“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الخاص عن عمل بعثة الإتحاد الأوروبي لمراقبة الإنتخابات وتوصياتها وأهميتها، والذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها لشهر حزيران 2018. لقراءة المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
تعود كبيرة مراقبي بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الانتخابات النائبة ايلينا فالنسيانو الى لبنان في تموز المقبل لتقديم التقرير النهائي للبعثة حول الانتخابات البرلمانية التي جرت 6 ايار الفائت والذي سيتضمن ملاحظات وتوصيات لادخال تحسينات على العملية الانتخابية. وقد ظهّرت البعثة قبل مغادرتها تقريرا اوليا عن التوصيات التي تبدو جديرة بالاهتمام.
النظام النسبي واقتراع المغتربين اقتراحان اوروبيان
لم يمرّ يوم واحد على اتمام الانتخابات النيابية في 6 ايار الفائت حتى عقدت فالنسيانو مع رئيس البعثة البرلمانية النائب الاوروبي خوسيه اغناسيو سلافرانكا مؤتمرا صحافيا لتقديم التقرير الاولي عن ملاحظات البعثة التي ضمّت 132 مراقبا من جميع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي ومن بينهم وفد برلماني اوروبي، الى دبلوماسيين من سفارات الاتحاد الاوروبي في بيروت غطوا انشطة يوم الانتخابات في 527 مركز اقتراع، مما اتاح لهم أخذ عينات تمثيلية تجيب على أسئلة مهمة مثل سرية ونزاهة التصويت واداء السلطات الانتخابية وامكانية وصول الاشخاص ذوي الاعاقة للاقتراع. شملت هذه العينة وللمرة الاولى مراقبة بعثة الاتحاد الاوروبي للتصويت خارج لبنان وتحديدا في 10 دول اوروبية. علما بأن البعثة بقيت في لبنان حتى نهاية ايار الفائت لمتابعة اية شكاوى او خلافات.
ولعل اهمية هذه البعثة تكمن في معرفة مدى تأثيرها على قوانين الانتخابات اللبنانية وآخرها القانون النسبي، اذ يتبين بأن توصيات اساسية اخذت بها الحكومة اللبنانية تضمنها القانون المعتمد رقم 44 الصادر في 17 حزيران 2017، كان اقترحها تقرير بعثة المراقبة السابقة عام 2009. يكشف نائب رئيس البعثة خوسيه انطونيو دو غابرييل لـ”الأمن العام” بأن “ الحكومة اللبنانية أخذت بثلاث توصيات قدمتها بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الانتخابات عام 2009، وهي توصيات غيّرت الى حدّ ما في جوهر العملية الانتخابية: اولها اقتراح النظام النسبي، لأن البعثة الاوروبية لاحظت آنذاك بأن النظام الاكثري لا يوفّر التمثيل الشامل للمكونات اللبنانية ويبقى محصورا بعدّة اقضية ومحافظات. وكذلك أوصت البعثة ثانيا باعتماد اوراق الاقتراع المطبوعة مسبقا وهذا ما تمّ الاخذ به فعليا في القانون النسبي الجديد وهو “انجاز” بحسب تعبير دو غابرييل “يصعّب تعقب أثر من صوّت لمن والذي تجيده الماكينات الانتخابية عادة، وبالتالي كان هذا الامر سلاحا فعالا ضد شراء الاصوات”.
أما التوصية الثالثة فهي” ضرورة اقتراع اللبنانيين المنتشرين في الخارج، وهذا ما تم تطبيقه فعليا للمرة الاولى في انتخابات 2018″.
البرلمان الاوروبي مهتم بموضوع نقل المرأة اللبنانية لجنسيتها
وعمّا ستكون توصيات بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الانتخابات في 2018 والتي ستصدر في تموز المقبل؟ يقول دو غابرييال:” لا يزال من المبكر الكشف عنها، ولكن ثمة قرار بضرورة تسهيل انخراط النساء اللبنانيات في العمل السياسي، وهنالك توصية بحق المرأة بممارسة العمل السياسي في منطقتها، ففي القانون اللبناني انه حين تتزوج المرأة تنقل قيودها الى منطقة زوجها، ونحن نرى بوجوب المساواة بين الرجال والنساء، وهذا موجود في المعاهدات الدولية التي وقعها لبنان ونحن سنرفع توصية بهذا الخصوص”. يضيف دو غابرييل:” سنعمل على تقوية الاطار التشريعي والقدرات العملانية لهيئة الاشراف على الانتخابات من اجل ان تتمكن من مراقبة اكثر فاعلية لتمويل الحملات الانتخابية والسهر على ان يتم احترام سقف الانفاق المحدد وتقوية قدراتها على الاشراف والمراقبة للحملات الانتخابية عبر وسائل الإعلام التي لم تعط فرصا متكافئة للظهور لجميع المرشحين”.
فالنسيانو: الانتخابات اللبنانية كانت سلمية
التقييم الإيجابي الذي قدمته فالنسيانو بأن “الانتخابات سلمية بشكل عام مع عدد ضئيل من حوادث العنف او المواجهة” لم تلغ ملاحظات تضمنها التقرير الاولي، وقد عرّج عليها في كلمته ايضا رئيس البعثة البرلمانية الاوروبية النائب خوسيه اغناسيو سالافرانكا، وهنا ابرزها:
*ضرورة بذل المزيد من الجهود لتسهيل مشاركة المرأة في السياسة في لبنان، وقد ذكّر رئيس البعثة سالافرانكا بان البرلمان الاوروبي كان اصدر توصيات عام 2009 باصلاح القانون المتعلق بنقل المرأة للجنسية اللبنانية، ملاحظا انه لم يتم النظر به حتى الآن. وورد في تقرير البعثة الاولي ما حرفيته: “تبقى المرأة ممثلة تمثيلا ناقصا بشدة في السياسة. (…) ومع ذلك شهدت انتخابات عام 2018 زيادة ملحوظة في عدد المرشحات مقارنة بالانتخابات السابقة، وزاد عدد النساء المرشحات من 12 مرشحة فحسب في 2009 أي (1،7 في المئة) الى 86 في 2018 أي (14.4 في المئة)، وقد نتج عن ذلك انتخاب 6 نساء في 6 ايار الفائت وهو ما يمثل نسبة 7.6 في المئة فحسب من اعضاء البرلمان المقبل”.
* تسليط الضوء على ضرورة ضمان الشفافية في ما يتعلق بتمويل الحملات الانتخابية عبر تحديد اطار قانوني يجنّب تضارب المصالح ويسمح بالتوازن الإعلامي.
*بحسب التقرير، فإن قانون الانتخابات اللبناني لم يستجب للمعايير الدولية في مواضيع عدة ستكون مطروحة ابرزها: الاحكام التمييزية المتعلقة بالنقل التلقائي لتسجيل المرأة الى مكان تسجيل زوجها، حرمان الافراد العسكريين العاملين والمواطنين المجنسين من حقوقهم بالانتخاب بعد مرور عشر سنوات على تجنسهم، كما يحرم المحتجزون السابقون للمحاكمات من حق التصويت لعدم وجود ترتيبات تصويت خاصة لهم”.
*رصدت اللجنة قلقا وخصوصا من المجتمع المدني ومرشحين من ترشح وزيري الداخلية والخارجية، لكنها خلصت الى ان كل العاملين في الادارة الانتخابية قاموا بعملهم بطريقة شفافة وغير منحازة.
*ومن الثغر التي رصدتها البعثة الاوروبية ضآلة ميزانية هيئة الاشراف على الانتخابات والذي أعاق مراقبتها للاموال المدفوعة قبل بدء العملية الإنتخابية، وثمة توصية بضرورة تعزيز صلاحيات هيئة الاشراف في مجالي الرقابة والمعاقبة وسيتم تقديم توصيات بهدف تحسين القوانين وتنفيذها للتحكم بالانفاق على الحملات.
* بالنسبة الى موضوع تسجيل الناخبين سجلت البعثة الملاحظة الآتية: “يسجل سجل الاحوال الشخصية المواطنين اللبنانيين بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه او يولدون. منذ اعتماد تشريع الاحوال الشخصية في عام 1924، فإن مكان تصويت الناخبين هو قرية السلف الابوية، مما يؤدي الى تحركات هائلة للناس في كل يوم انتخابي. ويمكن تقديم طلب لنقل موقع التسجيل، ولكن هذا الاجراء مرهق للغاية وليس مقبولا اجتماعيا (…)”.
*سجلت البعثة رفع رسوم الترشح من مليوني ليرة الى 8 ملايين ليرة غير قابلة للاستعادة ما اعتبرته عائقا للمرشحين ذوي القدرات المالية المحدودة.
*لاحظت التفاوت الكبير في ظهور المرشحين على وسائل الاعلام وتخصيص محطات تلفزة اوقاتا للترويج لمرشحي الخط السياسي الذي تنتمي اليه بشكل كبير وعدم قدرة هيئة الاشراف على الانتخابات من ضبط التجاوزات.
* ولاحظت البعثة بأن العملية الانتخابية لا تزال غير شاملة للاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
يشدد مراقبو بعثة الاتحاد الاوروبي لدى الحديث معهم على التزامهم بقواعد السلوك التي تتطلب الحيادية الصارمة وعدم التدخل. وقد ظهر ذلك جليا في المؤتمر الصحافي الذي انعقد في 8 أيار الفائت في مقر البعثة في فندق “الموفنبيك”. على سبيل المثال طرح بعض الصحافيين اللبنانيين أسئلة عمّا ستقوم به البعثة بعد صدور اعتراضات حزبية على فرز الصناديق في دائرة بعلبك الهرمل، فأجابها نائب رئيسة البعثة الاوروبية لمراقبة الانتخابات خوسيه انطونيو دو غابرييل بأن “أي نقد او مشكلة تأخذها البعثة في اطارها الوطني والمناخ السياسي السائد، وهي لا تتدخل البتة في عمل اللجان الخاصة”. مكررا ثناءه الذي ورد في التقرير “على الشفافية التي ميزت عمليات الاقتراع والمراقبة ونقل الصناديق وفرز النتائج في لجان خاصة يرأسها قضاة وعلى مرأى المندوبين وكاميرات ترصد التفاصيل”.
رافيدا: يوم الانتخابات كان مرهقا
عن خلفية البعثة الاوروبية لمراقبة الانتخابات، تقول محللة الانتخابات النيابية العاملة في إطار البعثة أديل رافيدا لـ”الامن العام” بأن” بعثة الاتحاد الاوروبي تراقب الانتخابات النيابية وفقا لدعوة البلدان الراغبة بذلك وذلك منذ عام 1992، وقد تلقت البعثة دعوة من الحكومة اللبنانية وهي وقعت مذكرة تفاهم مع وزارة الداخلية اللبنانية ومع هيئة الاشراف على الانتخابات التي منحتنا بطاقات اعتمادنا للمراقبة”.
وتشير الى انه” إبان الاستحقاق الانتخابي في 6 أيار الفائت بلغ عدد المراقبين 132 مراقبا منهم برلمانيين اوروبيين ومنهم ايضا 42 دبلوماسيا من سفارات البلدان الأعضاء في الاتحاد الاوروبي العاملة في لبنان وقد انضموا الى عمليات المراقبة تحت مظلة البعثة الاوروبية لمراقبة الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2018″.
توزع هؤلاء بحسب رافيدا على كامل الاراضي اللبنانية دون استثناء، وتابعت غرفة عمليات خاصة تجميع الملاحظات والمعلومات من الفريق الواسع ودونتها ووثقتها تمهيدا لاصدار التقرير النهائي ولوضع التوصيات. ” لقد كان العمل مرهقا جدا” تقول رافيدا، التي أكدت بأن المراقبين “لقوا تسهيلا كاملا لعملهم في اقلام الاقتراع كافة وعلى كامل الاراضي اللبنانية”.
المميز في استحقاق 6 أيار الفائت هو أن الاتحاد الاوروبي قرر ايضا مراقبة تصويت المغتربين اللبنانيين الذي جرى في 27 و29 نيسان الفائت، وبالتالي كان فريق من 13 مراقبا اوروبيا موزعين في 9 بلدان من الاتحاد الاوروبي بالاضافة الى سويسرا انتشروا في مراكز الاقتراع في السفارات خارج لبنان، وقد تم توزيع المراقبين بحسب اسماء المقترعين المسجلين في كل بلد، فكان مراقبون في مدريد، وفريقين في باريس، وآخر في ليون، وآخر في دوسردولف، وتم توزيع المراقبين منذ الصباح الباكر لمراقبة مختلف الإجراءات منذ افتتاح مراكز الإقتراع وايضا ما يسميه الاوروبيون بـ”حزم التجهيزات” الخاصة بالانتخابات النيابية التي جرت في الخارج وكيفية ارسالها الى لبنان.
كيف تتم المراقبة؟
تقول رافيدا:” إن منهجيتنا في المراقبة ترتكز الى معايير دولية، ونركز فيها على الشفافية والنزاهة وفاعلية العملية الانتخابية، وايضا على مبادئ معروفة عالميا مثل حق الإنتخاب وحق الترشح والاقتراع العام والمباشر الخ”.
وعن امكانية رصد مخالفات الرشاوى والفساد؟ تقول رافيدا: “نحن نلتقي جميع اللاعبين والمشاركين في العملية الانتخابية ونقوم بذلك بشكل مركزي في العاصمة بيروت، ولكننا نعمل ميدانيا ايضا عبر مقابلة المرشحين والعاملين في المجتمع المدني والاداريين الضالعين في العملية الانتخابية. هذا هو مفهوم المراقبة الانتخابية في العالم، فلا يمكننا التدخل في العملية الانتخابية أكثر من ذلك”.
أولى بعثات المراقبة الإنتخابية الاوروبية بدأت عام 1992 في افريقيا الجنوبية في لحظة سياسية مهمة حينذاك، واستمرت المفوضية الاوروبية بالقيام بهذا العمل “لأنها منخرطة في كل ما يتعلق بالديموقراطية وحقوق المواطنين ولدعم البلدان في سياسات الديموقراطية” بحسب رافيدا.