“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
جمعت مؤسستا “بيت المستقبل” و”كونراد آيديناور” و”مركز الشرق للشؤون الإستراتيجية” في حلقة نقاش أمس الأول مجموعة من الخبراء والسياسيين لمناقشة ورقتين حول “مؤتمر “سيدر” الذي انطلقت أعماله رسميا في نيسان الفائت في باريس، بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والذي ينتظر الفرنسيون مع الدول المانحة التي تعهدت بـ12 مليار ونصف مليون دولار كتمويل لمشاريع في البنى التحتية اللبنانية إقرار التشريعات والإصلاحات التي وضعها المبادرون شرطا لمتابعتهم النهوض بالإقتصاد اللبناني.
تتعلق الورقة الأولى بـ”السياق الجيوسياسي وتداعياته على الجبهة الداخلية” قدّمها الدكتور سامي نادر، والثانية بعنوان “مؤتمر “سيدر” الفرص المتاحة وحدود القدرة الفعلية على تحقيقها” قدّمها الدكتور كمال حمدان، وأدار النقاش بين المتحاورين وفي مقدمتهم رئيس مؤسسة “بيت المستقبل” رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، والرئيس فؤاد السنيورة، ومستشار رئيس الحكومة نديم المنلا، وكبار الخبراء والإقتصاديين والمصرفيين في لبنان الدكتور ناصر ياسين.
في هذا الملخص الذي يقدّمه موقع “مصدر دبلوماسي” إطلالة على الخلاصات التي توصلت اليها الورقتان اللتين ستصدران مع النقاش حولهما في كتيّب خاص كما درج عليه “بيت المستقبل” بحسب مديره التنفيذي سام منسّى، وملخصا لأبرز المداخلات التي قدّمها المشاركون وفي مقدّمتها مداخلتي الرئيسين الجميل والسنيورة وآراء بعض الحاضرين.
إشارة الى أن منسّى قدّم مداخلة مختصرة قال فيها بأن ” لبنان يعاني من مشكلة كيان وليس من مشكلة حكم بسبب وجود “حزب الله” الذي يسيطر على الأمن والسياسة والإقتصاد”. وسأل:” لم أفهم لم لم يتم التطرق الى هذا الموضوع من قبل الحاضرين وكأنه خارج سياق الحياة السياسية اللبنانية وهي نقطة رئيسية”.
من جهته، قال الممثل المقيم لمكتب مؤسسة “كونراد آيديناور” في لبنان الدكتور مالته غاير بأن المؤسسة تدعم النقاشات المثمرة حول مؤتمر “سيدر” الحيوي من أجل إعادة النهوض الإقتصادي في لبنان وهي ترحّب بمجموعة الخبراء والسياسيين الذين يهتمون بوضع آلية عمل واقعية وحقيقية لتنفيذ هذا الأمر (…).
حمدان: لا نتيجة إيجابية للمؤتمرات بلا إصلاحات
تضمنت الورقة السياسية التي أعدها الدكتور كمال حمدان 8 محاور أساسية:
-استعراض وتحليل أهم المؤشرات الماكرو-اقتصادية في لبنان عشية انعقاد مؤتمر “سيدر”
-توصيف الوثائق الحكومية المقدّمة الى المؤتمر: رؤية انمائية؟ خطة اقتصادية؟ برنامج استثماري؟
-هل للبرنامج الإستثمارئي استهدافات قطاعية محددة؟
-رصد تداعيات تنفيذ البرنامج على أوضاع المالية العامّة في البلاد.
-أبعاد الربط بين البرنامج الإستثماري وتطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص
-استقراء تبعات تنفيذ البرنامج على أداء سوق العمل المحلية.
-البحث في القدرة الإستيعابية للسلطات العامة ومؤسساتها على تنفيذ البرنامج.
-البحث في تداعيات نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة على فرص تنفيذ البرنامج. واختتم الدكتور حمدان ورقته بخلاصة حول خيارات مستقبلية بديلة.
وفي الخلاصة التي يقدمها حمدان لورقته يقول بأنه :” حان الوقت للإعتراف بأن تكرار تجارب المؤتمرات الدولية المعقودة حول شعار “دعم لبنان ومساعدته”، لم يفلح عمليا، -وسط غياب الإصلاحات- في الحد من إضعاف هذا البلد وزيادة ارتهانه للخارج وتعظيم دينه العام، ومظاهر الخلل الإجتماعي فيه. كما حان وقت الغعتراف بأن استجلاب هذه القروض منذ التسعينيات لم يكن محكوما فقط بضعف أو عجز الحكومات المتلاحقة عن اجتراح حلول أو برغبتها المحصورة في تأجيل أزمات تنذر بالكوارث، بل لأنه شكّل ايضا –وأساسا- الوسيلة التي مكّنت نواة ضيقة ومتنفذة من أركان في الدولة وعالم المال والأعمال من الإغتناء السهل، بفضل نمط ادارة ملفات العجز والدين العام وطغيان ظاهرة الإنتفاخ المالي على عمل الإقتصاد ككل.
وقد حالت ضخامة المصالح الخاصة –المعلنة والخفية- التي تنامت وتركّزت لدى هذه الفئة، دون افساح المجال أمام اصلاح المرتكزات السياسية والإدارية العميقة للنظام السياسي والإقتصادي القائم. إن هذه النواة كانت وما تزال تلعب دورا بارزا في تقرير السياسات العامّة وتتحمّل قسطا كبيرا من المسؤولية عن تردّي الأوضاع الإقتصادية في البلاد. ولا ينبغي التقليل من قدرة تلك النواة – من موقعها في مركز القرار الرسمي- على حرف مشروع تمويل البرنامج الإستثماري عن مساره المنشود، وتحويله الى منصّة إضافية من منصّات تحقيق المنافع والأرباح السهلة والريوع، أيا كانت سيناريوهات التطوّر السياسي والإقتصادي اللاحق بالبلد. (…)
وتحدث الدكتور كمال حمدان عن شروط النهوض وهي :” استحداث نظام ضريبي تتركز أعباؤه الأساسية على مكوّنات الثروة والريع وارباح كبار المكلّفين، بحيث يوفّر للدولة المداخيل التي تسمح لها، ولو بشكل متدرّج بتمويل اعادة بناء البنى التحتية. وبالطبع، لن تكون لهذا النظام الضريبي البديل الفاعلية المنشودة ما لم يتزامن مع اصلاحات اساسية في بنية الوظائف العامة والانفاق العام واطره المؤسسية والإدارية وصولا الى تفعيل وتحسين أداء المرفق العام الى مستوى يصعب معه استمرار استخدام مقولة “الدولة تاجر فاشل” كذريعة لقضم الأملاك والأصول العامّة” (…).
وتساءل حمدان في ختام ورقته:” وارتباطا ببلورة مثل هذه الخيارات، بدأت تطرح تساؤلات مشروعة حول مدى جدوى استمرار الاعتماد على القروض الخارجية إذا كان القطاع الخاص اللبناني هو الذي سوف يموّل اكثر من ثلث المشاريع، مشيرا الى أن ما يتطلبه هذا التمويل المحلي من ضمانات –لا طاقة للدولة راهنا على تأمينها-يمكن توفيره عبر اشراك المانحين أساسا في حلّ هذه المسألة بالذات، بدل اضطلاعهم بتمويل غالبية البرنامج الاستثماري. ويطال بعض هذه التساؤلات بشكل خاص نمط تعامل الحكومة الفاضح مع ازمة الكهرباء، الذي ترافق مع تجاذبات وتحاصصات فوقية واهدار عقود من الزمن، على الرغم من جهوزية الملف للتنفيذ، في الوقت الذي كانت كلفة هذه الأزمة تستأثر سنويا بنحو ثلث عجز الموازنة، الى جانب استئثارها تراكميا بأكثر من 40 في المئة من إجمالي قيمة الدين العام. وكان يمكن للبنان الإستعاضة عن طلب المزيد من القروض الخارجية لو أنه اقدم في الوقت المناسب على توفير المعالجات المطلوبة لتلك الأزمة بالذات. فما الذي حال دون ابتداع الحكومات المتعاقبة حلولا لمعضلة الكهرباء عبر قرارات مسؤولة وقابلة للتنفيذ تشمل ادارة المرحلة الانتقالية واصلاح القطاع وتطويره وبناء المعامل وتعديل تعرفة استهلاك الطاقة الكهربائية والحدّ من دعم هذا الاستهلاك وصولا الى الغائه، ما كان وفّر على الدولة سنويا ما بين مليار دولار ومليار ونصف مليار دولار اميركي. ولو اتخذ مثل هذا القرار في حينه لكانت القيمة المتراكمة لهذا الوفر تجاوزت بمفردها على مدى 8 اعوام –تبعا لتطوّر تعرفات استهلاك الكهرباء واسعار النفط والفوائد العالمية-مجموع تعهدات الاقراض الميسّر التي حصل لبنان عليها في مؤتمر باريس (4). وما ينطبق على هذا المثال يصح أيضا وإن بنسب واشكال أخرى على معالجة العديد من الملفات المتعلقة بمشروعات عامّة حيوية وملحّة سبق ان تكرّر تأجيل تنفيذها مرّات عدّة. إن هذا النمط من المبادرات هو الذي يطمح الشعب اللبناني الى تجسيده، وصولا الى إعادة بناء الدولة كدولة انمائية وغير طائفية، دولة متحررة من التقاسم للسلطة والثروة ومن شبكات المصالح والامتيازات الخاصّة والزبائنيّة”.
نادر: علاقة لبنان بالعالم العربي أساسية لتحديد مستقبله الإقتصادي
من جهته، قدّم الدكتور سامي نادر ورقة بحثية بإسم ” مركز الشرق الأوسط للشؤون الإستراتيجية” تناولت “السياق الجيوسياسي وتداعياته على الجبهة الداخلية”. وخلص الدكتور نادر الى أنه “مرّ على انعقاد مؤتمر “سيدر 5 أشهر ولبنان ما زال عرضة لتجاذبات اقليمية مرشحة للتفاقم وخصوصا على وتيرة الصراع بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في المنطقة وايران. السبيل الوحيد امام القوى الممسكة بمقاليد الحكم في لبنان لاحتواء مخاطر هذا الصراع، هو تحييد البلد الصغير عن تلك الصراعات (…). أضاف: “بناء على ما اذكر تبقى التسوية في لبنان هشّة ومرهونة بالتطوّرات الإقليمية لا سيما على الساحة السورية التي تقسّمت الى ساحات نفوذ أميركا وتركيا وايران واسرائيل. حسمت الى حدّ معين ادوار واحجام اللاعبين باستثناء الحجم والدّور الإيراني الذي ينتظر ما ستؤول اليه السياسة الأميركية الجديدة الماضية في اتجاه التصعيد. أما العامل الآخر الذي سوف يحدّد دور وحجم ايران في المشرق العربي فهو “الشريك” الروسي وما قد يقوم به من تسويات بعد عقد شراكات مع كافّة اللاعبين الاقليميين. ليس لروسيا مصلحة طبعا بانهيار ايران عسكريا لأن ذلك سوف يساهم في عزلتها. ولكن قد تكون هناك مصلحة بتقليص دور طهران في الاقليم، أقلّه للإبقاء على حاجة تلك الأخيرة الى “الحامي الروسي”.
أما على مستوى علاقة لبنان لبنان بالعالم العربي وهذا معطى أساس لتحديد مستقبله الإقتصادي أقل ما يمكن قوله أن هامش المناورة الذي كان يتمتع به لبنان قد انحسر لأن هامش التسامح العربي معه تضاءل بفعل انخراط “حزب الله” بساحات صراع عربية لا سيما في اليمن وسوريا.
دخول هذا الأخير على ملفات اقتصادية لن يكون عاملا مساعدا على هذا التطبيع إن لم يغّير سياسته. الأمر نفسه ينجلي على علاقة أوروبا في لبنان وعلى سياسة دعمها الإقتصادي. فبالرغم من تمايز لا بل تناقض أوروبا مع أميركا بشأن كيفية التعامل مع إيران يبقى أن سياسات واشنطن الأخيرة لا سيما العقوبات المفروضة على ايران وعملائها، وما تفرضه من قيود على شركات ومؤسسات اوروبية، تضيّق من هامش المناورة الإقتصادي لدول أوروبية، وما قرار شركات مثل “سيمنز” و”توتال” و”اير فرانس” وغيرها بالإنسحاب من السوق الإيراني سوى خير دليل على ذلك.
وإذا كان هامش المناورة السياسي ضاق أيضا وذلك بسبب تفاقم الأزمة المالية والإقتصادية بفعل تنامي العجز، إنحسار النمو، وغياب الإصلاحات. فشرط التحييد عن الصراعات الإقليمية إن كان ضروريا بيد انه ليس كافيا. فالإصلاحات ليست فقط الممر الإلزامي للإنقاذ إنما الشرط للمساعدات كما اشار اليه بيان مؤتمر “سيدر” وعلى راس هذه الإصلاحات اصلاح قطاع الكهرباء كما عبّر عنه السفير الفرنسي في لبنان في 13 تموز 2018.
فهل تصطدم تلك الإصلاحات بجدار نظام المحاصصة القائم منذ رحيل ضابط الإيقاع السوري تحت راية حكومات الوحدة الوطنية. هذا النظام الذي حوّل منظومة الحكم الى عقد بين قوى سياسية مطبّقة على الطوائف التي تمثلها حصريا وفي صراع دائم على السلطة. هذا النظام لم يقوض فقط السيادة اللبنانية لأنه شرّع الباب أمام التدخلات الإقليمية، مسهّلا إصطفاف الطوائف في المحاور إما طالبة الحماية لشعورها بالتهديد أو للإستعانة بها كرافعة من اجل استعادة أو المحافظة على حقوقها، إنما حال ايضا دون قيام حكم رشيد ينهض بالإقتصاد ويقاوم الفساد”.
الجميل: الحوكمة هي كلمة السّر
رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل قال بأن “سيدر” هو استكمال لمؤتمرات باريس الثلاثة الأولى، وكلها ساعدت لبنان بمرحلة معينة. وقال بأن الجهود التي بذلت في المؤتمرات الثلاثة لم تؤث الثمار المرجوة لأن الواقع على الأرض لم يلتق مع حجم هذه الجهود. لذلك يجب التوقف عند هذه الظاهرة وأسبابها، وهل لاقت الجهود الداخلية تلك الخارجية والصديقة للبنان؟ وخلص الى أن هذه الأمور لم تكن متوافرة في المؤتمرات السابقة.
وقال الجميل بأن الإجابة عن أسباب هذا الأمر تتعلق بعدة مسائل أولها الحوكمة الرشيدة، وهي ضرورية من أجل تثمير كل هذه الجهود التي تبذل، وكأن الخارج قلبه على لبنان ولبنان قلبه على الحجر كما يقول المثل”. واشار الى أنه “من دون الحوكمة نكون وكأننا نضع مياه في سلّة قش”.
وتساءل الرئيس الجميل: كيف يمكن البحث في برنامج اقتصادي وإنمائي في حين أن المؤسسات الأساسية في البلد معطلة، نحن نفتخر أنه في حقبة من تاريخ لبنان الحديث وضعت أصول وأسس متقدمة جدا على صعيد الإدارة اللبنانية والمؤسسات وكان لبنان بمصاف الدول المتقدمة جدا فهو أول من وضع أسس ديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية ومجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي… وكان لبنان مدرسة في المنطقة لطريقة تطوير الإدارات العامّة. (…).
وتحدث عن أهمية التفتيش المركزي والتفتيش القضائي وديوان المحاسبة وتفعيلها قبل البدء بأية مشاريع وهي أساس للحوكمة الرشيدة.
وقال الجميل أنه إذا بقيت الإدارة في هذا الوضع المعرّض للفساد كيف من الممكن أن يثق الغير بنا؟ وخصوصا وأن في “سيدر” منظومة ترعى الشفافية، وكيف يكون التواصل بينها وبين الإدارة اللبنانية؟
وتطرق الى قضية الحكومة وتشكيلها وقال الجميل:” بأن الجميع يفتش عن حقائب وازنة و”مدهنة”…من المفترض أن تحصل صدمة نوعية في هذه المرحلة بالذات ليكون لبرنامج “سيدر” صدمة إيجابية نافعة بدوره، وأن يستعيد الشعب اللبناني ثقته بهذا البرنامج وبدولته وبكل هذه الوعود التي تطرح”.
وقال الرئيس الجميل:” آن الأوان للتفكير بنقلة نوعية بطريقة تشكيل الحكومة وخصوصا في هذه المرحلة التي يعاني فيها الإقتصاد اللبناني من الأمرّين (…).
السنيورة: لبنان في ممرّ الأفيال
الرئيس فؤاد السنيورة تحدث عن محاولة اصلاحية على عهده مذكرا أنه في عام 2002 أقرت مجموعة من القوانين لم يتم تنفيذها لغاية اليوم، ويقول بعض الوزراء بكل صراحة بأنهم لن ينفذوا هذه القوانين لأنها لا تعجبهم، وهي تتعلق بالكهرباء وبالإتصالات وسواها… وأشار السنيورة الى أن الإنجاز الوحيد الذي تحقق تمثل بالضريبة على القيمة المضافة التي انقذت لبنان الى حدّ بعيد لأنها عدّلت وضع الخزينة”.
واشار السنيورة الى أننا ” اليوم في حالة تكاد تكون أقرب الى عدم العقلانية الإقليمية والدولية، ونحن نضع أنفسنا إزاء هذا الشح الكبير الموجود اقليميا ودوليا في ممر الأفيال ولا نلجأ الى أي عمل يؤدي الى النأي بأنفسنا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا عن التعرض لهذه المخاطر المتزايدة في المنطقةّ وفي لبنان، من خلال الإجراءات التي نقوم بها”.
وقال:” جرى خلال هذه الفترة أمر يكاد يتفوق بخطورته على الوضع الإقتصادي والمالي وهو تناثر الدولة اللبنانية وانحلالها واستتباعها من قبل الأحزاب والميليشيات، ولم تعد الدولة التي نعرفها بالمعنى الحقيقي موجودة، بل باتت الولاءات لمن يتبع الشخص، ويحصل قتل على الهوية وانتقام من موظفين لأنهم من هوية معينة وهذا يعطينا صورة عمّا آلت اليه هذه المعالجات، وقد شهدناها أخيرا وعلنا بوزارات معينة. إن تقاسم الدولة وتناثرها بين الجميع هو أخطر ما وصلنا اليه”. واشار الرئيس السنيورة الى أن “الملاءة السياسية تولّد الملاءة الإقتصادية وليس العكس”. وسأل: هل فقدنا الأمل؟ لا، لكن يفترض وجود الإرادة السياسية التي ليست موجودة بعد وهو ما نعوّل عليه. لأن ثمة انحسار كبير في مستوى ثقة الناس بالدولة وبالأحزاب السياسية وبالسياسيين بشكل عام.
وخلص الى ضرورة التفتيش عن صدمة ايجابية تستطيع وضعنا على طريق استعادة الثقة، من اللبنانيين بالدولة ومن المجتمعين العربي والدولي”.
واقترح السنيورة حلا بالعودة الى الثوابت والأصول والبديهيات المفترضة في الدول واعادة الاعتبار لاحترام الدستور واعادة الاعتبار لاحترام القانون واعادة الإحترام لسلطة الدولة على مرافقها، واعادة الاعتبار لتولية من هم جديرون واصحاب كفاءة لتولي المسؤولية (…). وقال السنيورة بأن هذه المبادئ الأربعة هي شديدة البساطة وشديدة الاستحالة في آن واحد، ولكن يجب أن نعلم أننا في مرحلة تخطينا فيها مداواة مشاكلنا بالمراهم وتخطينا مرحلة شراء الوقت، وتخطينا مرحلة الإختيار، بل نحن إما لدينا صحن أم لا. يوجد أمل لكن شرط أن تتوفر الإرادة وهي تضعنا على بداية طريق نستطيع أن نستعيد فيه بداية ثقة اللبناني بالدولة اللبنانية وبعد ذلك أيضا بأن نستعيد ثقة العالم”.
المنلا: لا لتحميل “سيدر” أكثر من طاقته
مستشار رئيس الحكومة نديم المنلا قال في مداخلة له: ” ليس مؤتمر “سيدر” حل عجائبي لجميع المشاكل والأمراض الموجودة في المجتمع اللبناني، ولا يجب أن نحمّله أكثر من طاقته”.
أضاف: “أؤيد كلام الرئيس أمين الجميل بأن الحوكمة تزيد من فرص نجاح “سيدر”، وأؤيد الرئيس فؤاد السنيورة بالعودة الى الأصول والثوابت الأساسية، وكذلك أؤيد الدكتور سامي نادر الذي تحدث عن متغيرات جيو-سياسية وأن أية مواجهة مع إسرائيل تقلل من حظوظ نجاح “سيدر”.
وأشار المنلا ردّا على الدكتور كمال حمدان قائلا بأنه حاول أن يقوم بمحاكمة للنظام الإقتصادي عبر التطرق الى “سيدر” وأنا أختلف بالتقييم.
وقال أذكّر بأن ” سيدر هو حل لمشاكل آنية اقتصادية اجتماعية يواجهها لبنان، وليس حلا لجميع الأمراض في المجتمع اللبناني ويرتكز الى 4 ركائز اساسية: منح لدور للقطاع العام بإعادة تأهيل البنى التحتية للإعتقاد بأن واقعنا بالبنى التحتية هو عائق اساسي لأي نظام سياسي، وهو واقع مزري. يلحظ مؤتمر “سيدر” قرابة المليارين دولار سنويا للصرف خلال 8 أعوام القادمة وهذا تحدّ كبير على مجلس الإنماء والإعمار، الركيزة الثانية تتعلق بتخفيض العجز في موازنة الدولة بحدود 5 في المئة على مدى 5 أعوام، أي 1 في المئة من الناتج سنويا، وهذا أكبر هدف ممكن تحقيقه لأن عجز الكهرباء يصل الى ما بين الـ4 و4،5 في المئة من هذا الهدف. الركيزة الثالثة هي الإصلاحات القطاعية والهيكلية التي بدأها الرئيس السنيورة عام 2002 ومن المطلوب منا جميعا أن نعود ونؤكد عليها ونحن يوميا نتواصل مع المجلس النيابي ومع الرئيس نبيه بري وهو متشجّع على المضي بتحقيق التشريعات المطلوبة في “سيدر” ونحن معه. أما الركيزة الرابعة بأن النموذج الإقتصادي للستينيات والسبعينيات من القرن الفائت يجب تغييره والواقع الجيو سياسي والمزاج العربي تغيّر ما يحتّم على لبنان التطلع الى نماذج اقتصادية جديدة، وقال بأن دراسة ماكينزي (انتقدها الدكتور كمال حمدان) هي الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل”.
وأضاف المنلا أنه حيال هذه الركائز الأربعة نحن نقول بأنها بداية وليست نهاية.
والسياسة فن الممكن، وهل من طرح على الطاولة أفضل من الطرح الحالي؟ مع التأكيد بأن مؤتمر “سيدر” لن يخرج لبنان من جميع أمراضه السياسية والطائفية والإقتصادية والإجتماعية”. وختم:” يبقى “سيدر” المشروع الوحيد الموجود على الطاولة ليمنع انهيار اقتصادي في لبنان”.
ديب: لا إرادة إصلاح لدى القوى السياسية
الوزير السابق روجيه ديب قال بمداخلة له:” إن القوى السياسية التي حكمت منذ عام 1991 لا تزال هي ذاتها مع دخول بعض القوى ابتداء من 2005 وهي مستمرة والحكومات متشابهة.
إن هذه القوى السياسية مسؤولة عن الوضع الذي وصلنا إليه. وقال أن “سيدر” يعطي محفّزا ليس اكثر. وقد حاول الرئيس (سعد) الحريري تخفيض الموازنة 20 في المئة منذ بضعة اشهر، لكن السؤال: هل يعقل بأن سلسلة الرتب والرواتب -وهي مهمة للعدالة الإجتماعية- لكنها لم تحدث وقفا في الهدر ولم توقف الفساد؟ بالنسبة الى قطاع الكهرباء، وصل الأمر الى هذا الحد لأن ثمة أناس لا تدفع فواتيرها، والعجز يجرجر. وقال ديب بأن القوى السياسية التي تقف وراء هذين الأمرين معروفة للجميع، وهي لم تضع شيئا على الطاولة يشير الى ارادتهما بالتغيير وهل من ضمانات جديدة وفعلية بالممارسات وليس بالكلام على موضوع الفساد؟
وخلص الى أن كل بحث خارج هذا الإطار هو عقيم، ويجب وضع شرعة جديدة بين هذه القوى بضمانة خارجية لتحقيق اهداف “سيدر”.