“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يطرح الميثاق العالمي الجديد للجوء الذي سيقرّه أعضاء الجمعية العامّة للأمم المتحدة قبل نهاية هذه السنة -وسيوقعه لبنان- المزيد من الأسئلة حول مصير اللاجئين في العالم ومدى صحّة ما يرفعه الميثاق من شعار “التضامن” في وقت يتركز فيه 85 في المئة من اللاجئين في البلدان النامية والفقيرة. ويطرح هذا الميثاق للمرة الأولى وبطريقة ممنهجة عملية توظيف القوى الحيّة للمجتمعات المحلية لخدمة اللاجئين تحت شعار “التضامن” و”تقاسم المسؤولية”.
وإذا كان التوقيع غير ملزم للأعضاء، فإن السؤال يبقى: هو غير ملزم لأي دول؟ وخصوصا وأن الدول المانحة هي قادرة على فرض ما تريده من خلال التلويح بوقف التمويل والضغط على البلدان المضيفة بشتّى الطرق الدبلوماسية أو عبر المنظمات الدولية العاملة على الأرض والمرتبطة واقعيا بهذه الدّول.
حاولت “طاولة الحوار” التي نظّمها “مركز دراسات الحقوق في العالم العربي” بالتعاون مع كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومعهد عصام فارس للسياسات العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، إثارة جوانب مختلفة من هذا الميثاق العالمي الجديد، الذي سينضمّ الى مؤتمرات منها بروكسيل الذي سنشهد نسخته الثالثة في آذار، لكنّ الإحاطة التي تناولها خبراء لبنانيون من مختلف التوجهات طرحت المزيد من الأسئلة ولم تقلل منها.
ولعلّ أبرز الأسئلة يتناول مبدأ تشاطر المسؤولية، وقد أشار رئيس معهد عصام فارس الوزير السابق طارق متري بوضوح الى صعوبة تشاطر هذه المسؤولية واقعيا بشكل متساو، داعيا الى إيجاد المعايير والآليات التي تسمح بتأمين المساواة. وكان عرض التجرية الكندية في استقبال اللاجئين وادماجهم ذي مغزى، وتحدثت السفيرة الكندية إيمانويل لامورو عن تاريخ كندا الطويل بإستقبال اللاجئين وتطويرها آليات لإعادة توطينهم. في حين نبّه الدكتور ياسين ناصر من المشكلة المالية حيث بلغت الفجوة المالية 3،3 مليار دولار في موضوع اللجوء وكشف أن أوروبا برمّتها تستضيف 2 في المئة من اللاجئين السوريين في حين يستضيف لبنان 20 في المئة منهم.
في حين يبرز سؤال جوهري عن مدى ارتباط هذا الميثاق بإتفاقية جنيف للجوء عام 1951، والتي لم يوقعها لبنان لكنها أحد النصوص التي ارتكز اليها الميثاق الى جانب شرعة الأمم المتحدة.
هذا جزء قليل من الأسئلة، ويعرض موقع “مصدر دبلوماسي” لوقائع هذا المؤتمر المهمّة جدّا في هذا التقرير الشامل، وذلك لإتاحة المجال لمزيد من النقاش والتمحيص في تفاصيل الميثاق الذي سيتمّ توقيعه قبل نهاية السنة.
الوقائع
نظّم “مركز دراسات الحقوق في العالم العربي” بالتعاون مع كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومعهد عصام فارس للسياسات العامة في الجامعة الأميركية في بيروت طاولة حوار حول ” الميثاق العالمي للاجئين من النوايا الى الى التطبيق العملي”، وذلك في مدرج “غولبنكيان” في حرم جامعة القديس يوسف في “هوفلان” الأشرفية.
إنقسمت طاولة الحوار الى جلستين اثنتين، تناولت الأولى موضوع تقاسم المسؤولية وأدارها سامي عطالله مدير “المركز اللبناني للدراسات السياسية”،
وتناولت الجلسة الثانية موضوع الحلول المستدامة بإدارة مدير معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية الوزير السابق طارق متري.
وأخيرا قدّم كريم بيطار ملخصا عن أعمال طاولة الحوار وهو مدير معهد العلوم السياسية في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، ومدير البحوث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، وناشر مجلة المدرسة الوطنية للإدارة.
لا لشيطنة المجتمع الدولي
في مستهلّ طاولة الحوار تحدثت ماري-كلود نجم مديرة “مركز دراسات الحقوق في العالم العربي” وعبّرت في كلمتها عن الصعوبة التي تواجهها الجامعات في طرح موضوع اللجوء لما له من بعد سياسي وهو يكاد يكون موضوعا محرّما الى حدّ ما بحسب تعبيرها. وذكّرت بأن لبنان هو عضو مؤسس للامم المتحدة، مشيرة الى أن ليس دور لبنان “شيطنة” المجتمع الدّولي الذي ينتمي اليه بل عليه المشاركة التفاعلية في كل المفاوضات الدولية والتعبير عن احتياجاته واهدافه وهذا أمر يحتاج الى دبلوماسية فاعلة وعمل سياسي. ويعتبر هذا الميثاق الجديد إطارا تنسيقيا جديد للتنسيق في موضوع اللجوء وهو منبثق مما يعرف بإعلان نيويورك وسوف يتم التصديق عليه في نهاية السنة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة (في جنيف) ولبنان شارك في المفاوضات التي تتعلق بهذا الميثاق منذ عامين وهو تبنّى ايضا اعلان نيويورك وكل الأمور التي سيتضمنها الميثاق معروفة ووافق عليها لبنان وهي ليست مفروضة وهذا ما سيتيح وضع التزامات واضحة وملموسة. وعبّرت عن خشيتها ألا تكون عودة اللاجئين دوما عودة كريمة من هنا أهمية هذا الميثاق.
13 سوريا للدراسة المجانية في اليسوعية
وتحدث رئيس الجامعة اليسوعية الأب سليم دكاش عن حالة البؤس التي يعيشها اللاجئون في لبنان سواء السوريين أو الفلسطينيين قائلا بأن جامعة القديس يوسف تنظم دوريا اجتماعات للبحث في هذه المواضيع. ولفت الى أن الدراسات تشير الى أن عودة هؤلاء لا تبدو محتملة حاليا وعرض لنشاط الجامعة وتحديدا معهد العلوم السياسية الذي أعدّ 60 ورقة عمل حول موضوع اللاجئين والخيارات المحتملة لمصيرهم.
وكشف الأب دكاش عن أن الجامعة اليسوعية ومن ضمن روحية الميثاق الجديد (يركّز على تشارك كل المجتمع ومؤسساته) ستشارك في المسؤولية حيال اللاجئين السوريين عبر التكفّل بتعليم اللغة الفرنسية لـ13 لاجئا سوريا وهم سوف يتوزّعون لاحقا في اختصاصات مختلفة توفرها جامعة القديس يوسف ما يعني أن الجامعة تتكبّد جزءا من العبء الموجود في موضوع اللجوء السوري.
ياسين وأهمية رصد جغرافيا اللجوء
وتحدث مدير البحوث في مركز عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية الدكتور ناصر ياسين الذي تناول وضع اللاجئين السوريين في لبنان منذ 2011 لغاية اليوم. تطرّق ناصر الى خريطة وجود اللاجئين السوريين في لبنان، مشيرا الى أن الميثاق الجديد يحمل 3 أبعاد: جغرافيا التهجير وفي هذا الإطار ثمة مسائل كثيرة يمكن مناقشتها لبنانيا وتحتاج الى توضيح وحصة لبنان في تحمل المسؤولية، لافتا الى أن المهاجرين عالميا غالبا ما يقطنون في دول نامية، كاشفا ان 86 في المئة من المهاجرين يعيشون في أفقر دول العالم، وهذا أمر مثير للإهتمام.
لبنانيا، كشف ناصر بأن 76 في المئة من اللاجئين يعيشون في افقر المناطق اللبنانية في الشمال والجنوب وبعض قرى جبل لبنان. وهذا اتجاه عالمي للاجئين، وبالتالي هذا يعتبر تهجيرا مضاعفا ويرتبط بالإقتصاد والإسكان. وقال بأن فهم جغرافيا التهجير عامل أساسي لفهم البعد المرتبط بأزمة اللجوء والميثاق العالمي. مشيرا الى إنطباعات سلبية تتكون عن اللاجئين تبعا للمنطقة التي يتواجدون فيها وعادتها وتقاليدها وخصوصا في لبنان.
أما البعد الثاني الذي تحدث عنه ناصر فيتعلق بتقاسم المسؤولية، فإثر نشوء المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية تحولت مساعدة اللاجئين الى قيمة مصافة، ولكنها قيمة تضمحلّ مع مرور الوقت، وبلغت الأمور اتهام المهتمين بشأن اللجوء بأنهم غير وطنيين، لكننا نكرر بأننا ندافع عن حماية اللاجئين. واشار ناصر الى أن موضوع تقاسم المسؤولية هو عنصر رئيسي في الميثاق العالمي الجديد. وتحدث عن المشكلة المالية حيث بلغت الفجوة المالية 3،3 مليار دولار في موضوع اللجوء، وللبنان قسطه من النقص في التمويل وهو نقص يتسع ولا ينقص، وقال بأن لبنان سيواجه مشكلة في موضوع التمويل وهذا ما نشعر به، وهذا يعود الى تمويل الإستجابة بطريقة سطحية وقال أن النقص يطال بشكل خاص الإسكان والتعليم وختم بأن فجوة التمويل هي برهان عن التراجع في تقاسم المسؤولية.
أوروبا تستضيف 2 في المئة من اللاجئين ولبنان 20 في المئة!
أما البعد الثالث للميثاق الجديد بحسب الدكتور ناصر فيتعلّق بالمجموعات السياسية الوطنية المتشددة والشعبوية والتي تتزايد في بلدان مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر النروج والسويد وبريطانيا وليتوانيا وسواها ، وتشهد هذه البلدان طفرة في الحركات المتشددة. ولفت في هذا الإطار الى أن أوروبا برمّتها تستضيف 2 في المئة من اللاجئين السوريين في حين يستضيف لبنان 20 في المئة منهم. وقال بأن بعض البلدان حوّلت الأمر الى صالحها، فألمانيا مثلا تحتاج سنويا الى 5 ملايين من اليد العاملة واللاجيون يسدّون احتياجاتها.
وقال بأن مسألة اللجوء تستخدم في السياسة بشكل خاطئ وهذا لا يبشر بإمكانية نجاح الميثاق العالمي. لبنانيا قال ناصر بأن لبنان يواجه المشاكل المذكورة أعلاه برمّتها، بالإضافة الى الإجهاد الذي لحق به بسبب أعداد اللاجئين والذي ينعكس على المجتمع المضيف. وقال ناصر بأن لبنان أخفق في بلورة أية سياسة حقيقية في التعاطي مع مسألة اللجوء، واعتمد سياسات النأي بالنفس وهي ليست سياسة منيعة لمواجهة الأعداد الكبرى للاجئين بعد مرور 8 أعوام على اندلاع الأزمة السورية، بل إن لبنان يحتاج الى استراتيجية واحدة وواضحة في هذا المجال. في وقت تبدو السياسات اللبنانية منفصلة ولا علاقة في ما بينها، فقد ترك لبنان حل الأزمة للبلديات وللأسرة الدولية. هذا الأمر ادى الى تداعيات منها أن 22،7 من اللاجئين السوريين لا يمتلكون أوراق ثبوتية ولا إقامات لديهم، وهذا ما يعرّضهم لملاحقة الأجهزة الأمنية وهؤلاء ينظر اليهم بمنظور أمني حيث تتولى أمورهم جهات ابرزها الأمن العام اللبناني الذي يهتم بشأن العودة والمخابرات التي تراقب المخيمات. وباختصار فإن العدسة الأمنية لهؤلاء هي المعتمدة، لكن يجب النظر أيضا الى الموضوع من العدسة الأنسانية وعدسة الحماية.
عندما يتحوّل اللجوء الى “فرصة” للبنان
وتحدثت سفيرة الإتحاد الأوروبي كريستينا لاسّن، مشيرة الى أن الإتحاد الأوروبي هو مثال لتقاسم المسؤولية، ولفتت الى أنه في بعض الأحيان لا يمكن التقليل من تداعيات أزمة اللاجئين، هذا يشكّل تحدّيا للبنان بعد تدفق اللاجئين اليه منذ 2011. وأشارت الى أن الإتحاد الأوروبي يساعد لبنان 6 مرّات أكثر منذ ما قبل اندلاع الأزمة السورية، شارحة بأنه حصل نوع من الإجهاد في صفوف الدول المانحة بسبب وجود أزمات إنسانية متنافسة، لكنّ لبنان بقي في سلّم أولويات الأسرة الدولية واستفاد من صندوق ائتماني اقليمي أنشأه الإتحاد الأوروبي لإدارة الأزمة. وشكل الأمر فرصة للبنان. فبعض القطاعات العامة اللبنانية كانت تفتقر الى التمويل وخصوصا في المدارس الرسمية وقطاع الصحة وقد تمّ تعزيز هذه القطاعات من خلال التمويل. وأشارت لاسّن: أنا لا أحاول أن أقول بأن كل الأمور تسير على ما يرام، ونعلم بأن الضغوط كبرى على البنى التحتية، وثمة شعور لبناني متنام بأن السوريين يأخذون أشغالهم وهذا يؤدي الى شعور بعدم الرضى لدى اللبنانيين ويخلق بضع تشنجات. وتحاول أوروبا التخفيف من ذلك، ونحن نعدّ لمؤتمر بروكسيل 3 في الربيع المقبل، ونحاول العمل على تقاسم المسؤوليات والعبء وهذا هو طموح أوروبا والعالم وهذه فرصة لتحديث الإستجابات والتركيز ليس على المساعدة الإنسانية فحسب بل على المساعدة من أجل التنمية كما يحصل في لبنان. ونحن نتطلع بعد التوافق عليه أن يتم اعتماد هذا الميثاق قبل نهاية السنة.
قدرات الدّول هي التي تحدد حجم استقبالها للاجئين
ركزت المحامية عليا عون على ضرورة الأخذ في الإعتبار قدرات الدول على استضافة اللاجئين.
ولفتت عون الى أن هذا الميثاق العالمي بدأت مناقشته منذ عامين وذلك في محتواه وتبعاته والأمر مستمر. وأشارت الى أن 193 دولة من الأمم المتحدة اجتمعت في نيويورك في 19 أيلول 2016 وأوكلت الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مهمة بلورة هذا الميثاق بالتعاون مع الدول الأعضاء والجهات المعنية وكانت التراجيديا السورية في عزّها. ولفتت الى أن ثمة مرجعيتان لنصوص هذا الميثاق: شرعة الأمم المتحدة واتفاقية جنيف لعام 1951 واللتان تكرسان مبدأ التعاون الدولي والتصامن.
وقالت بأن هذا الميثاق يطمح الى استجابة المجتمع الدولي لأزمة اللجوء. وتحدثت عن بضع تساؤلات حول بعض المواد ومنها المادّة 16 التي تتحدث عن تقاسم المسؤولية، وهو أمر يطرح للمرّة الأولى، وقالت عون أن الأمر يثير الشبهة في ميثاق ليس ملزما للدول. وطرحت السؤال: ثمة شرخ كبير بين البلدان المضيفة و85 في المئة منها لم توقّع اتفاقية جنيف وبقية الدول المانحة التي لا تريد إلزامه بتقاسم المسؤولية. وقالت بأن اعلان نيويورك تحدث عن تضامن دولي وحذرت بأن التعاون الذي تتم الدعوة اليه قد يوصل الى إعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث، محذرة من أن التعاون لا يعني التهرّب من الإلتزامات الدولية وهذا ما يشكل خشية حقيقية. وذكرت عون أمثلة على ذلك ففي فرنسا بات يوجد ما يعرف بـ “جريمة التضامن” (مع اللاجئين)، وروت حادثة في إيطاليا، إذ منع القضاء أحد مسؤولي البلديات المحلية من العودة الى بلدته لأنه يتّبع سياسة انفتاح تجاه اللاجئين. وطرحت عون صعوبة التضامن في هذا الملف بين الدول الأوروبية نفسها. وتطرقت الى التضامن بين الدول الإفريقية في هذا الملف وهو يبقى تضامنا محليا بين هذه البلدان فحسب. وتحدثت عن خطورة أن يتحول التضامن الى تضامن طائفي حيث لا تستقبل دول شرق أوروبا مثلا سوى اللاجئين المسيحيين دون سواهم، وهذا أمر يناقض تماما روحية التضامن التي يتحدث عنها الميثاق وكذلك المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وروت واقعة استقبال النروج أخيرا لعائلة الطفل السوري الذي مثّل في فيلم كفرناحوم متسائلة عن المعيار المعتمد…فهل هو وسامة الطفل؟ وخلصت عون الى القول الى وجود مشكلة حقيقية في المعايير المعتمدة من قبل الدول الأوروبية نفسها، فكيف إذن يمكن فرض هذه المعايير على لبنان؟
وقالت المحامية عون بأن الحل الوحيد لهذه المشكلة يبدو في فتح الحدود، وهي فكرة دافع عنها لبنان ولم توافق عليها الدول.
وتطرقت في سياق حديثها عن الميثاق العالمي الجديد للاجئين عن أنه سينشئ ما يعرف بالمنتدى العالمي للاجئين، وهو يجتمع كل 4 أعوام ويعتبر منتدى مهم لتقاسم المسؤولية لأنه للمرة الأولى تتم إثارة موضوع قدرات الدول في الإستجابة لهذه المشكلة. وبالتالي سيكون تقييم دائم في هذا المنتدى لإلتزامات الدول ويشكل آلية حقيقية للشفافية وللمحاسبة. الى ذلك تحدثت عون عن مقاربة متعددة الأطراف ستميّز هذا الإتفاق.
الجلسة الثانية والحلول المستدامة
تناولت الجلسة الثانية موضوع ” الحلول المستدامة” بإدارة مدير معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية الوزير السابق طارق متري الذي قدّم نظرة عامّة عن الحلول المستدامة في الميثاق العالمي حول اللاجئين. وقال متري بأن الفقرة 43 من الميثاق العالمي الجديد للاجئين تتحدث عن “تحالف عالمي” للتصدي لهذه المشكلة، وتشكل الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القدّيس يوسف جزءا من هذا التّحالف. وهذان الصرحان يعتبران أحد منتجي المعرفة ومن الذين يمدّون الجسور. وتحدث عن 3 أمور بارزة في الميثاق: أولا، بالإمكان تلافي المشكلة ومعالجتها عبر جهود الأمم المتحدة والمجتمع الدولي فلا يكون لجوء من الأساس، ثانيا مبدأ تشاطر المسؤولية، وأوضح متري أن الأمور تصبح أكثر صعوبة حين نحاول تشاطر هذه المسؤولية بشكل متساو، وبالتالي ينبغي إيجاد المعايير والآليات التي تسمح بتأمين المساواة، وثالثا التعبير عن طموح الميثاق بحلول دائمة لمشكلة اللاجئين،وأحدها إعادة التوطين الطوعي بشروط آمنة وكريمة أما الحل الآخر فلا يبدو سوى الطرد. وقال أننا نشدد على استدامة الحلول ومحاولة التوصل الى عودة طوعية بشروط آمنة وكريمة للاجئين.
عدم الطرد…وحق البقاء لاجئا الى ما شاء الله
وتحدثت أستاذة القانون الدولي العام ونائب عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت عايدة عازار التي تناولت مبدأ عدم الإعادة القسرية وحق العودة.
وتطرقت الى اتفاقية جنيف التي تقونن حقوق اللاجئين وتسمح لهم بإيجاد مأوى آمن في دول أخرى وأن يبقى فيها ما دتم التهديد موجودا. وقالت بأن حق العودة مكرّس وهو أحد حقوق الإنسان لكن الإتفاقية المذكورة لا تتطرق الى حق العودة في بنودها، بل تلحظ أن بإمكان اللاجئ الإفادة من المأوى طالما توجد أسباب تحول دون عودته. ومبدأ عدم الطرد يحمي الأشخاص الذين حصلوا على وضع لاجئ وهذا الأمر ينطبق أيضا على طالبي اللجوء. ولا يمكن طرد اللاجئين انطلاقا من مبدأ عدم الطرد، وحين يتواجدون على أرض دولة استقبلتهم فهي تصبح المأوى الدائم لهم ويمكن أن تتحول هذه الدولة الى وطن للاجئ، وهذا امر لا يخالف اتفاقية جنيف التي تعطي الدول حق منح جنسيتها. ولفتت الى أن ضمان عدم الإعادة القسرية قد يكون مهددا لأنه غير ملحوظ في اتفاقية جنيف. وأشارت الى أن الإعادة القسرية غير جائزة ولكن العودة الطوعية مسموحة لكن يجب أن تحصل بظروف آمنة. وسألت عازار من يحدد مستوى الأمان؟ وهل من الضروري أن تكون كلّ أراضي الدولة آمنة؟ تبدو المسألة سياسة بحسب عازار. ولفتت الى أنه في الحالة السورية، فإن نظام الرئيس بشار الأسد لا يرغب كثيرا بعودة جميع اللاجئين. وثمة بعض المناطق الآمنة، لكن دمشق غير مستعجلة وهي تعمل على إعادة توازن في التوزيع الدبموغرافي بين العلويين والسنّة وسواهم. إلا أن المفاجئ كان عبر المبادرة الروسية التي وضعت هدفا بإعادة 890 ألف سوري. وعادت للتطرق الى الميثاق الجديد وأهميته الذي طالب بالتضامن الدولي وهم مهم وخصوصا وأن لبنان لم يوقع اتفاقية جنيف.
موقف البلد المضيف وحلّ إعادة التوطين
وتحدث الملحق الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمغتربين جهاد حرفوش الذي تناول موقف البلد المضيف حول الحلول المستدامة وعبّر عن الرأي اللبناني الرسمي، وذكّر حرفوش بأن لبنان هو من واضعي شرعة حقوق الإنسان لعام 1948 وهي تتحدث عن حق العودة. وتحدث عن أهمية إعادة التوطين في بلد ثالث كاشفا بأن 1 في المئة من اللاجئين أعيد توطينهم عام 2017 وبالتالي يجب تشجيع هذا الحل لكنه ليس بديلا للعودة الدائمة. وتطرق الى التجربة الكندية التي عرفت ببرامج الإدماج الداخلي. وتحدث عن بعض مواد الميثاق ومنها مواد مثيرة للجدل كالمادة 97 التي تحدثت عن الإدماج المحلي وقال بأن الأمر يعود الى القرار السيادي للدول.
تجربة كندا
وتحدثت سفيرة كندا في لبنان إيمانويل لامورو عن مفهوم إعادة التوطين في بلد ثالث، والرعاية الخاصة كحلول وكمظاهر عن تقاسم المسؤولية، وكشفت السفيرة الكندية بأن كندا أعادت توطين 50 ألف لاجئ سوري بينهم 20 ألفا من لبنان. وتحدثت عن تاريخ كندا الطويل بإستقبال اللاجئين وتطويرها آليات لإعادة توطينهم. وتحدثت عن 3 برامج: الرعاية الخاصة للاجئين، والبرنامج المختلط بين الحكومة والمجتمع، وبرنامج التبني الخاص. وركزت على الأخير الذي يسمح للمواطنين الكنديين بتحمل مسؤولية أفراد أو عائلات من اللاجئين، وكشفت بأنها شخصيا تبنت لاجئة طالبة من الكونغة وعائلة زوجها تبنت ايضا اشخاصا لاجئين من بلدان مختلفة. وقالت بأن إدماج اللاجئين لا يكون عبر الجيل الأول بالضرورة بل يتطلب وقتا وهنالك قصص نجاح عدة في كندا في هذا الخصوص.
وقالت بأن كندا تشارك خبرتها في هذا البرنامج حتى مع دول في أميركا اللاتينية وتعمل على زيادة اللاعبين الذين يمكنهم أن يكونوا معنيين بالقضية.
المفوضية تلاحق العائدين الى سوريا لمساعدتهم!
وتحدثت ممثلة المفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار عن عمل مفوضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في لبنان وسوريا من أجل عودة طوعية للاجئين.
وقالت بأن هذه العودة قد تحصل من خارج البرنامج الموضوع للعودة الطوعية والمسؤولية تكون على عاتق البلد الأصلي للاجئ ودور المفوضية محوري في تأمين استمرارية العودة.
وكشفت جيرار في مداخلتها أن المفوضية وثّقت كل الحالات المرتبطة باللاجئين في لبنان من مهنهم ووضعهم الإجتماعي وزواجهم وطلاقهم وحتى الحرائق في البقاع ومن تعرّض لها، فصار لديها أرشيف كامل عن حياة النازحين في لبنان. وقالت أنه من المهم جدا “أرشفة اللجوء” لأنه سيكون مهمّا للمستقبل، وهذا أمر مختلف عن تسجيل اللاجئين. وقالت بأن المفوضية عملت مع وزارة الداخلية والبلديات في لبنان ومع وزارة الخارجية ومع الأمن العام اللبناني لتكون هذه الوثائق ضمن وثائق الأحوال الشخصية وموثقة في لبنان بغية تقاسمها لاحقا مع الدولة السورية. وأشارت الى أن المفوضية عملت أيضا على تعديل بعض التشريعات في هذا الخصوص. وتستمر المفوضية بما تسميه “التحقيقات بالنوايا” والتي تحصل عبر اجتماعات مع اللاجئين وعائلاتهم. وقالت بأن هموم اللاجئ تحولت اليوم الى أسئلة مثل: هل لا زلت أمتلك هذا المنزل؟ هل سأشارك في الخدمة العسكرية؟ وهذه أمور نناقشها كمفوضية مع الدولة السورية لتلطيف هذه العوائق ولكي يشعر الأشخاص بثقة في العودة.
وقالت بأن بعض العودة يكون عفويا وهنالك عمل تقوم به المفوضية في سوريا حيث تتجه نحو مناطق العودة، ثم تزور اللاجئين العائدين في بلداتهم وتقيّم وضعهم وتطلع على احتياجاتهم الإنسانية وتحاول مساعدتهم في استعادة وثائقهم القانونية وتقدّم لهم مساعدات انسانية.
وقالت أنه لا تتم مساعدة الجميع بسبب الشح في الأموال، ومن وجوه المساعدة تخفيض مستوى التوتر بين العائدين وبين من يقطنون في البلدة، ومتابعة العودة لا تقتصر على زيارة واحدة بل هي دائمة لأن المشاكل قد تظهر تباعا بعد العودة. وتحدثت عما اسمته “سلاسل التضامن” في لبنان بالرغم من الطيف السياسي الموجود دوما. فهنالك “سلاسل تضامن” عبر خدمات تقدّمها الجهات الرسمية العامة التي تنسق مع المنظمات الدولية. وقالت بأن القطاع الخاص طاغ في لبنان ويمكن أن يكون خلاقا اكثر للإستجابة للمساعدة ولمعالجة الأزمة. ولفتت الى أن عدم وجود مخيمات أمر أفضل للأن يمتلك حريته ويدير مستقبله كما يريد.