“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
أقرّ مجلس النواب اللبناني القانون الإنتخابي الجديد بعد تأخير دام 4 أعوام منتقلا بلبنان للمرة الأولى من النظام الأكثري الى النسبي، وقد نشر القانون في الجريدة الرسمية في 17 الجاري، وسيتمخض عنه بعد 11 شهرا مجلس نواب جديد منتخب وفق القانون النسبي.
الأبعاد السياسية لإقرار هذا القانون والتساؤلات التي يثيرها لجهة تقسيم الدوائر واعتماد التصويت الفردي عبر الصوت التفضيلي واتباع تقسيمات مناطقية طائفية تثير تساؤلات عدّة.
فهل خطا لبنان خطوة متقدمة عبر قانون الإنتخابات النيابية الجديد على طريق تطبيق إتفاق الطائف ام عاد خطوة الى الوراء؟
تجمع آراء الخبراء على أن أي قانون للإنتخابات هو أفضل من قانون الستين أو من الفراغ أومن اللاقانون أو من اية حالة كنّا سنتجه إليها نتيجة الصراع السياسي.
إن قانون الإنتخابات الحالي الذي أقرّ هو بلا شكّ خطوة متقدمة عن قانون الستين وعن كل القوانين الإنتخابية الأخرى منذ عام 1926 ولغاية اليوم، لأنها المرة الأولى التي يكسر فيها النظام السياسي قاعدة النظام الأكثري ويتجه نحو اعتماد النظام النسبي.
وكان يمكن -بحسب الخبراء- أن تكون هذه الخطوة أفضل لو تمّ الإتفاق على قانون يتم عبره تكبير الدوائر الإنتخابية ولكن المعروف أن أي نظام نسبي سواء كانت الدوائر كبيرة أم صغيرة لا يمكن أن يؤدي المغزى المطلوب منه في ظلّ نظام طائفي.
وبالتالي فإن العقبة الأساسية هي أن التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية هو حاجز أمام تطوير أي نظام سياسي، بالرغم من وجود النسبية.
لكن تطوير هذا النظام السياسي مع النّسبية وإن كان هذا النظام طائفيا أفضل من أن يكون مع نظام أكثري.
ويبدو بأن اعتماد قاعدة النسبية لن يستطيع تطوير النظام السياسي الى الحّد الأقصى المطلوب، بمعنى إنشاء دولة مدنية في ظلّ نظام توزيع طائفي.
أما إذا نجحت هذه الخطوة الأولى أقلّه على دورتين إنتخابيتين على 8 أعوام، وأتت بمجلسين نيابيين منبثقين من نظام نسبي، فقد تتمخض المرحلة الثالثة عن الإنطلاق الى توسيع الدوائر ولو ضمن النظام الطائفي، وربّما في دورة رابعة يمكن الحديث عن انتخابات عبر النظام النسبي دون قيد طائفي.
وحول نصّ اتفاق الطائف على إصلاحات تهدف للخروج من الطائفية السياسية ومنها مجلس شيوخ، وتجاهل القانون لهذا القانون يقول أحد السياسيين المعنيين :”لقد جعلت مقدّمة الدستور من إلغاء الطائفية هدفا وطنيا ونصّت المادّة 22 على استحداث مجلس للشيوخ يمثّل الطوائف مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني. هذه المادّة لم تطبّق بعد، أما المادة 95 فنصت على أن مجلس النواب المنتخب مناصفة بين المسيحيين والمسلمين عليه اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية تبدأ بتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية مهمتها اقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتتحدث المادّة عن مراحل لهذه الخطّة. هذه المادّة أيضا لم تطبّق. أما في شأن تقسيم الدوائر الإنتخابية، فإن المادّة 23 تحدثت عن تقسيم الدوائر الإنتخابية بصورة مطابقة للتقسيم الإداري بعد إعادة النظر بهذا التقسيم. لا شيء واضحا بعد في هذا الصدد لكن المناقشات في الطائف أوحت باتجاه لجعل المحافظة دائرة انتخابية، هنا أيضا لم يطبق الدستور ولم يكن واضحا”.
وتبدو هذه الخلفية مناقضة للنقاش الذي واكب إقرار القانون حول استعادة المسيحيين لحقوقهم فضلا عن اقتراحات حول القانون التأهيلي وانتخاب كل مواطن لنائب من طائفته؟
يقول السياسي الذي رفض الحديث بإسمه:”للأسف أنه عوض الإفادة من اللحظة السياسية من أجل تطوير نظامنا السياسي، فلا يزال نظامنا اللبناني نتيجة الإحتقان المذهبي في المنطقة والطائفي في لبنان نظام اقتسام الجبنة بين زعماء الطوائف.
إن وظيفة قانون الإنتخابات هي تطوير النظام السياسي وأذكر بأن البحث في تطوير النظام السياسي من خلال قانون الإنتخابات قديم وليس حكرا على من درسوه في الآونة الأخيرة. فمنذ عام 2003 طرح النائب محمد الصفدي مع “التكتّل الطرابلسي” مثلا اقتراح قانون على مجلس النواب يعتمد النظام النسبي وتقسيم لبنان الى 5 دوائر هي المحافظات التاريخية التي تعكس في تكوينها تنوّعا ديموغرافيا وطائفيا وجغرافيا هو أقرب الى حقيقية الواقع الإجتماعي في لبنان.
إنّ زيادة عدد الدوائر الإنتخابية وتصغيرها من 5 دوائر الى 15 دائرة يشوّه هذا التنوع ويرسخ الإنتماءات الطائفية التي تتعزز أيضا بالصوت التفضيلي وهو اقرب الى نظام الدائرة الفردية.
للأسف لا يزال العقل السياسي عند المسيحيين وسواهم يصبّ في هذا الإتجاه، وقد يكون هذا الواقع تظهّر بصورة واضحة عند الحزبين المسيحيين اللذين يعتبران في اللاوعي الخاص بهما أنهما يتحملان المسؤولية عمّا جرى للمسيحيين عام 1989 ، هما يحاولان اليوم التعويض عن هذه الخسارة واسترجاع الحقوق، وقد أعادا جزءا منها بالمعنى الطائفي والمذهبي، أما الآخرين فساعدوهم على تظهير هذه الصورة، لأنه في زمن تطبيق الطائف زمن الوصاية السورية كان ثمة تهميش لدور المسيحيين واغتصاب لإرادة الناس من جميع النواحي.
لكن هذا النظام وهذا القانون الإنتخابي هو خطوة على طريق تطوير النظام السياسي، إذ انتقل من الأكثري الى النسبي، وبالرغم من تصغيره للدوائر لكن لا تزال الأقضية الـ15 أفضل بكثير من الدوائر الـ26 الموجودة في الأقضية. إن عتبة التأهيل بدورها (أي الحاصل الإنتخابي على عدد المقاعد)، ستدفع السياسيين والمجتمع الى التكتّل ليشكلوا قوة كبيرة قادرة على الحصول على عتبة التأهيل، وهذا سيأخذنا الى العقلية الحزبية أكثر منها الى العقلية الفردية.
*أي لا دور للأفراد المستقلين؟
-لا يمكن للمستقلين إلا التكتّل في ما بينهم، في لوائح مشتركة ليكونوا قوى انتخابية.
هذا القانون يرغم الناخب على تطوير خياراته السياسية وفقا لعقله وليس لعاطفته، وبالتالي نحن أمام مرحلة تطوير نظام الأحزاب. لذلك فإن الأحزاب الصغرى أو الأفراد ستكون لهم حظوظ أقل، إلا إذا تكتلت وقامت بأمر ما”.
ويجمع أكثر من خبير انتخابي على أنه يمكن انتقاد القانون لكن لا يمكن لأحد باستثناء حركة أمل وحزب الله ان يجاهر منذ الآن بتحالفاته في اعلان رسمي، لأن الأحزاب السياسية أقرت القانون لكنها لم تدرس نتائجه بعد، اي أن هذه الأحزاب لا تعرف أين سيكون اتجاه الناخب. لذا تتريث حتى في إعلان تحالفاتها. إن الدائرة الجغرافية الخاصة بحركة أمل أو بحزب الله سواء كانت البقاع أو الجنوب، هي دائرة تتيح لهما منذ الآن إعلان التحالف من دون معرفة معالم هذا التحالف. إن الجغرافيا الإنتخابية لهذين الحزبين تسمح لهما منذ الآن الإعلان أنهما سيكونان معا وسويا في الإنتخابات. واي أحزاب أخرى لن تجرؤ على إعلان تحالفاتها منذ الآن.
وهذه من فوائد النسبية التي “تخضّ” الأحزاب لتدفعها الى اتخاذ خيارات في السياسة واختيار مرشحين يتمتعون بجاذبية ومشروعية”.