“مصدر دبلوماسي”
أكد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل خلال مؤتمر صحافي عقده في موسكو أمس بعد لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف أن “المطلوب عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى لبنان من دون من أي تقييد لحريته كي يتخذ القرار الذي يراه مناسبا في بيروت”، وقال باسيل: “من غير المقبول أن يعمد أحد إلى فرض خياراته على الشعب اللبناني والتدخل بشؤوننا اللبنانية الداخلية وبحياتنا الديمقراطية، فهذا أمر غير مقبول من المجتمع الدولي. وكما قلنا، إن تم القبول بها تكون سابقة خطيرة يمكن أن تتكرر مع كل زيارة لمسؤول دولي لدولة أخرى، وهي خرق لاتفاقات ومعاهدات دولية حول العلاقات الدبلوماسية سنة 1961 والمهام الخاصة سنة 1967 وحماية الشخصيات سنة 1973، ويطال السلم والامن الدوليين”.
أضاف باسيل: “لبنان واجه هذه الأزمة من خلال الإدارة الحكيمة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والوعي والمسؤولية اللذين يمتع بهما كل القادة أو معظم القادة السياسيين في لبنان، وكذلك من خلال الوحدة الوطنية التي عبر عنها الشعب اللبناني الذي وقع تحت الصدمة ولم يقم بردة فعل غرائزية ولا عاطفية. منذ اللحظة الأولى، ساد الهدوء، وتبين لنا أن اللبنانيين لم يقوموا بأي عمل أمني اضطرابي أو ردة فعل متخوفة من الاقتصاد، ولم يلجأوا لأي عمل اقتصادي أو مالي يمس الاستقرار النقدي، ولم يظهروا أية غرائز طائفية، وكلهم اعتبروا أنهم معنيون كون الرئيس سعد الحريري هو رئيس حكومة كل لبنان وكل اللبنانيين، وهذا هو العامل القوي الذي مكننا من تجاوز هذه الأزمة – الصدمة.”
تابع: “على الصعيد الخارجي، اعتمد لبنان الإطار الثنائي لعلاقاته الدولية من خلال المقاربة الاخوية، ومقاربة الصداقة التي تربط لبنان بالمملكة العربية السعودية، رغم أنه بدأ التحضير لإطار دولي آخر لحل هذه المشكلة. واخترنا الاتصال من بيروت عبر رئيس الجمهورية مع كل سفراء الدول المعتمدين في لبنان، لكننا اخترنا أوروبا لجولتنا لأننا اعتبرنا أنها الأقرب الينا، وتعتمد سياسة ودبلوماسية مبدئية في هذا الموضوع، ولها إمكانية تأثير كبيرة. من هنا، قمنا بجولة أوروبية بدأت من بروكسل إلى باريس ولندن وروما والفاتيكان وبرلين وانقرة، وأنهيناها اليوم في موسكو العاصمة التي تواجه الإرهاب بكلفة عالية، إنما بنتائج جيدة جدا”.
وأردف: “بالنسبة إلينا المطلوب أولا عودة الرئيس الحريري إلى لبنان من دون أي تقييد لحريته كي يتخذ القرار الذي يراه مناسبا في بيروت، ويتعاطى معه اللبنانيون على أساس الحرية النابعة عنه. والمطلوب أيضا العمل الاحترازي لصيانة الاستقرار في لبنان إذ اتضح لنا أن المطلوب هو المساس بهذا الاستقرار، وذلك من خلال إيجاد بيئة فيها ما يكفي من التطرف لخلق معادلة تقوم على مواجهة السلاح بالسلاح لتصفية حسابات اقليمية ودولية ونقل الصراع الى أمكنة يستدل منها على أن العجز عن المواجهة المباشرة تتم الاستعاضة عنه بنقل الصراع إلى مكان أقل أهمية، ويدل على العجز في المواجهة المباشرة”.
وأكد باسيل أن “هناك محاولات لمنع لبنان من النهوض الاقتصادي”، وقال: “هذا أمر استراتيجي لإسرائيل، وهي عدو لبنان الأول، وهذا الأمر ليس خافيا على أحد. وللأسف، يقبل به ويتعاطف معه أو يتساعد في شأنه بعض الأفرقاء الآخرين لإبقاء لبنان في دوامة من الشلل والفراغ والخلل الاقتصادي من دون تمكنه من النهوض بسرعة، كما شهدنا في السنة الأخيرة استنهاضا للبنان ولاقتصاده وبدء قيام الدولة ومؤسساتها فيه”.
أضاف: “إن استقرار لبنان يستحوذ على أولوياتنا من خلال الوحدة الوطنية وصيانتها، حتى لو اضطر اللبنانيون إلى عزل من يحاول داخليا المساس بهذه الوحدة. لقد تبين في وسائل الإعلام أن هناك أقلية من اللبنانيين المتواطئين مع خطة تقويض الاستقرار في لبنان”.
وأكد أن “استكمال عناصر القوة في لبنان يكون عبر المسار الإيجابي الذي كان يهدف الى استنهاض الدولة ومؤسساتها وإعطائها كل عوامل القوة التي تمكنها من خدمة شعبها وتأمين مصلحة لبنان، ومواجهة أي خطر خارجي عليه. ومستقبلا، علينا أن نستمر في المسار الذي يعزز لبنان ويعطيه القوة، لأن المخططات الخارجية ستبقى متجهة صوب لبنان لتقويض استقراره”.
وقال: “نريد أكثر من تفهم عند الدول. ولقد لمسنا في جولتنا الأخيرة أن الدول مهتمة بأمن لبنان واستقراره، وتعتبره استراتيجيا لأمنها واستقرارها، ويجب الافادة من هذا التكامل اللبناني مع أصدقائه في العالم، بحيث يشعرون بأن قوة لبنان هي قوة لهم، وإضعافه هو ضعف لهم. وبالتالي، نحن نعتبر أنه إذا تمت عودة الرئيس الحريري الى لبنان بشكل حر يسمح له باتخاذ القرار الذي يريده، ويكون مناسبا للبنان، عندها نكون قد أقفلنا فصلا مهما جدا من هذه الأزمة، استعاد فيه لبنان تثبيت سيادته وصار لزاما على العالم الذي يتعاطى معه أن يعتاد على فكرة التعاطي مع بلد سيد، ولا يمكن الاستخفاف بكيفية التعاطي معه، وإنما يبقى على هذا اللبنان السيد أن يعتمد سياسة احترازية استباقية للمخاطر المتربصة به للمساس باستقراره وأمنه”.
حوار
وردا على سؤال عن دور روسيا وما بحثه مع نظيره الروسي، قال باسيل: “نحن نعتبر أن دور روسيا في مواجهة الارهاب في المنطقة أساسي وحاسم لإنهاء كل حركات التطرف والنمط التطرفي الذي ينطلق من المنطقة، بل هو أبعد من ذلك لأنه يساهم في تحقيق التوازن الإقليمي والدولي، خصوصا أن لبنان يقوم على التوازنات، وأي خلل داخلي أو خارجي ينعكس عليه خللا، ولا تستقيم من خلاله الأمور. ولذلك، إن إعادة التوازن إلى العلاقات والمصالح الدولية تنعكس بشكل إيجابي على لبنان. كما كانت جولة أخرى من قراءة مشتركة واحدة حول أهمية الحفاظ على استقرار لبنان، وما يمكن أن تقوم به روسيا في هذا المجال، لأن المساس بالاستقرار اللبناني يأخذ أشكالا عدة. وما شهدناه في الأيام الأخيرة كان مسا سياسيا، إلا أنه يمكن أن يكون أمنيا عسكريا أو اقتصاديا وماليا. وكل هذه الوسائل إذا ما اعتمدت أو اعتمد إحداها نتيجتها واحدة هو المساس بالاستقرار اللبناني. ولذلك، بحثنا في كل هذه الأمور وكيفية مواجهتها، وأحد عناصر هذه المواجهة هو أن يعود الرئيس الحريري بما يمثله إلى لبنان كشريك كامل يقوم بدوره كشخص، وتيار وكمكون سياسي لبناني يضع مصلحة لبنان أولا، ومن خلفيته اللبنانية المعتدلة يقوم بمواجهة التطرف في لبنان والمنطقة”.
وعن موعد عودة الحريري الى لبنان، قال باسيل: “نريده أن يعود في أسرع وقت ممكن لنستعيد المسار المؤسساتي الدستوري، ولكن هذا السؤال لا يسأل لي”.
وردا على سؤال عما اذا كانت فرنسا طمأنت الوزير باسيل إلى عدم مساءلتها للرئيس سعد الحريري عن عدم دفع أجور الموظفين الفرنسيين العاملين في شركته في السعودية؟ قال: “بالنسبة إلينا الرئيس الحريري هو رئيس حكومة لبنان، وهذه الصفة تعلو على أي صفة أخرى. لقد ذهب إلى المملكة في زيارة عمل بصفته رئيس حكومة لبنان، وهذا الموقع اللبناني السيادي يعطيه الحصانة القانونية الكاملة بحسب المواثيق الدولية، إن على المستويين الشخصي والمعنوي. كما يتمتع بكل الامتيازات والحصانات لمنع خلط الامور ومنع التعاطي معه، إلا بالصفة السيادية التي يمثلها للبنان. نحن متأكدون أن المسعى الفرنسي يهدف إلى أمر واحد صيانة استقرار لبنان واحترام سيادته وعودة الرئيس الحريري الى بيروت، وليس الى باريس التي هي محطة لطريق العودة الى بيروت كي يمارس دوره منها”.
وردا على سؤال آخر، قال: “نحن لا نريد أن نفكر إلا بالعلاقات الممتازة مع المملكة العربية السعودية التي لا تسمح لنا بالاعتداء عليها، ولا نسمح لها بالاعتداء على لبنان أو أي لبناني، وهذا ما نعتقده ونريده. يجب ان يقوموا بالجهد المطلوب لاقناع العالم كله، وليس فقط اللبنانيين، بأن ما حصل هو أمر طبيعي واعتيادي لا شيء غريبا فيه، وأعتقد ان العالم كله غير مقتنع بما حصل ووصفه بأنه كبير أكثر مما عبر عنه لبنان الرسمي حتى الآن، الذي ما زال يريد العلاقات الممتازة مع المملكة. ولذلك، لم نلجأ حتى الآن الى التصعيد الديبلوماسي، بل أردنا فقط إقناع الاخوة في المملكة بأن يعود الحريري إلى بلده”.
وردا على سؤال عن “حزب الله”، قال: “حزب الله بالنسبة إلى لبنان هو حركة مقاومة تجاه العدو الاسرائيلي، حرر الارض، ومقبول به من اللبنانيين ومن الحكومة اللبنانية للدفاع عن لبنان في وجه اسرائيل، وفي وجه الارهاب الذي يعطي الشرعية لكل اللبنانيين لمواجهته، لانه يتسلل الى العقول والنفوس والاحياء والقرى. وبفضل هذه المقاومة الشعبية العارمة، لم يجد الارهاب موطئا له في لبنان، هذا هو حزب الله بالنسبة إلينا. وما يقال عن أدوار أخرى خارج هذا الاطار فموقف الحكومة اللبنانية واضح، هي لا تريد التدخل في شؤون الآخرين، ولا تريد الاذية للدول الشقيقة والصديقة للبنان، ولا تقبل بأن يمس أي بلد بسوء متأت من لبنان أو من اللبنانيين”.