“مصدر دبلوماسي”
اقام سفير جمهورية مصر العربية في لبنان نزيه النجاري حفل استقبال بمناسبة العيد الوطني لمصر أو ما يعرف بذكرى 23 يوليو في منزله في دوحة الحص. وعلى وقع الأناشيد الوطنية حضر حشد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والدينية والإقتصادية والإجتماعية والأكاديمية والإعلامية اللبنانية والعربية والأجنبية. ومثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري النائب علي بزّي ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وزير الإتصالات جمال الجرّاح.
وألقى السفير النجاري كلمة بالمناسبة جاء فيها:
أود أولاً أن أعبر لكم عن سعادتي الكبيرة بهذا الجمع الرائع، بكل صديقة وصديق لمصر منكم، حضر اليوم لمشاركتنا هذه المناسبة، فمصر أحبت لبنان وأحبها اللبنانيون على مر التاريخ….ومثل كل عام نتذكر قيادات ثورة الثالث والعشرين من يوليو ونحييهم، فالرئيس الراحل جمالعبد الناصر ورفاقه حرصوا وضحوا ليس لتحرير الشعب المصري من الإستعمار فحسب، وإنما لتمتد المظلة الداعمة للنضال التحرري إلى أشقائنا العرب جمعياً ولخلق مناخ عام من مشرقنا إلى مغربنا العربي تطلعت الشعوب معه لنيل إستقلالها، فقضيتنا كانت واحدة وأؤمن إيماناً عميقاً بأن قضايانا لا تزال واحدة وإن اختلف الزمن وتعددت الأزمات.
فمن ناحية، ورغم انطلاق رحلة الكفاح العربية المشتركة عام 1952، لا تزال معاناة إخوتنا الفلسطينين تحت الإحتلال قضيتنا المركزية، والتي تؤكد لنا أن النضال من أجل التحرر لا يزال مسألة مطروحة، وبقوة، على قمة أجندتنا العربية وبما يحقق للأشقاء في فلسطين نفس ما تحقق لسائر الشعوب العربية تتويجاً لنضالهم المستمر والذي نحييه اليومتحية إجلال كبيرة. ومن ناحية أخرى فإن شعوبنا ودولنا، وبعد أن مرت عقود على تحررها، لا تزال تواجه تحديات جمة علينا أن نأخذها مأخذ الجد، فنحن الآن بصدد إدراك تأخر حركة مجتمعاتنا عن اللحاق بركب التقدم والتنمية لكي نسهم بشكل أفضل في تقدم البشرية، ونضمنإستقلالية قرارنا، ومن ثم حماية أمننا القومي العربي من كل تدخل يسعى أصحابه لتحقيق مصالح أخرى كثيراً ما تتعارض ومصالحنا المشتركة.
السيدات والسادة،
ألمس بشكل مستمر منذ وصولي إلى لبنان توقاً وتطلعاً إلى زيادةالحضور المصري على الساحة اللبنانية والمشرقية بشكل عام، ويهمني أن أؤكد لكم اليوم أنه من منطلق إدراك مصر لمسؤولياتها التاريخية والحاضرة والتي تتجاوز حدودها إلى محيطها العربي والإقليمي، وإنطلاقاً من وعيها بمصالحها الوطنية، فإن مصر حرصت دوماً على الإضطلاع بذلك الدور المنوطة به ضماناً لأمن المنطقة واستقرارها.
السيدات والسادة الأفاضل،
إن مصر كانت ولا تزال بمثابة حائط صد وقلعة عروبة حصينة في هذه المنطقة، وأقول اليوم إن خطراً كبيراً كان يتهددنا جميعاً كعرب في السنوات الأخيرة، ألا وهو خطر اجتياح بلادنا بموجة من التغيرات سعتلتمكين تيارات التطرف والظلامية من مجتمعاتنا على نحو يباعد بيننا وبين العالم المتقدم، ويهدم دولنا الوطنية كما عرفناها ويردنا قروناً إلى الوراء، وبحيث تتصارع مجتمعاتنا فيما بينها استناداً إلى أضيقالهويات الدينية والمذهبية والعرقية.
ولعلكم تلحظون أن مصر شعباً وجيشاً قد اتخذت قراراً بتوجيه ضربة قاصمة لذلك المخطط الخبيث، وهو دور نفتخر به ليس فحسب لأنه أنقذنا كمصريين من مصير مجهول، ولكن أيضاً لأنه أوقف تمدد ذلك المشروع إلى أشقائنا من المحيط إلى الخليج. فكل جندي من الجيش المصري استشهد في المعركة ضد الإرهاب في سيناء قدم روحه درعاً حامية للشعب المصري، وإنما حال أيضاً دون أن يطال التطرف والفوضى أنحاء أخرى من عالمنا العربي. ويهمني أن أقول لكم إن بعض المراهنين على تلك التيارات لم يتخلوا عن رهانهم، وهو ما يعني أن تضامن أشقائنا العرب في مواجهتها يخدم مصالحنا جمعياً.
لقد قاد الرئيس عبد الفتاح السيسي مصر خلال السنوات الأربع الماضية في ظل ظروف داخلية وإقليمية شديدة الصعوبة والتعقيد، فرضت على مصر تحديات كبرى وضغوطاً متنوعة على كافة الأصعدة السياسية والإقتصادية والأمنية، إلا أن المثابرة والعمل الجاد والإصرار على إخراج مصر من عثرتها قد بدأت تؤتي ثمارها، وها نحن في بداية الولاية الثانية لفخامة الرئيس السيسي وقد تبلورت المشروعات القومية الكبرى الهادفة لإنشاء بنية تحتية قادرة على إحداث نهضة تنموية شاملة، تركز علىتطوير القطاعات المرتبطة ببناء الإنسان المصري من تعليم وصحة وإسكان وغيرها حرصاً على الأبعاد الإجتماعية للعملية الإصلاحية. كما تكللت تلك الجهود بالكشف عن ثروات طبيعية من الغاز والبترول من شأنها أن تحقق للإقتصاد المصري نقلة نوعية خلال الأعوام القليلة القادمة وتجعل من مصر مركزاً إقليمياً للطاقة والغاز ولحركة الاقتصاد في المنطقة بشكل عام يؤسس نموذجاً للتعاون بناءً على المصالح المشتركة تحقيقاً لرخاء شعوبنا.
السادة الحضور،
يظل لبنان وشعبه عزيزاً على قلوب جميع المصريين بما لبلدينا الكريمين من شراكة تاريخية وإسهام رئيسي في حمل شعلة التنوير والوطنية في العالم العربي، ولا أجد نفسي في حاجة إلى سرد مظاهر التفاعل المتبادل بين شعبي البلدين على مدى القرنين الأخيرين فتاريخ الفن والآداب والثقافة والسياسة في مصر ولبنان شاهد على حالة استثنائية من الإنصهار والتآخي غير المسبوق، وهي حالة متجددة نحرص عليها ونعمل على ترسيخها لصالح أبناء البلدين، وتبرز في هذه الآوانة آفاق إيجابية للغاية في التعاون الإقتصادي بين البلدين يعكسها التدفق الكبير لرؤوس الأموال اللبنانية إلى السوق المصرية لما تحققه من عوائد مجزية لمختلف الصناعات والنشاطات الإنتاجية، وهو أمر ينطبق على سائر النشاطات ذات الطابع الاقتصادي في العلاقات بين البلدين.
تظل مصر حريصة دائماً في علاقتها مع لبنان الشقيق على ثوابت رئيسية يأتي في مقدمتها الحفاظ على أمن لبنان واستقراره بعيداً عنالتجاذبات الإقليمية والدولية، وصون نموذج العيش المشترك الفريد الذييقدمه هذا البلد المميز للمنطقة العربية ولكل العالم، وأعبر هنا عن خالص تمنياني بالتوفيق لدولة الرئيس سعد الحريري في إنجاز تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة، تكرس التوازن الذي يتطلع إليه اللبنانيون لتكون تتويجاً لمسيرة سياسية مهمة اجتازها لبنان على مدار العامين الأخيرين. ولا يفوتني أيضاً أن أحيي الجيش اللبناني وجنوده الذين بذلوا أرواحهم في معركة لبنان مع الجماعات الإرهابية زوداً عن حدوده، والتي تكللت بنجاح كبير، إذ يقف الجيش اللبناني في خندق واحد مع الجيش المصري في مواجهة ذات الخطر الذي يهدد قيم السلام والإنسانية في بلدينا.
الحضور الكريم،
لا أستطيع أن اختم كلمتي دون التوجه بالتحية والتقدير مجدداً إلى الشعب الفلسطيني العظيم الذي يظل حاملاً لواء قضيته العادلة رغم ما يواجهه من صعاب لتبقى فلسطين قضية العرب المركزية وصولاً إلى إنشاء الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
ختاماً وإذ أجدد ترحيبي وشكري لحضوركم الكريم في بيت مصر، فأنني أعبر عن أفضل تمنياتي لشعبينا الكريمين وأدعو الله أن يحفظ أمتنا العربية، متمنياً أن تستمتعوا بأوقاتكم معنا لا سيما وأن صديق العمر الفنان إيهاب الشاوي قد جاءنا خصيصاً من مصر ليضفي على مناسبتنا هذه طابعاً فنياً ثقافياً لطالما إعتز به الشعبان وانصهرا سوياً من خلاله.