“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة مع سفير الصين في لبنان وانغ كيجيان والتي نشرتها مجلة “الأمن العام” في عددها الصادر في أيار الحالي. لقراءة المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
الصين عملاق صاعد، وهي ندّ عتيد للولايات المتحدة الاميركية وحليف لروسيا في سوريا، حيث الملف الاقليمي الاشد تأثيرا على لبنان. 5 فيتوات استخدمتها الصين لغاية اليوم في مجلس الامن الدولي منعا لاي قرار غربي جائر بحق سوريا، لكنّ الضربة الاميركية الفرنسية البريطانية الاخيرة في 15 نيسان الفائت ضد اهداف عسكرية سورية جاءت من خارج إطار القانون الدولي.
فكيف تتعامل الصين مع الواقع السوري؟ ماذا عن علاقتها بلبنان؟ ولماذا رفضت التعهّد بمبالغ لخطط الاستثمار اللبنانية ولدعم القوى الامنية؟ وماذا عن ملفات فلسطين وكوريا الشمالية والعلاقة مع اميركا؟
البداية من لبنان حيث تتابع الصين باهتمام كلام رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون االذي اعلن فيه انه بعد الانتخابات النيابية المقبلة سوف يتم وضع استراتيجية دفاعية وطنية للبنان “وربما سوف يؤدي ذلك الى تطورات في صلاحيات مهام الجيش اللبناني والقوى الامنية”، بحسب ما يقول السفير الصيني في لبنان وانغ كيجيان، مشيرا في حوار مطوّل مع “الامن العام” الى ان عزم الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني على ضمان الامن والاستقرار يعني ان كل الاجراءات المتخذة من قبلهما ومن الجيش ومن رئيس الجمهورية تسهم في امن لبنان واستقراره”.
هنا نص الحوار:
*ما هو دور الصين في المؤتمرات الدولية التي حصلت في شأن لبنان من اجتماع مجموعة الدعم الدولية في باريس الى روما (2) و”سيدر” ومؤتمر بروكسيل الخاص باللجوء السوري في دول الجوار؟
-شاركت الصين بنشاط في مؤتمر روما (2) عبر المبعوث الصيني الخاص للشرق الاوسط السفير شيه شياو يان، كذلك شارك نائب السفير الصيني في فرنسا في مؤتمر”سيدر” الى مشاركة صينية في مؤتمر “بروكسيل” اخيرا لدول الجوار السوري.
اكدت الحكومة الصينية من خلال هذه المشاركات على دعم لبنان اقتصاديا وامنيا وخصوصا في مكافحة الإرهاب، وعلى استعدادها لتقديم المزيد من المساعدات اقتصاديا وعسكريا وانسانيا للبنان.
في موضوع النزوح السوري ثمة مساعدات مستمرة ومشاريع مساعدات قائمة ووقعت منذ قرابة الاسبوعين اتفاقا مع منظمة “اليونيسيف” لاتمام مشروع يتعلق بمساعدات انسانية لاطفال من النازحين السوريين. وفي العام الماضي قمنا بتبرع قيمته مليون دولار اميركي لـ”اليونيسيف” لتقديم قرطاسية وملابس شتوية لنازحين سوريين وتم تنفيذ هذا المشروع، وأخيرا قدّمنا ايضا مساعدات لبرنامج الغذاء العالمي بغية تقديم طرود اغذية للنازحين السوريين.
*لم لم تحصل تعهدّات صينية في مؤتمر روما (2) لمساعدة الجيش اللبناني ولا ايضا في خطة الاستثمار في مؤتمر “سيدر”؟ ولم فضّلت الصين الاكتفاء بالتعاون الثنائي؟
-فعلا، فإن الصين لم تعلن عن تعهدات بمبالغ محددة لتقديم مساعدات للبنان سواء اكان للجيش اللبناني او لقوى الامن الداخلي او كاسهام في برنامج خطة الاستثمار اللبنانية. ويعود السبب الى آلية تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية في الصين.
على سبيل المثال، الوزارات التجارية في الصين تقدم مقترحات وتحدد مجالات المساعدات بحسب الطلب من الجانب اللبناني ويتم تحديد المشاريع المعنية ثم يتم الاتفاق على اسلوب التعاون وحجم المساعدات، وليس العكس. قد تعلن بعض الدول حجم القروض ثم يبحثون في المشاريع لكن العكس يحصل في الصين.
*الم تعرض المشاريع عليكم في “سيدر”؟
-سألت الزملاء الذين شاركوا وقد تمّ تقديم ملف مؤتمر “سيدر بالكامل” وتمّت احالته الى الخارجية الصينية وفي الخطوة القادمة سوف ندرس هذه المشاريع ونتشاور مع الجانب اللبناني لنحدد ما هي المشاريع التي يمكن التعاون فيها وكيفية الافادة من المساعدات الصينية التي قد تكون هبات او قروضا ميسّرة او عبر عقود الـ”بي أو تي”، وهذا ما حصل فعليا في تنفيذنا مشروع المعهد العالي للموسيقى “الكونسرفاتوار” حيث اخترناه من ضمن قائمة من المشاريع التي قدمها الجانب اللبناني.
*ماذا عن التعاون مع الاجهزة الامنية اللبنانية ولا سيما “الامن العام”؟
-تهتمّ الصين بدور لبنان في الامن والسلام في المنطقة وتقدّر دور الجيش اللبناني والقوى الامنية بغية الحفاظ على السيادة ووحدة اراضي لبنان واستقلاله ودوره في محاربة الارهاب. نحن ندعم هذه الجهود وسبق لنا وقدمنا دفعات عدة من المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، وقد استفادت الاجهزة الامنية اللبنانية من مساعدات اقتصادية صينية قدّمت الى الحكومة اللبنانية وابرزها اجهزة مكتبية وسيارات، وقامت الحكومة بتوزيعها ولم تكن مباشرة للاجهزة الامنية، لكن ذلك لا يمنع المزيد من التشاور بيننا لمساعدة الاجهزة اللبنانية. وبالطبع هنالك علاقة مباشرة وتعاون بين السفارة الصينية وبين الاجهزة الامنية ومنها “الامن العام اللبناني”.
*كنت سفيرا في سوريا بين عامي 2014 و2016، اي في عزّ الحرب السورية، كيف ترى الى تطوّر الحوادث حاليا بعد الضربة الغربية ضد سوريا وما دور الصين التي عينت مبعوثا خاصا للشرق الأوسط وهي تدعم الموقف الروسي في سوريا؟
-قبل حدوث التوتر الاخير في سوريا كان هنالك تقدم على الساحة السورية بعد القضاء على “داعش” الذي لم يبق منه سوى بقايا، كذلك هزمت “جبهة النصرة” في سوريا، وتمّ ايضا انهاء المشاكل في الغوطة الشرقية التي كانت تشكل خطرا دائما على المواطنين المدنيين وخصوصا في وسط دمشق.
هذا التطور ايجابي، وهنالك تقدم في العملية السياسية سواء في الحوارات والمؤتمرات في “سوتشي” و”جنيف”، وكنّا نأمل انتقال المسألة السورية من المعارك الى العملية السياسية للتوصل لحل سياسي في اقرب وقت ممكن ينهي معاناة الشعب السوري. ولكن للاسف نحن نشاهد تصعيدا لمرّة أخرى، في سوريا حول ما يشاع الى حدوث استقدام اسلحة كيمياوية في الغوطة الشرقية. وهنالك تهديدات مباشرة بين الاطراف الخارجية ولهذا أكد وزير الخارجية الصيني والمتحدثة باسم الخارجية الصينية على ان الصين ضد استخدام الاسلحة الكيمياوية في اي ظرف ومن قبل اي شخص ولاي سبب، لكن في الوقت عينه نريد تحقيقا شاملا وموضوعيا ومحايدا لاي حدث او لأية مزاعم في استخدام هذه الاسلحة، سواء في الغوطة الشرقية او في اي مكان آخر واجراء تحقيق شامل وموضوعي ومحايد من قبل جهاز احترافي مهني هي منظمة حظر الاسلحة الكيميائية وهو جهاز محترف تولى مهام التحقيقات. لكن قبل اجراء هذه التحقيقات لا يمكن لأي طرف الاستنتاج بناء على مزاعم او روايات غير علمية وغير مؤكدة. وكما عبّرت الصين مرارا فهي ضد استخدام القوة او التهديد باسخدامها في العلاقات الدولية.
*يبدو ان سوريا دخلت بعد معركة الغوطة الشرقية في مرحلة تقسيم او تقاسم نفوذ مناطق بين الحكومة وروسيا وتركيا وايران، ما هو رأي الصين؟
-تريد الصين سوريا موحدة لانها دولة ذات سيادة، واية محاولة لتقسيم سوريا بالرغم من ارادة الشعب السوري غير مقبولة، وستكون لها عواقب وخيمة جدا.
نحن نؤكد على سيادة سوريا ووحدة وسلامة اراضيها واي حل لازمة سوريا يجب ان يكون حلا سوريا- سوريا ومن خلال المفاوضات والحوار اللذان يراعيان مصالح جميع اطراف الشعب السوري.
*هل ترون مواجهة اميركية ايرانية مباشرة وشيكة في سوريا وهل ستنعكس اية مواجهة على الجنوب اللبناني حيث الصين مشارك اساسي في قوات “اليونيفيل”؟
-تكلّمت الادارة الأميركية اخيرا عن اطراف اخرى مثل روسيا وايران، اؤكد مرة اخرى ان الحل السياسي السلمي هو السبيل الوحيد لحل الازمة السورية واي حل عسكري لن يحل المشكلة، ولا يمكن أن تكون سوريا ساحة لصراعات او لمعارك اقليمية حتى لحرب دولية.
بالنسبة الى لبنان، اعرف انه متأثر بشكل عميق بما يجري على الساحة السورية، واكد الزعماء اللبنانيون مرارا على سياسة النأي بالنفس اي الابتعاد قدر الامكان عن الازمات الاقليمية، وآمل من ان يتمكن لبنان من عدم التأثر بهذه الازمات اقليميا، وان يحافظ على امنه واستقراره. اما بالنسبة الى جنوب لبنان فان الصين تشارك بفاعلية عبر بـ 410 ضابط وجندي بحفظ الامن والسلام، ودور “اليونيفيل” لا غنى عنه للحفاظ على الامن والاستقرار. لا تريد الصين حدوث اي شيء يمس بأمن لبنان لانه مقياس لدرجة الحرارة في الاقليم، وفي الوقت عينه فإن كل الازمات الاقليمية تجد صداها في لبنان.
*اي انكم تستبعدون اي توتير في جنوب لبنان؟
-هذا يتوقف على التطورات في الساحة السورية، لان الساحتين مترابطتين بشكل اكيد واي تطورات في المنطقة ستكون لها انعكاسات على الساحة اللبنانية.
*هل من الممكن اليوم بدء الحديث عن دور صيني في اعمار سوريا وسط هذا المناخ المتوتر؟
-نعم، من حيث المبدأ فإن الصين مستعدة للمشاركة في اعادة الاعمار في سوريا، ولسبب رئيسي هو ان الصين تتعاطف مع الشعب السوري وتريد ان تستعيد سوريا عافيتها وان يستعيد الشعب السوري حياته الطبيعية، وبالتالي فإن إعادة الاعمار اصبحت امرا ضروريا وملحّا. من ناحية اخرى، كان التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وسوريا جيّدا قبل الازمة.
*هل بدأت اعادة الإعمار في بعض المناطق؟
-سمعت بأن هنالك مشاريع انطلقت في مناطق آمنة مثل دمشق واللاذقية وطرطوس وبمناطق مختلفة.
*ما هي المشاريع الاعمارية التي تهتم بها الشركات الصينية؟
-تأتي مشاريع البنى التحتية كاولوية، لأن الشركات الصينية مميزة في هذا المجال والبنى التحتية تعني الطرق ومدّ شبكات الكهرباء والطاقة والغاز والبترول واعداد الموانئ الخاصة، وكذلك مشاريع الإعمار السكنية مع استمرار التعاون السابق في تصنيع مصافي البترول.
*هل ترون اي دور للبنان في اعادة الاعمار في سوريا وخصوصا وانه حصلت زيارة لشركات صينية لمرفأ طرابلس؟
-بالتأكيد فإن للبنان دور في اعادة الاعمار في سوريا كونه جار مباشر ومخرج لسوريا، وايضا بحكم العلاقات الوثيقة بين اللبنانيين والسوريين، ولكن في الوقت الراهن نجد ان الوضع الامني في سوريا لا يزال غير مستقر والعقوبات المالية من قبل الولايات المتحدة لا تزال قائمة، وهنالك بعض الخلافات السياسية داخل المجتمع اللبناني تجاه سوريا. اعتقد انه توجد حاجة الى ترجمة هذه الامكانية لدور لبناني الى الواقع.
*هل ترون أي دور للبنان في مشروع “طريق الحرير” وخصوصا وأنه تم توقيع اتفاقيات ثنائية مع الصين في هذا الخصوص؟
-كان لبنان محطة مهمة في طريق الحريري القديم، وهو شريك طبيعي لمبادرة “الحزام والطريق في الوقت الراهن. في العام الماضي تم توقيع مذكرتي تفاهم بين الحكومتين، في اطار مبادرة “الحزام والطريق” وسيكون هنالك المزيد من التشاور بين الحكومتين حول التنسيق في ما بين السياسات الحكومية ولا سيما في مجال التنمية.
*هل بدأت الخصومة العلنية بين الصين والولايات المتحدة الاميركية بعد ان وضع الرئيس الاميركي دونالد ترامب رسوما باهظة على الصادرات الصينية؟
-اولا لا نريد خصومة مع الولايات المتحدة الاميركية لانها اكبر دولة متقدّمة والصين هي اكبر دولة نامية. واصبحت الدولتان متداخلتان اقتصاديا وتجاريا. كان حجم التبادل التجاري بين الصين واميركا في العام الماضي 580 مليار دولار اميركي، وبلغت الاستثمارات المتبادلة مئات مليارات الدولارات. وهنالك تواصل انساني مكثف جدّا بين البلدين. وبالتالي فإن اي تعاون يجب ن يكون على قدم المساواة وخدم مصلحة الطرفين، واي خصومة بينهما يخسر الطرفان والعالم اجمع. من هذه الناحية نريد دوما علاقة صينية اميركية قائمة على اساس عدم المجابهة والاحترام المتبادل والتعاون للكسب للطرفين. اذا كانت العلاقات الاميركية الصينية جيدة فسوف يستفيد منها الطرفان والعالم، والعكس هو الصحيح. ولكن ذلك لا يعني اننا سوف نقبل باي اجراء يضر بمصلحتهما من قبل الولايات المتحدة الاميركية، وكانت مزاعم من الدولة الاميركية بان الصفقات التجارية مع الصين غير عادلة هي مزاعم باطلة ومخالفة لقواعد منظمة التجارة العالمية، وسوف ندافع عن مصالحنا وفقا للقانون الدولي ولقواعد منظمة التجارة العالمية وكلنا اعضاء فيها ونخضع لانظمتها. وسوف نرد بقوة وفي الوقت المناسب على اي عمل يضر بمصلحتنا.
*ستنتقل السفارة الاميركية الى القدس قريبا ما هو رأي الصين؟
– ترى الصين ضرورة تسوية القضية الفلسطينية بحل الدولتين وعبر المفاوضات ودعم دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية. ونحن نضم صوتنا للقول بأن موضوع القدس هو من ضمن المفاوضات النهائية حول الاراضي واللاجئين وسواها من المواضيع ويجب ان تتم معالجة الموضوع من خلال المفاوضات النهائية بين الاسرائيليين والفلسطينيين ووفق مبادرة السلام العربية. نحن نرى مع المجتمع الدولي ان اي عمل يقوض اسس السلام في هذه المفاوضات واي عمل يؤدي الى توتر بين الطرفين لا يخدم العملية السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين ولا يسهم في حلّ هذه القضية، لان القضية الفلسطينية بالرغم من انه تمّ تهميشها خلال الفترة الماضية لا تزال هي القضية الجوهرية في المنطقة وفي العالم الاسلامي.
*كيف ترون الى الوساطة الاميركية بين الكوريتين؟ وماذا عن زيارة رئيس كوريا الشمالية الى الصين؟
-من غير الدقيق الحديث عن وساطة اميركية، لان الملف النووي لكوريا الشمالية جوهره ضمان امني لكوريا الشمالية وبين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الاميركية. ما لم تشعر كوريا الشمالية بانها حصلت على هذه الضمانة الامنية فهي تتوقف عن تطوير برنامجها النووي. ان الطرفين الاساسيين في هذا الملف هما كوريا الشمالية والولايات المتحدة الاميركية، وبالتالي فان دور الاخيرة ليس وساطة، بل هو دور اساسي. في الحقيقة ثمة اتفاق على نزع السلاح النووي وعدم انتشار الاسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية، وهذا شيء ضروري وجوهري لكلّ طرف. وهنالك ضرورة لتسوية هذا الملف عن طريق المفاوضات وبالطرق السلمية واية حرب سوف تتضرر منها الدول المجاورة، وخصوصا كوريا الجنوبية والصين وروسيا وقبل الجميع طبعا كوريا الشمالية والولايات المتحدة الاميركية. وكانت زيارة زعيم كوريا الشمالية للصين زيارة غير رسمية واكد خلالها عن استعداد كوريا الشمالية للالتزام بسياسة عدم السعي الى اسلحة نووية كما فعل والده، وهذا الامر بالذات هو تطوّر إيجابي، في ظل التوترات حول هذه المسألة، ويعتبر هذا التطور ايضا استمرار لزخم الانفراج الذي نشاهده منذ الالعاب الشتوية الاولمبية، ونأمل من ان يتطور هذا الزّخم ليؤدي الى حوار مباشر ليس فقط بين الجنوب والشمال ولكن بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الاميركية.