“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تنعكس تفاعلات الأزمة الخليجية المصرية مع قطر بشكل واضح على السّاحة اللبنانية وخصوصا وأنها مستمرة منذ 5 حزيران الفائت بين دول مؤثرة في لبنان هي: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين من جهة وقطر وحلفائها من جهة ثانية وخصوصا تركيا، وسط موقف أميركي ملتبس لغاية اليوم.
يسعى كلّ فريق من أفرقاء الأزمة الى جذب السواد الأعظم من الرأي العام السياسي والشعبي اللبناني وعدم ترك الساحة لـ”الخصم”. وفي هذا السياق، تندرج حركة سفراء هذه الدول وزياراتهم المتواصلة للمسؤولين اللبنانيين وخصوصا سفراء الدول المقاطعة لقطر الذين جالوا أخيرا على مرجعيات روحية كالبطريرك الماروني وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز وقبلها مفتي الجمهورية وسواهم من الفاعليات.
المهمّ بالنسبة لهذه الدول أن يكون صوتها مسموعا في قضايا تهمّها وهي لا تنحصر في الخلاف مع قطر الذي يحاول الجانب القطري أن يصوّره وكأنه “منافسة داخل البيت الخليجي”، في حين تراه الدول المقاطعة للدوحة بأنه صراع بين من يكافح الإرهاب ومن يدعمه ويموّله.
خطر تمويل الإرهاب
فالمسألة الرئيسية تتعلّق أولا بمنع تمويل الإرهاب من وجهة نظر “الرباعية المقاطعة”، من هنا أهمية أن تكون القيادات اللبنانية على دراية بهذا الأمر وتفاصيله وعدم حصره بنزاع “أخوي” وتنافس على استضافة كأس العالم عام 2022! بحسب أوساط مطلعة على الخلاف ومقرّبة من دول المقاطعة.
وتشير هذه الأوساط لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن ما يجري تداوله حول تعديل قطر لقانون مكافحة الإرهاب الخاص بها وخصوصا فيما يتعلّق بتعريف الإرهاب وتجميد الأموال التي تتوفّر للتنظيمات الإرهابية واستحداث قوائم للأفراد والكيانات المدرجة إرهابية في قطر، إنما يؤكد ان الأخيرة لم تكن من قبل تحارب الإرهاب”.
الواقع، أن ّالخلاف خرج من نطاقه الخليجي-المصري البحت الى إطار الخلاف القطري مع المجتمع الدولي بأسره- بحسب ما ترى الدول المقاطعة- وذلك لأن التنظيمات الإرهابية تفجّر وتوزّع السلاح للإرهابيين في دول مختلفة من العالم، ما يؤثر على الأمن الإقليمي والدّولي. ويقول المصدر العارف بمجريات الأمور والمقرّب من دول المقاطعة بأن” مطالبنا يجب أن تكون مطالب المجتمع الدّولي الذي عليه أن يفرق في الوقت عينه بين الإعلام و”البروباغاندا” المضادّة لدول المنطقة وهنا يذكر مثالا تلفزيون الجزيرة المختلف بنسختيه العربية والإنكليزية بشكل واضح وصريح.
أما عن مستقبل هذه الأزمة فيبدو بأنها ستمتدّ زمنيا بعد، مع توقعات اثبتت اليوم عدم صحتها بأن يلعب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جولته الخليجية دورا في تلطيف الأجواء بحسب أوساط دبلوماسية خليجية محايدة تحدّثت الى موقع “مصدر دبلوماسي”.
أخطاء الغرب في مقاربة جزئية لموضوع الإرهاب
بالعودة الى لبنان ، فإن المسؤولين اللبنانيين متشبثين بموقف النأي بالنفس حيال الأزمة، وتبدو الدّول المقاطعة برمّتها متفهّمة لموقف لبنان، لكنّ ذلك لا يعني أن يحاول طرف ما جذب الساحة اللبنانية الى جانبه، وهذا ما حدث إبان التظاهرة الداعمة لقطر منذ أيام. فالإدراك الخليجي- المصري والتفهّم لموقف لبنان لا يسمح بأن يتخذ لبنان موقفا منحازا لطرف دون آخر.
مقاربة مختلفة لموضوع الإرهاب
يعكف بعض الدبلوماسيين الدوليين وبعض الكتّاب الاساسيين على ربط الإرهاب بمعالجة المشاكل السياسية وقضايا الفقر والأمية والبطالة وسواها واضعين اللوم على الأنظمة بشكل من الأشكال. لكنّ هذه الفكرة تلقى معارضة قوية من دول رئيسية في المنطقة. فيقول أحد المراقبين المواكبين للأزمة بأن ليس كل فقير يتجه صوب الإرهاب إن لم يأتي من يبث في ذهنه أفكارا مغلوطة وإيديولوجيا معيّنة. ومن الخطأ التي تقع فيه بعض الأطراف هو الإمساك بالإرهاب كورقة للتفاوض حول مسائل وقضايا إقليمية كما حصل في سوريا، حيث استخدمت منظمات إرهابية هي الأعتى مثل “داعش” و”جبهة النصرة” وسواهما كأوراق ضغط.
ويشير مراقبون الى أن التوغل بموضوع الإرهاب وأصله يوجب التوقف عند عوامل أساسية أبرزها: مذهبة الصراع لشدّ العصب وتجييش طائفة أو مذهب ضدّ آخر، ويشير هؤلاء الى أن الدول الغربية أسهمت بمذهبة الصراع في الأزمة السورية حيث تم استخدام دول معينة لاستضافة اجتماعات المعارضة السورية “الإخوانية” التي تبنّت قطر تمويلها بحسب هؤلاء ليكون بديل النظام البعثي نظام إخواني تحت سيطرة تركيا، وما فعلته الدول الغربية أنها ولتحقيق هذا الهدف تغاضت بشكل متعمّد مع ما أسمي “المعارضة المعتدلة” المنبثقة بحقيقتها من “داعش” والقاعدة. ويتطرق هؤلاء الى مسألة تمويل شراء السلاح وتمويل تنظيمات ومواقع معينة للإمعان في مذهبة الصراع.
وما أسهم ايضا بذلك الرهان الفاشل على الإسلام السياسي بنسخته المشوهة، الذي تبدّى أنه إرهاب مغطّى بعباءة الدين وهو انتقل للتفجير في عواصم العالم من باريس الى بروكسيل فلندن فبرلين.
ويبقى بأنّ قيام تحالف دولي ضدّ “داعش” فحسب وليس ضدّ الإرهاب بشكل عام خلق التباسات يجب إزالتها. بناء على هذه الأفكار الغربية الخاطئة حول عوامل انتشار الإرهاب، فإن تصحيحها هو البوابة الصحيحة للوصول الى حلّ شامل يكافح هذه الآفة الدولية.