“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
ليس خافيا على أحد في لبنان بأن “حزب الله” يطمح الى نيل “ما يسميه “غالبية موصوفة” في المجلس النيابي المقبل، لكنّ المفاجئ اعتباره انتخابات 2018 أوسع انخراط له في الحياة السياسية منذ عام 1992 ولغاية اليوم. للتذكير فإنه عام 1992 خرج “حزب الله” للمرة الأولى من كونه حركة مقاومة الى رحاب السياسة مشاركا في الإنتخابات النيابية ومحافظا في الوقت عينه على بنيته المقاومة.
لكن انتخابات 2018 ستشكل “قفزة ثانية” أوسع في الحياة السياسية بات عنوانها الرئيسي معروفا ويتمثّل بمكافحة الفساد، اما عناوينها الفرعية فتتمثل بوضع آلية تعيينات في مجلس الوزراء تكون عبر مجلس الخدمة المدنية ومناقصات تمر بديوان المحاسبة لضرورات ضبط هدر المال العام وسواها من الإصلاحات الجوهرية.
لكنّ اللافت، أن مشروع مكافحة الفساد الذي يضعه “حزب الله” عنوانا لانخراطه السياسي الأوسع، لا يواكبه فيه “إنتخابيا” حليفه “التيار الوطني الحر” الذي يحمل شعار “الإصلاح والتغيير”، فحالة الطلاق بين الطرفين اللذين وقعا اتفاق “مار مخايل” عام 2006، وقعت فور بدء التحالفات تبعا للقانون النسبي، وشمل “أبغض الحلال” الدوائر كلها باستثناء بيروت الثانية وبعبدا لضرورات إنتخابية.
ربّما لم يفكّر “حزب الله” في بداية نسج التحالفات بأن طلاقا سيقع مع حليفه “الطبيعي” أي “التيار الوطني الحر”. ومنذ موافقته على القانون النسبي شكل حلفاءه السنّة أولوية لديه. وتشير أوساط متابعة لمناخ “حزب الله” الى أن القانون الأكثري السابق طالما أعطى زعيم “تيار المستقبل” رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري -بسبب تمثيله لقرابة الـ50 في المئة من السنة- إمكانية الفوز بالمقاعد السنية برمّتها.
في حين أعطى القانون النسبي فرصة لحلفاء “حزب الله” ” السنّة والدروز والمسيحيين وحتى لخصوم الحزب خرق اللوائح الكبرى، لذا اعتبرت قيادة الحزب هذا القانون الأفضل من قانون 1960 الأكثري.
ومنذ اقرار القانون، اتفق “حزب الله” مع حلفائه على عدم التمسّك بالتحالف المشترك وبأن يدرس كل طرف ظروف دائرته بغية تحقيق الفوز وانطبقت هذه القاعدة على “التيار الوطني الحرّ”.
وهذا يعني بأن “التيار الوطني الحرّ” كان متحررا من التحالف مع “حزب الله” كما تشير الأوساط المذكورة.
الى ذلك حصل اجتماع بين مسؤول لجنة الإرتباط والتنسيق المركزية في “حزب الله” وفيق صفا وبين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في وزارة الخارجية والمغتربين بعد إقرار القانون مباشرة، وتمّ الإتفاق على الإعتراف بإمكانية وأحقية الإتفاق والإختلاف إنتخابيا من دون أن يؤثر الإختلاف على الإتفاق السياسي الذي أنجز بين أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله وبين العماد ميشال عون في 6 شباط 2006.
لكن ما لم يحسب حسابه الطرفان، بأن هذا الإتفاق على الحرية الإنتخابية قد يتطور الى مناكفات انتخابية وسياسية بين الطرفين، وصلت حدّ اصطفاف “التيار الحر” الى جانب خصوم “حزب الله”، وآخر الأمثلة المعركة المفتعلة حول تسليم مفتاح كسروان الى أمين عام “حزب الله”، ووشوشات “إنتخابية” جبيلية عن اجتهاد مرشحي التيار لإضعاف مرشح “حزب الله” في كسروان جبيل الشيخ حسين زعير متناسين منافسيهم من “القوات اللبنانية” وسواهم.
باسيل ينافس “حزب الله” على المقعد الشيعي في بعلبك الهرمل!
بالعودة الى القاعدة التي وضعت، وبعد مجموعة من الخلافات الإنتخابية منها حول المقعد الكاثوليكي في بعلبك الهرمل إثر رفض “حزب الله” الرضوخ لطلب باسيل بأخذ المقعد الكاثوليكي لأن هذا المقعد هو من حصة حليفه الحزب السوري القومي الإجتماعي ويشغله مروان فارس وقد اتفق القوميون على ترشيح الوزير السابق ألبير منصور نظرا الى حيثية حقيقية يملكها في بعلبك الهرمل.
تطوّر الخلاف ليصل الى المقعد الشيعي في دائرة كسروان جبيل، وقد انتقل من حركة “أمل” الى “حزب الله” ضمن توزيع المقاعد الشيعية، وإثر التوتر الذي حصل بين “أمل” وبين “التيار الوطني الحرّ” على خلفية كلام باسيل عن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، تقرر نقل المقعد الى حصة “حزب الله” الذي اعتبر أنه من الطبيعي أن ينشأ بينه وبين “التيار البرتقالي” تحالف في هذه الدائرة. فطالب باسيل بالمقعد الشيعي بحجة أنه يريد شيعيا في “تكتّل التغيير والإصلاح”، فرفض الحزب بطبيعة الحال، فرشح باسيل ربيع عواد، آخذا في الاعتبار حسابات رقمية انتخابية بحتة، كون مرشح “حزب الله” الشيخ حسين زعيتر كان سيغطي بنتيجته التي سيأخذها على كل اللائحة التي قد يشكلها “التيار الحر” فيأتي في الطليعة قبل جميع موارنة اللائحة.
وقام رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بتحالفات ضد “حزب الله” في غالبية الدوائر من زحلة الى صيدا وجزين، وفي بعلبك الهرمل وكسروان جبيل اللتان اعتبرتا خط تماس وقع بين الطرفين.
وتوتر الوضع أكثر حين قرّر باسيل ترشيح شيعية في بعلبك الهرمل وهي غادة عسّاف ما خلق المزيد من التوتر الذي تصعّد فحتّم اجتماعا بين باسيل وبين أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، وكانت الخلاصة التالية: “التيار” حر في نسج التحالفات التي يريدها وفقا لمصلحته، في حين تعهد باسيل لنصر الله بأنه بعد الإنتخابات النيابية سيعود كما كان قبلها في خطابه وفي أدائه السياسي.
تقول أوساط عليمة بمناخ “حزب الله” لموقع “مصدر دبلوماسي” بأنّ “الحزب” لم يخل بأي تعهّد مع اي من حلفائه، فمن وعده التزم معه.
لكن ما حدث مع “التيار الحر” هو تطور الخلاف الإنتخابي الى استياء شعبي لدى جمهوري “الحزب” و”التيار” في آن واحد. ولم ينس محازبو “التيار الحر” ومناصروه الإنتخابات الداخلية لاختيار الأوفر تمثيلا، لكن رئيس “التيار” تحالف مع شخصيات مثل نعمة افرام ومنصور البون وروجيه عازار وأمل أبي زيد اي المتمولين وليس أعضاء الحزب. هكذا انحصر التحالف الإنتخابي في دائرتي بعبدا وفي بيروت الثانية، وفي حسابات “حزب الله” بأنه و”التيار الوطني الحر” سيعودان الى قواعدهما سالمين فور انتهاء الإستحقاق الإنتخابي.
ماذا بعد 6 أيار؟
بحسب أوساط متابعة لمناخ “حزب الله” فإن نتائج الإنتخابات المتوقعة هي أن “حزب الله” وحلفاؤه سوف يربحون الإنتخابات النيابية بقرابة الـ50 او الـ52 مقعدا، وسينال “الحزب” بين 26 او 27 مقعدا شيعيا، أما حلفاءه (غير التيار الوطني الحر) فسيربحون قرابة الـ 10 مقاعد.
يرى “حزب الله” أنه الحزب الوحيد الذي أقام تحالفاته الإنتخابية وفقا للسياسة، تحالف مع حركة “أمل” في الدوائر، وتحالف مع حلفائه الطبيعيين مثل “الحزب السوري القومي الإجتماعي”، وئام وهاب، طلال أرسلان، “التيار الوطني الحر”، وابتعد عن التحالف الإنتخابي.
تشير الأوساط الى أنه في النهاية فإن التحالفات الإنتخابية بين قوى 8 آذار لا تزال قائمة وهي تضم “حزب الله” وحركة “أمل” والحزب السوري القومي الإجتماعي وبعض الحلفاء المتفرقين و”التيار الوطني الحر”.
ثانيا، يؤكد الحزب بأن تحالفه مع “التيار الوطني الحر” ثابت، وسيكمل الطريق معه، وأكثر من ذلك سيحاول “حزب الله” إصلاح ذات البين بين “التيار الوطني الحرّ” وبين حليفه سليمان فرنجية وبين الرئيس بري.
يتوقع “حزب الله” بحسب أوساط متابعة لحركته أن وضعه سيكون أفضل عدديا وسياسيا بعد الإنتخابات النيابية القادمة وثمة تقدير بأن نتائج الإنتخابات يجب أن تعكس نفسها في داخل الحكومة.
ماذا سيتغير في “حزب الله” بعد الإنتخابات؟ وماذا عن ملف الفساد؟
بحسب الأوساط العليمة فإن “حزب الله” سيبقى هو ذاته، “إذا اعتقد البعض بأن انخراط “حزب الله” في مكافحة الفساد سوف يطيح بتحالفاته السياسة القائمة فهو مخطئ، لأن مصلحة البلد هي المطلوبة والإقتصاد الوطني”.
ما هي التحديات بعد الإنتخابات في حال نال “حزب الله” الأكثرية في المجلس النيابي المقبل؟ هل ستكون نقمة غربية عربية على لبنان؟
تشير الأوساط المطلعة على مناخ “حزب الله” الى أن” الفريق الذي يخاصم “الحزب” يدرك حجمه السياسي قبل الإنتخابات، وهو يخاصمه لأسباب لا علاقة لها بحجمه الإنتخابي بل بسبب دوره كمقاومة في سوريا وفي الإضاءة على الموضوع الفلسطيني وعدم السماح بإنجاز التسوية المسماة “صفقة القرن”، وليس لأنه سينال 3 أو 4 نواب إضافيين”.