“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تميز العيد الوطني الفرنسي لهذه السنة بقدوم سفير فرنسي جديد متمرّس بقضايا الشرق الأوسط هو برونو فوشيه، وبأجواء طغت عليها الموسيقى والرقص والإحتفالات لساعات متقدّمة في ساحات “قصر الصنوبر” التاريخي.
وحضر مئات المدعوين من لبنانيين وفرنسيين مقيمين في لبنان، ومثّل رئيس الجمهورية وزير مكافحة الفساد نقولا تويني، ورئيس المجلس النيابي السيد محمود برّي، ورئيس الحكومة وزير الثقافة غطاس خوري.
هنا النصّ الحرفي لخطاب السفير برونو فوشيه بالمناسبة:
(…)
إنه لمن دواعي السرور العظيم بالنسبة إليّ أن أتواجد بينكم هذا المساء للإحتفال بالعيد الوطني الفرنسي وبالصداقة الفرنسية-اللبنانية.
لو كانت الظروف أكثر إعتياديةً، لكنت قمت بالترحيب بكم في هذا المقرّ الرائع. ولكن هذا المساء، بما أنني وصلت للتوّ واستلمت مهامي، أودّ عوضاً عن ذلك أن أشكركم على الترحيب الحارّ الذي تخصّونني به وعلى عبارات التشجيع الوديّة التي تغدقونها عليّ.
إن أمعنّا في التفكير بالأمر، نجد، في الواقع، أنه لمن الطبيعيّ جداً أن تقوموا أنتم، يا مواطنيّ الأعزاء وأصدقائي اللبنانيين الأعزاء، بإستقبالي هذا المساء في قصر الصنوبر، وليس العكس. فهذا المكان الحافل بالتاريخ والذكريات هو، على حدّ سواء وبالمقدار نفسه، مقرٌّ لفرنسا ومنزلٌ لجميع اللبنانيين لا بل مهدٌ للبنان المعاصر، أي للبنان الذي سنحتفل قريباً بمئويّته سوياً.
أودّ أن أشكر السلطات اللبنانية لأنها أتاحت لي أن أتواجد هنا هذا المساء إذ إنها أتمّت بسرعة الإجراءات الديبلوماسية. أودّ كذلك أن أشكر فريق عمل السفارة بأسره وهو لم يكفّ عن العمل الدؤوب بعد مغادرة إيمانويل بون، الذي أذكره وأفكّر فيه بكلّ صداقة والذي يولي لبنان عناية خاصة للغاية في إطار مهامه الجديدة.
أحيّي جميع اللبنانيين الذين جاؤوا بكثرة للتعبير عن صداقتهم لفرنسا وتمسّكهم بلغتها وثقافتها وقيمها. وأحيّي أيضاً فرنسيي لبنان الذين يعملون بزخم على كافة الأصعدة ويساهمون بالتالي في توطيد الروابط بين فرنسا ولبنان. أودّ هنا أن أخصّ بالشكر ممثّليهم المنتخَبين وجمعياتهم الذين يقومون بعمل ملحوظ.
حضرات السيدات والسادة،
لطالما كان بإمكان اللبنانيين الاتّكال على دعم بلادي، سواء في اللحظات السعيدة أم في الأوقات الصعبة. اليوم، لبنان بحالة أفضل، وفرنسا ستواصل مواكبتها له للمضيّ قدماً نحو مزيد من التحسّن.
على الصعيد السياسي، لقد قطع لبنان شوطاً هاماً. فقد توافقت القوى السياسية على إنتخاب رئيس وتعيين رئيس للوزراء وتشكيل حكومة وإجراء تعيينات على رأس مؤسسات الدولة الرئيسية. وقامت بذلك في إطار لبناني، بمنأى عن التأثيرات الخارجية.
كذلك، في الماضي القريب، تمكنت من إقرار قانون إنتخابي جديد. ومن شأن إجراء الانتخابات النيابية في الوقت المحدد أن يتيح استكمال عملية إعادة إطلاق عجلة المؤسسات والقيام بالإصلاحات التي يحتاج إليها لبنان وينتظرها المواطنون.
إن لبلادي ملء الثقة بقدرة لبنان على مواصلة مساعيه في هذا الاتجاه وهي عازمة على تقديم الدعم اللازم له. هذا ما ستفعله كعضوٍ في الاتحاد الأوروبي، الذي عرض تقديم المساعدة لتنظيم الانتخابات المقبلة. هذا ما ستفعله أيضاً كمؤسسٍ لمجموعة الدعم الدولية، التي تشكّل الضامن للتوافق الدولي من أجل استقرار لبنان. وهذا ما ستفعله كعضوٍ دائم في مجلس الأمن، حيث هي في الصفوف الأمامية للدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله وأمنه.
حضرات السيدات والسادة،
لقد تحسّن الوضع على الصعيد الأمني أيضاً. لذا بإمكاننا أن نُسَرّ بأنّ لبنان لم يتعرّض لأي حادث أمني كبير منذ شهور عديدة. ولكن يجب علينا كذلك أن نبقى متيقّظين لأن هذا الهدوء هذه لا يعود إلى تراجع التهديد بل إلى فعالية الجيش والقوى الأمنية. وقد أكّد تدخّل الجيش مؤخّراً في عرسال واقع هذا التهديد. أريد أن أحيّي قرار فتح تحقيق حول الظروف التي جرت فيها هذه العملية التي كانت ضرورية.
إن فعالية الجيش والقوى الأمنية تثير فينا كلّ الإعجاب وكذلك كلّ الإمتنان لأننا نعلم أنّهم، إذ يحمون لبنان، يساهمون أيضاً في أمن فرنسا. ذلك أنّ الذين ضربوا في برج البراجنة والقاع هم نفسهم الذين ضربوا في باريس، ومنذ عام بالضبط في مدينة نيس.
إنه لمن الطبيعي إذاً أن يأتي التعاون في مجال الأمن في طليعة أولوياتنا. نحن حالياً نقوم بتسليم المعدّات التي وعد بها الرئيس هولاند في شهر نيسان من العام 2016، والتي ستتيح للجيش اللبناني أن يحارب على نحو أفضل المجموعات الجهادية في منطقة عرسال. وسوف نوطّد كذلك تعاوننا التاريخي مع كافة القوى الأمنية في لبنان.
في جنوب لبنان، سوف نبقى منخرطين بشكل تامّ ضمن قوات اليونيفيل. تشكّل الكتيبة الفرنسية أهمّ مشاركةٍ لنا في عمليات حفظ السلام. وهي تمكّن فرنسا من أن تساهم مساهمةً حاسمة في وقف الأعمال العدائية السائد منذ أكثر من عشر سنوات. وتتيح لها أيضاً أن تدعم الحكومة اللبنانية في إرادتها المتمثّلة بممارسة سيادتها على كافة الأراضي اللبنانية. نحن نعرف أنّ مكافحة الإرهاب تستحوذ على قسمٍ هامٍّ من الإمكانيات التي يمكن الاستعانة بها في الجنوب لكننا نتعاون بشكل فاعل مع الجيش اللبناني لكي يكون مستعدّاً على نحو أفضل لتأدية مهمته في هذه المنطقة.
حضرات السيدات والسادة،
كما سبق وقلت، تشكّل الأزمة السورية تحدياً لأمن لبنان. على المستوى الإنساني، يضغط وجود اللاجئين بشكلٍ كبيرٍ على البنى التحتية وتزيد هشاشةً المجتمعات المضيفة.
لا مثيل لسخاء لبنان ولكن قدراته ليست بلا حدود. فرنسا متضامنة مع لبنان وتشارك في الاستجابة الدولية. لقد رفعت من مستوى تدخلها من خلال زيادة تمويلها واستقبال المزيد من اللاجئين. لا يمكن القول بأنّ الاستجابة كافية نظراً إلى الحجم الاستثنائي للأزمة. لكن، يقوم شركاء لبنان بكلّ ما في وسعهم في سبيل تخفيف هذا العبء.
نريد أيضاً أن نعدّ للمستقبل، إذ ليس مُراداً لللاجئين السوريين البقاء في لبنان. العودة المستدامة لللاجئين إلى بلادهم وكذلك إعادة الإعمار الاقتصادي المستدام لسوريا يتطلبان إرساء سلامٍ مستدام هو أيضاً، بمعنى آخر، حلاً سياسياً. نلحظ أنه ثمة بعض العمليات تقام لعودة اللاجئين لكنها تبقى محلية ومحدودة ويبقى تأمين الظروف خطة شاملة للعودة.
حضرات السيدات والسادة،
إذا تبقى فرنسا دوماً إلى جانب اللبنانيين، فقط من أجلهم ومن دون أي أفكار مسبقة، مع هدفٍ وحيدٍ هو أن تكون ذات فائدة لهم، فهذا لأنها تشاطرهم الرؤية نفسها عن لبنان، لبنان المتعدّد، لبنان المتآلف ومتعّدد اللغات والفرنكفوني، المتجذّر في أرضه والمنفتح إلى العالم، لبنان الحديث والمبدع والمبتكر والمبادر.
هي أيضاً الرؤية عن مجتمعٍ يعي بأن الإنسان أي الرأسمال البشري، بالمعنى الأسمى للكلمة، هو أثمن ما لديه من ميزة.
إذ أغادر منصبي كرئيسٍ للمركز الفرنسي، وهو المحرك المعني بالعمل الثقافي الخارجي لفرنسا، أودّ أن أقول لكم بـأنني سأقوم بجهدٍ خاص من أجل تعزيز الأعمال الهيكلية التي تهدف إلى إثراء هذا الرأسمال البشري.
لأنني على يقين بأنه من خلال التعليم والثقافة والعلوم والفنون والتكنولوجيات الجديدة سيجعل اللبنانيون من أنفسهم أفراداً منوّرين وسيبنون لبنان الغد، لبنان الذي يريده اللبنانيون لأجلهم والذي هو أيضاً رسالة للمنطقة وللعالم.
حضرات السيدات والسادة،
مواطنيّ وأصدقائي اللبنانيين الأعزاء،
اليوم، الظروف جدا مؤاتية لتعبّر الصداقة اللبنانية الفرنسية عن نفسها بكل مداها. تعود المؤسسات اللبنانية إلى العمل وفرنسا، التي أصبح لديها هي أيضاً سلطات جديدة، متضامنة أكثر من أي وقتٍ مضى مع شركائها، وتتطلّع للعمل ضمن الاتحاد الأوروبي وملتزمة في العالم.
في هذا السياق جدّ المناسب، أريد أن أؤكّد لكم التزامي الكامل لكي نسخّر معاً أفضل ما في علاقتنا التاريخية وفي التبادلات البشرية المتواصلة فيما بيننا في كلّ المجالات وكذلك في المشاريع التي تأتي من كافة الجهات والأدوات الفريدة من نوعها التي تتمتّع بها الديبلوماسية الفرنسية. باختصار، أريد أن تؤتي علاقنا الاستثنائية أجمل ثمارها.
أتقدّم لكم جميعاً بالتهاني لمناسبة الرابع عشر من تموز وأتوجّه بالشكر الجزيل إلى أوركسترا قوى الأمن الداخلي وإلى السيدة كارولين سولاج اللتين ستؤديان الآن النشيدين الوطنيين.
عاشت فرنسا! عاش لبنان! عاشت الصداقة الفرنسية ــ اللبنانية!