*مارلين خليفة-تقرير عن “إندبندنت عربية”
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير عن موقع “إندبندنت عربية”
www.independentarabia.com
تطرح عدم مشاركة لبنان في اجتماع بولندا أسئلة حول ازدواجية معايير الدبلوماسية اللبنانية وماهية سياسة “الإبتعاد من المحاور“
أبلغ لبنان عبر الدوائر الدبلوماسية المعنية سفارة بولونيا في بيروت رفضه الدعوة التي وجهتها وارسو اليه لحضور الإجتماع الوزاري الدولي الموسّع الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية في 13 و14 الجاري، وقد ضمّت قائمة المدعوّين 79 دولة (باستثناء إيران وتركيا) الى منظمتين دوليتين هما الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بالإضافة الى المنسقين الأمميين لسوريا واليمن.
ليس الرفض اللبناني مستغربا حين الإطلاع على جدول أعمال المؤتمر الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في العاصمة الإماراتية أبو ظبي إبان جولته الخليجية أخيرا، ويتضمن -قبل توسيعه ليشمل سوريا واليمن- المواضيع الآتية كما أعلنتها لاحقا وزارة الخارجية الأميركية:
معالجة التحديات الإنسانية وشؤون اللاجئين في المنطقة، الحدّ من تطوير الصواريخ وانتشارها، مكافحة التهديدات السيبيرانية الناشئة ومكافحة الإرهاب والتمويل غير المشروع.
مبررّات الرّفض
ينطلق الموقف اللبناني برفض المشاركة من ثوابت أدخلت الى السلوك الدبلوماسي اللبناني لا سيما بعد اشتعال الأزمة السورية عام 2011، إذا قرر لبنان انتهاج سياسة الإبتعاد من المحاور لمنع الإستقطابات الحادّة بين المجموعات الطائفية والسياسية التي يتألف منها، وسط صراع حادّ بين المحاور الإقليمية المستقطبة في الدّاخل اللبناني. تقول أوساط دبلوماسية لبنانية متابعة بأن الرفض اللبناني يجيء من منطلق ابتعاد لبنان من سياسة المحاور والتمسّك بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية.
سوابق عدّة يمكن سردها في هذا السياق: امتناع لبنان عن التصويت لصالح العقوبات ضدّ إيران عام 2010 حين كان عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي علما بأنه كان يمثّل المجموعة العربية، كذلك رفضه التصويت ضدّ بيان صدر عن مجلس الأمن الدولي يدين العنف السوري ضد متظاهرين في بداية الثورة السورية.
كذلك لا يمكن للبنان تجاهل وجود “حزب الله” المرتبط بإيران على أراضيه وما ستشكله مشاركته من مشاكل في الداخل اللبناني، ويمكن التذكير بما قاله وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف إثر الإعلان عن مواضيع المؤتمر بأن “بولندا لا يمكنها أن تمحو عارها باستضافتها لاجتماع مماثل”، مذكرا بأن “ايران أنقذت أكثر من 100 ألف بولندي لاجئ في الحرب العالمية الثانية”.
ولم يوفّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جهدا ليشرح أهمية المؤتمر في كبح الإستراتيجية الإيرانية متوجها بالتهديد في اتجاه “حزب الله”، إذ قال في الخطاب الذي ألقاه في الجامعة الأميركية في القاهرة في 10 كانون الثاني الفائت:” في لبنان يحافظ “حزب الله” على حضور رئيسي، لكننا لن نقبل هذا “الستاتيكو”، إن حملة العقوبات الشرسة التي نقودها ضد إيران هي موجهة ايضا نحو هذا التنظيم الإرهابي وقادته (…).
أضاف:” في لبنان تعمل الولايات المتحدة الأميركية من أجل تخفيض تهديد ترسانة “حزب الله” الصاروخية، وهي التي تستهدف اسرائيل وهي بإمكانها أن تصل الى كل النقاط داخل ذلك البلد. والعديد من هذه الصواريخ هي مجهزة بنظام التوجيه المتقدّم، مجاملة من إيران، وهذا أمر غير مقبول وإيران تعتقد بأنها تمتلك لبنان لكنّها مخطئة”.
في سياق آخر، يستغرب عدد من المراقبين عدم مشاركة لبنان في هذا الإجتماع مع طرح ملف اللجوء الذي سيكون حاضرا على طاولة المناقشات بحضور المبعوث الأممي الجديد لسوريا غير بيدرسون.
وفقا للمصدر الدبلوماسي الذي تحدث الى “إندبندنت عربية” طالبا عدم الكشف عن إسمه، “يرفض لبنان أن تقوم الولايات المتحدة وحلفائها باستخدام الساحة السورية لتصفية الحسابات الإقليمية في الشرق الأوسط”، متسائلا:” لم لم يدرج الملف الفلسطيني واللجوء الفلسطيني على طاولة المحادثات؟”. ويبرر الرفض اللبناني بوجود التباسات واضحة حول 3 ملفات: السورية والإيرانية والفلسطينية.
بالإضافة الى وجود هذه الإلتباسات، يستحضر الدبلوماسي اللبناني الخطاب الأميركي مشيرا الى أن المؤتمر المذكور يسعى الى بناء تحالفات إقليمية وخصوصا في ما يتعلق بتشكيل “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبان زيارته للمملكة العربية السعودية في ايار 2017 وكان من المفترض الإعلان عنه في تشرين الأول 2018. ومن المتوقع “ان يشهد عام 2019 استمرار اميركا في البحث عن تحالفات عسكرية في المنطقة للتقليل من انخراطها العسكري المباشر، وفي هذا الإطار من المحتمل ان تركز اميركا على انجاح مبادرة “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي” ومحاولة إزالة المعوقات التي تعترض انشاءه” بحسب ما ذكر التقرير الإستراتيجي السنوي الذي صدر أخيرا عن “مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”.
هذا التحالف غير معروف الشكل بعد، ووسط تشبث لبنان بحال العداء مع اسرائيل التي لا تزال تحتل جزءا من أراضيه يستحضر الحديث عن “ناتو عربي” في العقل الدبلوماسي اللبناني إمكانية وجود هندسات أمنية وعسكرية معينة تمّ الحديث فيها في إجتماعات مغلقة في عواصم غربية ووصلت تقارير عنها للبنان.
إزدواجية دبلوماسية؟
لكنّ رغبة لبنان بالإبتعاد من سياسة المحاور يستحضر سؤالا عن سبب مشاركته سابقا في التحالف الغربي ضدّ تنظيم “داعش” الإرهابي؟ يقول المصدر الدبلوماسي اللبناني:” لم يشارك لبنان في العمليات العسكرية للتحالف لكنّه اكتفى بالتنسيق الأمني والعسكري بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والغربية في مكافحة “داعش” فكان تعاون ثنائي بين لبنان ودول عدة من أعضاء التحالف في إسهام أمني متعدد الأطراف، مع التذكير بطرد الجيش اللبناني للتنظيم الإرهابي من جرود عرسال ما شكل اسهاما مهما صبّ في الجهود الدولية”.
بالنسبة الى مكافحة تمويل الإرهاب يقول المصدر الدبلوماسي بأن “لبنان يقوم بما ينبغي عليه لمكافحة تمويل الإرهاب ضمن التزاماته الدولية والإتفاقيات ذات الصلة والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بغية تجفيف مصادر تمويل الإرهاب وليس ضروريا أن يحضر لبنان مؤتمرا دعت اليه دولة لكي يؤكد الوفاء بإلتزاماته”.
زاسبيكين: المؤتمر لا يصب في جهود السلام
من جهة ثانية كان لروسيا موقف صارم تجاه الإجتماع في وارسو، وقد زار السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين منذ قرابة الأسبوع وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وأدلى بتصريح واصفا فيه الدعوة الى اجتماع بولندا: بالمستغربة، وقال زاسبيكين في تصريح للصحافيين:” من المستغرب أن نسمع الدعوات للإنقاذ ومثالا على ذلك الدّعوة الى مؤتمر في وارسو، من الواضح تماما أنه سيكون ضدّ إيران، وهذا مختلف تماما عن رؤيتنا للعيش المشترك ولتنقية الأجواء في المنطقة كهدف اساسي”.
وقال زاسبيكين لموقع “إندبندنت عربية”: ” لن تشارك روسيا في هذا الإجتماع لأنه يهدف الى إنشاء تحالف وجبهة ضدّ إيران، متجاهلا المشكلة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط والمتمثّلة بالصراع العربي الإسرائيلي”. ويشرح زاسبيكين 3 أسباب لعدم المشاركة الروسية:” أولها أن اجتماعات مماثلة لا تسهم في تشكيل السلام في الشرق الأوسط والمرتكز الى مبدئي عدم التجزئة والأمن”. أما السبب الثاني فهو :” لن يكون بوسع الوفود صناعة القرار لأن المنظمين سوف يقومون بتلخيص نتائج المؤتمر”. أما السبب الثالث فهو” أنه تقرر عقد المؤتمر من دون الأخذ في الإعتبار آراء قوى إقليمية وغير اقليمية من دول وازنة، الى ذلك فإن الأمم المتحدة لا تشارك في رعاية المؤتمر”. ويختم السفير الروسي ملاحظاته قائلا:” نحن نؤمن بأن تسويق “فوبيا” إيران ورسم خطوط فاصلة في الشرق الأوسط يأتي بنتائج عكسية”.