“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا الموضوع الذي نشرته مجلة “نيوزويك” في الخليج في عددها الأخير في شهر أيار الجاري، علما بأن هذا التقرير يعود الى ما قبل شهر وقد تمّ التأخير بنشره لأسباب تقنية تخص المجلة، لذا اقتضى الإيضاح .
ظهر الغاز والنفط في دول شرق المتوسط من لبنان وسوريا وقبرص وإسرائيل ومصر ليظهّر معه نزاعات جديدة قد تشي بحروب مستقبلية ستكون هذه المرّة على خزّانات الغاز في الأحواض المائية المشتركة أي “الأوفشور”.
ويبدو لبنان ذي الأحواض المشتركة مع إسرائيل وسوريا وقبرص نموذجا للمخاطر الكامنة التي تتهدّد المنطقة بسبب هذه الثروة والتي لن يعرف حجمها الحقيقي قبل القيام بعمليات التنقيب والحفر.
ولعلّ لبنان الذي ينوء بدين عام يفوق الـ70 مليار دولار هو الأكثر حاجة لعائدات الغاز والنفط.
وبعد أن كان لبنان الأكثر بطءا في مسار تطوير قطاع النفط والغاز، أقرّت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري في جلستها الأولى يوم (4 كانون الثاني 2017) المرسومين اللازمين الذي أدى عدم إقرارهما الى تعطيل تطوير قطاع النّفط والغاز منذ عام 2013.
يتعلق المرسوم الأول بتقسيم المواقع النفطية الإستكشافية (بلوكات النّفط) والثاني يتعلّق بدفاتر الشروط ودورة التراخيص وبإتفاقية الإستكشاف. ومن المنتظر أن يقر البرلمان اللبناني قانون الضريبة النفطية من دون أي تأخير والتصديق عليه وهو بدوره يشكل خطوة حاسمة للبنان لتحقيق التوازن بين زيادة الإيرادات العامّة الى حدّها الأقصى وتشجيع الإستثمار في قطاع الغاز والنّفط.
بالرغم من ذلك ثمّة أشواط بعد لبدء التنقيب وإنتاج الغاز وخطوات جمّة مطلوبة، في هذا الإطار يقول وزير الطاقة والمياه الجديد سيزار أبي خليل لـ”نيوزويك”: إن الوقت الذي سنحتاجه للوصول الى توقيع العقود قد يصل الى 9 اشهر في حال أنجزت كل الخطوات اللازمة بالوقت اللازم لها، بعد توقيع العقود توجد فترة إستكشاف هي تمتدّ الى 5 أعوام”. لكنّه يردف:” إن جزءا من الأعمال التي من المفترض أن تنجز في فترة الإستكشاف وهي إجراء المسوحات الجيوفيزيائية الثنائية والثلاثية الأبعاد وتحليل البيانات الجيوفيزيائية ودراستها، وتحليل نماذج الهيكليات الموجودة كلها قد تمّ سابقا وهذا من شأنه إختصار فترة الإستكشاف الى سنة ونصف، تبدأ بعدها عمليات الحفر وبعدها الإنتاج”.
أسئلة كثيرة تطرح حول إدارة هذا القطاع الجديد في لبنان وخصوصا وأن منافسيه يعملون ليل نهار، وإذا كان لبنان يعدّ لدورة تراخيص جديدة، فإن إسرائيل وقبرص سبقاه بأشواط.
الى ذلك، ثمة أسئلة رئيسية تطرح في لبنان حول وضع آلية لاستثمار عائدات ثروة النفط والغاز وإدماجها في الإقتصاد، أو في التفاوض مع إسرائيل حول المنطقة المتنازع عليها أو في التفتيش عن أسواق لتصريف الثروة الموعودة، فضلا عن أسئلة رئيسية عن الشفافية في إدارة الموارد النفط والغاز.
النزاع الحدودي مع إسرائيل:
سيكون الغاز مادّة الطاقة الرئيسية في القرن الـ21 وهو البديل لتراجع إحتياط النفط عالميا ولتخفيف التلوث بحسب ما أقرّت قمّة التغيير المناخي في فرنسا بداية سنة 2016
والتي عرفت بـCop 21(
وتركز القوى العالمية إهتمامها على البلدان المرشحة لاستخدام الغاز وخصوصا في شرق المتوسط، ويأتي لبنان ضمن هذه البلدان.
يمتلك لبنان 10 بلوكات نفطية، ثمانية منها محددة جغرافياً، وسيبدأ العمل تدريجيا بـ5 منها بحسب أبي خليل، أما البلوكين 8 و9 الواقعين في مرمى الأطماع الإسرائيلية لتواجدهما في المنطقة البحرية المتنازع عليها، فيتوقف حلّ مشكلتهما على إنجاز عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
أما المشكلة الأخرى التي تواجه البلد فهي الخطأ في ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية الخالصة بينه وبين قبرص. وقد استغلت إسرائيل هذا الخطأ ووقعت اتفاقية مع قبرص قضمت فيها حوالى 5 كيلومترات من الحقوق اللبنانية. لكن للأسف فإن الاتفاق تمّ ولم يعد بإمكان لبنان الطعن سوى بالعودة للأمم المتحدة والمحكمة الدولية.
السائد في المقاربة اللبنانية لهذا الملفّ هو التركيز دوما على مخاطر العوامل الخارجية وأبرزها على الإطلاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والتي عقدتها أكثر الإتفاقية المذكورة بين لبنان وقبرص (عام 2007) والتي استخدم فيها لبنان النقطة رقم (1) لحدوده البحرية قبل استكمال ترسيم منطقته الإقتصادية الخالصة، وقد اعتمدت الإتفاقية الإسرائيلية- القبرصية عام 2010 النقطة رقم (1) التي حددها لبنان، الذي ما لبث وأن بدّلها بالنقطة (23) بعد استكمال الترسيم، وأرسل الإحداثيات الى الأمم المتحدة، ما خلق منطقة نزاع مع إسرائيل مساحتها 870 كيلومتر مربّع هي المنطقة المتنازع عليها.
في هذا الإطار تقول مستشارة المخاطر السياسية والخبيرة في ملف الغاز والنفط في مركز الدراسات
MESP-
Political risk consultant at Middle East Strategic Perspectives
منى سكّرية لـ”نيوزويك”: “إن النزاع الذي نشأ مع إسرائيل حول النقطة الثلاثية اللبنانية- القبرصية- الإسرائيلية جنوبا، والتي نتج عنها مثلث بحوالي 870 كيلومتر مربّع يضاعف المخاطر الأمنية في المنطقة. فلبنان بمقاومته ودولته ملتزم بحقه في ردع اسرائيل في حال الانتقاص من حقوقه النفطية كما هو ملتزم الرد على اي اعتداء على المناطق التي يعتبرها واقعة ضمن منطقته الاقتصادية الخالصة، وهذا ما اكده مرارا امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله”. تضيف سكّرية: “بسبب حال الصراع اللبناني- الإسرائيلي وعدم وجود علاقات مباشرة بين البلدين، فقد تدخّل الأميركيون على خط الوساطة عبر فريديريك هوف أولا ثم آموس هوكستين الذي تابع الملف في السنوات الماضية خلال عهد الرئيس باراك أوباما”.
الوساطة الأميركية
يقول المهندس فؤاد مخزومي الذي يمتلك شركة مختصة في هذا الملف وينظم سنويا مؤتمرا دوليا حول قطاعي الغاز والنفط يدعو إليه شخصيات دولية: “نحن دعونا المبعوث الخاص لشؤون الطاقة الدولية آموس هوكستين إلى مؤتمر النفط والغاز الذي عقدناه في الـESA أوائل هذا العام (2016) وقد رفض في بادئ الأمر المجيء إلى لبنان، لكننا أصرينا على قدومه، وقد دعا هوكستين إلى عدم طرح البلوك 8 في المناقصة النفطية، وبالمقابل تضغط أميركا على إسرائيل ألا تطرح البلوك الموازي للحدود اللبنانية. وهنا تقع المشكلة، فكيف للبنان أن يعترف مسبقاً بحقوق إسرائيل في هذا الملف. الأمر الذي ترفضه القوى السياسية اللبنانية كافة؟علماً أن الشركات الدولية لن تدخل أي مناقصة تعتريها المشاكل السياسية. وطرحت الشركات الروسية أيضاً التدخل في الملف النفطي من خلال تفاوضها مباشرة مع إسرائيل وإعطائها كل من لبنان وإسرائيل حصته. لكن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري طرح من جهته ضرورة ترسيم الحدود قبل الدخول في كل هذه البازارات. وأخذت الأمم المتحدة على عاتقها ترسيم الحدود لكن رئيس مجلس النواب فضل أن تقوم اليونيفيل بهذا الدور لكي لا يقع لبنان ضحية ترسيم غير عادل من قبل جهات لديها ميول لطرف أكثر من الآخر. ومن جهتنا نوافق تماماً على موقف بري”.
مخاطر “شفط النفط اللبناني”
حدّد لبنان 10 بلوكات بحرية للتنقيب فيها، وقد بقي الأمر هادئا الى ما قبل شهر إذ حدث تطوّر خطر يهدّد الحقول النفطية المشتركة مع إسرائيل وخصوصا في البلوكين الجنوبيين 8 و9 . في هذا الإطار تقول المسؤولة عن الدراسات الجيولوجية ودراسة المخاطر في معهد حوكمة الموارد الطبيعية
National resource governance Institute
لوري هايتايان بأن الحكومة الإسرائيلية وافقت على أن تمتلك الشركة اليونانية “إنرجيان”
Energean لحقلي “كاريش” و”تانين”، ومنحت الشركة المذكورة مهلة 6 أشهر لتطوير هذين الحقلين حيث من المتوقع أن يبدأ إنتاج الغاز فيهما في 2020.
وتشير هايتايان الى أن الخطورة في هذا المجال تكمن في أن هذين الحقلين يقعان على بعد 5 كيلومترات عن الحدود مع لبنان، وثمّة خزّان مشترك لحقل “كاريش” الذي وصف بأنه “بوابة سرقة الغاز اللبناني” مع لبنان، وبالتالي فإن بدء الإنتاج يعني أن إسرائيل سوف تفيد من الثروة الخاصة بلبنان لا محالة ما يؤكد عمليا مقولة أن إسرائيل قادرة على سرقة الغاز اللبناني.
وتشير معلومات هايتايان الى أن هذين الحقلين صغيرين وقد وافقت الحكومة الإسرائيلية على تلزيمهما للشركة اليونانية بسبب أزمة أسعار الغاز والكهرباء التي نشأت جرّاء احتكار شركتي “نوبل إنرجي” الأميركية و”ديليك” الإسرائيلية لحقول الغاز برمّتها ما أثار نقمة لدى المستهلك الإسرائيلي، فاضطرت الحكومة الى بيع حصص من حقل “تامار” بالإضافة الى حقلي “كاريش” و”تانين” فاتحة المجال للشركة اليونانية. علما بأن إسرائيل فتحت أخيرا جولة تراخيص ثالثة للشركات المنتجة والمنقبة عن النفط والغاز”.
والسؤال المطروح بحسب هايتايان: إذا بدأت إسرائيل بالإنتاج من حقل “كاريش” فماذا سيكون موقف لبنان، وإذا امتلك لبنان الدلائل بأن الخزان مشترك فلمن سيلجأ وهو غير قادر على اللجوء الى المحكمة الدولية لأنه لا يعترف بإسرائيل؟
تقول منى سكرية بأن عمل شركة “إنرجيان” لن يكون بهذه السهولة، تشرح:
ليس الخطر محدقا وداهما. إن هذين الحقلين صغيرين، القريب من الحدود اللبنانية هو كاريش، الذي يبعد حوالي 5 كيلومترات عن الحدود في أقرب نقطة له.
بما أن الشركة اليونانية ملزمة على البيع للسوق الإسرائيلي وتقريبا هذا السوق متخم، بالتالي قد لا تحصل عملية إستخراج الغاز بسرعة من حقلي كاريش وتانين.
الأمر الآخر أن الشركة اليونانية ليس لديها خبرة بحفر آبار عميقة الى هذا الحدّ، وبالتالي ستكون أول تجربة لها، كما أن وضعها المالي ليس جيدا جدّا. وبالتالي ثمّة شكوك بأن تتمكّن لوحدها من القيام بعملية الحفر، لذا ثمة توقعات بأن تجري البحث عن شركاء لها. وهذا قد يتطلب وقتا.
وبالتالي لا أعتقد بأن عملية إستخراج الغاز من كاريش وتانين باتت قريبة. لكن ستكون في المدى المتوسط وليس القريب”.
النزاع الحدودي مع سوريا
أما مع سوريا فثمة نزاع حدودي وهو مؤجل بفعل الحرب الدائرة هناك. تقول منى سكرية: “لا نعرف إن كانت توجد أحواض مشتركة مع سوريا لأنه لم يتمّ الحفر. لكن همنالك بعض المؤشرات قد تنذر بخلاف حدودي ومنها أن السوريون أبدوا ملاحظات على الإتفاق اللبناني مع قبرص، وأعربوا عن أنهم ليسوا راضين تماما على تحديد النقطة الثلاثية تماما كما الإسرائيليين جنوبا. علماً ان لبنان وسوريا بدآ مفاوضات قبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب السورية عام 2011 بعدها تجمّد الموضوع”.
التفتيش عن أسواق
الواقع هو أن إسرائيل تفتّش بإجتهاد عن أسواق جديدة لتصريف منتجاتها من الغاز والنفط،
بل هي بدأت الإستثمار في حقلي تامار وليفتان (الأكبر) وذلك بهدف خدمة السوق الداخلية وتريد إسرائيل تطوير حقل ليفتان لكنها قبل ذلك هي تحتاج الى إيجاد أسواق. وبعد فشل الخطة القبرصية بإنشاء
LNG plant
لم يبق من خيار لإسرائيل إلا نقل غازها عبر الأنابيب. ووجدت إسرائيل أن الطريق الأسهل تكون عبر تركيا فقامت بتخطي المشكلة السياسية التي نشأت مع أنقرة التي جمّدت العلاقات بين البلدين بإيعاز من بنيامين نتنياهو الذي يضع هذا الملف ضمن أولوياته. تمت المصالحة الإسرائيلية التركية سياسيا في حين أن باطنها يتعلق بنقل الغاز الى أوروبا. هنا اعترضت قبرص على تمرير خطّ الأنابيب عبر مياهها الإقليمية رافضة التعاون بسبب خلاقها مع تركيا على الجزء التركي من قبرص، واستفادت من المخطط الإسرائيلي التركي لتمارس الضغط على أنقرة لكي تقبل بالحلّ السلمي بين قبرص اليونانية وقبرص التركية.
وبالتالي تجمّد أيضا خطّ الأنابيب عبر تركيا الى أوروبا راهنا.
لكنّ إسرائيل لم تيأس من إجتراح الحلول لتصريف غازها قبل الشروع في تطوير حقل ليفتان، وهي شرّعت خطوط التواصل والتعاون مع قبرص واليونان، وتعمل على خطّ أنابيب آخر يمتدّ من إسرائيل مرورا بقبرص فاليونان وصولا الى أوروبا.
يواجه هذا الأنبوب مشكلات أبرزها أنه يمتدّ على مسافة 1300 كلم من الأنابيب في البحر على مستويات عميقة وبالتالي فإن تكلفته عالية جدّا بحسب دراسات الإتحاد الأوروبي ويقال بأنه يكلّف 6 مليارات دولار في أقل تقدير.
الرهان في نجاح هذا المشروع هو أن أوروبا تريد تنويع مصادر الطاقة كي لا تبقى تحت رحمة الغاز الروسي، وهي تفتش عن خيارات للأمن الطاقي، وبالتالي قد يقدم الإتحاد الأوروبي على تمويل هذا الأنبوب.
وثمة قدرة سياسية لقبرص واليونان على التأثير على الإتحاد الأوروبي في هذا الموضوع.
وأخيرا تم عقد إجتماع في القدس بين الرئيس القبرصي ونتنياهو وكان ايضا رئيس الوزراء اليوناني وأبرز مخرجات الإجتماع كانت الضغط على الإتحاد الأوروبي لتمويل هذا الأنبوب من إسرائيل الى قبرص واليونان.
خيار ثالث تقوم به إسرائيل هو قيامها بمفاوضات مع “بريتيش بيترولوم” و” إيني” الإيطالية كي تتمكّن من نقل الغاز عبر تقمية الـ
LNG
فترسله من مصر الى إيطاليا وأوروبا.
في الوقت عينه وقعت إسرائيل أول عقد مع شركة الكهرباء الأردنية لمدّها بالغاز من حقل ليفتان
Levithan
حتى السوق العربية الخاصّة.
وهذا العقد سياسي بإمتياز
والأسئلة المطروحة لبنانيا بحسب الخبيرة هايتايان: إذا أنتج لبنان الغاز كيف سينقله؟ وممن سيشتري الأردن منه أو من إسرائيل؟
سؤال برسم المعنيين وخصوصا وأن إسرائيل العاملة ليلا نهارا للبحث عن حلول لتسويق غازها تساعد لجولة التراخيص الأولى تنتهي في منتصف 2017 بغية إيجاد شركات جديدة لتطوير حقل ليفتان والبحث عن حقول جديدة
معضلة الفساد اللبناني
الى جانب هذه المخاطر الخارجية فثمّة عرقلة سياسية لبنانية داخلية بسبب المحاصصة والفساد السائدين في الإدارة اللبنانية.
كارول نخلة المديرة العامّة لشركة “كريستول إرنجي” في لندن،
تقول بأنه بعد إقرار المرسومين أخيرا من قبل الحكومة اللبنانية “ستنظر الشركات الى مضمون هذه المراسيم والقوانين وهل تصب في صالحها أم لا وعلى هذا الأساس يقررون الإنخراط في الإستثمار أم لا”.
تشير نخلة: بالتأكيد فإنّ المعوقات السياسية تزيد من حجم المخاطر، لكنّ المستثمرين في الغاز والنفط يذهبون عادة الى أماكن خطرة جدّا، وبالتالي هم معتادون على هذا الأمر. لكن الأهم إذا كانت هذه المخاطرة تبرر المكتسبات التي سيجنونها، فهم يوازنون بين المخاطر والمكتسبات.
تشير نخلة الى أن ما من رقم أكيد لحجم الثروة من الغاز في الأوفشور اللبناني، لكنّ للمهندس فؤاد مخزومي رأي آخر، يقول:
المؤكد اليوم أن لبنان يمتلك احتياطات نفطية، خصوصاً في البحر الذي يعوم على نسبة من الغاز تفوق النفط المتواجد بنسبة أكبر في البرّ. لكن ما يطالب به اللبنانيين هو معرفة حجم المخزون النفطي، علماً أن الكثير من الأبحاث أجريت بهذا الخصوص، وقيل أن لبنان يحتوي على 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة به. كل تلك الدراسات ما هي إلا تفاصيل لأن الأكيد هو ما أظهرته أوائل هذا العام دراسة قديمة أعدتها بريطانيا لكنها لم تسلم للحكومة اللبنانية لأنها لم تدفع كلفتها آنذاك. وخلصت هذه الدراسة إلى أن كمية الغاز المتواجدة في كل من لبنان وسوريا وقبرص تفوق كل النسب التي تحدثت عنها الدراسات والتوقعات التي انتشرت مؤخراً.
الى ذلك ثمة معوقات لوجستية،
تقول نخلة: “لناحية البنى التحتية، ليس لدى لبنان بعد أي أنبوب ممدود ولا أية منصة للنفط والغاز، ولا اية قدرة لاستخراج النفط والغاز.
الى ذلك، إن أسعار النفط والغاز ليست مرتفعة بشكل كبير، قد يحصل إرتفاع قليل بالأسعاء بعد الإتفاق في أوبك، لكن هل سيكون كافيا.
الى ذلك توجد منافسة كبرى فالشركات خففت من مصاريفها واستثماراتها في شؤون الإستكشافات.
إذا أخذنا هذه العوامل بالإعتبار وأضفنا إليهم المخاطر السياسية نجد أن لبنان بلد المخاطرة عنده عالية، ولكن هذا لا يعني أن لا يكون فيه إستثمار. وهنا نعود الى أن الأمر يتعلق بما ستقدمه الدولة اللبنانية لهذه الشركات”.
صندوق سيادي…والدين العام أولوية
يؤكد جميع الخبراء أن الثروة ستكون مهمة للبنان إذا تمّ استثمار الأموال بشكل جيد، في بلد بلغ مرتبة متقدمة من الفساد الإداري والسياسي، وهنا يقترح مخزومي:
في بلد مثل لبنان، له تجارب مريرة مع المحاصصة في الموارد، على المجتمع المدني ممارسة الضغوط وصولاً للحفاظ على هذه الثروة. فالهدف من إنشاء الصندوق السيادي هو إدارة العائدات النفطية. لذلك من المهم إصدار قانون خاص يحدد نظام إدارة الصندوق ووجهة استثمار العائدات وتوظيفها واستعمالها على أن يكون مستقلاً عن الميزانية العامة للدولة، بشكل يؤمن المحافظة على العائدات النفطية والغازية لمشاريع استثمارية طويلة الأمد. وكل هذا يكون بالطبع تحت إشراف خبراء وقانونيين واقتصاديين وهيئات المجتمع المدني، وتقع على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن سيادته لجعله مستقلاً عن أية جهة سياسية تحاول التدخل أو تمرير الصفقات والمحاصصات. كما أنه من الضروري أن يكون على رأس الصندوق السيادي مجلس أمناء على غرار البنك المركزي، على أن يكون رئيسه مديراً إدارياً لا يمتلك السلطة التنفيذية التي تمكنه من اتخاذ القرارات. والأهم أن يكون للمجتمع المدني دور فعّال، لذا علينا أن نصرّ على تفعيل دور هذا المجتمع لجعله جزءاً من السلطة، حيث يستطيع المحاسبة والرقابة وبالتالي الحؤول دون استئثار السياسيين بالقرار.
يجيب وزير الطاقة سيزار أبي خليل على هذا الطرح بقوله:
إن دفتر الشروط الذي أقرّ من قبل مجلس الوزراء من ضمن المرسومين تمّت مراجعته من قبل صندوق النقد الدولي، وكان تقريره إيجابيا جدّا، كذلك تمّت مراجعته من البنك الدّولي وكان تقريره بذات الأهمية، وتمّت مراجعته من عدة منظمات دولية وتبين أنه يتماشى مع المعايير الدولية للشفافية، بأنشطة إستخراج النفط، وتمّت مراجعته أيضا من
INRGI
في أميركا، وكان التقرير مشرّفا، في هذا المجال أستطيع القول إن القانون 132 ينص على أن العائدات ستوضع في صندوق سيادي لخدمة الأجيال القادمة، والصندوق السيادي قانون إنشائه بات متقدما وتعمل عليه هيئة إدارة قطاع النفط والبترول”
لا تبدو نخلة متفائلة كثيرا بما ستؤول اليه الأمور:” هذا لا يعني أن المشاكل حلّت لأن السؤال كيف ستتم إدارة هذا الصندوق. وبالتالي يجب أخذ كل هذه الأمور بالإعتبار لقياس مدى فائدة هذه الثروة”.
حتى لو أزيلت كل هذه المعوقات الصعبة، تقول نخلة:”
” أشبّه الأمر في لبنان بمن ربح ورقة “يانصيب”، لكنني لم أعرف كثيرا من الأشخاص الذين ربحوا اليانصيب واستطاعوا الحفاظ على الثروة، وبالتالي الرهان في كيفية إدارتها واستثمارها وهنا لدينا علامات إستفهام كبرى بسبب سوء الإدارة والهدر وعدم وجود مشاريع مخطط لها وتدخل في الخريطة الإقتصادية للبلد”.
مارلين خليفة