“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة:
يستمرّ “حزب الله” سلوك درب الواقعيّة السياسية في لبنان من منطلق إدراكه العميق لطبيعة النظام السياسي اللبناني وتركيبته الإجتماعية، ويستمر “الحزب” بالرّغم من تحقيقه نصرا عسكريا على “جبهة النصرة” وطردها عن الحدود الشرقية يتصرّف بزهد من لا يريد شيئا في الداخل اللبناني.
ولعلّ سؤال ماذا بعد معارك جرود عرسال الذي يقضّ “حلفاء الضرورة” المتمثلين بـ”تيار المستقبل” قد سمعه الحزب مرارا منذ عام 2000 مرورا بـ2006 وسواها من المعارك التي خاضها.
وتحفل أوساط “التيار الأزرق” وخصوصا على مستوى قواعده السياسية الوسطى والشعبية بأسئلة من نوع: هل سيعمد “حزب الله” الى تغيير النظام اللبناني لتحقيق مكتسبات دستورية؟ هل سيعمد الى “شرعنة” جيشه برلمانيا على غرار ما فعل “الحشد الشعبي ” في العراق المدعوم من إيران؟
تشير أوساط مقربة من “حزب الله” تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” الى أن “هذا الكلام تافه وغير مطروح، فالمقاومة نالت شرعيتها من الشعب اللبناني ومن قتالها لإسرائيل، و”حزب الله” يدرك جيدا بأن الظروف السياسية الداخلية في البلد لا تسمح بحصول ذلك”.
تتابع الأوساط:” لا يريد “حزب الله” ان يكون جزءا من الجيش اللبناني لأن الأمر مضرّ للجيش، ولا يريد أيضا أن يتلقى رواتب من الدولة اللبنانية وأن يأتي قراره منها لأن الأمر مضرّ للدولة. فالهامش المتروك اليوم بين الدولة والجيش من جهة وبين الدولة والمقاومة من جهة ثانية هو قوّة للبنان وليس ضعفا له”.
ومن الأسئلة المطروحة ايضا في الأوساط المناوئة لـ”حزب الله”، تلك التي تتعلق بنوايا مبيتة لديه بتغيير النظام، وهذا ما يدفع الأوساط العارفة بمناخ الحزب الى القول بأن هؤلاء يثيرون “قضايا وهمية”.
مشيرة الى انه ليس من نوايا لتعديل النظام اللبناني أو القيام بمؤتمر تاسيسي أو استثمار انتصار عرسال في الداخل اللبناني ولا فرض أي شيء على هذا الداخل بالقوّة”.
ويذهب أحد المقربين من “حزب الله” للقول:”قد يطالب “حزب الله” باستبدال حقيبة الصناعة بحقيبة الزراعة!”.
هذا “الزّهد” في الداخل اللبناني سببه أن “حزب الله” يضمّ هذا “النصر ” الجديد الى مجموعة انجازات ميدانية حققها منها” فتح الحدود العراقية السورية “غصبا عن أنف الأميركيين” وانتصار تحرير الموصل من “داعش”وتحرير حلب”.
وبالتالي فإن نصر عرسال يليق بما يجري من تطورات في الإقليم وهو أكبر من الداخل اللبناني الذي سينعم راهنا بـ”ستاتيكو” مستمر منذ 2006.
ويرى العقل الحزبي بأن هذا النصر الجديد يخيف إسرائيل التي تخشى من الخبرة القتالية الكبيرة التي اكتسبها “حزب الله” من سوريا الى لبنان وبالتالي إن الإستثمار سيكون حتما في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. علما بأن الدولة العبرية باتت تدرك بأنها لا يمكنها أن تعتدي على لبنان ساعة تشاء بحسب أوساط مقربة من “حزب الله”.
انتخاب عون قلب الموازين
هذا التفكير الإستراتيجي الواسع لـ”حزب الله”، لا يجيب عن توجّسات لبنانية لها مدلولات حتمية منها: لماذا اختار “حزب الله” هذا التوقيت لمعركة عرسال؟ ولم لم يخضها سابقا؟
يخطط “حزب الله” معاركه حسب الظروف السائدة، ويطوّعها بحسب الجوّ السياسي في لبنان كي لا يؤثر سلبا في “الستاتيكو” السائد. ومعركة عرسال بنظر “حزب الله” هي استكمال لمعارك القلمون الغربي التي حصلت في العام الماضي، واستكمال أيضا للمعارك التي خاضها عام 2015 في جرود فليطة، وهذه الجرود متصلة ببعضها البعض ضمن السلسة الشرقية للبنان حيث تواجدت “جبهة النصرة” وتنظيمات إرهابية أخرى بدءا من الزبداني وصولا الى جرود عرسال.
أنجز “حزب الله” مراحل عدّة في معاركه المتباعدة زمنيا، وبعد انتهائه من معارك القلمون الغربي في العام الماضي لم يكمل عملياته في جرود عرسال لأسباب يصفها العارفون بأنها “لبنانية”.
وتشرح الأوساط المقربة من “حزب الله” بأنّ فريقا سياسيا منع الجيش اللبناني من التصدّي للإرهاب، وهذا الفريق نفسه أطلق “بروباغندا” مذهبية لمنع “حزب الله” من إكمال مهمته في جرود عرسال”.
لكن هذا الواقع انقلب مع انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، وتشكيل حكومة جديدة، فلم يعد “حزب الله” خائفا من إثارة البعض للحساسيات الطائفية.
“حزب الله” يقبل بالحل السياسي الذي يريده النظام السوري
هذا الواقع يؤدي الى أنّ “حزب الله” لا يرى رابطا بين ما يجري في جنوب سوريا حيث “أبعد” الإيرانيون بمعية الروس عن تلك الحدود.
تشير الأوساط العليمة المذكورة:” إن “حزب الله” موجود في جنوب سوريا وفي درعا تحديدا بالتفاهم مع النظام السوري، والحزب موجود في أي مكان يحدده النظام، والكلام عن اتفاق لابعاد إيران أو “حزب الله” غير منطقي”.
وتشير الأوساط الى أنّ واقع ما يجري هو أن إسرائيل لا تريد “حزب الله” قريبا من المنطقة الحدودية الممتدة من الناقورة وصولا الى الجولان المحتل، ولذا تطالب بإبعاد “الحزب””.
وتشير الأوساط: “إن “حزب الله” ملتزم بما يقرره النظام السوري، وهو يقف خلفه، وإذا وافق النظام على اتفاق آستانة وعلى صيغة الحل السياسي فالحزب يوافق، وإذا كان الحل السياسي يؤدي الى إراحة المقاتلين ونقلهم من جبهة الى أخرى، فهذا أمر لا يزعج “حزب الله”.
العقوبات المصرفية وعتب على الحريري
لا يمتلك “حزب الله” متعة الفرح بانتصاراته، ويدرك جيدا أنه قادم على معارك شرسة ضدّه تبدأ طلائعها بالعقوبات المصرفية المشددة التي سيقرّها الكونغرس الأميركي والمتوقعة في ايلول المقبل. ويشير بعض العارفين بمزاج “الحزب” الى أنه عاتب على رئيس الحكومة سعد الحريري الذي لم يدافع أثناء زيارته الى واشنطن عن شركائه في الحكومة، بل راح يطالب –بحسب الأوساط المذكورة- بترك العقوبات القديمة على “حزب الله” شرط عدم وضع عقوبات جديدة على المصارف! ويعلّق أحد العارفين:” علما بأنه لولا شركاء الرئيس الحريري لما كان الآن رئيسا للحكومة اللبنانية”.
وتعلّق الأوساط القريبة من “حزب الله”:” تعمل الولايات المتحدة الأميركية كل ما في وسعها من أجل ضمان امن إسرائيل القلقة من تصاعد قوة “حزب الله” لذا تعمد الى محاولة تقليم مخالبه سياسيا وعسكريا وماليا.
بالرغم من ذلك، يعتبر الموالون لـ”حزب الله” بأنّ “الوضع ممتاز! مشيرين الى أن “محور المقاومة وإيران وحلفائهما ينتصر على محور الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها و”داعش”، وآخر من يحق له اتهام “حزب الله” بالإرهاب هو دونالد ترامب وأميركا التي دعمت الإرهابيين أعواما في حين كان “حزب الله” يقاتلهم”.