“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يحيي العالم في الثاني من تشرين الثاني القادم اليوم العالمي لعدم الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحافيين، وفي لبنان الذي قدّم قسطه من دماء الصحافيين منذ الإستقلال ولغاية أعوام قليلة الى الوراء، يقتل هؤلاء يوميا بطرق أخرى.
فبعد أن انهارت المؤسسات الصحافية الأكبر في لبنان، في حين استمرّت قلّة متبقية بشقّ النّفس، ما اثّر بشكل كبير على العاملين بهذا القطاع سواء من الناحية المعنوية أو المادية، وإثر بقاء الكثير من المتخصصين ومنهم مخضرمين بلا عمل أو يعملون على حسابهم الخاص، وبعد أن فقدت المهنة رونقها بسبب السلوك الشخصي لبعض الصحافيين ولبعض الإعلاميين الذين انحرفوا عن قدسيتها وآدابها، بات الصحافيون في نظر كثر ممن لا يفقهون شيئا من قدسية مهنتنا “مكسر عصا”.
من هؤلاء شخص إسمه رامي بطحيش. قد يكون هذا الشاب الذي رأيته للمرّة الأولى الأسبوع الفائت أثناء تغطيتي لـ”مؤتمر دولي حول الإدارة المتكاملة للحدود” في الموفنبيك قد تسلّح بإسمه “الطحّيش” ليهجم على الصحافة بغرور واعتداد من يجهل موقعنا كصحافيين أصحاب سلطة رابعة.
فبعد أن قمت شخصيا بطرح سؤال على إحدى المؤتمرات الأوروبيات، لم يتوان من إمساك الميكروفون ليقول بالإنكليزية (لغة الصحافة الحرّة) أنه لا يهتمّ لأسئلة الصحافة ولا يهمّه سماع ما يقوله الصحافيون…هو يهتمّ فقط لسماع أسئلة الحضور من أمنيين وخبراء بالحدود! وما لبث أن طلب من مسؤول الإعلام في المؤتمر أن يدّعي أن جلسات بعد الظهر مغلقة. لم يحتمل “المدير” وجود صحافية تغطي مؤتمر دعيت اليه من قبل المنظمين، شعر “بعسر هضم” لأنها طرحت سؤالا، فيما هو “سيّد” الموقف وماسك زمام الأمور فقرر لعب دور “بوليس” لا يعرف حدوده فيرعوي.
بالطبع أثار تعليق هذا الشاب المفاجأة ليس عندي فحسب، بل لدى الحضور وخصوصا لدى المحاضرين الأوروبيين الذين امتقع وجههم غير معتادين على هكذا ملاحظة في حق صحافي وخصوصا صحافية، حيث مهنتنا لا تزال تثير الكثير من الهيبة في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركية وينظر الى الصحافي كصاحب سلطة محاسبة للسلطات الأعلى.
لم أكن لأكتب عن هذا الشاب المجهول بالنسبة إلي، والذي لا أعرف عنه شيئا سوى تعليق مهين بحقّ مهنتي وبحق الصحافة، والذي أروي ما قام به إنطلاقا من إيماني بأننا اصحاب السلطة، وليس منظّمو المؤتمرات (مهما كانت كلفتها)، ولا حتى السياسيين ولا الوزراء ولا الإقتصاديين هم أوصياء علينا، بل هم في حاجة لأقلامنا ولكاميراتنا ولعدسات أجهزتنا الخليوية تخلّد لحظاتهم وبعضها لا يقنعنا بل نعمل على تغطيتها انطلاقا من واجبنا المهني فحسب.
ليست الصحافة والصحافيين مكسر عصا، وليست المؤسسة من تعطي الصحافي “البرستيج” الضروري لحمايته من جهلة القوم ، بل سلوكه وقلمه. فـ”الطاحش” عشوائيا على مهنتنا لا يعرف شيئا من الأقلام المسنونة، بل هو مجرّد مدير مشروع يظنّ أن الإعلاميين والصحافيين دورهم فقط تغطية افتتاح المؤتمر في يومه الأول، وتصويره مع من يهمّه امرهم ثمّ نشر صوره على وسائل التواصل، ولا يهتمّ أصلا بل هو يخاف من صحافي يمارس عمله في تغطية السياسات المرسومة والتمحيص في تفاصيلها وخلفياتها وصولا الى محاسبة من وضعوها في ما بعد، هو يرتعد من صحافي يفتش عن التفاصيل المملة في عمله لينشر الحقيقة المخفية لقرائه.
بأي الحال، كان عليّ الكتابة عمّا حصل، ما يتّسق مع شخصيّتي التي تأبى الظّلم على إنسان، وخصوصا على صحافي وخصوصا …خصوصا على صحافية ولو كانت من جنسية مختلفة وفي آخر أصقاع العالم.
للصحافيين يا سيّد “طاحش” عصبيّتهم…ولعلّ المشكلة في أن بعضهم في لبنان اساء لـ”برستيج” المهنة في شكل فاضح، لكنّ لا يمكن لأحد أخذ الجميع بجريرة البعض. ولعلّ السؤال الأبرز هو للممولين الأوروبيين عن اختيارهم مدير مشروع قادر على أن يهين الصحافة وحقها في السؤال والتعبير ويمنع عنها حقها بإكمال عملها في أثناء مؤتمر خاص وممول من أموال أوروبا حيث لا تزال هذه الحرية مقدسة…على ما أعتقد.