“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير عن معاهدة فيينا وكيفية احترام السفراء الأجانب لموادها نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها الـ 53 الصادر في شباط 2018. لتصفّح مواد المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
إذا كانت معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية لعامي 1961 و1963 تحدد إطار العلاقات الدبلوماسية بين الدول وامتيازات بعثاتها، فإن أعرافا دولية غير مكتوبة تعدّ من ضمن القانون الدولي، فضلا عن ميثاق الأمم المتحدة، تحكم عمل هذه البعثات ايضا، الى “أعراف” غير مألوفة دوليا تميّز لبنان الذي وقع المعاهدة عام 1971.
أطلق وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في تصريح له الشهر الفائت صفارة انذار دبلوماسية حين حثّ السفراء الاجانب العاملين في لبنان على احترام “اتفاقية فيينا” وعدم التدخل في الشؤون السياسية اللبنانية، وإذا كانت “اتفاقية فيينا” للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية لعامي 1961 و1963 وملحقاتها تحدد إطار العلاقات الدبلوماسية بين الدول وامتيازات البعثات الدبلوماسية، فإن أعرافا دولية غير مكتوبة وتعدّ من ضمن القانون الدولي فضلا عن ميثاق الأمم المتحدة تحكم عمل هذه البعثات ايضا الى “اعراف” غير مألوفة دوليا تميز لبنان الذي وقّع الإتفاقية عام 1971.
يتشعّب موضوع احترام البعثات الدبلوماسية لاتفاقية فيينا وتتداخل الاصول الدبلوماسية بالممارسة الواقعية التي تفرضها خصوصيات الدول العاملة في لبنان من جهة وخصوصية الديموقراطية اللبنانية من جهة ثانية وكيفية توزّع موازين القوى.
يبدو مبدا عدم التدخّل هو المدخل الرئيسي لموضوع شائك من هذا النوع، وهو ما سنحصر البحث فيه في هذا التقرير.
يرتكز منشأ قاعدة عدم التدخل بحسب كتاب “الدبلوماسية الحديثة” للدكتور سموحي فوق العادة الى مبدأين: “سيادة الدولة على اقليمها والتي يترتب على الدول الاخرى احترامها وعدم الاساءة اليها، والى مساواة الدول من الناحية القانونية، الامر الذي يحظر على اي دولة التدخل فيما يجري داخل اراضي الدول الاخرى لتحويل الاحداث التي في تلك الدول لصالحها. وقد تأيدت هذه القاعدة بنص الفقرة 7 من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة التي تنص على الآتي: “ليس في هذا الميثاق ما يسوّغ للامم المتحدة ان تتدخل في الشؤون التي تكون في صميم السلطان الداخلي لدولة ما…”.
ويسرد الدبلوماسي في كتابه أن مظاهر التدخل في الشؤون الداخلية لدولة اخرى كثيرة ومتنوعة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: “عقد مؤتمر صحفي بدون موافقة الحكومة المستقبلة، اتخاذ موقف في الحملة الانتخابية التي تجري لدى الدولة المستقبلة، تقديم المساعدات المالية الى احد الاحزاب السياسية لديها، اتخاذ موقف من الصراعات الداخلية التي قد تمزق كيان البلاد، اثارة الاضطرابات في البلاد، او الاشتراك في مؤتمرات ترمي الى قلب حكومة الدولة المستقبلة، انتقاد تصرفات هذه الحكومة ولا سيما سياستها الخارجية، تعكير صفاء العلاقات القائمة بين الدولة المستقبلة او اللجوء الى وسائل التجسس وتوزيع المواد الغذائية على المواطنين مباشرة بدون وساطة السلطات المحلية وذلك في حالات المجاعة او حدوث الكوارث.
في حال لم يلتزم الدبلوماسي مهما كانت رتبته بهذه المبادئ يؤدي ذلك الى اعتباره شخصا غير مرغوب فيه أو
Parsona non grata
وطرده من البلاد بالسرعة التي يقتضيها الامن الداخلي وسلامة الدولة.
لكن ثمة حالات استثنائية يجوز فيها للدبلوماسي التدخل منها بحسب الدكتور سموحي فوق العادة منها: انتقاد الدولة المستقبلة في حال اقدامها على سن قوانين تسيء الى مصالح الدولة الموفدة او الى مصالح احد رعاياها، محاولة تحوير السياسة الخارجية للدولة المستقبلة التي قد تنعكس آثارها على الدولة الموفدة. ويشترط في الحالات المذكورة او المماثلة لها ان يتم التدخل بالطرق الدبلوماسية المالوفة، او اثناء المباحثات الرسمية او المفاوضات مع المسؤولين”.
أصول التخاطب مع الرؤساء والادارات العامة
لقد اقرت جميع الدول في “اتفاقية فيينا” ان السبيل لحد تدخل البعثات الدبلوماسية في شؤونها الداخلية وضع قاعدة تقضي بان ينحصر اتصالها بمختلف اجهزة الدولة عن طريق وزارة الخارجية فحسب، “وهي تتولى ابلاغ جميع وزارات الدولة واداراتها بحسب اختصاصها لأن موظفي وزارة الخارجية هو أكثر اطلاعا من غيرهم على الشؤون الدبلوماسية والعلاقات الدولية ويدركون النتائج والمسؤوليات المترتبة على جميع المساعي الخطية او الشفهية التي يقوم بها الممثلون الدبلوماسيون وكبار مساعديهم. بحسب كتاب الدبلوماسية الحديثة.
وتقضي انظمة بعض الدول بان تتم زيارة الممثلين الدبلوماسيين لبعض وزراء الدولة الفنيين او بعض كبار موظفيها، بناء على موافقة وزارة الخارجية وبموعد تحدده لهذه الغاية ادارة المراسم لديها، على ان يقدم الوزير او الموظف الكبير الذي يزوره الممثل الدبلوماسي تقريرا عن المحادثات التي جرت اثناء المقابلة الى وزارة الخارجية”. وعام 1959 صدر المرسوم الرقم 2894 في لبنان الذي يحدد شروط تطبيق بعض احكام المرسوم الاشتراعي رقم 111 المتعلق بتنظيم الادارات العامة، وذكر في فقرة عن العلاقات بين الادارات اللبنانية والهيئات الدولية او الاجنبية في المادة 25: تجري الاتصالات بين الادارات اللبنانية والهيئات الدولية او الاجنبية وفقا للمواد الآتية:
26: تنشأ كل علاقة جديدة بين الادارات والهيئات المذكورة في المواد السابقة بواسطة وزارة الخارجية والمغتربين.
27: على كل ادارة لبنانية تراجعها هيئة دولية او اجنبية في قضية جديدة ان تستطلع راي وزارة الخارجية والمغتربين في الامر او ان تقدم الجواب بواسطتها.
28: على وزارة الخارجية والمغتربين عندما تراجعها هيئة دولية او اجنبية في قضية تتعلق بادارة لبنانية ان تستطلع راي هذه الادارة في الامر قبل تقديم الجواب ثم ان تطلعها على الجواب المعطى.
29: اذا كان الامر يتعلق بمساعدة خارجية من اي نوع كانت تطلبها ادارة لبنانية او تعرضها هيئة دولية او اجنبية فعلى وزارة الخارجية والمغتربين ان تحيل الاوراق على وزارة التصميم العام لمعالجة الامر بعد استطلاع راي الإدارات اللبنانية المختصة فيه”.
في الواقع اللبناني
يشمل عدم التدخل السياسي في لبنان ابداء السفير او الدبلوماسي الاجنبي مهما كانت رتبته رايه بالانتخابات النيابية او تشكيل الحكومة أو المؤسسات العسكرية والامنية أو في البيان الوزاري للحكومة أو تقديم دعم مالي لجهات أو أحزاب أو تحريض جهة على أخرى…او تمويل جهات معينة ولا يشمل ذلك الهبات إذا قدمت بحسب الأصول وعبر السلطات اللبنانية.
اما اصول التخاطب فهي تخترق في لبنان إذ نرى سفراء دول يجتمعون بالرؤساء الثلاثة وبالوزراء من دون المرور بوزارة الخارجية والمغتربين وتحديدا مديرية المراسم، كما يخاطب السفراء او المنظمات الدولية الوزارات المعنية او الاجهزة الامنية احيانا بصورة مباشرة وفقا لعلاقاتهم الشخصية وخصوصا في حال وقوع جرائم تطال رعاياهم او في متابعة مصالح هؤلاء الرعايا كالطلاب أو رجال الأعمال او بغية الحصول على وثائق ولادة او وفاة وسواها من المواضيع. الواقع اللبناني المعقد يضطر السفراء والدبلوماسيين الى نسج علاقات شخصية مع نظرائهم اللبنانيين فيحلون الأمور بالمسلك الشخصي لا عبر الروتين الاداري. ما يجعل ان لا خط واضحا بين ما هو متاح وما هو غير متاح وما هو مطابق للاعراف والاتفاقيات وما هو غير غير مطابق سواء في السياسة او في اصول التخاطب.
تتشابك الاصول الدبلوماسية بالواقع المعاش، في الماضي كان للسفير دور محوري وكان وحده القادر على نقل الرسائل الى وزير دولته وتعلم السفراء المخضرمون كيفية الكتابة عبر “شيفرة” خاصة يرسلونها عبر “التيلكس”… اما في زمن “الواتس أب” والتكنولوجيا السريعة والعلاقات الشخصية فبات الوزراء يتواصلون مع بعضهم البعض مباشرة وينظمون اللقاءات في ما بينهم ويتفقون على حل المسائل الخلافية بلا وسيط مما قلص من دور السفير وحصر معظم صلاحياته في الشؤون الاقتصادية والتقنية وهذا ما يتجاوز الاصول التي نصت عليها “اتفاقية فيينا” والحقبة التي نشأت فيها في ستينيات القرن الفائت. ويصبح الامر اشد نفورا في الحالة اللبنانية سواء لجهة الاجتماعات المباشرة التي يعقدها السفراء الاجانب مع الرؤساء او من خلال مخاطبتهم وبعثاتهم مباشرة مع الادارات او مع موظفي الفئة الاولى وهو امر غير متاح البتة للسفراء وللدبلوماسيين اللبنانيين في عملهم في الخارج بحسب ما يؤكد اكثر من مصدر من هؤلاء.