“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
أيام قليلة تفصل لبنان عن استحقاق جديد في ملف الغاز والنفط يتمثل بتقديم الكونسورسيوم الثلاثي المؤلف من شركات “توتال” و”إني” و”نوفاتيك” الى وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل والى هيئة إدارة قطاع البترول خطة الاستكشاف التي ستوضح عملياته في فترة الاستكشاف الأولى التي تمتد على 3 أعوام. الى ذلك يزور لبنان في بدءا من 26 الجاري وزير الخارجية القبرصي نيكوس خريستودوليدس في زيارة رسمية تستمر 3 أيام يشارك فيها بمؤتمر إقتصادي سيكون فيه من أبرز المتحدثين، ويقوم بجولة على المسؤولين اللبنانيين مناقشا ترسيم الحدود البحرية لقبرص وبحث سبل التعاون ومحاولة العثور على حلّ للنزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل والذي كانت قبرص أحد الضالعين فيه بعد توقيعها اتفاقية ثنائية مع إسرائيل عام 2010.
موقع “مصدر دبلوماسي” قصد الخبيرة في المخاطر السياسية في قطاع النفط والغاز وأحد مؤسسي مركز الأبحاث “ميدل إيست ستراتيجيك برسبكتيف” منى سكرية التي ألقت الضوء على هذه القضايا وتفاصيلها في هذه المقابلة.
*ينتظر لبنان أن يقدّم الكونسورسيوم المؤلف من 3 شركات برنامجه الإستكشافي قريبا، متى الموعد وما هي المراحل التي ستلي مرحلة الإستكشاف وصولا الى الإنتاج؟
-من المتوقع أن يقدم خلال أيام الكونسورسيوم المؤلف من “توتال”، “إني” و”نوفاتيك” الى وزير الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول خطة الاستكشاف التي ستوضح عملياته في فترة الاستكشاف الأولى التي تمتد على 3 سنوات. سوف تتضمن هذه الخطة، كحدّ أدنى، القيام بالعمليات التي التزم الكونسورسيوم بالقيام بها في هذه الفترة ومن ضمنها حفر بئر في كل من البلوك 4 والبلوك 9 في العام 2019. عند الموافقة على خطة الاستكشاف يمكننا الاعتبار أن لبنان دخل رسمياً مرحلة الاستكشاف وتبدأ الشركات بالتحضير اللوجستي لعمليتي الحفر التي ستقوم بها في 2019، ومن ضمن هذه التحضيرات، تحضير قاعدة الخدمات البريّة، القيام بمسوحات إضافية، الاستحصال على الرخص البيئية اللازمة، تأمين معدات التنقيب إلخ.
من المبكر في هذه المرحلة الحديث عن الإنتاج إذ يتعلق ذلك بنتيجة الحفر التي ستقوم به الشركة المشغلة، “توتال”، وعما إذا سينتج عنه اكتشاف تجاري أم لا. في حال سجلت الشركة اكتشافاً تجارياً سوف تقوم بعملية حفر لتقويم هذا الاكتشاف وطبيعة المكمن وعلى ضوئه تحدد الخطوات اللاحقة.
*أين من الممكن أن تبدأ هذه الشركات الحفر؟ وكيف سيتم تجنب النزاع في البلوك 9؟
–سوف تبدأ شركة “توتال” بحفر أول بئر في البلوك 4 ويليه حفر بالبلوك 9 الذي يتضمن، في جنوبه، منطقة تدعي إسرائيل أنها تقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة. هذه المنطقة تشكل حوالي 8 في المئة من مجمل مساحة البلوك (أي حوالي 145 كم2 من أصل 1742 كم2).
الكونسورسيوم كان يعي تماماً وضع البلوك 9 ومع ذلك قرر أن يتقدم بعرض للحصول على رخصة تنقيب وإنتاج في هذه الرقعة التي تعتبر واعدة، مع الأخذ الاحتياطات اللازمة للحدّ من المخاطر التي قد تنتج عن حالة كهذه، وأبرزها القرار بتفادي القيام بعمليات ضمن المنطقة المتنازع عليها. فخلال حفل التوقيع على العروض في 9 شباط الفائت أعلن ستيفان ميشال ممثل شركة “توتال” أن المنطقة التي تنوي الشركة القيام بعمليات فيها بعيدة حوالي 25 كم عن الحدود المتنازع عليها. مدير الشركة باتريك بويانيه عاد وكرر الأمر ذاته في حديث صحفي في 19 آذار شددّ فيه على أن “توتال” لا تنوي الحفر في منطقة قريبة من الحدود، “ليس لأننا نتخوف من ذلك ولكن نظراً لأن الخبراء الجيولوجيين نصحونا بعدم الحفر هناك. نحن نقوم بالحفر بالمنطقة التي يحددها لنا الجيولوجيون”.
*ما مصير الوساطة الأميركية في حل النزاع وهل توقفت؟ وما دور قبرص؟
–لم تلتفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كفاية إلى موضوع الوساطة في السنة الأولى من عمرها لانشغالها بأمور أخرى في المنطقة تعتبرها أكثر أهمية. التهديدات التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عقب تلزيم البلوك 9 الذي يتضمن منطقة تدعي إسرائيل أنها تقع ضمن مياهها لكونسورسيوم مؤلف من شركة “توتال” الفرنسية، “أني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية، أبرزت دقة الوضع وخطورة التصعيد. هذا يفسر التحرك الدبلوماسي الذي قام به مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد بين لبنان وإسرائيل واقتراح خطة للحلّ مبنية على اقتراح فريدريك هوف، الوسيط الأميركي الأول الذي بدأ بالوساطة الأميركية عام 2012 واستقال من منصبه قبل إتمام مهامه. لم يقبل لبنان الاقتراح آنذاك وعاد ورفضه بوضوح هذه السنة. مبدأ Take it or leave it في أول الطريق يفضح حدود المبادرة الدبلوماسية، إذا صحّ، ولكن لا أظن اننا في هذه المرحلة بعد وما زال هناك المتسع من الوقت للتوصل إلى اقتراحات أخرى ممكن مناقشتها. المؤكد أن لبنان يفضل إشراك الأمم المتحدة في أي حلّ وخاصة في مسألة تحديد حدود بحرية مؤقتة شبيهة بالخط الأزرق برّاً. بشكل عام، لا يحبذ الأميركيون والإسرائيليون إعطاء دور بارز للأمم المتحدة لكن، برأيي، هذا اقتراح يمكن الانطلاق منه.
بالنسبة إلى قبرص، فقد سبق واقترحت خدماتها مرتين للقيام بوساطة بين لبنان وإسرائيل ولكن فضل الطرفان قبول وساطة الولايات المتحدة نظراً لثقلها الدبلوماسي مقارنة بقبرص. ولكن ذلك لا يمنع قبرص من لعب دور ما في هذا الملف. فالاتفاق الحدودي الذي وقعته قبرص مع إسرائيل في 2010، كما الاتفاق المشابه الذي وقعته مع لبنان في 2007 (لم يصدّق عليه مجلس النواب اللبناني ولم يدخل حيز التنفيذ) ينصّ على أن النقطة الثلاثية (حيث تلتقي الحدود الثلاث) يمكن تعديلها في ضوء الترسيم المستقبلي للمنطقة الاقتصادية الخالصة مع الدول المجاورة الأخرى، وهذه فقرة اعتيادية في هذا النوع من الاتفاقيات. والملفت أن وزير الخارجية القبرصي المعين حديثاً نيكوس كريستودوليدس سيقوم بزيارة للبنان نهاية الشهر الجاري (بعد زيارة لإسرائيل في 22 آذار) ومن المتوقع أن يتطرّق في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، الذين يعرفهم جيداً منذ قبل تعيينه في هذا المنصب، إلى ملف النزاع الحدودي خاصة أن الرئيس القبرصي نيكوس أناستازيادس سيستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيقوسيا في أيّار المقبل.