“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
دحر الجيش اللبناني إرهابيي “داعش” من جرود لبنان في القاع ورأس بعلبك من دون أي تنسيق مع الجيش النظامي السوري بحسب معلومات “مصدر دبلوماسي”، لأن الجيش اللبناني كان ذي جهوزية عالية المستوى وقد أعدّ للمعركة بإحكام ورسم خططا عسكرية نجحت في حصار إرهابيي “داعش” ووضعهم تحت ضغط لم يتوقعوه، ما شلّ حركتهم كليا فاستسلموا، وبالتالي لم تتبدّ اية حاجة لتنسيق عسكري ميداني مع الجهة المقابلة من الجرود حيث دارت معارك قادها الجيش النظامي السوري و”حزب الله” ضد “الدواعش” في القلمون الغربي، أما التنسيق في المفاوضات مع الإرهابيين لاستعادة شهداء الجيش اللبناني الذين خطفهم تنظيم “داعش” الإرهابي عام 2014 فتولاه حصرا مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم مكلّفا من السلطات اللبنانية الرسمية.
إنتهت معارك “فجر الجرود” التي استمرّت 9 أيام بتحقيق الجيش اللبناني الأهداف الثلاثة التي وضعها: تحرير الأراضي اللبنانية وطرد الإرهابيين وكشف مصير جنوده التسعة حيث عثر على جثث 8 منهم أما التاسع (عبد الرحيم دياب) فتبين منذ مدة أنه انشق لينضم الى صفوف “داعش” حيث أفادت معلومات أنه قتل في الرقة، لكنها معلومات متداولة لم يتم التأكد منها بشكل كامل.
في انتظار ظهور نتائج الحمض النووي لجثث العسكريين الثمانية الذين عثر عليهم في وادي الدّب، يتمّ الإعداد من قبل القيادة العسكرية لتكريمهم ودفنهم برتبة “شهداء ساحة الشرف” وهي أعلى مراتب الشهادة في القاموس العسكري اللبناني.
ويبدو بأن عائلة العسكريين من الجيش متأكدة من أن الجثث تعود الى أبنائها العسكريين، وقد تمّ استقدام أكفأ الأطباء للكشف على الجثث ولفصلها عن بعضها وخصوصا وأن الإرهابيين دفنوا الجنود اللبنانيين في حفرة واحدة، لكن عمق الحفرة وهو 4 أمتار وحالة الطقس والصقيع ووجود كثافة من الثلوج فوقها كلها عوامل ساعدت أجساد الجنود على مقاومة التحلل فبقيت مكتملة الى حدّ ما.
يتمّ حاليا الإعداد لمآتم رسمية وتكريم استثنائي لـ”شهداء ساحة الشرف” مع ترقيات أكيدة وأوسمة. في الإنتظار، يعدّ الجيش اللبناني العدّة للتمركز الكامل على طول الحدود الشمالية الشرقية، حيث الحاجة أقله الى فوج من العسكر (قرابة الـ1800 جندي) نظرا الى طول الحدود، وتتبدّى حاجة ملحّة وطارئة لإنشاءات حدودية تقي الجنود المتمركزين شرّ الصقيع القادم في منطقة جبلية قاحلة ونائية وتفتقر الى الطرق بل تحتاج الى شقّ طرق في كثير من الأحيان. ومن هنا بدأت الجهات المعنية بالتواصل مع المعنيين في الحكومة اللبنانية للإسراع في تلبية احتياجات الجيش قبل قدوم فصل الشتاء.
الجيش اللبناني فخور بإنجازه العسكري وباستعادة جنود الشرف والتضحية والوفاء ولا يتوقف المعنيون فيه عند النقاشات الدائرة حول تفاصيل العملية التي لم يكن من الممكن أن تتمّ إلا على هذا النحو، رأفة بأعصاب الأهالي والا لبقي العسكر مجهولي المكان، وكرامة الشهيد في دفنه بمنظور الجيش.
لا يدخل المعنيون في الجيش اللبناني في موضوع إلقاء المسؤوليات السياسية على من منع المؤسسة العسكرية من إتمام مهمة اجتثاث الإرهابيين منذ عام 2014، لكن ثمة دعوة مضمرة الى استخلاص العبر وتقييم كلّ من تدخل في هذا الملفّ، أما الإقتصاص فليس مهمّة المؤسسة العسكرية ذي المناقبية العالية، حيث منعت قيادتها نشر صور قتلى الإرهابيين الذين جاوز عددهم الخمسين كي لا تنزلق الى مستوى هؤلاء المجرمين الذين تركوا قتلاهم في ساحة المعركة دون الإلتفات وراءهم.
بالعودة الى ملخص معارك الأيام التسعة، فإن عمليات تطويق الإرهابيين بدأت قبل إعلان معارك “فجر الجرود” في 19 الجاري وذلك بعمليات أمنية إستباقية قبل شهرين من إعلان ساعة الصفر، الى تضييق وحصار قطع إمداداتهم الغذائية واللوجستية من مازوت وخلافه وخصوصا عبر منطقة وادي حميّد.
بعد هذه المرحلة التمهيدية بدأ العمل العسكري بتمهيد آخر هو السيطرة على منطقة ضهر الخنزير في عملية قتالية استولى فيها الجيش بالنيران على هذه التلة الحاكمة. بعدها بدأت العملية العسكرية من الغرب في اتجاه الشرق وذلك عبر قضم التلال بعد قصف مدفعي واستخدام كافّة أنواع الأسلحة، فسقط للجيش اللبناني 26 جريحا و7 شهداء. مرّت العملية العسكرية بمراحل فحرّر الجيش بداية حوالي الـ100 كيلومتر، ثم بدأت المرحلة الثانية من الجهة الشمالية وصولا الى الحدود اللبنانية السورية في منطقة المدقر. بعدها فرّ إرهابيو “داعش” الى وادي مرطبية، ثم تابعوا فرارهم منذ يومين الى تلة حليمة قارة التي يبلغ ارتفاعها قرابة الألفي متر وتمركزوا فيها. وبدأ الجيش اللبناني الإستعداد للمرحلة الرابعة والأخيرة من المعارك، وفي حين كان الجيش السوري يحاصر إرهابيي “داعش” مع “حزب الله” من الجهة المقابلة. في الجهة اللبنانية، أطبق الجيش اللبناني كليا على طرق إمدادهم ودمّر المعابر التي يستخدمونها ودمّر منازلهم ما اضطرهم الى الإستسلام تحت الضغط الشديد.
عندها انتقل الكلام الى اللواء عباس ابراهيم بالتنسيق مع الطرف السوري بغية التفاوض للتوصل الى الحل الذي بات معروفا للجميع، وبناء على وقف إطلاق النار نال لبنان معلومات عن عسكرييه وتم طرد “الدواعش” بأكملهم الى خارج الأراضي اللبنانية.