“مصدر دبلوماسي”- سيول- مارلين خليفة:
كلّفني أصدقائي اللبنانيين حين علموا بسفري الى كوريا الجنوبية بدعوة من الكتيبة الكورية العاملة في جنوب لبنان “سيميك” والسفارة الكورية ببيروت بالإستفسار عن “المعجزة الكورية”.
وطلب مني أصدقائي المولعين بالنموذج الكوري الجنوبي العثور على إجابات وافية عن كيفية تمكّن هذا البلد الذي دمّر مرارا منذ زمن الإستعمار الياباني بين 1910 و1945 وفي الحرب الكورية بين 1950 و1953 من التحوّل الى نموذج للتنمية؟ وما هي العبر التي يمكن استقاؤها من التجربة الكورية؟ وكيف تمكن هذا البلد الواقع في جنوب شبه الجزيرة الكورية من أن يصبح مصدر إلهام بخبرته التنموية في الخمسين سنة الماضية لبلدان طالما اعتبرتها سيول نموذجا بنموها وعصرنتها في خمسينيات القرن الفائت ومنها مصر ولبنان؟
وفي اليوم السادس من الرحلة الكورية عثرت على إجابة على هذه الأسئلة وذلك أثناء زيارة الى “القرية العالمية” التي تشكّل معرضا دائما يشرح للزوار ماهية التربية الكورية وكيفية بناء المواطن الكوري العالمي، الى متحف دائم يعرض نماذج من حضارات العالم ومنها أخيرا معرض عن دول أميركا اللاتينية.
أما العبارة التي لخصت “المعجزة الكورية” فهي الآتية:
“من خلال الجمع بين المساعدة الإنمائية والتزام الشعب بالقضاء على الفقر، نجحت كوريا في تحقيق النمو الاقتصادي وانضمت إلى صفوف البلدان المانحة”.
وأضافت العبارة: لعبت “الوكالة الكورية للتعاون الدولي” دورا كبيرا في نمو المساعدات الرسمية الكورية في تاريخ كوريا،
وتحولت كوريا الى البلد الأول في العالم الذي صعد السلم من أحد البلدان الأقل نموا إلى عضو في لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي”.
وقد شرحت لنا مرشدتنا في “القرية العالمية ” وهي إحدى المؤسسات الثقافية التابعة لـ”الوكالة الكورية للتعاون الدولي” جوانب كثيرة من تطور تاريخ النمو الكوري، في جولة على المعرض الخاص.
صعود نموذجي
يبدأ شريط الصور في حرب 1953 ويظهر الدمار الذي لحقته بكوريا الأرقام المذكورة مخيفة: 800 ألف كوري جنوبي لقوا حتفهم أو فقدوا في خلال تلك الحرب، تم تدمير 610 آلاف منزل، وانفصل حوالي 7,6 مليون كوري عن عائلاتهم. وقد امّحت تقريبا كل البنى التحتية للصناعة الكورية ودمرت الحرب 312 كيلومتر من سكك الحديد.
ما حصل أن المساعدات الإنسانية الدولية والتي بلغت في الحرب المذكورة 460 مليون دولار أميركي من الأغذية والملابس والأدوية تمكنت من انقاذ ما يمكن انقاذه من الضحايا. وهذا ما أسهم بدفع عجلة النمو الإقتصادي الكوري، علما بأن المساعدات كانت بدأت بالتدفق منذ انتهاء الإستعمار الياباني.
وبعد حرب الكوريتين أسهمت المساعدات في تعزيز العلاقات بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية التي قدمت الكثير من المساعدة عبر جمعيات المجتمع المدني.
اما السرّ الآخر لـ”المعجزة الكورية” فيكمن في وضع الحكومة الكورية استراتيجية توزيع مواطنيها للعمل في دول العالم أجمع لكي يوفّروا احتياجاتهم ويرسلوا الى عائلاتهم وأصدقائهم في كوريا المال للعيش. ولم يتورّع الكوريون من العمل في المناجم في ألمانيا برواتب تصل الى 170 دولار شهريا، الى أعمال متواضعة لم يترددوا من القيام به جلّ همهم النهوض باقتصاد بلدهم المدمّر كليا والذي عانى لفترة من قلة التغذية، إذ نرى في أرشيف “القرية العالمية” صور أرتال من البشر ينتظرون واقفين تحت اشعة الشمس أو في الثلوج للحصول على القليل من الأرز.
وتمتعت الحكومة الكورية برؤية بعيدة الأمد، فعمدت الى الإستثمار بأموال المساعدات لإعادة بناء البنى التحتية والمدارس والمستشفيات الحديثة والمصانع والطرقات… وحرصت على إرسال الطلاب للتعلم في الغرب وللعمل وجني الأموال، ولا سيما في حقبة ما بعد الحرب من الستينيات الى السبيعينيات وحتى الثمانينيات من القرن الفائت. وبحسب الوثائق فإن كوريا الجنوبية تحولت الى اقتصاد متوسطي مقبول منذ 1990 وبدأت برسم ملامح صعودها كقوة وطنية.
ردّ الجميل…
وأراد الكوريون الجنوبيون ردّ الجميل لكلّ بلد ساعدهم ولو بالنذر اليسير في محنتهم، ومن هذه البلدان نذكر لبنان الذي أرسل طائرة مساعدات إبان الحرب الكورية، فأسست الحكومة الكورية “الوكالة الكورية للتنمية والتعاون الدولي عام 1965 من أجل تقليص البطالة ولتعزيز التعاون الدولي، وبدأت كوريا في تلك الحقبة استضافة برامج تدريب لأجانب ولشخصيات رسمية من بلدان في طور التنمية، وعام 1991 استقلت الوكالة كليا عن البنك الدولي لتتحول الى ما يعرف اليوم “بالوكالة الدولية للتعاون الدولي” ولتوسع مساعداتها لتشمل معظم بلدان العالم الفقيرة.
لكن كيف تحافظ كوريا الجنوبية على موقعها بعد أن اصبحت العضو الـ24 في “منظمة التعاون والتنمية”، مشاركة خبرتها في تحويل التعاون التنموي كنوع من نظام محفّز لتعزيز النموّ المستدام على المدى الطويل؟
النظام التعليمي
هنالك سرّ مكشوف للعيان بحسب ما شاهدنا في رحلتنا طيلة أسبوع يكمن في حب العمل الذي يميز الكوريين الجنوبيين والإنضباط المتناهي وحب وطنهم الذي يتعرض لتهديدات متجددة من كوريا الشمالية، ما يهدد كل البناء الهائل الذي استثمر به هذا البلد طيلة عقود.
أما السرّ الآخر فيكمن في نظام التربية والتعليم الكوري، وهو ما اكتشفنا نبذة منه في جولتنا في القرية العالمية حيث يبدو بأن ركائز هذا التعليم هي التركيز على تعليم التلامذة قيمة الأشياء والتنظيم، وتخصيص ساعات من الدراسة المضنية، وبحسب مرشدتنا فإن ساعات الدراسة تبدأ في الثامنة صباحا لغاية الثالثة بعد الظهر، لتتجدد مساء الى العاشرة ليلا وتمتد أحيانا الى ما بعد منتصف الليل فلا يتسنّى للتلميذ أحيانا النوم لأكثر من 5 ساعات يوميا!
ومن اللوحات الملفتة المخصصة للصغار صورة طفلة تدرس على ضوء الشمعة توفيرا للكهرباء، ومن الأمثلة أيضا سؤال يقول: هل تعلم بأن الهاتف الخليوي يتطلب تشغيله تعاونا كبيرا بين بلدان عدّة؟ ومن الأفكار التي يرسخها النظام التربوي بحسب مشاهداتنا أن العالم لا يعيش سعيدا إلا إن وفر لجميع الناس الطعام الكافي والعلم والعلاج الضروري. أما أبرز أهداف التنمية المستدامة فهي العائلة السعيدة.
ويركز النظام التعليمي القاسي في كوريا الجنوبية على المواطن العالمي. وفي مجسّم عن “مواطن عالمي ” أطلقت عليه تسمية: “سعيد”، نرى أن ما يملأ عقل هذا المواطن 6 أمور هي: السلام، حماية البيئة، قيم التنوع، الحرية والمساواة والتطبيق والمشاركة.
مركز الأرشيف الوطني
ولعل مفتاح نجاح اي عمل هو الصبر، وهذه ميزة كورية واضحة وقد اكتشفناها في مركز سيول الوطني للأرشيف، حيث قد يتطلب ترميم صورة قديمة صغيرة الحجم 3 ايام، وحيث يتم العمل بحرفية عالية على تنظيف أشرطة الأفلام من قبل الموظفين (عددهم قرابة الـ150 في سيول يضاف اليهم 150 آخرين في فروع أخرى في كوريا الجنوبية). وفي الطوابق الوسيعة والأنيقة والمنظمة بفرادة قل نظيرها نشاهد موظفا يستعيد اشرطة الألعاب الأولمبية السابقة تحضيرا للحملة التي تواكب تنظيم الألعاب الأولمبية المقبلة في سيول عام 2018.
علما بأن هذا الأرشيف الضخم يحوي بحسب مرشدتنا قرابة الـ8 ملايين وثيقة وكتابا وخريطة وأشرطة سمعية وبصرية ومنشورات قديمة الى وثائق حكومية، في حين تبلغ مساحة المبنى 62240 متر مربع.
عراقة السياحة
كان حظ الوفد اللبناني جميلا جدا إذ زار “مدينة السكينة” سيول في فصل الشتاء، وتسنّت له رؤية بساط الثلج الرائع المنبسط فوق البيوت والأبراج والذي غطى أشجار الميلاد الأنيقة بزينتها والموزعة في الشوارع والمباني برمتها ما يضفي جوا من البهجة والغبطة في بلد لم يرتح يوما من التهديد بالحرب من أقرب بلد اليه هو في الواقع “نصفه الآخر”.
ولعلّ قصر “غيونغبوك” التاريخي خير شاهد على عراقة التاريخ الكوري. هنا التقطنا الكثير من الصور المعبرة عن أصالة التاريخ الكوري من خلال القصر الخاص بسلالة “جوسون الحاكمة” والذي يقع على خلفية كوريا الحديثة والمعاصرة الملأى بالأبراج الجميلة والأبنية ذي الهندسات الفريدة.
وفي ملخص عن القصر الذي يعتبر من أبرز المعالم السياحية في كوريا الجنوبية تشرح ” سانغ مي” مرشدتنا السياحية البالغة الهضامة بضع جوانب من حياة الملك في القرن الرابع عشر وتفاصيل حياة الغلمان الذين يبيعهم اهلهم الفقراء صغارا لخدمة العائلة المالكة وسيدات القصر من الملكة وهي الزوجة الرسمية للملك الى الجواري المتعددات… وكنا ننتقل من قصر الى قصر كما كان الملك في ذاك الزمان يتنقل لزيارة نسائه… في باحة القصر مجموعة من حيوانات تشير الى برجك الصيني بحسب تاريخ ولادتك.
وفِي الداخل متحف عن سلالة جوسون التي توطدت في هذا القصر الذي شكل تاريخيا أيضا موطن ملوك جوسون وعائلاتهم ومقر الحكومة. وقد دمر جزء كبير من القصر المبني عام 1395 على يد اليابان إبان احتلالها لكوريا، بعدها بدأت عملية الترميم ليتحول القصر أحد أجمل القصور الخمسة لسلالة جوسون وهو يضم ايضا متحف كوريا الوطني ومتحف الشعب الوطني.
وبعد التنزه في حدائق القصر الملأى بأشجار الأرز الخضراء التي تحاكي أرز لبنان الخالد، والتقاط الصور مع الفتيات الكوريات اللواتي ترتدين الاثواب الكورية التقليدية والمزركشة والملونة كان لا بد من اكتشاف معلم آخر من معالم الريادة الكورية: برج سيول المعروف بـ” سيول سكاي”.
“سيول سكاي”
هو خامس أعلى برج في العالم بني قبل عامين بارتفاع 550 مترا وهو مؤلف من 125 طابقا.
التنقل في طوابق البرج التي تعجّ بالسياح تتيح مشاهدة العاصمة الكورية الجنوبية سيول عبر مناظير تترك في الزائر شعورا ملؤه الاعجاب بعظمة الخلق الهندسية لدى الكوريين الذين بنوا ايضا عبر شركة “سامسونغ” “برج خليفة” في دبي وهو أطول برج في العالم، في حين بنت شركة “لوتي” برج سيول المعروف بـ”سيول سكاي”.
يزور البرج يوميا بحسب مرشدنا السياسي قرابة الاربعة آلاف سائح ويصل الرقم الى 10 آلاف يوميا في عطلة نهاية الأسبوع.
في ختام جولتنا لأسبوع، قدمت إجابة وافية لأصدقائي اللبنانيين عن سرّ “المعجزة الكورية”: الكثير من العمل، والكثير من حب الوطن، والكثير من الإحترام لقيمة الإنسان، وانفتاح على العالم العصري والتكنولوجي ( كانت زيارة لشركة سامسونغ ديلايت حيث اكتشفتا العقل الكوري التكنولوجي السابق لعصره أعواما ضوئية). كل ذلك يرتكز الى طبيعة خلابة نقشتها أنامل الإنسان الكوري حدائق غنّاء وجسورا متطورة وحدائق ومبان جميلة ومميزة ونقش فيها نهر “هان” أجمل اللوحات التي لا تكتشفها إلا برحلة بحرية في البواخر الراسية على ضفافه والتي تحملك بماكولاتها الكورية التقليدية والنبيذ الكوري والأغنيات الرومانسية على أنغام البيانو الى عالم آخر ملؤه الأحلام الجميلة حيث السكينة والطمأنينة تشبه سيول بمعالمها كلّها.
“كادر مستقل”:
المنطقة الكورية المنزوعة السلاح: شبح الحرب
قام الوفد اللبناني المؤلف من شخصيات عسكرية رفيعة تنتمي الى الجيش اللبناني والى “الأمن العام اللبناني” و”قوى الأمن الداخلي” و”أمن الدولة” فضلا عن شخصيات إجتماعية ورياضية وفنية ورجال أعمال وإعلاميين بزيارة الى المنطقة الكورية المنزوعة السلاح المعروفة بـ”دي أم زي” برفقة عناصر من الجيش الكوري الجنوبي خدم معظمهم في جنوب لبنان فضلا عن ضباط يستعدون لتولي مهامهم في إطار “اليونيفيل”.
تعتبر هذه المنطقة التي تبعد ساعتين عن العاصمة سيول نادرة بوضعها إذ تفصل بين أكبر جيشين في العالم منذ أكثر من 60 عاما.
حبس الزوار اللبنانيون أنفاسهم، حين وجدوا أنفسهم على خطّ أصفر يفصل بين بلدين طالما كانا بلدا واحدا، وانفصلا عام 1953 إثر الحرب الكبرى بينهما التي انتهت الى هذه المنطقة العازلة المنزوعة السلاح. هنا نرى جنديا من كوريا الشمالية يرتدي الزي العسكري الزيتي ويقف بلا حراك عند مبنى يشبه المعابد، هو في الحقيقة مقر عسكري يتبع لسلطة بيونغ يانغ. نبّهنا مرشدنا في الجيش الكوري: يمنع عليكم التأشير حتى بالإصبع، وتمنع أية حركة قد يعتبرها الجنود الكوريون الشماليون استفزازا، ويمنع التصوير في الخارج بطبيعة الحال إلا في بقع محددة.
وعلى بعد أمتار تقل عن المئة وقف أمامنا جندي يتبع لجيش كوريا الشمالية، ورحنا نتلفّت إليه ملتقطين صورا تذكارية وأمامنا 4 مقار زرق للأمم المتحدة وخامس باللون الفضي خاص بالكوريين الشماليين الذين يعتمدونه للمفاوضات التي تجري دوما حول نزاعات حدودية برعاية الأمم المتحدة.
جنوبا من الخط الأصفر الفاصل بين الكوريتين يقف جنود كوريا الجنوبية بلباسهم العسكري، متأهبين لأي هجوم عتيد من الجانب الآخر.
فالإستفزازات من كوريا الشمالية لم تنته بعد، وآخرها الصاروخ الباليستي الذي أطلقه حاكمها كيم جونغ أون والذي وقع في بحر اليابان. خارجا نسمع أنغاما موسيقية تأتي من الجهة الشمالية قيل لنا أنها أغنيات تمجد ما تعتبره بونغ يانغ وحاكمها انتصارا.
في داخل ما يسمى “مقر الحرية” متحف يخلد صورا من الحرب بين البلدين، وحراس من الجنود الكوريين الجنوبيين الذين لا يلتفتون لا يمنة ولا يسرة. قال لنا الضابط الكوري الذي يرشدنا بأنهم من لاعبي التكواندو ومسلحين متأهبين للهجوم والدفاع دوما. تمكنا من التقاط بعض الصور معهم، لكنّهم بقوا دون حراك.
هنا مراكز المراقبة واضحة للعيان مع كاميرات من الجهتين الشمالية والجنوبية، المراقبة دقيقة والجوّ متوتر وهذا ما شعرنا به من خلال التنبه الكبير لمرشدينا الذين حرصوا على عدم حصول أي استفزاز ولو غير مقصود مثل التقاط صور في أماكن حساسة.
زيارة تاريخية الى هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 241 كيلومتر وعمقها 4 كيلومتر، لأنها تشكل الحدود الأكثر تفجرا في العالم بين بلدين كانا بلدا واحدا فصله خط تماس. ويمتد هذا الخط الفاصل الى الحدود البحرية على مسافة 120 ميلا تمر عبر نهر “هان” لجهة الغرب وتصل الى جزيرة بيونغ يانغ في البحر الغربي.
المدهش، أنه وبالرغم من طبيعتها الخطرة وخط التماس الموجود باتت هذه المنطقة من أهم المناطق السياحية لدى الكوريتين حيث يقصدها الزوار الأجانب من الجهتين لمعاينة الوضع الأمني في شبه جزيرة كوريا وطبيعة الهدنة الموجودة والتي نشأت بموجبها هذه المنطقة عام 1953. وهذه الزيارات السياحية تتطلب أذونات مسبقة وتكمن أهميتها بأنها تسمح للزوار بأن يطأوا أرض كوريا الشمالية لمعاينة الجنود شخصيا والأمر سيان بالنسبة الى السياح الذين يأتون من بيونغ يانغ حيث بإمكانهم معاينة جنود كوريا الجنوبية.
في جوار المنطقة المنزوعة السلاح تمتدّ مساحات شاسعة من الحقول الجرداء بعضها زرع بالأرز، وبسبب إخلاء هذه البقعة الطبيعية الخلابة من السكن البشري غزتها حيوانات مفترسة منها الدب الصني والنسور والأفاعي.
ننظر الى شمال منطقة باجو حيث تقع المنطقة المنزوعة السلاح فنرى أطول سارية علم في العالم. لا يعيش في باجو سوى 200 سيدة من العجائز اللواتي بقين هنا وهن من السكان الأصليين، لكن ممنوع على الرجال السكن هنا بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية.
المقبرة الوطنية في سيول
في طريق العودة كانت زيارة الى المقبرة الوطنية في سيول عاصمة كوريا الجنوبية وهي من المعالم الرئيسية التي يحرص الكوريون على أن يتعرف اليها السياح والوفود الرسمية. هنا في هذه المساحة الشاسعة شعرنا بخشوع امام رهبة الموت حيث مقابر رخامية تمتد في سهول شاسعة مئات ومئات الأمتار وتضم في ثناياها 110 آلاف رفات من جنود وضباط سقطوا في الحروب المتعاقبة وأيضا رؤساء الجمهورية الكوريين المتعاقبين.
وبمناسبة زيارة الوفد اللبناني بدعوة من كتيبة “اليونيفيل” الكورية “سيميك” ومن السفارة الكورية في لبنان جرت مراسم رسمية تكريما للشهداء من قبل الضباط اللبنانيين المشاركين في الزيارة من الجيش والأمن العام والقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة.
“كادر مستقل” ثان
عرض تكواندو مميز
في الإتحاد العالمي للتكواندو المعروف بإسم “كوكي وان”، قدّمت مجموعة من مقاتلي التكواندو المتوسطي العمر عرضا مميزا حبكته بين قصة حبّ لا تنقصها الدراما التقليدية حيث الحبيب ينقذ حبيبته من براثن الشرير، وصودف أن الحبيب والشرير هما مقاتلا تكواندو ولدى كلّ منهما مناصرين من أجود المقاتلين والمقاتلات، وقد بدا واضحا من خلال العرض الإستعراضي الفني أنهم يتقنون أيضا فنون الرقص وليس القتال فحسب.
على مدى ساعة مرت بسرعة البرق شاهد الجمهور اللبناني والكوري والياباني الحاضر لوحات قتالية فنية متميزة بإتقانها من القتال بالأيدي واللكمات والركل، الى عروض تكسير الأخشاب التي تبرز مدى اللياقة البدنية والخفة في الحركة والدقة في التصويب التي يتمتع بها لاعب التكواندو.
إبتدأ العرض بشعار يقول أن مقاتل التكواندو عليه أن تكون له “رجل” أسرع من العاصفة واصلب من الصخر”، وبالفعل فكلمة تكواندو تنقسم الى 3 أقسام بحسب رئيس لجنة المدرّبين في لبنان ومؤسس نادي “النسر الأسود” آلان نجم إذ شرح أن: “التي” تعني الركل و”الكوان” تشير الى اللكم و”الدو” هو الأسلوب الفني في القتال، وبالتالي فإن التكواندو هو فن القتال الذي يستخدم الركل واللكم وهو يتميز بالرشاقة وحركات الأرجل والصراخ ايضا تعبيرا عن النصر”.
ويقول نجم بأن فن التكواندو يعتبر رياضة شعبية في كوريا إذ يرمز الى بداية استقلالها من الإحتلال الياباني، وهو ينبثق من فن قديم إسمه “السوباك” تطور لاحقا الى “التيكوان” وهو فن استعمال الأرجل للدفاع عن النّفس ثم أسمي لاحقا تكواندو.
وبين هذه الحقبات، تألفت فرقة من الشبان دافعت عن كوريا ضد اليابانيين الذين حرصوا على منع الكوريين من ممارسة هذه الفنون القتالية. لذا تمرست هذه الفرقة التي تكاثرت سريا للتدرب على فنون القتال وأسميت “الهواراندو”، أي المقاتلون الذين لا يهابون الموت. وقد تمكّن هؤلاء الشبان الكوريين من النجاح بثورتهم لتحرير بلادهم من اليابانيين عبر هجومات عصابات شرسة ومتقطعة وغارات مفاجئة لمقاتلي التكواندو على أماكن وجود اليابانيين بحسب نجم.
التكواندو هي لعبة قتالية رياضية وفنية في آن، لا تعلّم على الهجوم بل تدرب على تقوية النفس والجسد بالتمرّس الدائم والمستمر ليكون الإنسان قادرا على الدفاع عن نفسه في الأوقات الضرورية، بحسب نجم، الذي يضيف بأنها “رياضة عنيفة بالحركة لكنها مضبوطة بقوانين اللعبة، أي أن المقاتل لا يؤذي الآخر بل يضرب في الأماكن المحمية (بدورع) لكي يسجل نقاطا، وبالتالي هي لعبة مضبوطة تمنع الضرب وإسالة الدماء”.