“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تبدو المعركة المنتظرة بين الجيش اللبناني وتنظيم “داعش” الإرهابي المتواجد في جرود القاع ورأس بعلبك شديدة التعقيد من الناحية العسكرية وهي معركة ستشهد مواجهة بين جيش نظامي وبين إرهابيين دمويين لا يخضعون لترهيب. أما سياسيا فيبدو بأن المعركة المنتظرة وضعت في سلّة البازار السياسي اللبناني، وصارت تشكّل إحدى اوراق الضغط للدفع في اتجاه التنسيق مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد والتي ظهرت أولى “موجاتها” أمس في ما يسميه البعض “مسرحية مجلس الوزراء”.
عقدة “سرايا أهل الشام”
في الجانب العسكري يستعدّ الجيش اللبناني بوحداته القتالية للمعركة عبر عمليات تمهيدية ضرورية منها الإستيلاء على تلتين رئيسيتين تحكم الخناق على مسلحي “داعش” وتمنعهم من الهروب في اتجاه أماكن يتواجد فيها لغاية اليوم حوالي الـ500 مسلّح من “سرايا أهل الشام” ومعهم قرابة الـ 3 آلاف مدني يجري التفاوض حول إخراجهم من لبنان الى سوريا. وهذه السرايا التي تطرح أسئلة تشكيكية عدّة
تعوّق بتواجدها أي هجوم عتيد للجيش على مسلحي “داعش” كون هذه السرايا تتواجد في منطقة تقع عند خاصرة الجيش اللبناني وهي غير مأمونة الجانب.
وفي معلومات تناقلتها الوكالات العالمية حول “سرايا أهل الشام” ورد بأن أنصارها انقسموا الى فريقين، أولهما معارض للحكومة السورية، والثاني مؤيد للوسيط السوري محمد رحمة المعروف باسم بـ “أبو طه العسالي”. وكان من المفترض أن يغادر المعارضون إلى بلدة الرحيبة في القلمون الشرقي بريف دمشق، بينما يعود من يرغبون بمصالحة النظام مع عائلاتهم على أن توافق الحكومة السورية على عودتهم بموجب “المصالحات” في ريف دمشق إلى بلدات في القلمون الغربي التي يتحدرون منها.
وبحسب موقع “روسيا اليوم” طالب بعض المعارضين بالعودة إلى البلدات التي خرجوا منها في القلمون الغربي بدلا من الرحيبة، في حين تحدثت مصادر محلية عن رفض السلطات السورية عودة بعض الأشخاص الذين تضمنتهم القوائم، إلى قراهم في القلمون، من غير محاكمات أو توقيفات، كونهم متهمين بارتكاب جرائم.
لكن المعارضين يصرون على أن تكون عودتهم إلى ديارهم “عودة كريمة تحت رعاية الأمم المتحدة، وبضمانات وحماية دولية”، مطالبين بإنشاء منطقة آمنة في القلمون، بحسب بيان لهم.
ويبررون رفضهم الخروج إلى الرحيبة بالخشية على مصيرهم في حال استعادت الحكومة السيطرة على المدينة في إطار تسويات مستقبلية.
وقالت المصادر إن عدد الذين كانوا ينوون الخروج من عرسال إلى القلمون “تراجع بشكل قياسي إثر الانقسامات”.
يذكر أن الرحيبة تخضع لسيطرة المعارضة في القلمون الشرقي، وتحاصرها قوات الجيش، وتدخل إليها المساعدات بموجب اتفاقات بين فعاليات في البلدة مع الحكومة.
ورفض المعارضون أيضا فكرة المغادرة إلى إدلب، على غرار ما حصل مع مسلحي النصرة والمدنيين الذين رافقوهم، مشيرين إلى أنهم أولا غير منضوين تحت لواء النصرة، ولا يريدون أن يحسبوا عليها، وثانيا لأنهم يريدون العودة إلى قراهم، أو بالحد الأدنى إلى مناطق قريبة من أراضيهم.
كما يعتقد هؤلاء أن الوضع في إدلب قد يكون مقبلا على أيام صعبة عسكريا بحسب ما نقل موقع “روسيا اليوم”.
الجيش: الأمر لي
وتشير أوساط على اطلاع وثيق على مجريات التحضيرات العملانية للمعركة، الى أن الجيش اللبناني سيخوض هذه المعركة لوحده وداخل الأراضي اللبنانية على مساحة تمتد (بحسب الخرائط اللبنانية ونظرا لتداخل الحدود مع سوريا) على مساحة 190 كيلومتر مربّع. وتشير المعلومات المتداولة الى أن هذه المعركة صعبة جدّا نظرا الى الطبيعة الجغرافية الوعرة والجبال الشاهقة التي يتحصّن فيها مسلّحو “داعش” واكتظاظها بالمغاور والأنفاق ومسالكها الضيقة وطرقها المحدودة بثلاثة فحسب، ما يعني صعوبة دخول آليات والحاجة الى إنزال جوّي ما سيعطي دورا رئيسيا لفوج المجوقل في الجيش اللبناني.
وتشير الأوساط المطلعة على التحضيرات الى أن الجيش اللبناني وقائده العماد جوزف عون غير معنيين بأية نقاشات تحصل في الإعلام وعبر وسائل التواصل الإجتماعي، فلا أحد يدفع الجيش الى المعارك بحسب توقيته، فقيادة الجيش وحدها تقرر ساعة الصفر لبدء المعركة الفاصلة، وهي ليست معركة شعبوية بل عسكرية لها ظروفها العملانية وثمة عمليات تمهيدية تجري الآن للإمساك بنقاط معينة لمحاصرة “داعش”.
وبالتالي ثمة خصوصية عسكرية لا يجب أن يتسرّب اليها الإعلام والجيش اللبناني يعمل بصمت، ومن الأفضل تهدئة التوقعات الإعلامية غير المبنية على معطيات دقيقة.
تنسيق حتمي مع “نظام الأسد”؟
أما الجانب السياسي لهذه المعركة فلا يخوض فيه الجيش البتّة، لكنّ المعلومات المتداولة من أوساط متابعة تشير الى أن ثمة تساؤلات جدية حول ضرورة التنسيق مع الجيش السوري في الضفة المقابلة فإذا تم تحرير كامل المنطقة اللبنانية وقرّر الجيش السوري عدم تنظيف الجانب السوري من “داعش” فبقي التنظيم يقصف الجيش في الجهة اللبنانية فماذا ستكون النتيجة؟ وهل يدخل الجيش اللبناني في حرب استنزاف طويلة الأمد لها كلفتها البشرية الهائلة؟
من جهتها، تقول أوساط سياسية أن هذه المعركة مع “داعش” هي أصعب من تلك التي خاضها “حزب الله” مع “جبهة النصرة” في جرود عرسال نظرا الى طبيعة مسلحي “النصرة” المختلفة عن مسلحي “داعش” الذين لا يستسلمون بسهولة”.
من جهتها، تشير اوساط مناوئة لـ”حزب الله”الى أن معركة الجرود العتيدة تخضع لحسابات سياسية دقيقة، ومنها أنها ستفتح بجدية أكبر باب التنسيق “الضروري ميدانيا” بين الجيشين اللبناني والسوري والذي يتخطّى جهاز التعاون والتنسيق المرتبط بأمور تقنية لوجستية فنية وليست عسكرية”.
وتشير الأوساط الى أن الدفع في اتجاه هذا التنسيق والذي ظهر رأس جبل الجليد منه أمس في مجلس الوزراء عبر طرح المشاركة الحكومية الرسمية لوزراء من حركة “أمل” و”حزب الله” في معرض حول إعمار سوريا ينعقد في دمشق في 16 الجاري يخفي ما وراءه من تنسيق قائم وعميق جدّا يجري اليوم العمل على إظهاره على السطح بشكل تدريجي”
من جهتها، تشير أوساط سياسية حيادية الى أن لا معوقات جدية لعودة العلاقات اللبنانية السورية لأن ما يحصل في الداخل اللبناني لن يغير في المعادلة الإقليمية أولا، ولأن لا معارضة جدية للموضوع حتى من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري ، فضلا عن أن “حزب الله” لن يتخلّى عن الإستثمار حتى النهاية في الموجة الشعبية التي أعقبت معركته في عرسال ضد “جبهة النصرة”، وبالتالي لينتظر اللبنانيون من الآن فصاعدا “مسرحيات” مماثلة لـ”مسرحية مجلس الوزراء” أمس الذي رفض منح الوزراء المعنيين غطاء رسميا لزيارة سوريا، وسوف تؤدي هذه “المسرحيات” في النهاية الى علاقة واضحة وصريحة وعلنية مع نظام بشار الأسد”.