“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها الرقم 55 عن شهر آذار 2018.
لتصفّح مواد المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
يتحفظ لبنان على بناء اسرائيل جدارا اسمنتيا في منطقة راس الناقورة بسبب خرقه للخط الازرق وشموله نقاطا يتحفظ عليها بلغت الـ13 نقطة، في حين تصر اسرائيل على بنائه، ضاربة عرض الحائط التحذيرات اللبنانية ومحاولة الوساطة الاميركية التي بدأها نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي دايفيد ساترفيلد وتابعها وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون. فكيف يمكن للبنان الدبلوماسي مواجهة الاعتداء الإسرائيلي الجديد الذي يبدأ برّا ليتمدد بحرا الى الثروة النفطية الموعودة؟
تحاول اسرائيل التلاعب بالحدود البرية اللبنانية وعينها على ترسيم الخط الحدودي البحري وسط النزاع القائم مع لبنان الذي وقّع في 9 شباط الفائت عقود الاستكشاف والتنقيب مع 3 شركات فرنسية وايطالية وروسية تمهيدا لبدء عمليات التنقيب في الرقعتين (4) و(9) والاخيرة محاذية للحدود الجنوبية معها وتقع 5 في المئة من مساحتها ضمن المساحة المتنازع عليها وهي 860 كلم مربع.
وبالتالي كان مستبعدا ان تستجيب اسرائيل لمناشدة المجلس الاعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي عبّر بوضوح بان هذا الجدار هو خرق واضح للقرار 1701. وقد سمع مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية ميروسلاف جنكا الذي استقبله عون في قصر بعبدا في 31 كانون الثاني الفائت، كلاما واضحا من ان لبنان يعلّق اهمية كبرى على الدور الذي يجب ان تلعبه الامم المتحدة لمنع اسرائيل من بناء الجدار الاسمنتي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية قبل تصحيح النقاط الـــ 13 المتحفظ عليها من ” الخط الازرق”.
ولفت تصريح لجنكا علق فيه اهمية على اجتماع اللجنة العسكرية الثلاثية في الناقورة برعاية “اليونيفيل”.
في هذا الاطار يشدد الخبراء الدبلوماسيون الدوليون على اهمية حلّ هذا النزاع ضمن اللجنة الثلاثية المذكورة.
يجيب ناطق باسم الاتحاد الاوروبي في بروكسيل على اسئلة “الامن العام” حول الموضوع بقوله:” ان الاتحاد الاوروبي يتابع عن كثب التطورات المتعلقة بموضوع الاعمال الهندسية في جنوب الخط الازرق والتي اعلن عنها الجانب الاسرائيلي. ان الاتحاد الاوروبي يدعم موقف “اليونيفيل” بشكل كلّي في ما يخص اعمال البناء المقترحة من قبل قوات الدفاع الاسرائيلية. ان اية اعمال محاذية للخط الازرق يجب ان تكون متوقعة مع اخطار مسبق وكاف للسماح بالتنسيق بين الطرفين، ولتجنب سوء الفهم ومنع الحوادث. ان ضبط النفس الذي يمارسه الطرفان هو اشارة ايجابية، وان الاتحاد الاوروبي يرحب بالدور الذي تقوم به قوات “اليونيفيل”، بما في ذلك من خلال اجتماعات اللجنة الثلاثية. ويشجع الاتحاد الاوروبي كل الافرقاء المعنيين على متابعة مسار الحوار”.
يتقاطع رأي دبلوماسي غربي يعمل الامم المتحدة في نيويورك مع رأي الاتحاد الاوروبي فيقول: “لعل الآلية الفضلى من اجل تحقيق النجاح تكمن في الاستمرار باثارة هذا الموضوع بقوة في اطار اللجنة الثلاثية بمعية قائد “اليونيفيل”.
لقد تمّ هذا الامر فعليا في الاجتماع الاخير للجنة في شباط الفائت، اذ اجتمعت اللجنة الثلاثية الممثلة بالجيش اللبناني وممثلين عن جيش العدو الإسرائيلي و”اليونيفيل” وتمّ تناول هذا الموضوع وكان لبنان واضحا بانه اذا اقدم الجيش الاسرائيلي على هذه الخطوة سوف تعتبر اعتداء على السيادة. لا يبدو بان اسرائيل اقتنعت او تراجعت، غير ان لبنان قرر مواجهة اي اعتداء اسرائيلي جديد بكافة الوسائل والسبل الدبلوماسية بحسب ما عبّر عنه المجلس الاعلى للدفاع الذي عقد اجتماعا في 7 شباط 2018 .
واوضح البيان الصادر عن الاجتماع “بان لبنان يرفض بناء الجدار في هذه النقطة بسبب انحراف الخط الازرق 40 مترا داخل الاراضي اللبنانية، ما سيؤدي الى فقدان آلاف الكيلومترات من الحقوق البحرية والبلوك 9، كون النقطة البرية المتحفظ عليها ستكون الركيزة والمنطلق لترسيم الحدود البحرية” (…).
هذا يعني بما لا لبس فيه بان ثمة اطماعا اسرائيلية واضحة وصريحة بثروة الغاز والنفط في المياه الاقتصادية الخالصة للبنان، وليست الحدود البرية الا جسرا للعبور الى “شفط” الغاز اللبناني.
وتشرح اوساط دبلوماسية لبنانية متابعة لهذا الملف الترابط بين ترسيم الحدود البرية والبحرية بقولها:” عند ترسيم الحدود البحرية يتم الانطلاق دوما من البرّ الى البحر، وعندما يتم الانطلاق من البرّ يتم الدخول بعمق اكبر في البحر لمسافة تكون مضاعفة بحرا، وبالتالي فان كل 5 أمتار على البرّ قد تكون 20 مترا في البحر، وقد تكون هذه المساحات تحوي كميات كبرى من الغاز والنفط، لذا فان موضوع تحفظ لبنان هو استراتيجي”.
ويقول الدبلوماسي الغربي الذي يعمل في الامم المتحدة في نيويورك لمجلتنا وقد طلب عدم ذكر اسمه:” في ما يتعلّق بهذه المسالة فهي معقدة وليست سهلة البتة”.
يضيف:” لعلّ الآلية الفضلى من اجل تحقيق النجاح تكمن في الاستمرار باثارة هذا الموضوع بقوة في إطار اللجنة الثلاثية برئاسة قائد “اليونيفيل” وهذا ما حصل فعليا في الاجتماع الاخير، كما يمكن للبنان عبر بعثته في نيويورك اثارة الموضوع مع مجلس الامن الدولي وخصوصا قبل انعقاد الجلسة المقبلة حول تقييم القرار 1701 والمقررة في آذار الحالي”. يضيف الدبلوماسي الغربي:” ان المسؤولين السياسيين اللبنانيين وكذلك البعثة الدبلوماسية اللبنانية تحتاج لان تقوم بـ”لوبي” مستمر وفعال وقوي الى جانب اعضاء مجلس الامن الدولي”.
ويشير الدبلوماسي بقوله:” اعتقد انه من الصعوبة بمكان ارغام الاسرائيليين على تغيير موقفهم، لانّ هذه الطريق تمرّ واقعيا عبر الولايات المتحدة الأميركية”.
ويخلص الدبلوماسي الغربي الى انه “على المدى الطويل، ثمة طريق اخرى امام لبنان تتمثل بتقديمه شكوى الى محكمة العدل الدولية التي لا يزال رايها حول الجدار الإسرائيلي عام 2004 ماثلا في الاذهان وشكل حكما قانونيا فريدا. لكن، وكما نعلم جميعنا فان الجدار بني في الضفة الغربية وبالتالي فان راي المحكمة غير الملزم لا يمكنه ان يشكل فارقا على ارض الواقع”.
من جهته، يقول خبير غربي بالشؤون الدبلوماسية بان “اضعف الايمان ان تقوم الامم المتحدة وقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” بالاعلان امام العالم اجمع في حال بنى الإسرائيليون الجدار بشكل غير قانوني على اي جزء من الاراضي اللبنانية او في الاجزاء المتنازع عليها وهي 13 نقطة بحسب الجهة اللبنانية، او في الاراضي غير المرسمة بعد او في الاراضي المحتلة بطريقة غير قانونية من اسرائيل اي قرية الغجر على سبيل المثال”.
ويضيف: هذا جلّ ما يمكن ان يفعله لبنان وبعد القيام بهذه الخطوات الرئيسية على مجلس الامن الدولي اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الشان”.
ويشير الى ان لبنان يمكنه أن يقدم شكاوى مختلفة الى قيادة “اليونيفيل” والى “مجلس الامن الدولي” والى الجمعية العامة للامم المتحدة، وان يطلب تصويتا غير ملزم ثم ان ينقل الامر الى محكمة العدل الدولية ولكن الامر لا يدعو الى التفاؤل في تلك المحكمة لان اسرائيل ليست عضوا فيها”.
ويخلص الخبير الى انه من الاجدى بالاسرائيليين البناء ضمن الجهة التي تخصهم من الخط الازرق والتي ليست عرضة لاية تساؤلات أو نزاع، لكن ان اصرت على البناء في النقاط المتنازع عليها عندها ليس من حل قانوني”.
في الحراك اللبناني الدبلوماسي، اثارت مندوبة لبنان الدائمة لدى الامم المتحدة في نيويورك السفيرة آمال مدللي الامر في بيانها الاول بعد تسلّمها لمنصبها قبل انعقاد جلسة مجلس الامن الدولي في 24 كانون الثاني الفائت، كذلك ارسلت رسالة الى المجلس والى الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرس توضح فيها وجهة النظر اللبنانية.
وتشير اوساط دبلوماسية لبنانية مطلعة الى انه كخطوة اولى يمكن للبنان ان يشتكي الى مجلس الامن الدولي عبر بعثته في نيويورك، ويمكنه رفع شكوى رسمية لمحكمة العدل الدولية حسب الطرق والتدابير المعروفة، وقد كان لمحكمة العدل الدولية حكم سابق هي قرارات ( ليس احكام، هي تعطي قرارات غير ملزمة) بموضوع بناء الجدار العازل في الاراضي الفلسطينية المحتلة وقالت المحكمة وقتذاك ان الجدار غير شرعي وغير قانوني، وبالتالي يمكن للبنان ان يخطو الخطوة ذاتها في هذا الموضوع”.
وهل من الممكن ان تتحرك المجموعة العربية لتتقدم بشكوى امام محكمة العدل الدولية باسم لبنان كما فعلت عام 2004 في موضوع الجدار العازل في فلسطين المحتلة؟ وخصوصا وان الكويت هي عضو غير دائم في مجلس الامن الدولي بدءا منذ بداية السنة الجارية وقد تترأس المجلس لمرتين في غضون عامين من عضويتها؟
تقول الاوساط الدبلوماسية اللبنانية:” عندما تقدمت المجموعة العربية بشكوى ضدّ اسرائيل امام محكمة العدل الدولية فقد اعطت المحكمة رأيا غير ملزم وذلك بغض النظر اذا كانت الدولة عضوا فيها ام غير عضو، وهذه المحكمة لا تحاكم بل تعطي رايا قانونيا. لكن تجدر الاشارة الى ان المجموعة العربية في تلك المرحلة كان موقفها مغايرا تجاه اسرائيل وقد تبدلت الظروف راهنا وبالتالي من الصعوبة ان يقنع لبنان الدبلوماسي المجموعة العربية بتقديم شكوى باسمه في لاهاي”.
تجدر الاشارة الى ان مندوب لبنان الدائم سابقا في نيويورك السفير نواف سلام عيّن اخيرا احد القضاة في محكمة العدل الدولية.
اطار مستقل:
رأي محكمة العدل الدولية في الجدار الفاصل في فلسطين المحتلة
في 9 تموز 2004 اصدرت محكمة العدل الدولية قرارا بعدم شرعية الجدار العازل في الاراضي الفلسطينية المحتلة ووجوب وقف بنائه كما طالبت المحكمة اسرائيل بتعويض الفلسطينيين عن الخسائر التي سببها هذا البناء، وانه يترتب على الجمعية العامة الاخذ بعين الإعتبار الخطوات اللازم اجراؤها لانهاء هذا الوضع غير الشرعي.
بناء على هذا الراي، انعقدت جلسة للجمعية العامة في الامم المتحدة في 20 تموز 2004 وصوّتت باغلبية ساحقة لمطالبة اسرائيل بالاذعان الى امر محكمة العدل الدولية والذي اشار الى عدم شرعية بناء الجدار العازل.
تم التصويت بموافقة 150 دولة ومعارضة 6 دول وامتناع 10 دول عن التصويت.
وكانت المجموعة العربية قد دعت الى عقد جلسة طارئة للجمعية العامة عقب صدور الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.