“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
فتح “حزب الله” كوّة حقيقية في السلطة التنفيذية في لبنان فارضا نفسه شريكا ثالثا في تأليف الحكومات الى جانب رئيسي الجمهوري والحكومة المكلّف، ولعلّها المرّة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر بعد اتفاق الطائف حيث كان للراعي الإقليمي دوما كلمته الفصل، فإذا بـ”حزب الله” يتحول فعليا الى هذا “المايسترو” منذ مشاركته للمرة الأولى في الحكومات اللبنانية منذ عام 2005.
تحصّن “حزب الله” بنتائج الإنتخابات النيابية التي جرت في أيار 2018 بحسب قانون نسبي يقر للمرة الأولى في لبنان كانت أنامل “الحزب” وسياسييه جليّة عليه، وبعد أن نجح بأن يحوز وحلفاؤه في تحالف 8 آذار 74 نائبا، وجد في تشكيل الحكومة فرصة لعكس فوزه في داخلها. بعد الإستشارات البرلمانية تمّ تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة بأكثرية نيابية قوامها 111 نائبا من أصل 128 وهي الحكومة الثانية للحريري في عهد الرئيس عون، مع الإشارة الى أن الحريري وهو زعيم تحالف 14 آذار الذي انشطر الى اقسام عدّة لا يمثّل التحالف الذي ربح في الإنتخابات النيابية.
استند “حزب الله” الى الديموقراطية التوافقية التي تفندها مواد في الدستور اللبناني لكي يفرض تمثيل كتلة من النواب السنّة الآتين من مناطق مختلفة ولا يجمعهم شيء سوى انهم حلفاؤه وقفوا الى جانبه في محطات سياسة مفصلية كان فيها الإحتدام السني الشيعي على أشدّه، فأسبغوا على الصراع الطابع السياسي منعا لأية فتنة.
كانت المرّة الأولى التي ينجح فيها هذا الكمّ من النواب السنة بعيدا من عباءة الحريري، وهذا كان هدفا رئيسيا لقانون الإنتخابات. إنطلاقا من تشبثه بهذه الديموقراطية التوافقية وضرورة عكس فوزه في الإنتخابات النيابية داخل الحكومة فقد وضع “حزب الله” 3 أهداف حققها بالكامل: لم يسمح للأحزاب الأخرى بالحصول على تكتلات طائفية متجانسة في الحكومة، احتفظ بوزارات وازنة على عكس ما اشتهى خصومه وخصوصا وزارتي الصحة والمالية وعدم منح اية قدرة تعطيلية لأي طرف في الحكومة عبر ثلث معطّل.
بقي هدف رابع لم ينجزه “حزب الله” يتمثل بسقوط اقتراحه لحكومة من 32 وزيرا تتضمن وزيرا مسيحيا إضافيا يمثل الأقليات المسيحية ووزيرا مسلما إضافيا يمثّل العلويين، على أن ينضمّ الوزير المسيحي الى كتلة الرئيس عون أما الوزير العلوي فينضم الى تكتل الرئيس الحريري، وهذان الوزيران سيكونان حتما تحت مظلّة “الحزب” الروحية! ما دفع الرئيس الحريري الى محاربة هذا الخيار بكلّ قواه فسقط.
بناء عليه، تمكّن “حزب الله” من ترجمة فوزه الإنتخابي عبر 7 مكاسب رئيسية حققها في حكومة العهد الثانية برئاسة سعد الحريري، مع الإشارة الى أن الأخير يبقى رئيسا للحكومة بقوّة دفع التسوية الرئاسية التي فرضت بقاءه على رأس السلطة التنفيذية طيلة عهد ميشال عون ولو لم ينل في الإنتخابات النيابية نائبا واحدا على ما يقول أحد السياسيين.
ما هي مكاسب “حزب الله” السبعة؟
1-لم يسمح بأن ينال باسيل الثلث المعطّل في الحكومة:
-حاول وزير الخارجية والمغتربين ورئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل نيل الثلث المعطّل في الحكومة لصالح فريقه السياسي أولا ولصالح المسيحيين ثانيا، وهو حق يقول من شاركوا في وضع اتفاق الطائف أنه كان في روحية هذا الإتفاق، لكنّ “حزب الله” منع تحقيق هذا الأمر عمليا لأنّ الإمساك بالثلث زائد واحد أي 11 وزيرا يمنح مساحة كبرى للمناورة ويعني السيطرة على النصاب القانوني لإجتماع مجلس الوزراء وفرض “فيتو” على قضايا أساسية تتطلب موافقة ثلثي اعضاء الحكومة إذا استقال أكثر من ثلث أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها. وتشمل هذه القضايا الرئيسية: تعديل الدستور، اعلان حالة الطوارئ وإنهائها، الحرب والسلم، التعبئة العامّة، إقرار الموازنة السنوية، خطط التنمية الشاملة الطويلة الأمد، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر في التقسيمات الإدارية، حلّ المجلس النيابي، قانون الإنتخابات، القانون الوطني، قانون الأحوال الشخصية وفصل الوزراء.
هكذا لم يؤيد “حزب الله” منح سلطة التعطيل حتى لحليفه علما بأن مناخاته توحي بالعكس. تقول أوساط سياسية على اطلاع عميق على مواقف “حزب الله” لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن الحزب أبلغ باسيل في اجتماعات مغلقة أن لا مانع لديه من أن ينال حلفاءه 11 وحتى 12 وزيرا على أن تعطي الإنتخابات النيابية النتائج بالحكومة.
2-توزير اللقاء التشاوري وكسر الأحاديتين السنية والدرزية:
-كان هذا الهدف أساسيا أيضا من قبول “حزب الله” بقانون إنتخابي بحسب النسبية، لكنّه يرفض لغاية الآن الإعتراف بذلك علانيّة. وتشير دراسات عدة صدرت أخيرا حول العقد الحكومية منها دراسة لمعهد “دوايت آدناور” بأنه :” في الإنتخابات الاخيرة، تم انتخاب 7 مرشحين من السنّة هم حلفاء لحركة “أمل” ولـ”حزب الله”، وشهد سعد الحريري زيادة أسهم السنة لصالح مناوئيه. وبعد 5 أشهر من المفاوضات حول تشكيل الحكومة، فإن ستة من النواب السنة (“حزب الله” وحلفائه و”حزب البعث”) وبدعم من “أمل”-“حزب الله”، شكلوا تكتلا برلمانيا مطالبين بمقعد سني في الحكومة المقبلة. إن تمثيل هؤلاء النواب الستّة في الحكومة يعتبره مراقبون عّدّة نهاية احتكار سعد الحريري للطائفة السنية”.
على العكس يقول لسان حال “حزب الله” بحسب الأوساط المقربة منه:”نحن حريصون أن تعكس الحكومة نتيجة الإنتخابات النيابية هؤلاء فريق سني يتعرض للحصار منذ فترة طويلة ولم يتمكن من التعبير عن نفسه لا بالحكومة ولا بالإنتخابات النيابية إلا حين انجز قانون الإنتخابات النسبي. بالنسبة لـ”حزب الله” فهذا موضوع أخلاقي (…)”.
حصل الأمر ذاته في الطائفة الدرزية حيث كسرت أحادية الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي نال وزيرين عوضا عن ثلاثة وتظهّر التميل النيابي لخصمه في الجبل طلال أرسلان بوزير سيكون من حصة الرئيس عون والأهم أن قانون الإنتخابات النسبي أظهر أن السياسي وئام وهاب نافس مروان حمادة القديم في النيابة وقلص الفارق في الأصوات معه الى 200 صوت. وتطرّق تقرير “دوايت آدناور” الى تحليل المقاعد الدرزية فقال:” إن تمثيل الطائفة الدرزية شكّل عائقا إضافيا أمام تشكيل الحكومة. فطلال أرسلان، رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” والذي يمثل تقليديا العائلة الدرزية، دعمه “حزب الله” منذ قرابة السبعة أشهر لمنع وليد جنبلاط من السيطرة على المقاعد الدرزية الثلاثة في الحكومة المقبلة، ولمنع جنبلاط من التمتع بنفوذ تعطيل الحكومة. وقد أفضى اتفاق بين جنبلاط والرئيس عون وأرسلان على أن يأخذ جنبلاط وزيرين في حين يكون المقعد الثالث توافقيا بينه وبين الرئيس وبين أرسلان”.
3-الظفر بحقائب وازنة أبرزها الصحّة والمالية
-بالرغم من حرب ضروس من دول إقليمية ومن الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، فقد ظفر “حزب الله” بما رغب به من حقائب للطائفة الشيعية. نال وزارة الصحة التي وضع الأميركيون شرطا لعدم توليها مدعومين من بعض الأوروبيين الذين هدّدوا بوقف برامج التعاون مع لبنان. خصوم “حزب الله” يتهمونه بأنه يريد أن يستفيد من وزارة الصحة لكي يطبّب جرحاه ويقدّم خدمات تقويه في بيئته الفقيرة. الملفت أن الأوساط المقربّة من “حزب الله” تنفي علمها بحدوث ضغوط أميركية مباشرة في هذا الخصوص، “لم نسمع من أي من رؤساء الجمهورية أو رئيس الحكومة المكلّف أنه تعرّض للضغط في هذا الخصوص ومنذ البداية كان هنالك اتفاق على نيل الحزب لوزارة الصحة من ضمن حق الحزب بوزارة خدماتية كانت لتكون الأشغال أو التربية أو الصحة ضمن التوزيع الطائفي الموجود”. وعن معالجة الجرحى بحسب ما يقول خصوم الحزب تقول الأوساط المذكورة:” هل كان لدى “حزب الله” جرحى يعالجون في وزارة الصحة طيلة عهد الزير السابق غسان حاصباني وهو وزير قواتي؟ إن جرحى الحزب يعالجون في المستشفيات التابعة له ووزارة الصحة هي جزء من منظومة الدولة وموازنتها معروفة، ومقررة. وتوليها من قبل وزير من “حزب الله” لا يعني أنها اصبحت ملكا له، توجد هيكلية وموازنة للوزارة وقواعد صرف صارمة”. تضيف الأوساط:” سيعلن “حزب الله” عن مقترحاته لوزارة الصحة وما يحرص عليه هو ألا يموت مريض أمام المستشفى لأن ليس لديه ضمان صحي، والحزب حريص على توسيع الخدمات المجانية التي تقدمها الوزارة للمواطنين وعلى أن تكون الوزارة وممثلياتها موجودة في الأرياف حيث الفقر المدقع، وعلى أن تحصل غالبية اللبنانيين على بطاقة صحية وإمكانية الإستشفاء وضمان الشيخوخة، وبالتالي فإن مشروع “حزب الله” وطني لا فئوي ولا حزبي”.
-التشبث بوزارة المالية، التي بقيت لحليف “حزب الله” أي حركة “أمل” والوزير علي حسن الخليل، إن مقعد وزير المالية هو استراتيجي للطائفة الشيعية، إذ يعطيها دور المقرّر في السلطة التنفيذية. بحسب المادّة 54 يجب أن تحصل كل المراسيم على توقيع الرئيس (الماروني)، ورئيس الحكومة (السنّي)، والوزير أو الوزراء المعنيين.
ولا يوجد غير الرئيس ورئيس الحكومة والوزير المعني قادر على تعطيل قرار حكومي عبر عدم توقيع المرسوم. وبما أن معظم المراسيم تحتاج الى توقيع وزير الماليّة، ونظرا الى الواقع بأن الطائفة الشيعية ليس لها دورا مقررا في السلطة التنفيذية، فإن وزارة المالية هي مقعد استراتيجي لهذا التحالف. وقد أمسك هذا التحالف بمقعد وزارة المالية منذ عام 2014، وذلك بحسب تقرير “دوايت آدناور”.
4-الدخول أكثر فأكثر الى الدولة العميقة عبر حمل راية مكافحة الفساد:
حين تسأل المقربين من “حزب الله” عمّا يريده من الحكومة المقبلة يأتي الجواب سريعا: خدمة الناس وتحسين الوضع الاقتصادي. لا يخفى على أحد أنه وسط وضع إقتصادي عليل فإن العنوان التنموي ومكافحة الفساد جذاب جدا، لكنّه يعني عمليا بأن “حزب الله” قرر الخوض في غمار تفاصيل الدولة العميقة في لبنان وهي المرّة الأولى التي يحصل فيها ذلك، وقد أعلن أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته الشهيرة إبان الإنتخابات النيابية بأن محاربة الفساد ستكون أولوية للحزب.
تقول الأوساط المقربة من الحزب:“إن العبء الأساسي على الناس اليوم هو الوضع الإقتصادي وينتظر “حزب الله” بدء عمل هذه الحكومة لكي يطرح مشروعه في مكافحة الفساد، وهذا ما ينتظره الناس. وأهم نقطة في مشروع مكافحة الفساد هو الفساد المقنن اي بالقانون وضمن تركيبة الدولة”.
5- بيان وزاري متوازن يعترف بحق المقاومة:
-سيحصل “حزب الله” على بيان وزاري يرضيه من المرجح أن يكون بنفس صيغة البيان الوزاري السابق فيحتفظ بحقه في المقاومة الى جانب الجيش والشعب، وليس من المتوقع حصول اي اشتباك في هذا الشأن.
6-الحفاظ على العلاقة المستمرة مع “التيار الوطني الحر” ومعالجة النّدوب
-وقعت ندوب عدّة في العلاقة مع “التيار الوطني الحر” يبدو بأن براغماتية المسؤولين في “حزب الله” نجحت في مداواتها ومنع اتساع رقعتها بالرغم من الحملات الشعواء على وسائل التواصل الإجتماعي أخيرا بين مناصري الطرفين. تقول الاوساط: تمّ تضميد الجروح بسرعة، ونحن على عتبة 6 شباط أي ذكرى تفاهم مار مخايل بين الطرفين، حيث سيكون لقاء سياسي وشعبي مشترك وسيلقي السيد نصر الله يوم الأربعاء القادم خطابا يتطرق في جزء منه الى العلاقة مع التيار”.
7-النجاح بتصوير ذاته متشبثا بالنظام السياسي الحالي وعدم الرغبة بتغييره
-يتشبث الخطاب الرسمي لـ”حزب الله” بالرغم من اختلال ميزان القوى الواقعي لصالحه بالنظام السياسي اللبناني الحالي وباتفاق الطائف وينفي نفيا قاطعا أن تكون لديه أية رغبة بتحقيق المثالثة أو بتنظيم مؤتمر تأسيسي.