“مصدر دبلوماسي”- خاص
نظمت مديرية الأنشطة النسائية في هيئة دعم المقاومة رحلة اكتشاف الى دروب المقاومة الأولى في البقاع الغربي حيث انطلقت جولات المقاومة ضدّ جيش لحد الذي كان متعاونا مع المحتل الإسرائيلي لأرض الجنوب والتي أفضت الى تحرير الأراضي اللبنانية في 25 أيار2000.
حفلت الرحلة بتفاصيل جمّة عن حياة المقاومين الشاقة وقصص المواجهات التي خاضوها في حقبة كانت فيها المقاومة في مرحلة الدفاع عن النفس والأرض ولم تنتقل بعد الى مرحلة الهجوم المضادّ بعد امتلاك “حزب الله” لقدرات رادعة وطّد من خلالها التحرير.
على امتداد الطريق من بيروت الى البقاع صدحت في الباصات الثلاث أناشيد التحرير الأول التي أعقبت انجاز عام 2000 وأغنيات الإنتصار التي أعقبت حرب تموز 2006.
أما النساء المشاركات فأتين من المناطق اللبنانية ومن الأحزاب كافة ومن مختلف الطوائف جمعهنّ حبّ لتلمّس الخطوات الأولى لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي، وكنّ بمعيّة “الأخوات المجاهدات” في “حزب الله” وتحديدا مديرية الأنشطة النسائية في “هيئة دعم المقاومة”.
أمّ الشهيد كمال
ولعلّ الصورة الأشدّ تأثيرا في تلك الرحلة التي تهدف الى إحياء ذاكرة المقاومة وتعريف لبنانيات بعيدات جغرافيا عنها الى المواقع والعمليات النوعية التي حصلت، كانت صورة “أم الشهيد كمال”، الشاب الوسيم الذي قضى في حرب جرود عرسال العام الماضي، وحيد أمّه التي قدّمت دماءه فداء للبنان ولتحريره من رجس الإرهاب. والدة الشهيد كمال الكيك كانت أيقونة حيّة جسّدت في تلك الرحلة نضال كثر من الأمهات اللبنانيات اللواتي قاومن بفلذات أكبادهنّ محتلا بغيضا وذلك فداء للبنان ولأرضه.
نساء من صوّان
وإذا كانت الأغنية تقول بأن رجال المقاومة هم رجال من صوّان فإن الظهير الأساسي لهم كانت تلك النساء الملتحفات بالأسود، واللواتي شكّلن الإمداد الحقيقي لأزواجهنّ ولأبنائهنّ للصمود في وجه الإحتلال.
يقول أحد الضباط المقاومين وإسمه الجهادي “بو محمّد جواد” اثناء التوجّه الى تلال ميدون التي شهدت مواجهات دامية عم 1988 بين “حزب الله” وقوات الإحتلال تنقلت من منزل الى منزل، بأنّ نساء المقاومين هنّ من احتضنّ المقاومة فعليا. حتى السيدات المسنّات ساهمن على طريقتهن ّ بترقيع الثياب وغزل الصوف والطبخ للمقاومين، في حين نشطت السيدات الأكثر شبابا في جمع الأموال والمونة وإمداد المقاومين الذين يعيشون في أقسى الظروف المناخية والعسكرية والأمنية بما يحتاجون اليه.
وتتكل المقاومة بشكل كبير على صوت المرأة المقاومة والمثقفة في الميادين كلها سواء التعليمية أو الإعلامية أو الأدبية أو سواها وتعتبر في بيئة “حزب الله” امتدادا لميادين المقاومة العسكرية وهي تساعد في نقل الصورة الحقيقية لها. ويشير الضابط المقاوم الذي لم يكن مسموحا معرفة إسمه الحقيقي أو تصويره، الى أن نساء المقاومين لا تترددن في حمل السلاح إذا لزمت الحاجة وهنّ تتمتعن بمعرفة في كيفية استخدام السلاح وتنظيفه وإعداد الذخيرة للدفاع عن العائلة في حال غياب الزوج أو الإبن.
على خطوات المقاومة
إنطلقت الرحلة من بيروت مرورا بقرى الجنوب وصولا الى المنطقة التي شكّلت خطّ تماس لمنطقة عمليات البقاع الغربي نحو المناطق الأخرى وذلك بين عامي 1982 و2000. يروي أحد المقاومين في منطقة كفرحونة -حيث كان موقع لعملاء جيش لحد-:” كان المقاومون يتسلقون الجبال ليلا حاملين أكياس أسلحة يصل وزن الواحد منها الى 27 كيلوغرام بلا طعام أحيانا وفي عزّ الصقيع مستفيدين من المناخ السيء والضباب لمواجهة التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتفوقة للجيش الإسرائيلي المحتل”. من جزين انطلقت الرحلة الى تلال ميدون. وقبل الوصول اليها تعرّفت النساء الى مواقع لحدية وإسرائيلية عدة منها موقع تومات نيحا الذي يرتفع 1666 متر عن سطح البحر وحيث تمّت عمليات استهداف عدّة واقتحام لمواقع لحديين. ويشرح الضابط المقاوم “ابو جابر” بأن المواقع التي اختارها الإسرائيليون وجيش لحد كانت استراتيجية تشرف على مناطق واسعة. صور المقاومين الذين سقطوا في تلك المرحلة التي امتدّت 18 عاما واسماءهم لا تزال موجودة على طرقات عدّة وهي محفورة في القلوب يرددها الجيل المقاوم الجديد بكل إعجاب وثقة متذكرا كلّ مقاوم وبقعة استشهاده ومن هؤلاء: الشهيد رضا الشاعر الذي استشهد في 21 شباط 1986 والشهيد محمد بجيجي الذي استشهد في معارك ميدون في تموز1988.
ومن كفرحونة الى السريرة وصولا الى ميدون آخر قرية في البقاع الغربي حيث خاضت المقاومة أشرس معركة دفاعا عن البقاع الغربي أسفرت عن 18 شهيدا. هنالك وعلى إحدى التلال المشرفة روى الأسير المحرر يحيا العنقوني فصولا من تلك المعارك مستخلصا بأن المقاومة “مدرسة تدرّس”. ويقول للسيدات المتجمهرات: ” إنّ المقاومين يعرفون هذه الأرض شبرا شبرا وهي ارتوت بدماء كثر منهم لنقف نحن هنا اليوم بسلام وطمأنينة”.
لم تكن جهود المقاومين نزهة وصولا الى التحرير وتكثر أخبار الكمائن والعبوات ومنها استهدفت قائد الإرتباط الإسرائيلي آنذاك في إبل السقي ويدعى إيرز غورشتاين. يقول أحد المقاومين:” نعمل بوصية أحد الشهداء الذي كتب بدمه:” سقطنا شهداء ولم نركع أنظروا دماءنا وتابعوا الطريق”. وصيّة تنتقل كالنار في قلوب تحترق إيمانا وشوقا الى الإستشهاد في سبيل الدفاع عن الأرض والعائلة والوطن، متسلحة بالإرادة ومحصنة بالكثير من الدماء الزكية التي سقطت وبالنساء والأطفال والرجال الذين عادوا وسطروا فصولا من البطولات في حرب تموز 2006 مواجهين الطيران الحربي الإسرائيلي ودبابات الميركافا بأجساد محصنة بالإيمان.