“مصدر دبلوماسي”-فيينا-مارلين خليفة:
إنعقد في فيينا مؤتمر “تشكيل المستقبل” التماسك الإجتماعي في مدننا” بمشاركة 30 بلدا منها دول الجوار السوري لبنان والأردن وتركيا وانضمّ 150 مشاركا من العالم الى النقاشات المستمرة ليومين حول كيفية تحقيق البلديات الأوروبية والمتوسطية في دول الجوار السوري لعملية ادماج للاجئين والمهاجرين بشكل يحقق الأمن والسلام للمجتمعات المضيفة وللوافدين في آن واحد.
شارك في المؤتمر الذي نظمته مؤسسة “آكت-ناو” التي تأسست عام 2015 إثر تفاقم أزمة اللجوء في النمسا عدد كبير من رؤساء البلديات الأوروبيين والعرب.
في مرآب لمحطة القطارات في فيينا انعقد المؤتمر وذلك بفكرة من المثقف النمساوي أندريه هيلير أحد مؤسسي “آكت-ناو” الذي أراد أن يقرّب المؤتمرين من المناخ الذي يعيشه اللاجئون فور وصولهم الى البلد الذي يقصدونه، حيث تكون محطة القطارات المرحلة الجديدة من معاناتهم بعد هربهم من بلدهم الأم.
حين تتحدث عن اللاجئين مع مسؤولين نمساويين فإن المصطلح يشمل النازحين من أفغانستان والعراق والصومال وسوريا وتشيتشنيا وسواها من البلدان. وقد بلغ عدد اللاجئين في النمسا عام 2015 قرابة الـ80 ألفا لكنه انخفض حاليا الى 20 ألفا بسبب انتقال اللاجئين الى ألمانيا وإغلاق النمسا لحدودها، علما بأن عددا كبيرا من اللاجئين السوريين حازوا على إقامات مزاولة عمل شرعية وعلى حق اللجوء.
شكلت النمسا بحسب عدد من المسؤولين البلديين الحاضرين في بداية عام 2015 شبكة للتعاون بين رؤساء البلديات من جهة والمسؤولين الميدانيين وجماعات الدعم المختصة باستقبال ومتابعة اللاجئين لكن التردد استمر لفترة طويلة لأسباب عدة ابرزها: العجز عن التعامل مع التدفق الكبير وخصوصا للأطفال والنساء، عدم وجود اتجاه واضح لمعالجة قضية مستجدة على البلديات وانزلاق المعالجة احيانا الى ردود فعل انفعالية على أشخاص يفدون آتين من الجزر اليونانية “ملطخين بالدماء” بحسب تعبير رئيس بلدية صقلية لويجي أماتورا فضلا عن العبء الكبير الذي لم تكن البلديات مستعدة له. من هنا ظهرت الحاجة الى تبادل الخبرات للتعامل مع هذه”الظاهرة الإنسانية” ونشوء قناعة نمساوية بأنه لا يمكن البتة رفض تقديم المساعدة لمن يحتاجها.
لكنّ الأمر أخذ بالتعقيد، وخصوصا مع صدور تقرير عام 2017 لـ”يوروبول” يتحدث عن اختفاء آلاف الأطفال من دون معرفة مصيرهم، ونشأت تكهّنات على المستوى الأوروبي عن إمكانية أن يكونوا قد بيعوا للإتجار بأعضائهم أو من أجل الدعارة.
ولعل جلسات اليوم الأول للمؤتمر كانت حافلة بالخبرات العربية ومن دول الجوار السوري حول هذا الموضوع.
أدارت الجلسة الأولى فيولا الراهب وهي أحد مؤسسي “آكت-ناو”، وركزت على التحديات التي تواجه البلديات في تعزيز التماسك الإجتماعي والسياسات المتبعة من أجل الإدماج.
تركيا: الإدماج عبر الزيارات المتبادلة
في التجربة التركية قال هليل آكينسي وهو مدير مركز التطوير الإستراتيجي بأن اللاجئين طالما نظروا الى تركيا كممرّ إلزامي الى الدول الأوروبية، ولم يكن من السهل على رؤساء البلديات الأتراك على التعامل مع هذه القضية بسبب الميزانيات المحدودة من جهة وعدم القدرة على الحصول على تمويل كاف من الإدارة العامة لإدارة المشاريع. لذا كانت حلول مبتكرة للتعاون مع بعض المؤسسات الخاصة في مجالات تدريب الشباب من اللاجئين السوريين وإدماجهم في المدارس التركية وطرح طرق لتعليم النساء وتم تنظيم زيارات متبادلة بين عائلات تركية وعائلات سورية وافدة.
الأردن: الإدماج عبر مشاركة اللاجئين بالقرار البلدي
وقدّم رئيس بلدية بلدة “سحاب” في الأردن عباس المحارمة تجربة بلدته، وأشار الى أن الأردن لا يمكن أن يغلق حدوده أمام اللاجئين ولكنه أشار الى أنه يترتب على المجتمع الدولي أن يفي بإلتزاماته لأنه في المستقبل قد لا يتمكن الأردن من إدارة هذه الأزمة مع التدفق غير المضبوط للاجئين.
واشار المحارمة الى وجود لاجئين في الأردن من بلدان عدة من العراق واليمن وليبيا الى عمالة من شرق آسيا، ولفت الى أن اعباء عدة ترتبت عن وجود أكثر من 20 ألفا في بلدة سحاب وأعطى مثلا بأن إزالة النفايات كانت تتطلب من البلدية ازالة 60 طن يوميا فباتت 110 طن. أما في المدارس فقد بلغ عدد الطلاب في الصف الواحد 65 طالبا وهو عدد كبير جدا. كذلك تنسحب المصاعب على قطاعات الصحة وفرص العمل المحدودة. حاولت بلدية سحاب إيجاد طرق للإدماج عبر اشراك اللاجئين في القرار البلدي من خلال اجتماعات في قاعة المدينة لوضع خطط وكذلك عبر أنشطة للأطفال…
لبنان: في الهبارية تسهيل متناه لحياة اللاجئ بالرغم من معاناة اللبناني
من جهته، قدّم رئيس بلدية بلدة الهبارية في جنوب لبنان مرهج نجم صورة عمّا تعانيه هذه البلدة القريبة من الحدود السورية، وعدّد طرق ادماج عدة اعتمدتها البلدة ومنها مثلا اشراك النازحين بكافة النشاطات الثقافية والفنية والتراثية للبلدة ومؤسسات المجتمع المدني حيث توجد أكثر من 10 جمعيات خصصت كل نشاطاتها من أجل النازحين السوريين. وتشكيل لجنة خاصة من النازحين لمتابعة كل ما يحتاجونه بالتعاون والتنسيق مع البلدية، توزيع المساعدات العينية شهريا وبشكل دوري، تأهيل المنازل بالشكل المطلوب لإيواء عائلات سورية لم تجد لها مأوى للسكن، فتح المدارس الرسمية بدوام اضافي بعد الظهر وتأمين الطاقم العليمي أكثر من 18 مدرية لـ400 طالب سوري، الكشف الطبي الممنهج عبر حملات التلقيح والمعاينة الميدانية وعبر السمتوصفات الصحية المتوافرة في البلدة وسواها…
ولفت نجم الى ان عدد سكان الهبارية يبلغ 7 آلاف نسمة يوجد نصفهم من المهاجرين وقد بلغ عدد النازحين السوريين 1300 أي ما يعادل عدد سكان البلدة المقيمين حاليا. ولفت الى ان هذا التواجد يسبب مشاكل عدة للبنى التحتية وعلى قطاعات عدة منها: منافسة ابناء القرية في سوق العمل، الآثار السلبية على البنى التحتية وعلى البيئة وهذا ما كلف البلدية مئات آلاف الدولارات وما زالت تعاني، ارتفاع اسعار الإيجارات امام ابناء البلدة، وجود بعض الحالات الإجتماعية الشاذة عن المألوف، ولفت الى ان استمرار الأزمة في سوريا سوف يزيد من مصاعب المواجهة وفق الإمكانات المتواضعة التي لدى بلدة الهبارية حيث لا يزال ينقص البلدة وأبنائها الكثير في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب فاللبناني يعاني اكثر من النازح السوري (…).
متري: مقاربة أكاديمية للجوء
من جهته، تحدث مدير مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت طارق متري فأشار الى أن تحديات كبرى يواجهها التماسك الإجتماعي الذي يوجب بناء جسر من فيينا الى بيروت. ولفت الى فشل الدول الوطنية في التوصل الى الإدماج وحصل لغط بين الإدماج وبين الهويات الوطنية، ولفت متري الى انه مع ظهور الهويات “الدون وطنية” والقوى الدافعة للامركزية تبيّن ان الشعور بالإنتماء بات في خطر متواصل من خلال تفريق غثني او متجدد على مستوى المؤسسات السياسية. وقال متري أن ثمة سياسات لحشد الجماعات التي تطرح رؤية الضحية حيث ثمة مجتمعات ترى نفسها ضحية لمجتمعات اخرى وهذا مخالف للواقع بحسب متري.
وقال ان تدفق اللاجئين الى لبنان عزّز التوترات وأبرز مشاكل كامنة وادى الى زيادة عدم الثقة تجاه المؤسسات الحكومية مما زاد من التهميش والعمل على التماسك الإجتماعي . وختم بقوله ان منع حصول التوترات هو أنجع من حلها ولكي نحلّ التوترات يجب وضعها في سياق محلي واقعي وتزويد الناس بالأرقام الحقيقية وعدم المبالغة وضرورة “إدراك نرجسية الإختلافات البسيطة” بحسب تعبيره.
خطّة فيينا: دمج اللاجئين بالسكان المحليين
وكانت مداخلة مثيرة للإنتباه للمستشار لشؤون التربية والإندماج والشباب في النمسا يورغن تسينوهوسكي تحدث فيها انه مع ازدياد الأشخاص الذين هم بحاجة الى مساعدة انخفضت الرغبة عند الناس بالمساعدة!
بل على العكس ازدادت المواقف المتشددة، وأشار تسينوهوسكي الى أن تحقيق التماسك الإجتماعي يحتاج الى شجاعة. ولفت الى أهمية ضمان تحقيق الإدماج أولا في الأحياء، ما يضمن أمنها، وهذا ينعكس على مستوى الوطن. وشرح تسينوهوسكي مقاربة بلدية فيينا القائمة على ايجاد مقاربات موحدة في قطاعات عدة وتخطي فكرة ادماج الوافدين في السكن والتعليم لأن هذا انموذج بات بائدا بحسب المتحدث.
وطرح تسينوهوسكي بديلا هو العمل على الإدماج في السياسات السكنية والتعليمية. وأشار مثلا الى أنه لا ينبغي وضع وحدات سكنية للفئات المختلفة بل خلط الوحدات السكنية مع السكان المحليين، فتربية طفل وادماجه تحتاج الى حي كامل ومتنوع. وفي مجال التعليم طرح ضرورة التخطيط ليكون الوافد مدمجا في النظام التعليمي في المراحل كلها.
وفي التنظيم المدني قال تسينوهوسكي بوجوب تفادي وضع مناطق مكرّسة لفئات دون أخرى وكذلك في التجارة وهذا يعني وضع مقاربات متعددة للقطاعات كلها.
وأشار الى ضرورة تبني مقاربة متعددة المستويات وكيفية التعامل مع الإختلافات واعتبارها فرصة لا تهديدا ومكافحة الفروق. ونبّه الى أن هذه التحديات كلها تنبغي مقاربتها على مستوى الحي أولا لأن أي فشل على مستوى الحي ستكون له تداعيات على المستوى الوطني (…).
وكانت جلسات مختلفة تناولت مواضيع التعاون بين مختلف المجموعات والتشبيك وبناء التماسك الإجتماعي.