“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
وسط صدام إيراني أميركي حاد تقود فيه طهران صراع وجود مع إدارة أميركية معادية برئاسة دونالد ترامب وقبل 3 أيام من اجتماع وارسو الذي دعت اليه الولايات المتحدة الأميركية للضغط على إيران وتقييد برنامجها الصاروخي ولدعوة العالم الى مزيد من عزلها ماليا، وبعد مرور 10 ايام فحسب على تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، قرّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف زيارة لبنان الذي وصله قبل ظهر اليوم الأحد على رأس وفد إيراني رفيع، وذلك “بهدف إجراء مباحثات مع المسؤولين الرفيعين في هذا البلد” بحسب ما أعلن المتحدّث بإسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي.
وحرص خبر وكالة “إرنا” الرسمية الإيرانية على التذكير بأن ظريف كان أول وزير خارجية يزور لبنان عام 2016 للتهنئة بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية. وإذا صحّت الأخبار عن أن مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا سيزور لبنان الثلاثاء للتهنئة بالحكومة أيضا، نكون أمام السيناريو ذاته الذي شهدناه عام 2016 بحيث زار الأمير خالد الفيصل أمير مكّة ومستشار الملك سلمان لبنان بعد أيام على زيارة ظريف، ونكون نشهد فصلا جديدا من الإشتباك الإيراني السعودي على الأرض اللبنانية.
وسط جولة ملاكمة جديدة بين واشنطن وطهران يبدو لبنان في وسط الحلبة، في انتظار الجولات المتتالية التي عادت مجددا بعد إلغاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإتفاق النووي مع إيران (أيار 2018) ووسط انعدام ثقة أميركي أوروبي، حيث أن الأوروبيين يبقون على عهودهم مع الإيرانيين من دون أن يتجرأوا على تحدي الأميركيين كثيرا، علما بأن مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني لن تحضر اجتماع بولندا، ليس اصطفافا مع طهران إنما بسبب تهميشها عن اجتماعات مهمة في واشنطن تتعلق بالعقوبات ضدّ إيران، ما يعكس علاقات متوترة بين الطرفين، تستفيد منها طهران التي تستعد لتلقي حزمة عقوبات جديدة مع حلفائها وفي مقدّمتهم “حزب الله” في ما يعرف بـ”هيفبا (2).
ووسط احتمالات مفتوحة في المنطقة، وعقوبات مالية اقتصادية باتت تؤثر فعليا على الإيرانيين من دون أن تجعلهم يغيرون سلوكهم لغاية الآن بحسب شهية الأميركيين، وبعد خروج أميركي من شمال سوريا يترافق مع تهديدات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بإخراج آخر “جزمة إيرانية” من سوريا، وبعد زيارة الموفد الأميركي ديفيد هيل الى بيروت وتهديداته للبنان بضرورة الإلتزام بالعقوبات الأميركية ضد طهران وعدم المشاركة بإعادة إعمار سوريا عبر رجال الأعمال اللبنانيين والشركات اللبنانية وضرورة الإلتزام بالعقوبات الأميركية، وإثر رد قاس من سفارة ايران في لبنان على بيان السفارة الأميركية في بيروت الذي حمل انتقادا واضحا لدور إيران في لبنان بشكل لم يسبق له مثيل في الأعراف الدبلوماسية، يغطّ ظريف في لبنان.
يحمل رئيس الدبلوماسية الإيرانية ومهندس الإتفاق النووي (نيسان 2015) رسائل عدّة للبنان بشكل خاص، وهو يقصده بزيارة خاصة وليس من ضمن جولة تضم سوريا في دلالة على أهمية موقع لبنان في الإستراتيجية الإيرانية، وهو اختار في يوم زيارته الأول لقاء الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية في مقر السفارة الإيرانية، وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة، والقوى والفصائل الفلسطينية، على أن يبدأ لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين غدا بلقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي الحكومة ومجلس النواب سعد الحريري ونبيه برّي ووزير الخارجية جبران باسيل.
ومن المتوقع أن يكرر ظريف عروض إيران الدائمة للبنان بمساعدة تسليح الجيش اللبناني وهو ما سبق واشار إليه أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطابه أخيرا، وكذلك استعداد إيران لتقديم اية مساعدات ممكنة للبنان في قطاعات الصحة والكهرباء وسواها. ومن المنتظر بالطبع أن يرحّب اللبنانيون بالعروض الإيرانية ثم الإعتذار لاحقا لأن أي تعاطي مع إيران يلحق الأذى بلبنان بسبب العقوبات الأميركية وهو أمر أشار اليه أخيرا رئيس الحكومة سعد الحريري.
سيشهد احتفال الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية غدا الإثنين حضور ظريف، وستشكل زيارته للبنان إحدى جولات الحرب الدبلوماسية التي تقودها إيران على أكثر من جبهة درءا للهجومات التي تتلقاها، وستعمل على “شدشدة” محور الممانعة وتفعيله منعا لأي شعور باليأس أو الإستسلام للضغوط، وستعطي جرعة دعم جديدة لـ”حزب الله”، وستؤكد أن لبنان جزء من استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة وبابها السياسي والدبلوماسي لسوريا.