“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة
“نبتسم لأصدقائنا في المنطقة من صميم القلب” قالها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في حديث الى صحيفة “السفير” في 12 آب 2015.
يومها، جاء ظريف الى لبنان في عزّ نجاحه الدبلوماسي إثر تحقيقه “معجزة” عبر الإتفاق النووي مع الغرب (نيسان 2015)، وهو يعود الى العاصمة اللبنانية بعد قرابة الأربعة أعوام وقد جرّده الرئيس الأميركي دونالد ترامب من هذا الإنجاز التاريخي إثر إلغائه للإتفاق ( في أيار 2018)، علما بأن ظريف كان أمضى 18 شهرا من المفاوضات الشاقّة التي واجه فيها أعتى المفاوضين من أميركا وأوروبا وروسيّا وألمانيا وفرنسا والأمم المتّحدة، وانتهت المباراة التفاوضية الشاقة بفوز إيران وعودتها لاعبا مقبولا ومرغوبا من المجتمع الدّولي برمّته. كلّ ذلك بفضل جهود هذا الرجل المبتسم دوما، والذي اشتهر بقهقهته فرحا بعد أن نجح في لعبة التفاوض الشاقة مع الغرب من جهة، وبعد القدرة التي أظهرها في احتواء المعارضين في الداخل الإيراني من جهة ثانية، فكسب ثقة الجميع: المرشد والرئيس والمجلس الشورى والشعب الإيراني برمّته، فاتحا ردهات القصور الإيرانية للعالم المتهافت يوميا لزيارة البلد الذي حاصره أعواما.
بسحر ساحر، إنقلبت الآية، عاد الأميركيون للضغط على إيران عبر عقوبات متتالية، ومنعوا التهافت الأوروبي، وحظروا التعامل التجاري والمصرفي مع طهران، مراهنين على تبدل في سلوك “نظام الملالي” كما يحلو لهم وصف النظام الإسلامي الحاكم في طهران. إلا أن ظريف الآتي الى بيروت في ظروف قاتمة يبقى محتفظا بإبتسامته.
فمن هو محمد جواد ظريف؟
لو لم تتغيّر اتجاهات ريح السياسة في طهران مع تسلّم الشيخ حسن روحاني رئاسة الجمهورية الإسلامية في صيف 2013 لما تبوّأ محمد جواد ظريف منصب وزير الخارجية الإيراني، وهو على الرّغم من الدعم الذي يلقاه من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي فإنّه واجه معارضة لسياسات إيران الإنفتاحية التي هندسها مع الحكم من قبل المتشددين الذين يعارضون مدّ اليد الى الغرب وخصوصا في البرلمان الذي هدّد بعض أعضائه عام 2015 “بدعوة وزير الخارجية ظريف للمثول أمام المجلس للإستجواب بموجب المادة 89 من الدستور الإيراني – وذلك بسبب أعماله كمفاوض في الشؤون النووية” كما ورد في دراسة عن إيران أعدّها مركز واشنطن للدراسات.
لكنّ اختيار محمّد جواد ظريف لتسلّم وزارة الخارجية الإيرانيّة في ظرف دولي وإقليمي صعب، ووسط مفاوضات شاقة حول النووي لم يأت صدفة بل لخلفيّته الدبلوماسية في الولايات المتحدة الأميركية ولشخصيته المنفتحة ولعلاقاته الدولية الواسعة ولخبرته في مجالات عدّة في الأمم المتحدة سواء في حلّ النزاعات أو في الحوار المسيحي الإسلامي أو بين الشرق والغرب، وأيضا بسبب خبرته التفاوضية في الملف النووي وقد كان عضواً في فريق المفاوضات النووية في وقت سابق.
تظهر سيرة ظريف بأنّه شخصية ذي ثقافة واسعة ومتنوعة بين الحقوق والعلاقات الدولية وأيضا بين البلدان الإسلامية، لذا كان الوزير المناسب في فترة انفتاح إيران على العالم ما أهّله ليكون وزير خارجية في هذه المرحلة بالذات إذ تمكنت إيران الإفادة من خبرته وعلاقاته الدولية لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية حيث عاش أكثر من نصف حياته. مساره المتشعّب بين الدبلوماسي والأكاديمي والسياسي منحه ميزة الإنفتاح والقدرة على مخاطبة الغرب والدول المجاورة بدبلوماسية ناعمة بلا أن يحيد قيد أنملة عن مبادئ الثورة الإسلامية.
في 22 تشرين الثاني من عام 2015 كتب ظريف مقالا في صحيفة “الشرق الأوسط “بعنوان: “جيراننا أولويتنا” توجه فيه الى الدول الخليجية بقوله: “إيران، الراضية عن مساحتها وموقعها الجغرافي ومواردها البشرية والطبيعية، التي تتمتع بروابط دينية وتاريخية وثقافية مشتركة مع جيرانها، لم تشنّ يوما عدوانا على أحد منذ قرابة الثلاثة قرون. نحن نمد أيدينا بصداقة ووحدة إسلامية إلى جيراننا، ونؤكد لهم أنه بإمكانهم الاعتماد علينا كشريك يثقون به“.
ولم يكتف ظريف بالكتابة في صحيفة سعودية، بل قام بجولة خليجية شملت الإمارات والكويت وقطر وعمان وذلك بهدف طمأنة هذه الدّول الى الإتفاق النووي في جنيف.
سيرته
إبن عائلة دينية تقليدية ولد في 7 كانون الثاني عام 1959، غادر إيران باكرا الى الولايات المتحدة الأميركية مباشرة بعد انهاء دراسته الإبتدائية والمتوسطة في ثانوية “علوي”.
أمضى مراهقته في أميركا حيث انخرط في العمل السياسي من باب العمل الطالبي، وبسبب شخصيته المهيئة للعمل العام أضحى أحد مسؤولي “جمعية الطلبة المسلمين” في الولايات المتحدة الأميركية وكندا.
جذبته السياسة الدولية باكرا، فتخصص في العلاقات الدولية في جامعة سان فرانسيسكو عام 1977، وحاز الدكتوراه في العلاقات الدولية والقانون الدولي من جامعة “دنفر” عام 1988.
قبل عام من الثورة الإيرانية التي قادها الإمام الخميني نال إجازته في العلاقات الدولية، وبعد الثورة انسحب الى ممثلية إيران في نيويورك كي يتمكن من إكمال دراسته فصار موظفا محليا ما أمّن له البقاء الشرعي في الولايات المتحدة الأميركية. وجد فيه وزير الخارجية كمال خرازي عنصرا مميزا حين كان ممثلا دائما لإيران في الأمم المتحدة، وبعد أن عمل ظريف بين عامي 1978 و1989 مستشارا في القنصلية الإيرانية العامة في سان فرانسيسكو ثم مستشارا وقائما بالأعمال في ممثلية إيران في الأمم المتحدة و مستشارا لوزير الخارجية، ثبته خرازي سفيرا ونائب مندوب إيران الدائم في منظمة الأمم المتحدة في نيويورك بين عامي (1992 و2002).
بعدها تبوّأ ظريف مناصب دبلوماسية رفيعة: صار سفير إيران ومندوبها الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك بين عامي 2002 و2007، وكبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني بين عامي 2007 و2010، ونائب رئيس الجامعة الإسلامية الحرّة للشؤون الدولية (2011) وآخر مناصبه التنفيذية قبل تسلّمه وزارة الخارجية الإيرانية كان مستشار سياسي لرئيس مركز البحويث الإستراتيجية بين عامي 2011 و2013.
تمّ تكريمه مرات عدّة بصفته مديرا نموذجيا على الصعيدين الوطني والمؤسساتي طيلة فترة عمله الحكومي.
راكم ظريف في عمله في الأمم المتحدة خبرة طويلة وهو شغل مواقع عدّة في المنظمة الدولية أثناء عمله الدبلوماسي تظهر العمق المنطلق منه في مقاربته للشؤون الدولية ومن أبرز هذه المواقع: رئيس اللجنة القانونية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ورئيس اللجنة الثقافية في “اليونيسكو”، وكان عضو في لجنة كبار القانونيين المعنيين بتعديل ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، وكان أيضا نائبا للجمعية العامة في الأمم المتحدة، ورئيس لجنة نزع السلاح في المنظمة الدولية،ورئيس اللجنة السياسية في مؤتمر دول عدم الإنحياز أثناء اجتماع القمّة في الدورة الـ12 في دوربان، وكان المسؤول السياسي المعني بشؤون اجتماع قمّة المؤتمر الإسلامي في العاصمة طهران ورئيس الفريق المكلّف بعقد الإجتماع التأسيسي لإتحاد البرلمانات الدولي في طهران.
مارس ظريف أيضا التدريس لأكثر من عشرين عاما، فعمل أستاذا محاضرا في كلية العلاقات الدولية وفي كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة طهران حيث كان عضو الهيئة العلمية قسم القانون العام.
للدكتور ظريف مؤلفات عدّة باللغتين الفارسية والإنكليزية صدرت ونشرت في الإعلام المحلّي والدّولي المقروء وتناولت مختلف المجالات والحقول الدبلوماسية أبرزها “الدبلوماسية المتعددة الأطراف: مفهوم وعملانية الحيوية في المنظمات الإقليمية والدولية” عام 2012 وهو كتبه بالتعاون مع سيد محمد كاظم بور، و”المنظمات الدولية” (2010)، بالتعاون مع بور أيضا “المسارات الدولية الجديدة (2005) بالتعاون مع الدكتور مصطفى زهراني”، “دور المنظمات الدولية في البوسنة والهرسك “( 1998)، “ضرورة الإصلاحات في منظمة المؤتمر الإسلامي (دراسة نشرت في مجلة السياسة الخارجية 1997، وسواها من الكتب والدراسات عدة بالإنكليزية نشرت في صحف عالمية منها التايمز، و”الإنترناشونال هيرالد تريبيون” و”النيويورك تايمز” وضمن منشورات جامعية عريقة كـ”هارفرد” وسواها.
لا يمكن حصر ظريف في مجال معين لكثرة المجالات المتشعبة التي خاضها والتي تظهر في المهام الدولية التي تسلمها وهي الآتية:
– رئيس اللجنة الثقافية في اليونسكو (2007-2009)
– عضو كبار القانونيين المعنيين بتعديل ميثاق منظمة المؤتمر الاسلامي(200٥-200٦
– نائب الجمعية العامة في الأمم المتحدة (2003-200٥)
– رئيس المؤتمر الآسيوي للعنصرية والتمييز العنصري و محاربة الاجنبي (1990)
– عضو فريق الشخصيات البارزة في الأمم المتحدة المعنية بحوار الحضارات (1990-200٤)
– رئيس لجنة نزع السلاح في الأمم المتحدة- نيويورك(1990)
– رئيس كبار الاختصاصيين المعنيين بحوار الحضارات – جدة (1990)
– رئيس الندوة الاسلامية لحوار الحضارات – جدة (1990)
– رئيس اللجنة السياسية في اجتماع قمة عدم الانحياز في دورته الثانية عشرة بدوربان (1998)
– رئيس لجنة بناء الثقة المؤلفة من كبار الخبراء – طهران (1998)
– المتحدث بإسم الدورة الثامنة لقمة منظمة المؤتمر الاسلامي بطهران و رئيس اجتماع كبار الخبراء و رئيس اللجنة السياسية والقانونية في الدورة (1997)
– رئيس اللجنة القانونية الاستشارية الافروآسيوية (1997- 1998)
– رئيس الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القانوني الدولي في الأمم المتحدة – نيويورك (199٤)
– رئيس لجنة الصياغة في الاجتماع الآسيوي لحقوق الانسان – بانكوك (1993)
– رئيس اللجنة القانونية للدورة ٤7 للجمعية العامة للأمم المتحدة – نيويورك (1992-1993)
ظريف متزوّج وله ولدان يعملان في إيران.