“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير عن القناصل الفخريين ومهامهم وصلاحياتهم الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها الصادر في آب الحالي.
لتصفّح المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الربط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
عينّت وزارة الخارجية اللبنانية اخيرا 52 قنصلا فخريا جديدا اضيفوا الى آخرين ليبلغ عدد القناصل الفخريين اللبنانين في الخارج 140، في حين يتجاوز عدد القناصل الفخريين للدول الاجنبية في لبنان المئة. فلماذا تعيّن الدول قناصل فخريين؟ ما هي مهامهم وحدود صلاحياتهم؟ ما هي امتيازاتهم وحصاناتهم؟ وبم يفيدون بلدهم الأم؟
تحقيق يلقي الضوء.
يعرّف السفير المتقاعد ورئيس تحرير مجلة “الدبلوماسية” التي تصدر عن منتدى سفراء لبنان عاصم جابر القنصل الفخري بانه “الشخص الذي تختاره الدولة الموفدة من بين المقيمين في اراضي الدولة المضيفة، ممن يحملون جنسيتها او جنسية الدولة المضيفة او جنسية دولة ثالثة وتكلّفه القيام باعمال قنصلية تحددها له من دون ان تعتبره موظفا رسميا من موظفيها ومن دون ان تقوم بدفع مرتّب منتظم له”.
اما سبب تعيين القناصل الفخريين فهو غالبا ما يكون للدول التي ليست لديها إمكانات مادية لفتح سفارات او بعثات قنصلية في كل انحاء العالم. وانشئت القنصليات الفخرية تاريخيا لتسهيل الاعمال التجارية بين الدول وكممثلة للجمعيات التجارية بين البلدان، ولعل اهم قنصل فخري كان الخطيب الروماني الشهير شيشرون الذي كان ممثلا لجمعيات تجار روما في البلدان الاخرى.
ويقول السفير جابر وهو مؤلف كتاب “الوظيفة القنصلية والدبلوماسية في القانون والممارسة” بأن “ما يميّز القنصل الفخري عن القنصل المسلكي (اي المنضوي في سلك وزارة الخارجية) هي الامور الآتية:
*عدم تقاضيه راتبا منتظما على عكس القنصل المسلكي وهو يقدم خدماته مجانا في الغالب. وقد تتيح له بعض الدول اقتطاع نسبة معينة من الواردات القنصلية التي يحصل عليها مقابل العمل الذي يؤديه.
*عدم اعتباره موظفا رسميا، رغم ان بعض الدول تعتبر قناصلها الفخريين موظفين رسميين لديها، فإن الغالبية العظمى من الدول ومن بينها لبنان لا تعتبرهم كذلك، وهم لا يخضعون بالتالي للانظمة والقوانين التي ترعى شروط الخدمة العامة ومنها شروط التعيين المطلوبة من القناصل المسلكيين. ويتم اختيار القنصل الفخري عادة من الشخصيات البارزة اجتماعيا المعروفة بمكانتها وحسن سمعتها وسلوكها ونجاحها وقدرتها على تقديم الخدمات المفيدة للدولة.
*عدم اشتراط حمله جنسية الدولة الموفدة له.
*ممارسته عملا خاصا الى جانب الاعمال القنصلية، والقناصل الفخريون هم عادة رجال اعمال وتجار يتولون المهام القنصلية الى جانب قيامهم بأعمالهم الخاصة. يدير غالبية القناصل الفخريين مهمهم القنصلية من مكتب يخصصونه للبعثة القنصلية ضمن مؤسستهم التجارية او شركتهم الخاصة، شرط ان يكون هذا المكتب مستقلا بشكل ظاهر للعيان عن مؤسسة القنصل الخاصة.
اين تنشأ البعثات القنصلية؟
تنشأ البعثات القنصلية بحسب السفير جابر “في الاماكن التي ليس للدولة فيها بعثات دبلوماسية او قنصلية مسلكية. وتكون هذه الاماكن عواصما او مدنا مهمة او مرافئ او مناطق يقطنها عدد من مواطني الدولة الموحدة او تقوم لها فيها مصالح اقتصادية مهمة، وتحول اسباب اقتصادية أخرى دون افتتاحها لقنصليات مسلكية فيها”.
في لبنان يتم تعيين القنصل الفخري بمرسوم بناء على اقتراح معلل صادر عن رئيس البعثة اللبنانية المعتمدة رسميا في البلد الذي يجري التعيين فيه، على ان يبيّن في الاقتراح الوضع الاجتماعي للشخص المقترح تعيينه وسلوكه ومكانته لدى الجالية اللبنانية وعلاقاته مع السلطات المحلية وعمله ودرجة ثقافته وامكاناته المادية. لا ينقل القنصل الفخري من مكان الى آخر كالقنصل المسلكي، فهو يستمر في عمله في المكان الذي عيّن فيه اصلا الى حين انهاء خدماته، كون هذا المكان هو في الغالب مكان اقامته الدائم الذي يمارس فيه اعماله الخاصة”.
تحدد اتفاقية فيينا الحدّ الأدنى من صلاحيات القنصل الفخري ولكنها تسمح للدولة المضيفة بالتوسّع بالصلاحيات بقدر الامكان. في لبنان لدى القناصل الفخريين صلاحيات واسعة وتصل احيانا الى التمثيل الدبلوماسي ويلعب دورا في العلاقات بين الدولتين. وهذا يعود الى شخصية القنصل الفخري ومدى قدرته على كتابة تقارير لدولته وأن يكون عينها في البلد المضيف.
وبحسب دراسة للسفير جابر، تحدد قوانين وانظمة الدولة الموفدة مهام وصلاحيات البعثات القنصلية الفخرية، وليس هناك في القانون الدولي ما يحول دون ممارسة هذه البعثات لجميع المهام التي تمارسها البعثات القنصلية المسلكية. تحدّ دول عدّة من صلاحيات القناصل الفخريين فلا تسمح لهم القيام بأعمال كتابة العدل مثلا وبالكثير من الاعمال القضائية والادارية وتستثني الكثير من الدول ومن بينها لبنان من صلاحيات القنصال الفخريين كمنح جوازت السفير ومنح التأشيرات.
ويقتصر دور هؤلاء القناصل على تلقي طلبت اصحاب العلاقة واحالتها الى البعثة الدبلوماسية او القنصلية المسلكية التابعين لها للقيام بإنجازها واعادتها اليهم. وبالنسبة الى وقوعات الاحوال الشخصية (ولادة،وفاة، زواج، طلاق)، يقوم القناصل الفخريون اللبنانيون بتنظيم وثائق هذه الوقوعات وتسجيلها في سجلات البعثة ويحيلونها عبر البعثة التابعين لها الى وزارة الخارجية والمغتربين، الا ان هناك بعض الدول التي تحد من صلاحية القناصل الفخريين في هذا المجال بحيث تحصرها باستلام الوثائق المحلية واحالتها الى البعثة الدبلوماسية او القنصلية المسلكية لاجراء المقتضى. ولا يحق للقناصل الفخريين في الغالب تجديد جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة وما شابهها.
وينبّه السفير جابر الى انه “نظرا الى التفاوت في الصلاحيات الممنوحة للقناصل الفخريين للدول المختلفة يستحسن ان تقوم الدولة الموفدة بابلاغ سلطات الدولة المضيفة بالمهام التي تخوّل قناصلها الفخريين القيام بها”.
تمتنع الدولة المضيفة عادة من منح القناصل الفخريين العاملين على اراضيها كامل الحصانات والامتيازات التي تمنحها للقناصل المسلكيين، وتقصرها على الحّد الادنى الضروري لممارسة مهامهم، وخصوصا اولئك الذين يجملون جنسية الدولة المضيفة او يقيمون اقامة دائمة فيها. على سبيل المثال تحصر كندا تنقلات القنصل الفخري الى اقضى حدّ وتمنعه من وضع علم على سيارته بحسب قانونها المطبّق.
ما الفارق في الحصانات والامتيازات بين القنصل الفخري والقنصل المسلكي؟
الفارق كبير. اذا كان القنصل المسلكي دبلوماسيا يقوم بالاعمال القنصلية يتمتع بحصانات واسعة هي ذاتها الحصانات الدبلوماسية، وتشمل كل شيء تقريبا كالاعفاء من الضرائب ومن الرسوم والحصانة القضائية والسماح برفع العلم على السيارة. الخ.
واذا كان في السلك القنصلي فإن حصاناته نصت عليها اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، ولكن ان كان مسلكي دبلوماسي واذا كان يحمل جنسية الدولة المضيفة تسقط عنه غالبية الحصانات والأمر سيان اذا كان يقيم اقامة دائمة فيها.
لا تمنح الحصانات والامتيازات لاي دبلوماسي يحمل جنسية الدولة المضيفة او يقيم اقامة دائمة فيها.
وتمنح هذه الحصانات والامتيازات اذا رغبت الدولة المضيفة بمنحهم اياها عبر وزارة الخارجية.
ان الحصانات المتعلقة بعمل القنصليات الفخرية في الدولة يتمتع بها غالبية القناصل: رفع العلم لديها حرمة ولا يمكن للشرطة مداهمتها، ارشيف القنصلية محمي لا يمكن الدخول اليه بشرط أن يفصل القنصل الفخري مكتبه عن عمله الخاص فيمتزج الارشيفان فتسقط عنه الحصانة.
يشير السفير جابر الى أن :” الدول العاملة في لبنان تمنح حصانة وعلما وجواز سفر خاص، وقد تمّ تشكيل هيئة ليست موجودة في بلد آخر اسمها هيئة السلك القنصلي الفخري، رئيسها القنصلي الفخري وعميد القناصل الفخريين جوزف حبيس، وذلك لأن افراد القنصليات الفخرية في لبنان هم من الشخصيات البارزة، ومن رجال اعمال او نواب ومسؤولين ولديهم امكانات مادية تمكنهم من انشاء مكتب للقنصلية الفخرية والتزوّد بالمعدات اللازمة”.
إن القناصل الفخريين اللبنانيين في الخارج يجبون اموالا من الرسوم القنصلية اي اذا انجز القنصل وكالة ما يتقاضى رسم كاتب العدل، فالرسوم القنصلية التي تستوفيها السفارات في الخارج يستوفيها القنصل الفخري في الخارج ويقيم فيها جداول ويرسلها لوزارة الخارجية اللبنانية عن طريق السفارة اللبنانية في البلد المعيّن.
في الماضي كان يحق للقنصل الفخري ان يتقاضى جزءا من الرسوم التي يتقاضاها في لبنان لكنّ الامر تمّ توقيفه، وصارت وظيفة شرف تدفع وتستأجر مكتبا لكن الرسوم التي تتم جبايتها ترسل للدولة.
ويمكن للقنصل الفخري ايضا ان يجني اموالا عن طريق تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بالتنسيق دوما مع السفير اللبناني.
يشير السفير عاصم جابر الى ضرورة الفصل بين القناصل الفخريين المعتمدين في لبنان والقناصل اللبنانيين في الخارج والإثنان ينسقان مع وزارة الخارجية اللبنانية عبر مديرية البروتوكول فتعطيهم بطاقاتهم ولوحات السيارات الخاصة وتعفيهم من الرسوم والضرائب على البضائع المستوردة للبعثة.
اما القناصل اللبنانيين في الخارج فينسقون مع مديرية الشؤون الإدارية والمالية ومع مديرية الشؤون الاقتصادية والمنظمات الدولية.
اخيرا تمّ تعيين 52 قنصلا لبنانيا جديدا في الخارج ليصبح العدد 140، (مرفق جداول مفصلة بهم وبالقناصل الأجنبية المعتمدة في لبنان).
لكن، ما هي معايير اختيار القناصل الفخريين؟
يقول السفير جابر:” بحسب القانون فإن القنصل الفخري المعتمد في الخارج يقترحه السفير اللبناني لأنه هو من سيكون رئيسه ولأنه يعرف الارض افضل من غيره. القنصل الفخري كما المسلكي يتبع للبعثة الدبلوماسية للبلد الذي يعمل فيه. وبعد ان يقترحه السفير تدرس وزارة الخارجية ملفّه مراعية معايير معينة منها التوازن الطائفي، لكن ما يحصل في لبنان انه يتم تجاوز هذه المراحل كلها فيتفق الوزير مع شخصيات يعرفها وتوزّع مراكز القناصل طائفيا”. ويشير السفير جابر الى ان:” السفير اللبناني في بلد معين يمكنه طلب صرف قنصل اذا اساء استخدام وظيفته وهذا ما حصل مرارا”.