“مصدر دبلوماسي”
ليبيا- أحمد الفيتوري:
قلما تشاء….
وأكتب بخط التاج ما نحت الشقاء
فينا، وقل متخاذلون،
جبناء ماتت في عروق قلوبهم همم الرجال
أنا قد هربت،
وتركت أحذيتي ورائي،
وتركت خلف الجسر صوت إذاعة الشرق القتيل
قل ما تشاء، أنا عميل
متخاذل، حاف، يجر وراءه عارا جديدا
قل ما تريد
لكنما أنا لن أموت
أبدا لتركب جثتي للنصر … لا … أنا لن أموت
1-
صبيا في الثانية عشر كنت، لما اقترح علينا صديقنا الذي يكبرني بسنوات أربع، أن نُهاجم “المستشفى العسكري”،باعتباره معسكر القوات الإنجليزية في مدينتي “بنغازي”، ساعتها حرب 5 حزيران “يونيو” 1967م قد اندلعت بين جيش دولة الصهاينة “إسرائيل” والجيوش العربية (مصر وسوريا والأردن)!، قال نعد قنبلة “مولوتوف” ونقذفها فيالمعسكر، “مولوتوف” بدا لي كما كلمة “بولو بيف” التي عرفت حينها أنها تعنى علبة لحم، أما المعسكر فهو قريب من بيتنا بمسافة مشي عشرة دقائق، سمعت أنه معسكر انجليزي وأنه قاعدة استعمارية منحها النظام الملكي الرجعي كسكين في ظهر “ناصر”، ناصر: “جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة” حبيب الجماهير،من كنا ساعتها نقلده مهوسين به كزعيم عربي بطل كما في أفلام الكاو بوي المنتشرة حينها، وقد قلدناه في أيما شيء بالتحديد في الملبس حيث انتشرت بدلة عسكرية في الأسواق للصبيان تباع في الأعياد بالتخصيص.
-البترول من أرضنا يحلبهُ الانجليز والامريكان من يدعمون العدو ونحن نتفرج لا ناقة لنا ،ولا جمل: أو كما قال صديقنا
فشلت عملية تفجير المعسكر لأن الهزيمة هيمنت أخبارها على كل شيء، لما قيل إن المعسكر أُخلي من المدرعات الإنجليزية وسلم للجيش الليبي فكرنا أن نتطوع كجنود لاسترداد الكرامة، للنهوض من “النكسة” كما كنيت حرب حزيران في ميديا وأدبيات ذلك الزمان. خرجت مظاهرات طلابية في المدينة شاركنا على حاشيتها أي فرادى أو مجموعات صغيرة، في الحي “الصابري” هتفنا ضد الملك : “ابليس ولا ادريس“ ، وادريس باعتبار أن اسم الملك وقعه جاب ابليس، طاردتنا الشرطة عن بعد صارخين : ” كنداري طاقيته سفنزة” ، كنداري كناية عن البوليس الذي يلبس طاقية هي عبارة عن “فطيرة“، حينها في البلاد كانت الشرطة، خاصة منها ما عرف بـ “القوة المتحركة”، أهم ما فيتركيبة الدولة من الجيش الصغير ما دوره شكلي واستعراضي، وذا محط احتجاج الكثير من الليبيين ضد النظام الملكي الحاكم آنذاك.
2-
5 حزيران / حرب الأيام الستة / نكسة يونيو، دمغها الشاعر نزار القباني في قصيدة “هوامش على دفتر النكسة” هذه الهوامش، كانت نكسة حزيران دامغة حتى النخاع: الهزيمة تجرعها العرب كالسم الزُعاف، فرّخ “حزيران“ “حزيرانات“وأمسى بـ “صبيان وبنات”: مطلبنا الصبياني لمواجهة النكسة تحقق، فإذا قادة الانقلابات العسكرية في مصر وسوريا حققوا الهزيمة في 5 حزيران 1967م فإن الهزيمة فرخت انقلابات، في الفاتح من سبتمبر 1969م قام “الملازم أول معمر محمد بومنيار القذافي” بانقلاب عسكري في ليبيا على النظام المدني الملكي “الرجعي” ما بات “النظام البائد“.
كنت في الخامسة عشر حين خرجت مُتظاهرا مزهوا بتحقق مطلبي، مطلب الشعب: “ابليس ولا ادريس”، لقد رأيت كيف أن النكسة في ليبيا محققة للأحلام الصبيانية وفي عُجالة، لهذا كنا نهتف بخيلاء في الشوارع فرحين أننا حققنا المنّ ما سيأتي بالسلوى، بعيد سنتين فقط انتقمنا وأخذنا ثأرنا من “5 حزيران”. كمراهق عجول خرقتُ حالة منع التجول، ما أعلن منذ فجر الانقلاب، وعلى كتفي رفعت صديقي، من اقترح علينا العملية الإرهابية الفاشلة، من أخذ يهتف: ثورة، ثورة على المستعمر وعميله، حينها لم أتفطن لما سأهتف به : الثورة مستمرة والخائن يطلع بره، هذا كان عقب الانقلاب بشهرين تقريبا، حيث اتهم بعض من قادة الانقلاب بالخيانة والتدبير لانقلاب مضاد : موسي أحمد والحواز عود وقيد وجالوني قاز، نردد اسمين لشخصين مطالبين بحرقهما،وهما كانا منذ أيام من أبطالنا : موسي أحمد وزير داخلية ثورة الفاتح من سبتمبر وأدم الحواز وزير الدفاع، منذها غدونا هاتفين ولم تبحّ حناجرنا لأربعين سنة ويزيد : الثورة مستمرة والخائن يطلع بره.
3 –
زرع 5 حزيران في ليبيا ما حصدتهُ في الفاتح من سبتمبر، وحتى الساعة.
50 سنة ذكرى 5 حزيران 1967م والحصاد مُستمر مثلما هُتاف مراهقتنا : الثورة مستمرة …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ