“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
قد تكون الصورة التي وضعها رئيس تكتّل لبنان القوي جبران باسيل وهو يمشي أمس الأول في العاصفة الثلجية التي ضربت لبنان بخطى متثاقلة نظرا لوعورة الطريق وضبابيتها ولتساقط الثلوج بغزارة، خير تصوير للطريق السياسي الشائك الذي يسلكه في حركته السياسية.
ولعلّ “الثلوج” السياسية غير الناصعة التي تستهدف باسيل يوميا من كلّ حدب وصوب، هي بسبب تمثيله رئيس الجمهورية عمليا في الحركة السياسية التي يقودها وآخرها في فكّ الإشتباك الحكومي الذي كاد أن يخرج من عنق الزجاجة بفعل الوساطة التي قادها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم فتكون الحكومة عيدية الميلاد، إلا أن باسيل و”حزب الله” معا قررا إعادة المفاوضات الى المربّع الأول. فباسيل أراد أن يكون ممثل اللقاء التشاوري في الحكومة جزءا من تكتّل لبنان القوي ومن وزرائه أي أنه أراد الحصول على الثلث المعطل عبر 11 وزيرا في حين رفض “حزب الله” هذا الإلتفاف الباسيلي وهو في عمقه التفاف من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المتشبث بإعادة العرف الذي وضعته اجتهادات اتفاق الطائف التحضيرية.
في هذا السياق تقول مصادر مواكبة لمناخ التأليف أنه من المضحك اتهام جبران باسيل بأنه يعرقل تشكيل الحكومة اللبنانيّة، في حين أن “حزب الله” ليس بعيدا من التعطيل لأسباب بعضها داخلي يتمثل برفضه منح الثلث المعطل لأكبر تكتّل ممثل عن المسيحيين، ولأسباب خارحية تتعلق بحصاره من قبل الغرب.
في الآونة الأخيرة طمأن الأميركيون حاكم مصرف لبنان بأنهم لن يستهدفوا المصارف اللبنانية بالعقوبات بل سيتم الإكتفاء بملاحقة أشخاص على علاقة بـ”الحزب”.
وتشير اوساط المقرّبة من الدوائر الغربية الى أن هذا المعيار الغربي لم يكن ليكتب له النجاح في وقت لا يزال فيه “حزب الله” في أوج قوّته، فقام بحسب تعبير الأوساط باختطاف الحكومة اللبنانية لأخذها رهينة ليضغط فيها على الغرب من منطلق يقول، بأن تحييد لبنان لوحده دون “حزب الله” لن يكتب له النجاح، فإما تحييد “حزب الله” ولبنان معا وإما أن يغرق الإثنان معا.
هكذا توقف تشكيل الحكومة بسبب عذر واه –بحسب الأوساط- يتمثل بالتشبث بتمثيل “سنّة بشار الأسد” كما تطلق الأوساط على “اللقاء التشاوري”، وقد حاول رئيس الحكومة سعد الحريري الإستعانة بباريس لفكّ هذه العقدة لكن من دون جدوى.
تنطلق إستراتيجية “حزب الله” بحسب القراءة الغربية من إرادته بوجود حكومة تغطيّه، وهو يبدو وكأنه يجلس في كواليس المسرح ويحرّك الخيوط أو الممثلين بمهارة كافية وطاقات تخوّله من تحقيق أهدافه ولا سيّما بأنه يمسك المجلس النيابي بعد النتائج التي تمخّض عنها القانون النّسبي، حيث صار سعد الحريري ضعيفا وهو يدفع حاليا ثمن قبوله بقانون النسبية.
ولعلّ رفض منح المسيحيين الثلث المعطّل في الحكومة هو الإتفاق الوحيد الذي يجمع اليوم “حزب الله” و”تيار المستقبل” وحلفائهما في حين أن هذا الرفض هو خرق فاضح لروحية اتفاق الطائف.
العودة الى كلام الحريري الأب
وتعود شخصيات مسيحية عدّة الى كتاب “لعنة وطن” لكريم بقرادوني الذي يؤكد فيه أنه خلال المرحلة التحضيرية لإتفاق الطائف، عقد مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان يضطلع بالتحضيرات لعقد مؤتمر ينهي الحرب الأهلية في باريس اجتماعا لمناقشة الورقة التحضيرية التي أرسلت الى 3 أشخاص لتدوين ملاحظاتهم عليها هم الرئيس حسين الحسيني والبطريرك نصر الله صفير والحريري بطبيعة الحال ثم توزعت على عدد آخر محدود من الأشخاص من بينهم جوني عبدو وكريم بقرادوني. ويقول بقرادوني في اتصال مع موقع “مصدر دبلوماسي” معيدا رواية ما كتبه بأنه صدم فعليا حين قرأ الورقة التميهدية لما وجد فيها من إضعاف لصلاحيات رئيس الجمهورية، فاتصل بالحريري في باريس وقال له بأنها لا تمشي، فأنا ملمّ بالوضع المسيحي وعلى يقين بأنه لا يمكن تطبيقها. وفي بدايات 1989 عقد اجتماع في منزل الحريري في باريس لإعادة دراسة الورقة التي تناولت الإصلاحات اللازمة في النظام اللبناني والعلاقة مع سوريا وصلاحيات الرئاسات وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية. وأعاد بقرادوني التكرار أمام الحريري بأن هذه الورقة لا تمشي. وسأل بقرادوني الحريري: إذا كان رئيس الجمهورية ليس قادرا لوحده على التأليف ولا على إقالة الحكومة ورئيسها فماذا يفعل؟ فأجاب الحريري بأنه ليس على رئيس الجمهورية إلا الحفاظ على الثلث. فسأله بقرادوني: وماذا إذا لم يعط الثلث؟ أجاب الحريري: لا يؤلّف حكومة، وسيكون غبيّا إن وقّع على حكومة ليس له فيها الثلث المعطّل!. إذا لم يعطونه الثلث لا يجب عليه التوقيع. ويعلّق بقرادوني بأن هذا الأمر كان اساسيا في الموافقة على اتفاق الطائف، ولولا هذا الأمر لما قبل البطريرك الماروني والقوى المسيحية بالطائف لأن حيازة الرئيس على الثلث المعطل تمكنه من تجميد أي قرار حكومي لا يريده، وصولا الى تطيير الحكومة، وذلك بعد أن تمّ سحب صلاحية إقالة الحكومة ورئيسها منه إثر تعديلات دستور الطائف.
ويبدو بأن الكباش اليوم بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلا برئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل و”حزب الله” وحتى الرئيس سعد الحريري ومن يمثل عالق عند هذه النقطة الجوهرية، والتي يسعى الرئيس عون الى تأكيدها بالممارسة كحق من حقوق المسيحيين وهو ما لا يرضي هذه الأطراف كلّها حتى حليفه الرئيسي أي “حزب الله”.
وبحسب تحليل شخصيات مسيحية عدّة فإن الدستور اللبناني يمنح السلطة التنفيذية صلاحية تأليف الحكومة أي رئاسة الجمهورية من جهة و رئاسة الحكومة من جهة ثانية وهذا ما كسره “حزب الله” أخيرا بدخوله على خطّ وضع الشروط للتأليف. واليوم ثمة 3 فرقاء يشكلون الحكومة: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و”حزب الله”.
وتشير أوساط مسيحية عدّة الى أن لا أحد يريد اعطاء باسيل أي العهد الثلث الضامن، كي لا يخلق عرفا جديدا، علما بأن الثلث كان مطلبا اساسيا للمسيحيين حين وافقوا على سحب جزء من صلاحيات رئيس الجمهورية في اتفاق الطائف ونقلها الى مجلس الوزراء مجتمعا.
ما يقوم به جبران باسيل يقع من ضمن الإستراتيجية المسيحية للعونيين، عبر إعادة انعاش عرف أقره الطائف وكان عون ضدّه بالأساس ثم عاد وقبل به، لكنه يلاقي معارضة من الشيعة والسنّة سويا بحسب تعبير أكثر من شخصية مسيحية تحدثت الى موقعنا.