفات لبنانية مرتبطة بتطورات الوضع الإقليمي، وربما لم يكن بومبيو ليزور لبنان لولا وجود “حزب الله” في لبنان وترابطه مع العقوبات على إيران ومع ما يحصل في سوريا وملف عملية السلام بشكل عام. علما بأن الوزير بومبيو يحبّ لبنان، وقد زاره سابقا عندما كان عضوا في الكونغرس الأميركي وهو يرتبط بصداقات مع لبنانيين. من المعروف بأن الوزير بومبيو هو من المحافظين الأميركيين ومن القاعدة المسيحية المحافظة للرئيس دونالد ترامب وبالتالي لديه اهتمام بلبنان على المستوى الشخصي. تشير زيارته الى أن لبنان مهم لارتباطه بالملفات التي تتابعها الخارجية الأميركية.
*وجّه الوزير بومبيو رسائل عدّة للبنان من على منبر وزارة الخارجية اللبنانية، لكن بالرغم من حدّة هذه الرسائل لم يعرف ما هو المطلوب من لبنان كدولة؟
-إن ما طلبه من الحكومة اللبنانية واضح، وقد عبّر عن هذه المطالب المبعوثون الأميركيون الذين زاروا لبنان سابقا، وقد المح الى هذه المطالب الرئيس ترامب بذاته. برأيي أن هذه الزيارة الأميركية هي من الزيارات القليلة التي تمّ التعبير فيها في العلن عمّا قيل في الكواليس. ولعلّ أهم ما قاله الوزير بومبيو هو أن لدى اللبنانيين خيارين إما السير بمسار إيران و”حزب الله” وبشار الأسد وهذا ستكون له تبعات، أو السير بالمسار الآخر الذي تحاول الولايات المتحدة الأميركية أن تبنيه في الشرق الأوسط. وقد حذر المسؤولين هذه المرة أيضا –وكان حذرهم سابقا- بأنه لا يمكن الإلتفاف على العقوبات الأميركية على إيران وتحديدا في ما يخصّ “حزب الله”، لأن هذه العقوبات تكتسب أهمية كبرى للإدارة الأميركية، ولبنان هو جزء من كيفية إفلات إيران تاريخيا من العقوبات. طالما كانت لإيران أساليب عدّة للإفلات من العقوبات ولبنان هو جزء منها. لذا وجّه بومبيو رسالة واضحة قائلا بأن الأمر هذه المرّة ليس مزحة.
ولعل أبرز ما يجب الإضاءة عليه، هو أن هذه الحركة الدبلوماسية الأميركية تأتي عقب تضاؤل خطر “داعش” على لبنان، إذ تمّ ضرب هذا التنظيم في الشرق الأوسط فانفكأ. وهذا يعني بأن غضّ الطرف عن لبنان، كون الجيش اللبناني و”حزب الله” كانا جزءا من معركة مواجهة “داعش”، انتهى، ولم يتبق من هذا الملف إلا ملف “حزب الله” وإيران والعقوبات وسوريا، من هنا أهمية الزيارة، لأنه طالما غضّ الأميركيون الطرف عن لبنان حتى انتهاء الخطر الداعشي وهذا الذي حصل، كي لا يقال بأن الولايات المتحدة الأميركية تضرب من يحارب “داعش”.
*ماذا إذا لم يلتزم لبنان بهذا التوجه؟ فقد كان جواب المسؤولين اللبنانيين موحدا بأن “حزب الله” لبناني ومنتخب من اللبنانيين ولديه قاعدة شعبية، ما يعني أن هذا الإلتزام بالتوجهات الأميركية قد يكون مترددا، ولو حصل، لأن “حزب الله” قوي في لبنان سياسيا وعسكريا، ماذا سيحدث إن رفض لبنان الإلتزام؟
-أعتقد بأنه في ما يخص القطاع المصرفي فإن لبنان ملتزم رغما عنه، لأنه إذا سحبت الولايات المتحدة الأميركية “السويفت” من القطاع المصرفي فسينهار الإقتصاد كليا. وبالتالي لا خيار للبنان في هذا المجال. حاول البعض التذاكي ليفتح قنوات تعاون على النظام في سوريا بحجّة أن لبنان يستحق أن يستفيد من السلام في سوريا، وسرعان ما صدرت قوانين في الولايات المتحدة الأميركية تشير الى أن من يتعاطى مع نظام بشار الأسد ستطاله العقوبات أيضا، وهذا الأمر فرمل الإندفاعة اللبنانية العلنية على الأقل وأكد أنه لا يمكن أن تكون هنالك مصالح إقتصادية مع النظام في سوريا، ولا أعتقد بالتالي بأن لدى لبنان خيارا بعدم الإلتزام. أما في الأمور السياسية فلكلّ طرف رأيه وقد عبّر عن هذا الرأي وزير الخارجية
( اللبناني) في المؤتمر الصحافي المشترك، وهو ما يردده الجميع بأن “حزب الله” هو حزب لبناني وأنتم تصفونه بأنه إرهابي في أميركا ولكنه منتخب عندنا في لبنان فماذا يمكن فعله؟ لكن ما عدا ذلك فليس من خيار للبنان.
*متى ستكون الرزمة الثانية من العقوبات؟
-لست أدري ما سيكون نوعها. لكنني أتساءل هل يمكن استحداث عقوبات بعد؟ إن العقوبات التالية لن تكون بحق “حزب الله”، فكل ما له علاقة بـ”حزب الله” وشخصيات “حزب الله” طالتها العقوبات، أما الآن فإذا أتت إشارة بأنه يوجد أحد من المقربين أو الحلفاء أو الواجهات التي يستعملها “حزب الله” وقد تأكدت وزارة الخزانة الأميركية أو المؤسسات الأميركية بأنها متورطة فستصدر بحقها عقوبات حتما.
*سرّب عقب زيارة بومبيو عن وجود وساطة أميركية جديدة في ملف النزاع الحدودي البحري مع إسرائيل وذلك عبر لجنة برعاية الأمم المتحدة، وأن هذا الإقتراح جاء من رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ما يعني بأن اقتراح الموفد الأميركي السابق فريديريك هوف عام 2013 قد انتهى، هل هذا الأمر صحيح؟
-لا أعتقد بأن الأمر بهذا الوضوح. لكن من المؤكد بأنه اذا تمّ اقتراح لجنة برئاسة الأمم المتحدة فستكون عبر وسيط اميركي وهو الوحيد القادر على احداث فارق بأي شيء يتعلق بالأمم المتحدة. أنا أعتقد بأن المسؤولين اللبنانيين الجادين بموضوع ملف النفط والحدود البحرية يفضلون الوسيط الأميركي لأنه فاعل أكثر وتحديدا مع إسرائيل. توجد بعض المؤشرات التي لمسناها من خلال الزيارات السابقة لدافيد ساترفيلد ودايفيد هيل اللذين مهّدا لزيارة وزير الخارجية عن متابعة أميركية لهذا الملف ولست متأكدا إن كانت ترتقي الى مستوى وساطة، وأعتقد بأن الوزير بومبيو عبّر عن هذا الأمر في إحدى المقابلات في لبنان إذ قال بأهمية معرفة إذا كان في هذه المنطقة المتنازع عليها ثروات نفطية أم لا لمعرفة إن كانت تستحق الوساطة أم لا، وأعتقد أن هذا هو لبّ الإتصالات الأميركية المشتركة، وبالتالي يجب التأكد من وجود الثروة النفطية حتى لا يكون الخصام على بقعة ليس فيها نفط أو غاز. إنها اتصالات لا ترتقي بعد الى مبادرة أميركية لحل الخلاف، أما مبادرة هوف فقد انتهت بتقاعد الرجل منذ 5 أعوام ولا يتم الحديث عنها إلا في الإعلام.
*ماذا عن الموقف الأميركي بخصوص ملف النازحين السوريين؟
-إن الموقف الأميركي واضح ويتلخص بعودة طوعية وآمنة للسوريين، وهذا الموقف الأميركي يشبه الموقف الأوروبي في ظل انتظار معرفة ما سيكون عليه المستقبل السياسي لسوريا، وبالتالي يتم ربط العودة بالحل السياسي.