“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
كشفت استقالة وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف ثم عودته عنها بعد رفضها من قبل الرئيس حسن روحاني، بعد دقائق عن الإعلان عن الزيارة الأولى للرئيس السوري بشار الأسد الى طهران منذ بدء الحرب السورية عام 2011، عمق التجاذبات السياسية الداخلية بين المحافظين والإصلاحيين على خلفية الإتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منذ الإدارة الأميركية في أيار 2018.
هذا الإتفاق شكّل الحصان الرابح للثنائي روحاني- ظريف في سياستهما الداخلية تجاه المتشددين، فهو أخرج إيران من عزلتها الدّولية، وفتح لها أسواق العالم، ورفع عنها العقوبات وإن نظريا لأن الولايات المتحدة الأميركية كانت تعرقل التنفيذ الدقيق للإتفاق بجميع السبل ولا سيما عبر التضييق على المصارف العالمية من خلال المصرف المركزي الأميركي.
بالرغم من ذلك، عوّلت حكومة روحاني وظريف هو أحد أبرز أركانها كونه مهندس هذا الإتفاق على تبدل الأوضاع، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نسف كل التوقعات وأعاد عقارب الساعة الى ما قبل 2015.
وقائع زيارة الأسد
قبل التطرّق الى حيثيات المعضلة التي تأتت بسبب إنسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الإتفاق النووي، لا بدّ من تسليط الضوء على وقائع الزيارة الصاعقة للأسد الى طهران وما سببته من إحراج لرأس الدبلوماسية الإيرانية. لا شك بأن استقالة ظريف ألغت البريق السياسي الذي كان سيرافق هذه الزيارة الأولى للأسد الى طهران، التي بدت شاحبة إزاء الوقع القوي لاستقالة ظريف.
وصل الأسد الى طهران فجأة، وتم الإتصال بالرئيس حسن روحاني الذي كان يزور إحدى الوزارات فعاد الى المقر الرئاسي فجأة، حيث وجد الأسد والقائد العسكري قاسم سليماني منسق الزيارة ومعاونين كبار له. وتقول أوساط واسعة الإطلاع لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن هذه الزيارة كانت خارج إطار البروتوكولات والدليل أنه لم يكن يوجد أي علم يظلل المجتمعين لا لإيران ولا لسوريا.
يضع العالمون بخفايا الأمور اللائمة على رئيس مكتب رئيس الجمهورية محمود واعظي بسبب عدم إبلاغه لظريف عن الإجتماع. وفي المعلومات أن واعظي ينافس ظريف على منصبه كوزير للخارجية. عمل واعظي مساعدا لروحاني حين كان الأخير رئيس مركز الدّراسات التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وعمل أيضا في وزارة الخارجية الإيرانية، وكان من أبرز المرشحين لتسلم الوزارة، وبالتالي لم يكن ممتنا عند تعيين ظريف وزيرا للخارجية عام 2013.
تسلّم واعظي في حكومة روحاني الأولى وزارة الإتصالات، وعيّن رئيسا لمكتب الرئاسة في الحكومة الثانية، لكنّه ليس على علاقة جيدة بظريف الذي تطاله أيضا اسهم المحافظين الذين يحاولون سحب بساط القرار منه في ملفات عدّة على خلفية ما حصل “من فشل” في الملف النووي. تشير الأوساط الى أن روحاني قدّم استقالته مرّات عدة في الأشهر الأخيرة وتمّ رفضها كلها من قبل روحاني، وقد صرّح بهذا الأمر علانية مساعد ظريف سابقا السيد حسين أمير عبد اللهيان الذي يشغل حاليا منصب المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) للشؤون الدولية علي لاريجاني.
ولم يتوان عدد من المحافظين عن انتقاد ظريف لتوقيته استقالته بالتزامن مع زيارة الأسد ما سرق وهج الزيارة فلم تأخذ حقها في الإعلام الداخلي والعالمي، ويقول بعض هؤلاء بأن ظريف كوزير للخارجية كان عليه بالتعقل والتدبير لأنها أول زيارة للأسد لإيران منذ بداية المعارك في سوريا.
إتفاقية العمل المالي
تعود جذور تأزم الوضع مع فريق روحاني-ظريف الى إنسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الأتفاق النووي الذي تحوّل الى حبر على ورق، إلا أن الرجلان لا يريدان الإستسلام إزاء الضغوط الأميركية، فحاولت الدبلوماسية الإيرانية الحفاظ على التعامل والعلاقات مع الجانب الأوروبي لضمان عدم التضامن والإتحاد بين الأوروبيين والأميركيين، كما سعت الى تمتين العلاقات مع الصين وروسيا. وبالفعل انتقد الأوروبيون الإنسحاب الأميركي وأصروا على البقاء جزءا من الإتفاق لكن التصريحات الأوروبية السياسية الجيدة لم تقترن بخطوات عملية وخصوصا على مستوى التعاون الإقتصادي ما زاد الضغوط على ظريف. وما زاد الطين بلّة النقاش الحاد الذي يرافق انضمام إيران الى اتفاقية مجموعة العمل المالي، حيث أقر البرلمان لغاية اليوم لائحتين من اللوائح التي تشترطها المجموعة وبقيت اثنتان أساسيتان تتعلقان بغسل الأموال ومكافحة الإرهاب. يقول المحافظون بأن الإنضمام الى هذه المجموعة يتيح للدول الكبرى المناوئة لطهران مراقبة كل التعاملات المالية الإيرانية وتستطيع الولايات المتحدة الأميركية من خلالها أن تحكم على على التبادلات المالية والتجسس عليها. لكن لروحاني وظريف رأي آخر، فقد اشترطت روسيا والصين انضمام ايران الى المجموعة لكي تحافظا على التعامل المالي معها. يقول ظريف بأن استمرار التعاون الإقتصادي مع جميع البلدان مرهون بالإنضمام الى اتفاقية مجموعة العمل المالي، ويجب ألا ننسى بأن حكومة روحاني تؤكد على موضوع التفاوض مع الأطراف وهذا جزء أساسي لسياسة ظريف، إلا أن المتشددين وفي طليعتهم الحرس الثوري الإيراني يعارض هذه السياسات لأنها قد تحجم دوره وتجعله عرضة للمساءلة داخليا، لذا فإن الدعاية السلبية ضد الحكومة تتزايد وتضع روحاني وظريف في وضع لا يحسدان عليه. يقول المتشددون بأن الإنضمام الى المجموعة سيزيد الضغوط والرقابة على إيران لكنها لن تجني منها شيئا لأن الأوروبيين لن يعمدوا الى التعامل المالي والتجاري مع إيران بلا ضوء أخضر أميركيا وهو ما لن يحصل وسط العقوبات الأميركية، فلماذا تقبل إيران التزاما جديدا لا يقدم لها أية امتيازات حتى من الجانب الأوروبي؟. يقبع ملف مجموعة العمل المالي راهنا عند مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهي الجهة التي تفصل في أي خلاف يقع بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، ومهمته تأييد القوانين الصادرة من مجلس الشورى الإسلامي، لكن مّرت اشهر ولم يقدّم المجمع رأيه بعد ما يبقي أزمة القرار والتجاذب على حالها.
الخروج من الإتفاق النووي مطروح..
هذه الحال تزيد التساؤلات في إيران عن جدوى بقائها في الإتفاق النووي فهي أولا مكبّلة لا يمكنها العمل خارج إطاره لأنها لا تزال ملتزمة به لكنها في الوقت ذاته لا تستفيد منه اي شيء، ما يقدّم اليوم آراء عن إمكانية خروجها منه.
أهم ما في زيارة الأسد
بالعودة الى زيارة الأسد فهي أكدت الأواصر التي تربط بين سوريا وإيران، وشددت بحسب أوساط اطلعت عليها على كيفية مواجهة الضربات الإسرائيلية المتكررة ضدّ أهداف إيرانية في الداخل السوري، وقد تمّ بحث هذا الموضوع الشائك بالتفاصيل إلا أن الإعلام الداخلي والخارجي لم يركّز عليه على أهميته بسبب الوهج الكبير الذي يتمتع به رأس الدبلوماسية الإيرانية محمد جواد ظريف الذي لا يزال يتمتع بشعبية واسعة في إيران بالرغم من كبوة انسحاب اميركا من الإتفاق النووي.