بقلم: ليلى حاطوم
خاص موقع “مصدر دبلوماسي”
أرادها البعض أن تُصبح رسالة بلبلة فلم يفهم عن قصد، ولربما تغاضى عن الفهم فحاول خلق بلبلة في نقله للرسائل التطمينية التي أرساها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في كلمته أمام منتدى القطاع الخاص العربي التي جرت يوم أمس الأربعاء.
سلامة توجه لحضور كثيف من المصرفيين والاعلاميين والمستثمرين من رجال أعمال لبنانيين وأعرب بالقول أن لا خوف على العملة اللبنانية، وان اقتصاد لبنان، بالرغم من كل المحن والضغوط التي يواجهها البلد، نما بمعدل تراوح بين 1% و١،٥٪ في العام ٢٠١٨ وهو قريب من مستوى نمو المنطقة العربية، أي ٢٪.
”وكنا قادرين على تحقيق نمو ٢٪ فيما لو كانت الحكومة قد تسجلت“، بحسب سلامة، الذي شدد في رسالته هذه على ضرورة ووجوب اعادة الاستقرار السياسي عبر تشكيل الحكومة،للمساهمة في دعم الاقتصاد المُتْعَب، والذي يئنّ بسبب تراكمات الفساد وغياب القرار السياسي في ظل حكومة تصريف أعمال منذ ٨ أشهر، واستمرار أزمة ملف اللجوء السوري التي كبّدت الاقتصاد اللبناني ما يفوق ١١$ مليار ليرة في غضون ٨ سنوات.
ولئن أردنا لوم السياسة وحدها في موضوع التراجع الاقتصادي هذا، فالأمر يُصبح خارج دائرة المنطق. فالعالم بأسره يشهد أيضاً تباطؤاً اقتصادياً ينعكس بدوره على لبنان. فحتى ألمانيا، اكبر اقتصادات أوروبا، وهي ضمن الدول الصناعية الكبرى، شهدت نمواً اقتصادياً في العام ٢٠١٨ بنحو ١،٥٪.
لا يعني هذا أن لبنان ليس بحاجة لإصلاحات مكثفة، او لتغييرات جذرية. بل كل هذا يدل على أن الاقتصاد اللبناني مرن وقادر على النمو والمنافسة فيما لو تم إراحته من تلك الضغوط.
ولعلنا كلنا نتذكر النمو الكبير للاقتصاد اللبناني وبنسبة ٩٪ في العام ٢٠٠٩، و٨،٥٪ في العام ٢٠٠٨.
كما ونتذكر توقعات صندوق النقد الدولي بتحقيق لبنان نمواً بنسبة ٧٪ للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عامي ٢٠١٠ و٢٠١١، في وقت كان اقتصاد العالم متراجع وبشكل كبير، مباشرة بعد الأزمة المالية العالمية، وهو إن دلّ على شيء، فعلى امكانية عودة لبنان إلى هذه المستويات فيما لو تم حل الملفين السياسي واللجوء السوري بشكل فعّال وسريع.
ولعلّ كلمة وزير الاقتصاد اللبناني في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري، تؤكد على ما قاله سلامة في هذا السياق. فالثقة الدولية بمقدرة لبنان ” على تجاوز الصعاب والتحديات الكبيرة المتعلقة ببنيته الاقتصادية بشكل عام“ انعكس بشكل القروض والمنح التي تم اقرارها في مؤتمر ”سيدر“ والتي وصلت إلى ١١،٦$ مليار.
لكن هذه الثقة تضع لبنان ”أمام تحد حقيقي“، بحسب خوري، لإثبات قدرته ”على الوفاء بالتزامات مؤتمر “سيدر”، وتحديداً تطبيق الإصلاحات المالية والهيكلية والقطاعية المطلوبة من قبل الدول والمنظمات الإقليمية والعالمية المانحة التي شاركت في المؤتمر“.
ومن هذا المنطلق عمدت الحكومة الحالية في لبنان لوضع استراتيجية للنهوض الاقتصادي تقضي بدعم القطاعات الانتاجية ذات الاولوية وزيادة قدرة لبنان التصديرية. كما وكانت قد أقرت قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في أيلول٢٠١٧، وهذا القانون يؤمن الثقة للمستثمرين، لأنه يحدد الاجراءات اللازمة لتنظيم عقود الشراكة وتنفيذها والتقاضي بشأنها. (لمتابعة كلمة الوزير رائد خوري كاملة إضغط هنا).
الليرة بخير، ولا بلبلة
في المقابل، فإن ارتفاع الفوائد عالمياً فد رافقها ”ارتفاع معدل الفوائد في لبنان“ بمعدل وسطي تراوح بين ٢٪ و٣٪، في ظل ارتفاع عجز موازنة الخزينة“ بحسب سلامة، الذي أشار إلى ارتفاع ”الودائع بالعملات الاجنبية بنسبة ٣،٥٪ في العام ٢٠١٨، فيما ظلت الودائع بالليرة اللبنانية مستقرة مما رفع الدولرة لـ٧٠٪ بالسوق“، وهذا يعني أن المخاوف التي ظهرت في العام ٢٠١٨ بسبب شائعات مُغرِضة تم تداولها عن جهل او عن قصد من البعض، عن انهيار وشيك لليرة اللبنانية، قد دفع بالمودعين إلى التحوط بالدولار والعملات الاجنبية، ولكن دون أي تأثير على الودائع بالليرة اللبنانية التي لم تتراجع.
وكان سلامة قد شدد أكثر من مرة خلال الاسبوع الماضي على أنه “لا خطر على سعر صرف الليرة تجاه الدولار“ مؤكدا أن ”الشائعات لم تؤثر علينا“ حيث أن “العملة مستقرة والكميات من الليرة المتوافرة بالسوق مدعومة بأرقام”.
واستقرار الودائع بالليرة، لا يعني أن العملة المحلية ليست بخير. فسعر صرفها مستقر في السوق وبين المصارف، وقد اتخذ المصرف المركزي على مدى السنة الماضية عدة اجراءات تمنع من التلاعب بسعر الصرف وتُعاقب من يحاول تخطي سقف سعر صرف الليرة الذي حدده المصرف المركزي للمصارف.
كما وإن تراجع الاقتصاد (النمو الاقتصادي او تباطؤه) لا علاقة له بتراجع سعر صرف الليرة، فالديناميكية التي تحكم الأول مختلفة عن الأسباب التي تؤثر في سعر صرف العملة. وإذا ما أردنا التحدث عن القدرة الشرائية للعملة، فهي لازالت بخير لكن لا أحد باستطاعته التحكم في اسعر السلع عالميا لناحية هبوطها او ارتفاعها، وهو ما ينعكس في الاسعار الداخلية للسلع في لبنان لأن سوقه مفتوحة وتتأثر بتغير الأسعار العالمية.
وبشرحٍ بسيط، عندما يكون سعر الصرف ثابت، والمتحرك هو سعر السلعة ذاتها على الصعيد العالمي، فإن تغير سعر السلع عالمياً ارتفاعا أو هبوطاً، يؤدي لتغير سعرها داخلياً وهو ما قد يؤدي الى تغير المقدرة الشرائية، وبالتالي نصبح هنا في موضوع التضخم لناحية اسعار السلع، وليس انهيار الليرة اللبنانية.
في المقابل، يبدو أن كشف سلامة عن تعميم من مصرف لبنان يتعلق بدفع التحويلات المالية عبر شركات تحويل الأموال (مع استثناء التحويلات المصرفية) بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار، لم يِرُق للبعض، ممن اعتبر أن الأمر دلالة على ضعف الليرة، وهو أمر غير صحيح.
فالقرار، بحسب سلامة، ”يحصن لبنان قانونياً أكثر على صعيد مكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب ولا علاقة له إطلاقاً بوضع الليرة اللبنانية وليس منع التحويل أو لدعم الليرة اللبنانية“.
ومن العجيب من ندد بهذا الموضوع ليثير بلبلة، يتناسى أنه حتى في دول الخليج التي باتت متقدمة بأشواط عن لبنان، تفرض دفع قيمة التحويلات بعملاتها المحلية.
وفي سياق آخر، أفرد سلامة مساحة لشرح أهداف المصرف المركزي في العام ٢٠١٩ ونظرته للمتغيرات المالية محلياً وعالمياً، قائلاً إنه لا يتوقع أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الاميركي) سعر الفائدة، وبالتالي فإن هذا يعني استقرارا نسبياً لناحية اسعار الفائدة عالمياً وفي لبنان، وبالتالي فـ ”النظرة للفوائد في لبنان في مستقرة“.
ويبقى ”استمرار استقرار سعر صرف الليرة“ على رأس أولويات المصرف المركزي بحسب سلامة، الذي كشف أيضاً عن اتجاه المصرف المركزي لاطلاق العملة الرقمية الخاصة بلبنان بنهاية العام ٢٠١٩، وهو ما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاملات المالية الالكترونية في لبنان والمنطقة، حيث أن العملات الرقمية المدعومة من الدول والتي تخضع لضوابط، تُعطي المستثمرين والمتعاملين بها ثقة إضافية. هذه الثقة لا تتمتع بها العملات الرقمية غير المضبوطة وغير المقوننة والمتداولة حالياً، والتي يسيطر عليها المضاربون مما يجعلها ضحية التذبذبات الكبيرة في التعاملات من تراجعات وخسائر مخيفة بعد قفزات هائلة.