“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
بدا المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أكثر واقعية في مقاربة مشاكل اللجوء أو النزوح –كما يطلق عليها لبنان الرسمي- في زيارة اليومين التي قام بها الى لبنان آتيا من جولة في سوريا شملت حمص وحماه ودمشق وضواحي إدلب والحدود الشمالية الشرقية. على مسافة 6 أشهر من زيارته الأخيرة الى لبنان في آب الفائت -هي الخامسة منذ توليه مهامه على رأس المفوضية منذ 3 أعوام- والتي جاءت أيضا بعد جولة قام بها في سوريا، قدّم غراندي مقاربة أكثر موضوعية وأشدّ التصاقا ليس بمعاناة السوريين فحسب بل آخذة في الإعتبار معاناة اللبنانيين أيضا، ولا شكّ بأن العمل الدبلوماسي الدؤوب الذي قام به لبنان على أكثر من مستوى ومسوؤل لعب دورا في هذا السياق.
وقد سجّل موقع “مصدر دبلوماسي” ملاحظات عدّة تبرز “شعورا” معينا نشأ لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حيال معاناة السوريين وألم اللبنانيين الذين يتحمّلون عبئا يضاف الى أعباء يومية يرزحون تحتها في حياتهم الطبيعية. ولعلّ أكثر ما يوجع في كلام غراندي هو ما قاله من أن السوريين العائدين “طوعيا” يقلقون في شأن أمور حياتية اساسية أبرزها: المسكن، إيجاد فرصة عمل، المياه، البنى التحتية والكهرباء وهي الهموم اللبنانية ذاتها وإن اختلفت الظروف.
بحضور ممثلة المفوضية في لبنان ميراي جيرار، لخّص غراندي جولة 5 أيام شملت سوريا ولبنان وأجاب على هواجس الصحافيين، ومعظمهم مراسلين لوكالات أجنبية رافقه بعضهم الى جولة على مخيمات عشوائية في المحمّرة (شمالي لبنان) في حين لم يتجاوز عدد المراسلين اللبنانيين أصابع اليد الواحدة…بالرغم من حدّة هذا الموضوع لبنانيا، ربما لأن المؤتمر وقع بعد ظهر يوم السبت.
مساحة أكبر للمناطق المستقرة في سوريا
تحدث غراندي عن زيارته الى سوريا وروى عن انطباع تولّد لديه “بأن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مستقرة بشكل نسبي ومساحتها أصبحت أكبر مما كانت عليه منذ عدّة أشهر”، أضاف:” هنالك بعض نقاط الصراع التي لا تزال موجودة لا سيما في إدلب، وقد زرت ضواحي محافظة إدلب حيث يوجد توتّر أكبر من مناطق أخرى كما حمص ودمشق حيث الوضع أكثر استقرارا”. وتحدث مطولا عن إدلب قائلا:” لا تزال إدلب تشكل مصدر قلق، وقد تم التوصل الى اتفاق لتجنب أي هجوم عسكري يؤدي الى أزمة إنسانية، لكنه اتفاق يشبه وقفا لإطلاق النيران -لا أريد تسميته كذلك- لكنّه يشبه الى حدّ بعيد تعليقا للأعمال العدائية(…).
وتطرّق الى شمالي شرقي سوريا، “حيث تتمركز القوات الكردية التي يدعمها الأميركيون، حيث هي على وشك السيطرة على آخر معقل لـ”داعش”، وهذا ادّى كما تعرفون الى حركة نزوح كبيرة للمدنيين من تلك المنطقة وخصوصا بلدة الباغوز”.
عائلات “داعش” مسؤولية الدول
وأضاء غراندي على موضوع شديد الخطورة يتعلق بعائلات مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي فقال:” جزء من هذا النزوح يتشكل من مدنيين، ولكن أيضا عائلات لأعضاء في “داعش”، هذه الحركة ذهبت في إتجاه مخيم “الهول” للنازحين، في محافظة الحسكة، حيث نعمل سويا مع منظمات أخرى. حصل هنالك نقاش واسع حول ما الذي يمكن عمله في ما يخص هؤلاء الأشخاص المنتمين الى “داعش” وخصوصا النساء والأطفال، وكانت الخلاصات التي توصلنا اليها أنه يجب إعطاءهم مأوى وغذاء لأسباب إنسانية، فنحن لا يمكننا أن نسمح لأحد بأن يموت، إلا أن الحل بالنسبة الى هؤلاء الأشخاص – وهم ليسوا لاجئين وهم لا يمثلون مصدر قلق للمنظمة التي أمثّلها- لذا الحل هو أن تتحمل مسؤوليتهم الدول، لا يمكنني التدخل في ذلك لكنه مصدر قلق لأن الآلاف من هؤلاء الأشخاص، موجودين في مخيم الهول”.
تقدم في المحادثات مع السلطات السورية
سجّل غراندي “بعض التقدّم وخصوصا بالنسبة الى الأوراق الثبوتية الشرعية، ونحن عملنا على ذلك مع الحكومة السورية، ونحن نعمل ايضا مع روسيا التي لها حضور وتأثير في البلد وهي ساعدت في محاولة معالجة بعض هذه القضايا، لأن ذلك يصبّ في مصلحة لبنان على ما أعتقد”.
وشدّد على أهمية حضور المفوضية في مناطق العودة في سوريا “من اجل مراقبة العودة والوصول الى العائدين ومساعدتهم على معالجة بعض المشاكل التي يواجهونها، وهذه رسالة قوية مرّرتها الى الحكومة السورية”.
وروى غراندي:” نحن حاضرون في بعض المناطق، وأنا شخصيا ذهبت الى حمص وحماه، ولم يكن الأمر معقّدا، ولكن للذهاب الى ريف دمشق يجب الإستحصال على إذن، من أجل الزيارة والأمر أكثر صعوبة. وهذا امر مفهوم لأن جزءا من البلد لا يزال تحت الصراع، وتوجد اعتبارات أمنية، -وأنا لا أناقش ذلك- لكن من دون هذا الحضور سيكون عامل ثقة مفقودا في ما يخصّ عودة الناس. وهذه رسالة مهمّة أريد الإضاءة عليها”.
تقييمه لزيارة لبنان
بتحفظ الواعي لما يعانيه لبنان، قال غراندي: “شكرت لبنان من أجل استضافته الطويله لللاجئين السوريين، واشير الى أنني أعلم جيدا، بأن شكر لبنان ليس كافيا بكلّ بساطة، فعبارات حفظ الجميل يجب أن تكون عملية، ومترافقة مع الموارد، وأن لبنان يحتاج -بفارغ الصبر- لإيجاد حلّ لهذا الوضع المتعلق باللاجئين من خلال عودتهم بأمان وكرامة لأماكن سكنهم الأساسية في سوريا”.
أشار:” إن المحادثات هذه المرة كانت بنّاءة، فهنالك تفهم من جانب الحكومة بأنه علينا القيام بهذ العمل تحت هذه الظروف في سوريا، من أجل تسهيل حركة العودة”. وقال بأن 165 ألف سوري عادوا الى سوريا بحسب الأمن العام اللبناني،
“الذي لديه الإحصاءات الأكثر اكتمالا لأنها تشمل اللاجئين الذين عادوا بطريقة عفوية، وأولئك الذين عادوا عبر موجات منظمّة، والذين نحن معنيون بهم أيضا (…)”.وقال” بأن العدد لا يزال ضئيلا بالنسبة الى عدد اللاجئين (العائدين) لكن توجد حركة عودة. وإن رسالتي التي سأقولها في مؤتمر بروكسيل، هي أن الناس التي تعود الى هنالك تحتاج الى دعم بمساعدات إنسانية”.
تطرق غراندي الى مشاهداته في المحمّرة مشيرا الى أن السوريين “لا يزالون يعانون مع هذا القرار (أي العودة) فهم لديهم الكثير من الأسئلة، وبعضهم شهد عودة بعض أفراد عائلته، لكنهم يعانون من القلق والخوف من الوضع الأمني وهم يفكرون بمنازلهم المدمّرة وبالعمل القليل، هذه كلها عناصر إنسانية مهمّة يجب معالجتها، ولكن أعتقد أنه إذا استمرينا بالعمل مع الجهة السورية، ربما سيعمد أشخاص آخرون الى اعتماد هذا الخيار بثقة أكبر”. وشدّد غراندي على استخدام عبارة “العودة الطوعية” وليس الآمنة فحسب قائلا:”أنتم تعرفون موقفنا، بأن اي عودة يجب أن تكون ليس فقط آمنة وبكرامة ولكن أيضا طوعية، أي أن يتخذ الأشخاص هذا القرار بأنفسهم، وألا يتعرّضوا للضغط أو الدفع للقيام بذلك، وهذا يستمر موقفنا، ولكن بالتأكيد فإن الذين عادوا سيستمرون بتلقي الدعم منا ونحن لا نصدّ اي عودة –كما قيل في الماضي- فهذا ليس عملنا، وانا اريد أن أكون واضحا في هذا المجال فنحن لا نقوم بذلك”.
بروكسيل 3…وطلب الدعم في داخل الأراضي السورية
وقال أنه سيشارك في مؤتمر بروكسيل 3 الذي يبدأ فاعلياته الثلاثاء، واشار:”ونحن سنطالب المانحين بموارد لدعم العمل الإنساني الذي نقوده في داخل سوريا –وهذا يجب أن يتضمن دعما للعائدين بشكل واضح وسيتضمن الأمر ذلك- وبالطبع، الخطة السنوية التي نصدرها لدعم اللاجئين وللمجتمعات المضيفة ليس في لبنان فحسب، ولكن ايضا في الأردن وتركيا والعراق ومصر وبلدان من المنطقة. وأنا آمل، ألا يكون أحد من المانحين قد أصيب –بهذه العبارة الفظيعة- المسمّاة: تعب المانحين”. أضاف غراندي: “سيشكّل الأمر لحظة صعبة، حيث عليك أن تدخل للعمل في داخل البلد الأصلي وهو سوريا في هذه الحالة، ولكن عليك أن تستمر وبالمستوى ذاته وربما أكثر بدعم البلدان التي تستضيف اللاجئين، وبالتالي نحن نسوّق الآن لطريقين ثنائيين، وهذا أمر يشكل تحديا لأنه يعني طلب المزيد من الموارد من المانحين، ولأنها طبيعة الوضع ونحن ستستمر بفعل ذلك”.
مخاوف
وفي حوار مع الصحافيين، تحدث غراندي عن لقاءاته في سوريا قائلا:” قابلت وزير الخارجية ونائب وزير الخارجية (في سوريا)، ووزير الإدارة المحلية ووزير الشؤون الإجتماعية، والتقيت محافظ حمص، ومحافظ حماه. نعم فإن العودة التي تتم على أساس اللوائح، يتم فحصها من قبل الحكومة”. أضاف: هنالك خيارات عدّة أمام الأشخاص الذين ليست لديهم منازل: إما يعودون الى هنالك ويصلحون منازلهم وهنالك يمكننا مساعدتهم أيضا، وأنا زرت شققا عدّة حيث ساعدنا بوضع نوافذ وأبواب، ولكن لا يزال يوجد برد، وأعتقد أن ذلك يشكل أحد أكبر التحديات. وقيل لي أنه يتم ايضا استخدام بعض المباني العامة، حيث تزّود بتجهيزات لهؤلاء الذين لا يمكنهم العودة الى منازلهم. واعتقد بأن الحل الأفضل هو أن يعود الناس الى منازلهم، وأن تتم مساعدتهم لإعادة إعمار منازلهم. وهذا ما يريد الناس القيام به. ولكن بالطبع توجد حالات طارئة، حيث بعض الأشخاص تتم استضافتهم بطريقة مؤقتة عند بعض المجموعات قبل تمكنهم من العودة الى منازلهم. لكن إنطباعي بأن الحركة الأكبر للعائدين هي من الأشخاص النازحين (ليسوا لاجئين، بل نازحين في داخل البلد)، وهم يعودون بمئات الآلاف الآن، وهم يعودون الى منازلهم لأن بعضهم لا تزال منازلهم موجودة وغير مدمّرة، وبعضهم لديهم منازل متضررة يمكن إصلاحها، لكن التحدي الأكبر هو لأولئك الذين دمّرت منازلهم. وأنا وجدت أنه من الناحية المادية، فإن المنازل وفرص العمل هي مصادر القلق الرئيسية للناس، لأن الإقتصاد في وضع صعب، ولا توجد فرص عمل، وبالتالي هم لا يستطيعون الإعتماد على المساعدات الخارجية”.
العودة الطوعية…مبدأ مهم
وسئل عن استخدامه مصطلح “العودة الطوعية” في حين أن البعض في لبنان يفضلون مصطلح “العودة الآمنة” فحسب؟ أجاب غراندي:” العودة الآمنة جيدة جدا، ونحن نستخدم عبارة “في طريقة آمنة وبكرامة”، وأعلم جيدا أنه حصل الكثير من النقاش حول كلمة “الطوعية”، وهذا يشكل بالنسبة الينا مبدأ مهما. على الناس أن يختاروا العودة بأنفسهم، وأن يوافقوا على هذه العودة، وانا سمعت بشكل واضح من السلطات اللبنانية بأن أيا من هؤلاء لن يتم ارغامه على العودة، وهذا جيد، وهذا ما نتحدث عنه”.
عبء واضح على اللبنانيين والسوريين يشعرون بذلك
وسئل عن زيارته الى المحمرة وإن كان السوريون يتعرضون لضغوط للعودة الى بلادهم؟ فقال:”” زرنا مخيمات عشوائية قريبة جدا من منازل لبنانيين، وبالتالي إن مضاعفة أعداد السكان هو عبء واضح على المجتمع المضيف، (…)حين تكون المدارس مكتظة بدوامين وحيث المراكز الصحية مكتظة أيضا ينشأ شعور بأن هذا الحضور طال أمده وهو بات ثقيلا. وبالتالي أنا اقدّر وجود عدم صبر وخصوصا لدى الأشخاص اللبنانيين وإن اللاجئين يشعرون بذلك”.
أضاف: لكن أولئك الذين التقيتهم والذين التقاهم زملائي أكثر مني، يقولون نعم، نحن اتخذنا القرار بالعودة، وهذا قرارنا، نحن نفضل هذه الأوضاع القاسية هنا عوض أن نقاسيها في أماكن لا ننتمي اليها، ونحن نريد إعادة إعمار بيوتنا”.
عائلات “داعش” ونزع الجنسية عنهم
سئل عن موقف المفوضية من أولاد الأجانب (من مقاتلي داعش) في حال نزع الجنسية عنهم ؟
قال غراندي:” لقد شهدنا هذا النقاش المتعلق بالمقاتلين وبعائلاتهم، الكثير منهم يحملون جنسيات أوروبية أو من دول أخرى. وبعض هذه البلدان قالت بأنها ستجرّدهم من جنسياتهم. معظم هذه البلدان وقّعت الإتفاقية الخاصة المتعلقة بإنعدام الجنسية التي تقول متى يجب تجريد الشخص من جنسيته.
وبالتالي، هل بإمكانهم تجريد مواطنيهم من الجنسية؟ إن معاهدة 1961، – إذا لم اكن مخطئا- تقول أنه في ظروف إستثنائية عندما يكون الأمر متعلقا بأمن الدولة، يمكن للدولة أن تجرّد المواطن من جنسيته. لكن القواعد المتعلقة بذلك هي شديدة التعقيد. لذا نلاحظ بأن بعض البلدان التي قررت ذلك –كما حال السيدة التي تمّ الحديث عنها بشكل كبير في الآونة الأخيرة- فإن المحاكم في ذاك البلد رفضت الأمر، قالت: لا يمكننا فعل ذلك. وبالتالي إنه نقاش قانوني بين المحاكم، أي النظام القانوني في تلك الدول وبين الحكومات التي تتخذ القرارات. إن نصيحتنا، بأنه يمكن اللجوء الى هذا التدبير الأخير، في ظروف استثنائية جدا ولكن من الأفضل محاولة تجنب تجريد الناس من جنسيتها، لأنه حينها ماذا يمكن أن نفعل مع اشخاص بلا جنسية (…).
الأمن العام هو الذراع العملانية للحكومة اللبنانية في ملف اللجوء
وسئل غراندي عن” أجواء إجتماعه مع مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم المفوّض رسميا من قبل رئيس الجمهورية بمتابعة موضوع العودة؟ وماذا عن مستقبل التعاون بين المفوضية والأمن العام؟ فقال:”يمكنني شرح ذلك بطريقة بسيطة جدّا، إنه تعاون ممتاز. هو تعاون جيد جدا لأن الأمن العام – في خصوص تنظيم حركة العودة- يقوم بإدارة لوائح الأشخاص الذين يرغبون بالعودة، وهو يتقاسم هذه اللوائح معنا، فيكون بإمكاننا فحصها بشكل سريع، لمعرفة إذا كان كلّ شيء يتمّ بحسب المبادئ الموضوعة وهو كذلك عادة.
الأمن العام متعاون في هذا المضمار، لكنّ التعاون لا ينحصر بالعودة فحسب، بل يطال أيضا إعادة تجديد الإقامات لهؤلاء الذين يحتاجونها”. وقال بان الإبطاء في عملية تجديد الإقامات تتطلب عملا ليس من الأمن العام فحسب بل من المفوضية ايضا بسبب وجود معلومات يجب تزويد اللاجئين بها رافضا الدخول في تفاصيل.
ووصف غراندي الأمن العام اللبناني بأنه “الذراع العملانية للحكومة اللبنانية في الملف المتعلق باللاجئين”.
بيان المفوضية
ولاحقا أصدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان البيان الآتي:
“اختتم المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، السيد فيليبو غراندي، اليوم زيارته إلى لبنان التي استمرت يومين بالإشادة بجهود الحكومة اللبنانية وشعبها في مواصلة توفير الملاذ لأكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد السكان في العالم. وفي لقاءاته مع الحكومة التي شملت الرئيس عون ورئيس مجلس النواب وكل من وزراء الخارجية والداخلية والشؤون الاجتماعية وشؤون النازحين والمدير العام للأمن العام، أعاد غراندي التأكيد على التزام المفوضية بمواصلة تقديم الدعم إلى لبنان بما يصب في خدمة كل من اللاجئين والمجتمعات المحلية اللبنانية. وهو سيكرر هذا النداء خلال مؤتمر كبير لجمع المساعدات من أجل سوريا يُعقد في بروكسل في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وقد أشار غراندي، الذي وصل إلى لبنان عقب زيارة له لسوريا استغرقت ثلاثة أيام، إلى أن “العبء قد بات ثقيلاً للغاية على لبنان مع بلوغ هذه الحرب الرهيبة عامها الثامن، وهو أمر لا يجوز التسليم به واعتباره مفروغاً منه من قبل المجتمع الدولي.” كما أقرّ المفوض السامي بالكلل المتزايد الذي بدأ يصيب لبنان جرّاء استضافته أكثر من مليون سوري على مدى سنوات عدة، غير أنه أعرب عن أمله في ألا يؤدي ذلك إلى المزيد من القيود التي قد تؤجج، بحسب رأيه، التوترات الاجتماعية.
ثمة عدد من النازحين السوريين الذين سبق واتخذوا القرار بالعودة إلى ديارهم. يلتقي موظفو المفوضية بهؤلاء قبل عودتهم للتأكد من امتلاكهم الوثائق اللازمة، مثل وثائق الولادة والشهادات المدرسية، كما يتواجدون عند نقاط المغادرة المحددة لجميع عمليات العودة التي تنظمها المديرية العامة للأمن العام. من جهة أخرى، فإمكانية الاتصال بالنازحين العائدين مطلوبة أيضاً في سوريا. وخلال اجتماعاته في دمشق، دعا السيد غراندي إلى تعزيز إمكانية وصول المفوضية إلى مناطق العودة، وهو تدبير من تدابير بناء الثقة، فضلاً عن توسيع نطاق وجود المفوضية هناك من أجل تقديم المزيد من الدعم إلى النازحين داخلياً والنازحين العائدين.
وخلال زيارة أجراها لعدد من العائلات التي تعيش في مخيمات عشوائية بالقرب من طرابلس اليوم، استمع السيد غراندي إلى آرائهم التي انسجمت مع عمليات المسح التي قامت بها المفوضية – والتي تفيد أن غالبية النازحين هناك يرغبون في العودة إلى ديارهم. لقد عادت قلّة منهم، غير أن العديد منهم تساورهم المخاوف والهواجس التي تمنعهم من العودة. فبحسب السيد غراندي: “النازحون السوريون بحاجة إلى الشعور بالثقة بأن عودتهم ستكون سالمة وآمنة وكريمة.”
وأضاف غراندي بأن المخاوف التي يعرب عنها النازحون إنما تتعلق بخمس قطاعات رئيسية: السلامة والأمن (عمليات الانتقام، الاضطهاد، التجنيد العسكري)؛ السكن (عمليات تصليح أو إعادة إعمار المنازل المدمرة)؛ إمكانية الوصول إلى الخدمات (المدارس والرعاية الصحية)؛ المسائل القانونية (الوثائق والمستندات، صكوك الملكية) وفرص الحصول على عمل.
تعمل المفوضية في سوريا حالياً على التصدي لبعض هذه العقبات، بما في ذلك من خلال تقديم المشورة إلى الحكومة بشأن مسائل الوثائق والأوراق الرسمية، وتوفير بعض التصليحات الأساسية للعائدين لكي يتمكنوا من معاودة السكن في المنازل المتضررة، وإعادة تأهيل المدارس والأفران، وتقديم المساعدات الإنسانية الأولية للسماح بإعادة الاندماج”.