“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تبدو المعركة العتيدة في محافظة إدلب (شمالي غربي سوريا) حيث يعيش 3 ملايين نسمة حاسمة سواء ميدانيا لأنها آخر معاقل المعارضة وبؤرة لتجمع إرهابيين في مقدمتهم “جبهة النصرة” وسياسيا لأن نتيجتها ستنعكس حتما على الجولة العاشرة من المفاوضات حول سوريا والتي ستنعقد في جنيف في كانون الأول المقبل.
لا وجود لتفاهمات هلسنكي
لا يمكن فصل ما يحدث في آخر فصول الحرب السورية عن سياق العلاقة الروسية الأميركية، فقد تبدّدت اية تفاهمات كانت مأمولة في قمّة هلسنكي التي انعقدت في آب الفائت بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، وكأن هذه القمّة لم تحصل “وصرنا في مرحلة أخرى” كما تقول أوساط دبلوماسية روسية واسعة الإطلاع لموقع “مصدر دبلوماسي”.
فلا تفاهمات غير قابلة للتنفيذ كما تبيّن للروس، فدرجة العداوة لموسكو في الأوساط الأميركية الحاكمة عالية جدّا وخصوصا في الكونغرس الأميركي وهي عداوة لا تسمح بتمرير أي تفاهم أو تسوية بنّاءة مع روسيا. صحيح بأن موسكو أبدت إستعدادها للحوار في مواضيع شتى تبدأ في أوكرانيا ولا تنتهي في سوريا، لكن الرغبة التي أبداها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمدّ اليد للروس ولإقامة تفاهمات وحوارات سرعان ما أجهضت في مهدها من قبل الكونغرس الأميركي الذي عطّل الحوار نهائيا.
هذا ما حدا بالروس الى الإستمرار بالإتكال على الذات وعلى الدول الإقليمية الحليفة، وهنا نتحدث عن الملف السوري وخصوصا مع القمة الرئاسية الثلاثية في طهران اليوم الجمعة والتي جمعت رؤساء روسيا وإيران وتركيا أو ما تسمّى بالدول الضامنة لمسار آستانة، وعلى مشارف معركة حاسمة في إدلب يناقشها أيضا مجلس الأمن الدولي، وستكون معركة إدلب ممرّا إلزاميا لتبلور حل سياسي يعتبر الروس أنه سيتسارع بعد الحسم في إدلب التي لمّا تزال تتأرجح لغاية اليوم بين الحسم العسكري المتدرّج أو السريع وبين التسويات والمصالحات درءا لدماء المدنيين التي تحرص روسيا عليهم والتي تتخوّف بشدّة من مؤامرة أميركية إنكليزية وفرنسية للجوء الى اسلحة كيميائية تمّ تزويد الإرهابيين بها تمهيدا لاستخدامها في الحرب العتيدة ولصق الأمر بالنظام وحلفائه والروس في مقدّمتهم.
تركيا وحرص على وحدة الدول
تحرير سوريا من الإرهابيين هدف روسي أساسي وسيمرّ في إدلب حتما، حيث تتشابك المصالح والقوى مع حلفاء في مقدمتهم تركيا التي تريد الفصل بين الإرهابيين والمقاتلين الآخرين التابعين لها، و”جبهة النصرة” التي تحاول تجنيد المجموعات الإرهابية الأخرى تحت لوائها بغية توحيد الجهود للتصدي للجيش النظامي السوري وحلفائه، برأي الروس أن الأميركيين أيضا يؤيدون “النصرة” وهم غير موافقين على تحرير إدلب ويريدون تأجيل هزيمة الإرهابيين لتبقى إدلب ورقة ضغط على سوريا والنظام وما تطلق عليه تسمية “محور الممانعة”.
يتواصل الروس مع الأتراك بطريقة إيجابية معولين على الإستمرار في مسار آستانة الذي تبدّت اهميته بدءا من حلب وصولا الى تحقيق الأهداف الرئيسية وفي مقدمتها القضاء على الارهابيين. لا يخفي الأتراك مصالحهم عن روسيا:عودة الإستقرار والحفاظ على وحدة الأراضي للدول والحدود المعترف بها دوليا وعلى هذه الأسس تتواصل المساعي المشتركة وآخرها القمة المنعقدة اليوم في طهران.
إدلب مدخل لحلّ سياسي
لا تستبق الأوساط الروسية نتائج القمة الثلاثية ولا تتوقع كيفية تحقيق هدف القضاء على آخر معاقل الإرهابيين في إدلب، قد يكون الأمر مزيجا من الأساليب، ومنها على سبيل المثال الفصل بين الإرهابيين والمدنيين أو التوصل الى مصالحات وإخراج الناس عبر ممرات آمنة، الى ضربات جوية على مستودعات السلاح والذخائر مع عدم استثناء استخدام القوة ضد العناصر الارهابية الذين لا يقبلون شروط المصالحة بهدف تحقيق تحرير الأرض بأقل عدد ممكن من الضحايا واستبعاد استهداف المدنيين.
في الجبهة المقابلة، يتوجّس الروس من مؤامرة اميركية إنكليزية، ويضعون الإنكليز في المقدّمة قبل الأميركيين ويرون أن هذا الفريق يحضر لاستخدام مواد سامة زوّد بها الإرهابيين في إدلب وقد وضع الخوذ البيضاء لتصوير فيلم مفبرك عن استخدام السلاح الكيميائي وهنالك احتمال كبير لتنفيذ هذه المؤامرة بمعرفة الفرنسيين. وكانت قضية اتهام روسيا من قبل الإنكليز بأنها من سمّمت العميل الروسي سكريبال “بروفة” أولية لتصوير روسيا بأنها تتورط في قضايا من هذا النوع.
لا صدام مباشر مع اميركا
إلا أن الجانب الروسي، مصمّم على تحقيق أهدافه من تنظيف إدلب من الإرهابيين بغض النظر عن التصرفات الأميركية مع استبعاد لصدام مباشر مع الأميركيين، وبحسب الأوساط الروسية فإن أميركا لن تتمكن من إعادة عقارب الساعة الى الوراء في سوريا ولا قلب موازين القوى لمصلحة قوى متطرفة. ويطالب الروس الأميركيين بالإنسحاب من الأراضي الشرقية معتبرين أن وجودهم هو احتلال.
لغاية اليوم لا يوضح الروس متى ستنطلق المعركة الحاسمة في ادلب، وليس واضحا كيف سيكون التناسب بين استخدام القوة أو المصالحات وربّما اللجوء الى معارك صغرى وهذه أمور سيحسمها تطوّر الموقف الميداني.
بعد إدلب سيحصل بحسب الأوساط الروسية تنشيط للجهود السياسية، لأن الوجود الإرهابي هو عنصر معطّل للجهود السياسية، وكان استخدام هؤلاء الإرهابيين هو للضغط على التسوية السياسية. وبعد استكمال العملية في إدلب سيكون الحوار على أساس واضح وهنالك اقتراح روسي بتشكيل لجنة دستورية يجب تنفيذه عبر بذل الجهود المشتركة بمساعدة السوريين في هذا المجال وهذه اللجنة الدستورية سوف تعمل على تحريك عجلة العملية السياسية.