“مصدر دبلوماسي”
كوريا الجنوبية- باجو- مارلين خليفة:
وسط حرب كلامية مشتعلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية كان آخرها تصريح أدلى به مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية مايك بومبيو قال فيه أنه يعتقد بأن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لا يدرك مدى ضعف موقفه داخليا وخارجيا، يقوم مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان بزيارة رسمية الى كوريا الشمالية بدأت أمس الأول وتستمر 4 أيام، ما اثار علامات استفهام عدة. وتأتي الزيارة إثر التوتر غير المسبوق في شبه الجزيرة الكورية عقب تحربة بيونغ يانغ للصاروخ “البالستي” هواسونغ-15 العابر للقارات والمزوّد برأس حربي كبير جدا والقادر على ضرب المناورات العسكرية الجوية بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركيةما دفع واشنطن وسيول الى القيام بمناورات عسكرية جوية هي الأكبر في تاريخ البلدين. وتبدو زيارة فيلتمان تمهيدا لزيارة مرتقبة لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس وهي تسبق محادثات سيجريها مجلس الأمن الدولي في 15 الجاري يخصص للبحث في ملف كوريا الشمالية، علما بأن اليابان هي التي تتولى حاليا الرئاسة الدورية للمجلس.
مستوى توتر عال على الحدود بين الكوريتين
وسط هذه الأجواء العسكرية والدبلوماسية المتوترة، قام وفد لبناني مؤلف من شخصيات عسكرية رفيعة تنتمي الى الجيش اللبناني والى “الأمن العام اللبناني” و”قوى الأمن الداخلي” و”أمن الدولة” فضلا عن شخصيات إجتماعية ورياضية وفنية ورجال أعمال وإعلاميين بزيارة الى كوريا الجنوبية بتنظيم من “سيميك” التي تتولى إدارة أنشطة قوات “اليونيفيل” الكورية في جنوب لبنان والسفارة الكورية في بيروت.
ووسط المناخ السائد، كانت زيارة للشخصيات اللبنانية الى “المنطقة الكورية المنزوعة السلاح” المعروفة بـ”دي أم زي” برفقة عناصر من الجيش الكوري الجنوبي خدم معظمهم في جنوب لبنان فضلا عن ضباط يستعدون لتولي مهامهم في إطار “اليونيفيل”.
تعتبر هذه المنطقة التي تبعد ساعتين عن العاصمة سيول نادرة بوضعها إذ تفصل بين أكبر جيشين في العالم منذ أكثر من 60 عاما.
حبس الزوار اللبنانيون أنفاسهم، حين وجدوا أنفسهم على خطّ أصفر يفصل بين بلدين طالما كانا بلدا واحدا، وانفصلا عام 1953 إثر الحرب الكبرى بينهما التي انتهت الى هذه المنطقة العازلة المنزوعة السلاح. هنا نرى جنديا من كوريا الشمالية يرتدي الزي العسكري الزيتي ويقف بلا حراك عند مبنى يشبه المعابد، هو في الحقيقة مقر عسكري يتبع لسلطة بيونغ يانغ. نبّهنا مرشدنا في الجيش الكوري: يمنع عليكم التأشير حتى بالإصبع، وتمنع أية حركة قد يعتبرها الجنود الكوريون الشماليون استفزازا، ويمنع التصوير في الخارج بطبيعة الحال إلا في بقع محددة.
وعلى بعد أمتار تقل عن المئة وقف أمامنا جندي يتبع لجيش كوريا الشمالية، ورحنا نتلفّت إليه ملتقطين صورا تذكارية وأمامنا 4 مقار زرق للأمم المتحدة وخامس باللون الفضي خاص بالكوريين الشماليين الذين يعتمدونه للمفاوضات التي تجري دوما حول نزاعات حدودية برعاية الأمم المتحدة.
جنوبا من الخط الأصفر الفاصل بين الكوريتين يقف جنود كوريا الجنوبية بلباسهم العسكري، متأهبين لأي هجوم عتيد من الجانب الآخر.
فالإستفزازات من كوريا الشمالية لم تنته بعد، وآخرها الصاروخ الباليستي الذي أطلقه حاكمها كيم جونغ أون والذي وقع في بحر اليابان. خارجا نسمع أنغاما موسيقية تأتي من الجهة الشمالية قيل لنا أنها أغنيات تمجد ما تعتبره بونغ يانغ وحاكمها انتصارا.
في داخل ما يسمى “مقر الحرية” متحف يخلد صورا من الحرب بين البلدين، وحراس من الجنود الكوريين الجنوبيين الذين لا يلتفتون لا يمنة ولا يسرة. قال لنا الضابط الكوري الذي يرشدنا بأنهم من لاعبي التكواندو ومسلحين متأهبين للهجوم والدفاع دوما. تمكنا من التقاط بعض الصور معهم، لكنّهم بقوا دون حراك.
هنا مراكز المراقبة واضحة للعيان مع كاميرات من الجهتين الشمالية والجنوبية، المراقبة دقيقة والجوّ متوتر وهذا ما شعرنا به من خلال التنبه الكبير لمرشدينا الذين حرصوا على عدم حصول أي استفزاز ولو غير مقصود مثل التقاط صور في أماكن حساسة.
زيارة تاريخية الى هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 241 كيلومتر وعمقها 4 كيلومتر، لأنها تشكل الحدود الأكثر تفجرا في العالم بين بلدين كانا بلدا واحدا فصله خط تماس. ويمتد هذا الخط الفاصل الى الحدود البحرية على مسافة 120 ميلا تمر عبر نهر “هان” لجهة الغرب وتصل الى جزيرة بيونغ يانغ في البحر الغربي.
المدهش، أنه وبالرغم من طبيعتها الخطرة وخط التماس الموجود باتت هذه المنطقة من أهم المناطق السياحية لدى الكوريتين حيث يقصدها الزوار الأجانب من الجهتين لمعاينة الوضع الأمني في شبه جزيرة كوريا وطبيعة الهدنة الموجودة والتي نشأت بموجبها هذه المنطقة عام 1953. وهذه الزيارات السياحية تتطلب أذونات مسبقة وتكمن أهميتها بأنها تسمح للزوار بأن يطأوا أرض كوريا الشمالية لمعاينة الجنود شخصيا والأمر سيان بالنسبة الى السياح الذين يأتون من بيونغ يانغ حيث بإمكانهم معاينة جنود كوريا الجنوبية.
في جوار المنطقة المنزوعة السلاح تمتدّ مساحات شاسعة من الحقول الجرداء بعضها زرع بالأرز، وبسبب إخلاء هذه البقعة الطبيعية الخلابة من السكن البشري غزتها حيوانات مفترسة منها الدب الصني والنسور والأفاعي.
ننظر الى شمال منطقة باجو حيث تقع المنطقة المنزوعة السلاح فنرى أطول سارية علم في العالم. لا يعيش في باجو سوى 200 سيدة من العجائز اللواتي بقين هنا وهن من السكان الأصليين، لكن ممنوع على الرجال السكن هنا بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية.
المقبرة الوطنية في سيول
في طريق العودة كانت زيارة الى المقبرة الوطنية في سيول عاصمة كوريا الجنوبية وهي من المعالم الرئيسية التي يحرص الكوريون على أن يتعرف اليها السياح والوفود الرسمية. هنا في هذه المساحة الشاسعة شعرنا بخشوع امام رهبة الموت حيث مقابر رخامية تمتد في سهول شاسعة مئات ومئات الأمتار وتضم في ثناياها 110 آلاف رفات من جنود وضباط سقطوا في الحروب المتعاقبة وأيضا رؤساء الجمهورية الكوريين المتعاقبين.
وبمناسبة زيارة الوفد اللبناني بدعوة من كتيبة “اليونيفيل” الكورية “سيميك” ومن السفارة الكورية في لبنان جرت مراسم رسمية تكريما للشهداء بحضور الضباط اللبنانيين المشاركين في الزيارة من الجيش والأمن العام والقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة.