“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تعيد المملكة العربية السعودية بقيادة وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان بن عبد العزيز تموضعها على الساحة اللبنانية، بعد سلسلة من الخيبات كان ابرزها معاينة المملكة بالبرهان الملموس أن انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية لن يدفعه الى اختيار مقعد وسطي بينها وبين إيران.
وليست دعوة قيادات لبنانية الى المملكة أبرزها أخيرا رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل الى ربوعها، فضلا عن تسريبات عن دعوات معدّة لقيادات لبنانية أخرى قاسمها المشترك مناصبة “حزب الله” العداء سوى محاولة سعودية جديدة لإعادة التموضع أعقبت زيارة وزير شؤون الخليج ثامر السبهان (في 23 آب الفائت) وتغريداته المثيرة للجدل التي طلبت من اللبنانيين الإختيار بين “حزب الله” وسواه.
هذه المحاولة يصحّ وصفها بأنها تجريبية، لا هيكلية واضحة لها بعد، تجريبية لأنّ “الأحصنة” التي تزمع المملكة الرهان عليها مجددا في حربها ضدّ إيران و”حزب الله” هي ذاتها التي فشلت في وقف تمدد النفوذ السياسي لإيران ولـ”حزب الله” طيلة اعوام، وبقيت “مقاومتها” كلامية من دون فاعلية ملموسة، حتّى أن الإنتخابات النيابية الأخيرة عام 2009 أسفرت عن مجلس نيابي ذي أكثرية من قوى 14 آذار لكنّ قوى 8 آذار هي التي سيطرت على قرارات البرلمان.
ثمّ وبعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي، إنجرفت هذه الأحصنة في خيار “حزب الله” الأول للرئاسة أي العماد ميشال عون، من دون التطرّق الى فشل هذه الأحصنة في مناهضة مشاركة “حزب الله” في الحرب السورية، بل إنها سارعت الى تهنئته في حربه الأخيرة ضدّ “جبهة النصرة” في جرود عرسال غير قادرة على مواجهة التيار الشعبي الذي أفرحه دحر “النصرة” دون النظر الى عواقب الأمر.
وتشير أوساط سياسية سعودية واسعة الإطلاع لموقع “مصدر دبلوماسي” الى أنّ “المملكة العربية السعودية هي اليوم في مرحلة قياس قدرة هذه القيادات على الإلتزام بكلامها في مناهضة تمدد نفوذ “حزب الله”، أما إذا بقيت هذه القيادات على حالها السابقة فليس من الصعب أو المستبعد التعاطي مع وجوه جديدة”.
وبالتالي، ليست دعوة الدكتور سمير جعجع بكلّ ثقله السياسي ووزنه الشعبي في الشارع المسيحي تزامنا مع دعوة رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الطريّ العود سياسيا سوى رسالة سعودية رمزية في هذا الإتجاه، فليس المطلوب سعوديا وخليجيا أيضا “بيع كلام معسول” لها ومشاكسة “حزب الله” بخطابات نارية ثمّ مهادنته من تحت الطاولة، وهي حالة نقلها السبهان أخيرا الى قيادته بشكل واضح، وهي لا تطال شخصية واحدة بل شخصيات عدة حليفة للمملكة.
هذه المقاربة السعودية التي تحتاج الى تبلور عملي لم يكشف عنه لغاية اليوم تعود بحسب الأوساط السياسية السعودية الواسعة الإطلاع التي تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” الى أنّ “المملكة أنهكت من رؤية القومية العربية تذوب في أحضان القومية الفارسية، وأن ترى الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران تبتلع مدننا العربية، وأن يطغى دورها على دور الحكومات الشرعية”. وتضيف الأوساط السعودية:” لقد ملّت المملكة مشاهدة الرايات الطائفية خارج العلم الوطني، وهذه المشاهد إن استمرت تنبئ بفوضى قادمة في حال استمرّ هذا الزّحف”.
في ظلّ هذا السيناريو قررت المملكة العربية السعودية بحسب الأوساط المذكورة ” أنه حان الوقت لكي توقف زحف “الجيوبوليتيك الشيعي الإثني عشري” من قم الى بيروت، وأن تسود الدولة الوطنية العروبية بمختلف تياراتها”.
لكنّ ما السبب في دعوة القيادات اللبنانية اليها؟
تقول الأوساط السياسية السعودية الواسعة الإطلاع لموقع “مصدر دبلوماسي”: ” تجمع المملكة العربية السعودية الفاعلين السياسيين اللبنانيين بغية صدّ هذا المشروع، لأنّ لبنان هو نقطة النهاية للمشروع الإيراني، ومنه تستمدّ إيران شرعيتها الشعبية في ما تسميه “النضال” ضدّ الدولة العبرية. الى ذلك، بدأ “حزب الله” تدريجيا يطغى على الدولة اللبنانية وربما قريبا على الدولة السورية، وهنالك فرع له في العراق، فلم يعد من جدوى للإنتظار”. وتختم الأوساط السياسية السعودية الواسعة الإطلاع حديثها الى موقع “مصدر دبلوماسي” بقولها:” نعتقد بأن المملكة قررت أن تبدأ الزحف المعاكس على النفوذ الإيراني من لبنان الى حدود السعودية، وبالتالي فإن لبنان كما أنه نقطة النهاية للمشروع الإيراني فهو نقطة بداية انطلاق مشروع تجفيف الطائفية وتعزيز الدولة الوطنية، وبالتالي إن لم يكن لبنان موحّدا وفي خندق واحد ضد الطائفية ونقطة انطلاق قوية لصدّ الزّحف الفارسي فلن ينجح مشروع المملكة، من هنا جاء استقبالها للفرقاء اللبنانيين”.