“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
لم تنته قضيّة الخلاف بين الدول الخليجية وخصوصا السعودية والإمارات وقطر بعد، ولعل فصولها ستتوالى في الأسابيع وربّما في الأشهر المقبلة في اشتباك دبلوماسي سياسي يبدو الأشدّ بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي حين يبدو شدّ الحبال متواصلا بين هذه الدول، فإن الإزدواجية الأميركية حيال هذا الملّف تبدو واضحة. وحصل تطوّر دبلوماسي لافت أخيرا،عندما أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره القطري الشيخ محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني أن قطر تجاوبت مع مخرجات قمة الرياض التي عقدت في شهر أيار الفائت وبحثت في مكافحة الإرهاب ووقف تمويله، وأعلن الطرفان عن التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال مكافحة تمويل الإرهاب.
وسرعان ما أصدرت الدول المقاطعة لقطر وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر بيانا مشتركا وصفت فيه توقيع الإتفاق بين الدوحة وواشنطن لمكافحة تمويل الإرهاب بأنه “خطوة غير كافية” وبأنها ستراقب عن كثب مدى جدية السلطات القطرية في تنفيذ ذلك.
وأعلنت الدول الأربع في بيان مشترك الثلاثاء الماضي بأن عقوباتها ستظلّ قائمة الى أن تنفذ الدوحة كامل مطالبها. وتشير أوساط سياسية لبنانية مطلعة على حيثيات هذا الخلاف الى أن ما يحصل يشي بوصول الأزمات في المنطقة الى مرحلة متقدّمة من هندسة الحلول التي ستكون المملكة العربية السعودية مفاوضا رئيسيا فيها وبالتالي يجب أن تجلس الى الطاولة متحدثة بإسم دول الخليج كافّة، من دون وجود دول ترسم هندساتها الخاصة والمستقبلة مثلما تفعل الدوحة.
فقطر لديها مصالح مشتركة مع إيران إقتصادية تخص الغاز: وثمة مشروع دائم لقطر بنقل الغاز الى أوروبا عبر سوريا عبر أنابيب ستمر حتما في إيران. وثمة تشجيع أوروبي لهذا الأمر بعدما أعلن الأوروبيون مرارا رغبتهم ببديل عن الغاز الروسي الذي يغطي زهاء الـ70 في المئة من الإحتياجات الأوروبية. كذلك فإن لقطر مصالح في سوريا منها ما يتعلّق بأن تكون قطر شريكا رئيسيا في عملية إعادة الإعمار.
الى ذلك، ثمة مشاريع سلام ترسم للمنطقة قد تفضي الى تقرب خليجي إسرائيلي كانت قطر الأولى التي بدأته عبر فتحها مكتب تمثيلي للمصالح الإسرائيلية في الدوحة عام 1996، وبالتالي هذا الأمر يتطلب تضامنا عربيا غير مسبوق، الى نزع الغطاء عن حركة حماس المدعومة أصلا من قطر، والتي استدارت أخيرا استدارة قوية بإعلانها المصالحة مع محمّد دحلان القيادي الفتحاوي المثير للجدل.
أما مسألة الإخوان المسلمين فهي قضية شائكة تزعج بشكل خاص مصر والإمارات العربية المتحدة.
ولمعرفة تفاصيل أكثر عن خلفيات الصراع الخليجي مع قطر الدولة الصغرى التي لا تتعدّى مساحتها الـ11437 كيلومتر مربّعا، لا بد من الإطلالة على تاريخ طويل من الصراعات والمصالح. وقد فصّل جزء كبير منها كتاب الصحافي المصري شريف تغيان الصادر عام 2013 بعنوان:” أحلام العظمة القطرية”.
وأبرز ما يمكن اكتشافه في الكتاب الذي وبالرغم من التوجّه المعادي لقطر الذي يظهره الكاتب بلا مورابة، والذي نشر قبل تسلّم الأمير الحالي تميم الحكم إلا أنه يحوي تفاصيل ووثائق مثيرة للإهتمام.
فقد لخّص الكاتب في فصل بعنوان “يد العون القطرية لإزاحة الحكام العرب” مجموعة تفاصيل حول التقاطعات الأميركية القطرية ومشروع الإخوان المسلمين.
وبحسب الكاتب لعبت قطر دورا محوريا في الثورات العربية عبر رئيس مجلس الوزراء القطري ووزير الخارجية السابق الشيخ حمد بن جاسم من سوريا الى ليبيا واليمن وتونس ومصر وصولا الى إرساء مصالحة بين إيرتريا والسودان.
ولعلّ الدور الذي أرادت قطر أن تلعبه وهو يفوق حجمها على مسرح الحوادث الإقليمية والدولية يشبه الى حدّ بعيد تشبيها قاله أخيرا أحد الباحثين الأميركيين في توصيف غضب بقية الدول الخليجية إذ قال: لنتخيل أن تقوم لوكسبورغ بإتفاقيات ومعاهدات تلزم بها الإتحاد الأوروبي عندها لا مناص من أن تثير غضب ألمانيا وفرنسا.
بالعودة الى الكتاب، فقد اخترنا منه موضوعين: يتعلق الأول بالعلاقة القطرية الأميركية وذلك لفهم التردد الأميركي الواضح حيال قطر، والذي برز بشكل جلي بين مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون ومنظومة الدولة الأميركية بمؤسساتها وأبرزها وزارة الدفاع الأميركية، والثاني يتعلق بمصالح الكهرباء والغاز الحيوية لإسرائيل.
الخيار الأميركي
(…) إستثمرت قطر بحسب الكاتب أكثر من مليار دولار أميركي في بناء قاعدة العديد، ما جعل الأميركيين ينقلون معظم قواتهم من السعودية اليها.
الأميركيون من جانبهم فرحوا لفرصة تثبيت تواجدهم في قطر، فإنتاج النفط اليومي للإمارة يبلغ نحو مليون برميل يوميا، ولكن من المتوقع أن تنتهي احتياطات النفط في 2026، ولحظّ قطر فقد اكتشفت أيضا مخزونات كبيرة من الغاز الطبيعي، أخذت أهميته تتصاعد عالميا بسبب مقاييس جودة البيئة، فحجم مخزونات الغاز لدى قطر تقدّر بـ5 حتى 7 في المئة من مخزون الغاز العالمي، والتقديرات هي أنها ستكفي نحو 250 سنة من الإنتاج كمية من الغاز تساوي نحو 100 مليار برميل نفط (…). وبتشجيع من الشيخ حمد بن خليفة (حاكم قطر السابق) أصبحت شركات الطاقة الأميركية شريكا مركزيا في صناعة الغاز القطري على حساب الفرنسيين.
ويشير الكاتب الى أن قاعدة العديد تستضيف معدات وأجهزة أميركية عسكرية تكفي لتسليح لواء في مقابل أن تحصل قطر على الحماية الأميركية وحماية حلف الناتو مما تسميه التهديدات الخارجية المحتملة للدوحة، والتي قال عنها يوما حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وزير الخارجية القطري السابق:” نحن لا نستطيع الدفاع عن قطر إذا قامت قوة كبيرة بمهاجمتنا فنحن بحاجة الى وجود القوات الأميركية والولايات المتحدة الأميركية بحاجة الينا”.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأميركي وليم آركن:” ” تشكل قطر أهم بنية عسكرية في المنطقة وفيها يوجد المقر الميداني للقيادة العسكرية الأميركية المركزية للمنطقة الوسط، (سينتكوم) التي تمتد من آسيا الوسطى وحتى القرن الإفريقي (…).
الغاز القطري
ويتطرق الكاتب الى ملف الكهرباء قائلا بأن إسرائيل لا تزال متخلفة في مجال الكهرباء ولا يزال سكانها يعانون من الإنقطاع المستمر والمتكرر للتيار الكهربائي. ويقول بأن الرفض المصري لربط إسرائيل بشبكة الكهرباء الموحدة في المنطقة كان بمثابة إغلاق باب النجاة الوحيد لأزمتها الكهربائية المزمنة. لذا وضعت إسرائيل الغاز الطبيعي كمورد أول بالنسبة إليها وذلك انطلاقا من اعتبارات عدة منها اشتراطات البيئة والرغبة في عدم استهلاك مساحات كثيرة من الأرض في إقامة مصاف لتكرير البترول إضافة الى تذبذب الأسعار العالمية في بورصات الطاقة. وعلى الرغم من أن إسرائيل قد وقعت إتفاقية لضخ الغاز المصري اليها، فإنها لا تتخذها أساسا تبني عليه حساباتها وخططها الإقتصادية خوفا من أن يتحول الغاز المصري لورقة ضغط سياسي، الى جانب إحتمال الإمتناع عن الضخ أو حدوث أزمة ما. فالسلام البارد بين مصر وإسرائيل لا يمنح الدولة العبرية الشعور بالأمان لتعتمد عليه كليا. ومن الواضح بأن الحسابات الإسرائيلية في استيراد الغاز الطبيعي باتت تضع دول الخليج العربي كهدف أول لها، وعلى رأس تلك الدول تأتي دولة قطر ومخزونها من الغاز إذ تمتلك ثالث إحتياطي على مستوى العالم. ويشير الكاتب الى أن التمثيل الدبلوماسي المتواضع بين قطر وإسرائيل لم يمنع استعداد البلدين لإقامة المشروع الأضخم في المنطقة لاستيراد الغاز القطري واستخدامه كمورد رئيسي للطاقة في الدولة العبرية.
(…) إرهاصات مشروع الغاز بين قطر وإسرائيل بدأت عام 1996 عبر مفاوضات سرية آنذاك بين الإسرائيليين والقطريين برعاية أميركية لاستيراد الغاز القطري المسال بواسطة الناقلات، ثم تفريغه في منطقتي العقبة الأردنية وإيلات قبل ان يتم نقله عبر خط أنابيب ضخم الى البحر المتوسط ومنه الى أوروبا. وكان العراب الأميركي للمشروع في ذلك الوقت هو وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر الذي كان محاميا لشركة إنرون الأميركية والتي كانت ستتولى استخراج الغاز. وقام بيكر كذلك بإدارة المفاوضات بين القطريين والإسرائيليين ومع الجانب الأردني الذي كان يتوقف عليه جانب مهم في تنفيذ المشروع وإنجاحه، لكن المشروع توقف وقتها لحسابات سياسية واقتصادية أعاقت انجازه على أرض الواقع لكن الطموح لتنفيذه لم يتوقف يوما.