“مصدر دبلوماسي”
فيما يلي نص الكلمة التي القاها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمس خلال افتتاحه اعمال الاجتماع الوزاري لمجموعة الدعم الدولية للبنان في مبنى الخارجية الفرنسية “الكي دورسيه” بحضور رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ومشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة الاميركية والصين وروسيا وايطاليا والمانيا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي وممثلين عن جامعة الدول العربية ومفوضية الامم المتحدة لشوون اللاجئين وبرنامج الامم المتحدة الانمائي والبنك الدولي ومكتب منسق الامم المتحدة الخاص لشوون لبنان.
نص الخطاب:
دولة الرئيس
سعادة نائبة الامين العام
سعادة الوزراء والسفراء
ايها السيدات والسادة
ايها الاصدقاء
انا مسرور جدا لاستضافتكم اليوم هنا في باريس ،في اجتماع اعقد عليه اهمية كبيرة جدا .ان لبنان ما لبث ان مرّ بمرحلة من عدم الاستقرار ، ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري عاد وتولى مسؤولياته لرئاسة حكومة الوفاق الوطني.
هذا القرار الذي اتخذه مع الرئيس ميشال عون يشكل متابعة لمداولات حثيثة تمت بين مختلف المكونات السياسية اللبنانية وهي تشكل عنصرا ايجابيا واساسيا في نظري واني احرص على اظهار التقدير لها.
لقد لاحظنا بانتباه المصطلحات التي وردت في قرار مجلس الوزراء والالتزامات فيها اساسية ونأمل بالتاكيد ان تطبق بحذافيرها. تهديدات قوية تستمر في القاء ثقلها على استقرار لبنان وذلك يجعل من الضروري تامين دعم قوي وحازم من الاسرة الدولية .
الازمة التي حصلت مؤخرا تعود الى بعض العناصر الداخلية ولكن فيها ايضا بعض التشنجات الاقليمية التي تلقي بثقلها على بلد نتعلق به جميعنا كثيرا .ان استقرار لبنان ليس اساسيا فقط بالنسبة لمواطنيه فقط بل لكامل المنطقة المتاثرة كثيرا اساسا بحدة الصراعات.
لحماية لبنان من هذه الازمات، انه من البديهي على كافة الاطراف السياسية واللاعبين الاقليميين ان يحترموا المبدا الاساسي للنأي بالنفس ، والامور التي حصلت اخيرا اظهرت ان مشاركة الميليشيات اللبنانية في المواجهات التي يشهدها الشرق الاوسط لا يمكن ان تستمر من دون تعريض لبنان بكافة اطيافه لاضرار جانبية.
ان اجتماع اليوم يعبّر عن ارادة الاسرة الدولية في رؤية سياسة الناي بالنفس عن الصراعات في المنطقة توضع بشكل فعلي حيز التنفيذ من قبل الجميع في لبنان. انها تشكل صلب التزام الحكومة اللبنانية الذي اتخذته جميع القوى في حكومة الوفاق الوطني بما فيهم حزب الله، اي الناي بالنفس عن الصراعات الاقليمية .
ان سيادة لبنان والدولة فيه، وحدته وسلامة اراضيه، تشكل مبادئ ينبغي احترامها من الجميع بدءا من القوى الاقليمية.ان الاختلافات ادخلت اضطرابات على مصير اشخاص كثيرين، ولا ينبغي ان يكون لبنان، لا وسيلة ولاعبا ولا وتدا لهذا الصراع.
وفي هذا الاطار امل فعلا بان تكون المبادرات التي تم اتخاذها بالنسبة لوضع القدس والتي يجب ان تكون قبل كل شيئ غرضا للتفاوض بين الاسرائيليين والفلسطينيين تحت مظلة الامم المتحدة وان لا يضيف ذلك عاملا اضافيا الى حالة عدم الاستقرار في المنطقة. بعد اعلان الرئيس الاميركي منذ يومين، اطلق من هنا نداء للجميع بالهدوء والتمتع بالمسؤولية لمواكبة الجهود التي نطلقها اليوم.
كذلك من الاساسي ان يتمكن لبنان من متابعة المسار الذي التزم فيه، وان ينجح في مواجهة العديد من التحديات المفروضة امامه اليوم، التحدي الاول يتعلق بالحياة السياسية فيه وباعادة عمل كافة مؤسساته، كما سوف يذهب اللبنانيون للانتخابات في ايار المقبل لاعادة انتخاب ممثليهم في البرلمان ، وسيكون هذا وقتا اساسيا بالنسبة للبنان ولشبابه.
منذ العام 2009 لم تجر انتخابات نيابية في لبنان، وللمرة الاولى هناك شباب سيذهبون للاقتراع في ايار المقبل، وعلى لبنان ان يستمر في تقديم نموذج عن الديموقراطية والعيش المشترك والتسامح وهذا امر حيوي بالنسبة للمنطقة.
التحدي الثاني، تحدِ امني، وأود هنا ان انوه بشجاعة الجيش اللبناني الذي استطاع في صيف 2017، وهو جيش يشكل اساسا لوحدة لبنان، ان يحقق انتصارا حاسما في وجه ارهابيي داعش والنصرة، وقد دفع العديد من الجنود اللبنانيين ثمن ذلك من دمائهم وارواحهم لهذه المعركة الباسلة، واود هنا ان اوجه تحية لهم ولعائلاتهم. ان الحرب على الارهاب حربا طويلة الامد ولم تنته بعد ويفرض علينا ان نبقى متضامنين.
في جنوب لبنان ولمواجهة التحدي الامني ما زالت الامم المتحدة تضطلع بدور اساسي وهي تساهم في الحفاظ على الامن والسلام على طول الخط الازرق، وقد تم زيادة عديدها مؤخرا وهذا ياتي في اطار تدابير مشجعة جديدة يجب العمل على استمرارها ونحن نريد باي ثمن تلافي اية صراعات جديدة .ان التطبيق الفعلي والكامل للقرار 1701 هو الاداة الاسمى التي ينبغي ان تبقى.
ان مشاركة فرنسا في هذه القوى التي لطالما كانت موجودة في صلبها منذ العام 1978 وكذلك بالنسبة لتعاونها مع الجيش اللبناني هما امران اساسيان.
اليوم المانيا وايطاليا موجودتان معنا هنا وهما تساهمان الى جانبنا في اطار قوات منظمة الامم المتحدة في لبنان في خدمة السلام، كما اود ان اوجه تحية الى لالتزامهما في حضور ممثلين عن الامم المتحدة.
اود ايضا ان اوجه التحية للولايات المتحدة على الدعم الذي تقدمه للجيش اللبناني.
التحدي الثالث هو التطور الاقتصادي، بغياب اي حل للازمة السياسية في سوريا ومع استمرار ازمة اللاجئين السوريين، وحده وضع حد للعنف ووضع خطة للانتقال السياسي يمكن ان يسمحا بعودة العائلات السورية التي استضافها لبنان وذلك وفقا لاحترام حقوق الانسان وهذا امر لا تزال فرنسا تتعلق به بشكل كبير ، واذا بقي عدد اللاجئين في لبنان دون تغيير فان ظروف معيشتهم وكذلك ظروف معيشة الفقراء جدا من اللبنانيين تتدهور دون توقف ، وهنا ارحب بكرم اللبنانيين والاردنيين والاتراك التي يظهرونها من خلال استقبالهم بانسانية ملايين من اللاجئين. وفي هذا الاطار من المهم جدا للاسرة الدولية ان تحشد جهودها من اجل لبنان ومن اجل تدعيم لبنان والدولة والمؤسسات فيه، لانها تشكل افضل متراس بوجه عدم الاستقرار الاقليمي.
لقد تم احراز تقدم كبير منذ العام 2013 حين تم انشاء مجموعة الدعم الدولية التي تجتمع اليوم ولكن علينا ان نبذل جهودا اكبر خاصة في المجالات الامنية والانسانية والاقتصادية وهذا هو الهدف من اجتماعنا اليوم .
انه من الضروري بشكل اساسي ان نحشد بشكل اكبر قدراتنا لتدعيم القوى الامنية اللبنانية وهو مفتاح الاستقرار والامن في لبنان ووحدته الوطنية، في العام 2014 كانت ايطاليا سباقة في عقد مؤتمر في روما لدعم الجيش اللبناني، كذلك ستشارك فرنسا ايطاليا والامم المتحدة لاستكمال هذا المؤتمر الذي سينعقد خلال الاسابيع الاولى من العام المقبل .
ولمواجهة الازمة الانسانية فان الاسرة الدولية ملتزمة بشدة بجانب لبنان خلال السنوات الماضية وأرحب هنا بالعمل الجدي الذي قام به ممثل للامم المتحدة في بروكسل،وكل الدول التي شاركت، من المانيا وبريطانيا والمؤتمرات التي نظمت وكل ساهمت في تامين دعم مستمر للبنان.
وهذا الدعم لا يزال غير كاف نظرا للحاجات الكبيرة للبنان.
مؤتمر بروكسيل الثاني الذي يتم الترتيب له بمساعدة الامم المتحدة اساسي بالتشاور مع الدول الاعضاء سوف يتم عقده في الشهرين الاولين من العام 2018، وهو سيشكل فرصة لنا جميعا لبذل جهود اكبر وفرنسا مستعدة للمشاركة فيه بشكل كبير.
على الصعيد الاقتصادي، لا بد من القيام بجهود جديدة ضرورية لمواكبة تعزيز حسّ المسؤولية الذي رايناه في الاسابيع الاخيرة من جانب الاوساط السياسية اللبنانية. علينا ان نساعد لبنان ولا سيما ان نؤكد على مساعدة فرنسا للبنان منذ انتهاء الحرب الاهلية.ان تفاعلات الازمة السورية تحتم علينا ان ننظم مؤتمرا جديدا لدعم الاقتصاد اللبناني وهو سيعقد خلال الاشهر الاربعة المقبلة من العام 2018.
كما اننا نعمل بشكل كبير مع المانيا والسلطات اللبنانية على خطة استثمارية تتركز على البنى التحتية اللبنانية بمساعدة برنامج الامم التحدة الانمائي والبنك الدولي وكل الشركاء الكبار للبنان وغيرها من الاطراف الدولية.
السيدات والسادة، هذه هي الاهداف المخصصة لمؤتمر اليوم، والاتفاق على جدول اعمال واضح لكي نكون على موعد كأسرة دولية في تحمل مسؤولياتنا ازاء الالتزامات من اجل لبنان.
مع وزير الخارجية يسرني ان ارحب بكم في باريس في حضور رئيس الوزراء اللبناني، في هذا المؤتمر وهو مؤتمر دولي لدعم لبنان والذي تتشرف فرنسا برئاسته الى جانب الامم المتحدة، كما اود ان اشكر حضور مساعدة الامينة العامة المساعدة لمنظمة الامم المتحدة السيدة امينة محمد كما اوجه التحية الى الوزراء وممثلي الدول والمنظمات الموجودين معنا هنا ، ان وجودكم هنا هو عربون عن دعم الاسرة اللبنانية للتجمع والوقوف الى جانب دولة تشهد اوضاعا دقيقة ولكننا ندرك ايضا اهميتها الاساسية لكامل المنطقة.
لبنان ليس فقط صديقا لفرنسا، وهذا امر بالغ الاهمية، فهو ايضا بلد فيه الكثير من التوازنات للمنطقة وهو ايضا نموذج التعددية والقدرات لكي يحترم كل فرد فيه الاقليات وتعدد الاديان، واقولها بقناعة وعزم اليوم، ان ايا من مشاكل المنطقة لن يحل بقرارات احادية وبشريعة الاقوى او بتغييب الاخر، التوازنات في المنطقة لن تبنى الا ضمن القدرة على الحفاظ على التعددية التي لطالما كانت موجودة في التاريخ، ولبنان هو نموذج لذلك.
ان القرارات التي اتخذت في الاسابيع الماضية من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء هي اساسية وهي مفتاح للسنوات المقبلة لكي يضطلع لبنان بدوره لنفسه وفي المنطقة ولذلك نجتمع اليوم الى جانبه.
ان الاسرة الدولية ستكون على الموعد لان لبنان يحمل رسالة دولية للسلام والتسامح لانه دولة صديقة ودولة استراتيحية ندافع عنها.
اشكركم على حسن الاصغاء.