“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تغادر اليوم الأربعاء لبنان سفيرة إسبانيا ميلاغروس هيرناندو عائدة الى الإدارة المركزية في وزارة الخارجية في مدريد بعد مرور قرابة الخمسة أعوام في بيروت. الدبلوماسية الإسبانية الفائقة اللطف تقدّم في آخر حوار لها خصّت به موقع “مصدر دبلوماسي” رؤيتها للسياسة اللبنانية حيث اكتشفت أنّ ما يتمّ تقديمه من صورة للجمهور اللبناني حول المفاوضات السياسية مختلف عن الواقع، وهو أحد اسباب انسداد الأفق الدائم بحسب تحليلها. وترى السفيرة هيرناندو بأن قانون الإنتخابات النيابية الموعدود في لبنان لا يمكن أن يكون مثاليا، لكنّ أي تغيير صعب إذا كان كلّ طرف لبناني يريد الحفاظ على سلطته. في “قصر شهاب” التاريخي في الحدث، تحدثت هيرناندو عن حبها للثقافة اللبنانية وهي تشعر أنها لم تتعمق كما ترغب بهذه الثقافة، وكيف لها ذلك وهي أمضت فترات علاج طويلة لم تنته بعد بسبب المرض الذي منعها من إستقبال ملك بلادها أثناء زيارته الى لبنان بعد ان هيّأت تفاصيل الزيارة برمّتها.
شجاعة ميلاغروس هيرناندو- أو “ميلا” كما ترغب بمناداتها- في مواجهة المرض يعجز عنها الوصف، الطاقة الإيجابية التي تنثرها حولها لا تشي بمعاناتها، إبتسامتها تضيء كل الأسى الذي مرت ولمّا تزل. لذا لا تخطط ميلا لأمور بعيدة الأمد فور عودتها، وخصوصا بعد أن أجابها الطبيب المختص في آخر معاينة لها بأن وضعها الصحي لا يدعو للقلق لكنه أيضا لا يدعو للإرتياح.
هنا نصّ الحوار:
ما هي إنطباعاتك الأولى والأخيرة عن لبنان بعد مرور 5 أعوام على خدمتك فيه؟
إن الإنطباع العام يتعلق بحسن ضيافة وانفتاح الشعب اللبناني، وقد جئت الى بيروت عام 2012، حيث خطت الحرب السورية أولى خطواتها، وبدأت البلبلة تسود في لبنان بسبب القلق على الإستقرار، وكانت لدينا كإسبان تساؤلات إن كانت مهمتنا في نطاق “اليونيفيل” ستستمر في لبنان.
وسط هذه البلبلة السياسية والأمنية، كان يسود مناخ آخر يتعلق بمهرجانات الصيف حيث تعرفت الى مهرجانات بعلبك وبيت الدين، وأمضيت الصيف متنقلة من مهرجان الى آخر، وأحببت هذا المناخ وسط الغليان السائد. كذلك تعرفت الى مناطق لبنانية عدة من صيدا الى الأرز وطرابلس وبعلبك ودعوت كثرا من عائلتي وأصدقائي الذين كانوا يرغبون بزيارة لبنان.
من الناحية السياسية، كان يوجد رئيس جمهورية عام 2012 وحكومة وشعرت أن الإدارة اللبنانية فاعلة، وكان يترتب عليّ وضع استراتيجية للعمل ليس على الصعيد الثنائي فحسب ولكن ايضا على الصعيد الأوروبي ومع الأمم المتحدة. وبعد أن تحولت الحكومة الى تصريف الأعمال بدأنا نشعر بشيء من الإنسداد الذي قد يؤدي اليه النظام اللبناني. وبعد 5 أعوام، أعتقد أن المجتمع اللبناني ممتاز بالنسبة الى الأجانب بانفتاحه وبحسن ضيافته وقدرته على الحوار.
سياسيا، تولد لدي شعور بأن الإدارة السياسية والأجهزة الأمنية تحديدا قادرة على السيطرة على الوضع الأمني ومنح المجتمع اللبناني مناخا من الأمن والإستقرار وخصوصا وأن هذا المجتمع لا يريد مواجهات، من هنا تتجه القوى المختلفة دوما صوب التسويات.
كيف تقرئين الإنسداد في أفق عمل المؤسسات اللبنانية الذي يحصل بين الفينة والأخرى وآخر ظواهره عدم الإتفاق على قانون جديد للإنتخابات النيابية؟
صحيح أن النظام اللبناني يتسلّح بقوّة أنه قادر أن يكون نظاما توافقيا، لكن الأكيد أن ثمة مراحل طويلة تمرّ قبل الوصول الى تسوية يتفق عليها الأفرقاء. أنا متأكدة أنه يمكن الوصول الى قانون للإنتخابات، وهذا أمر حاصل برأيي، لكنني مقتنعة أنه لن يكون قانونا إنتخابيا مثاليا لأنه لا يوجد في العالم أجمع قانون مثالي. فجنّة القوانين الإنتخابية ليست موجودة. وكل بلد لديه قانون يلائمه، والمشكلة تكمن في طول الوقت الذي يتخذه اي نقاش، وأعتقد ان المسألة تكمن في معرفة كيفية تحويل النظام ليكون أشدّ دينامية. ليس لدي مفتاح الحل وهذه مهمة الأفرقاء والأحزاب السياسية، وفي هذا الإطار أعتقد أنه لا يجب توقف عمل طاولة الحوار بين اللبنانيين.
إحدى انطباعاتي تكمن في أننا كدبلوماسيين حين نأتي حديثا الى لبنان نظنّ أن النقاش السياسي يتمحور حول موضوع محدد، في حين يكون الموضوع الحقيقي في مكان آخر كما نكتشف بعد مرور أشهر، لذا من الصعب على الدبلوماسي أن يفهم الواقع اللبناني بسرعة إذا لم يكن لديه المعرفة اللازمة. إن الطريقة التي يتم فيها تقديم النقاش السياسي أو التفاوض السياسي للجمهور عبر وسائل الإعلام ليست حقيقية دوما، لأن النقاش يكون حول أجندات مخفية، ونظنّ نحن كجمهور أن الموضوع الحقيقي هو المعروض على الملأ، من هنا يحصل إنسداد، وأعتقد أن الأمر ذاته يحصل اليوم حول القانون الإنتخابي، إذ أنّ كل طرف يريد معرفة عدد النواب الذي سيحصل عليه…لأن كل طرف يريد الحفاظ على سلطته، لذا من الصعب تحقيق تغيير وسط الحفاظ على سلطات الجميع.
وقد لمسنا هذا “السيناريو” رأيناه حين كان التفاوض الظاهر حول رئاسة الجمهورية.
هل من تبدّل في تفويض مهام قوات “اليونيفيل” بعد مراجعة القرار 1701؟ وماذا عن القوات الإسبانية العاملة في الجنوب؟
لا، إن المراجعة طاولت القوات البحرية وهذا لا يعنينا بل يعني الألمان والبرازيليين. لدينا 740 جنديا إسبانيا، 700 منهم يتواجدون في مرجعيون و40 آخرون في الناقورة.
ما هي رسالتك كمناضلة للبنانيين، وخصوصا أنك قمت بمقاومة مهمّة على الصعيد الصحي طيلة الأعوام الأخيرة؟
إن رسالتي هي إيجابية، إن المجتمع اللبناني يجب أن يؤمن أكثر بذاته وبقدراته من أجل مواصلة العمل، ومن الجيد إيلاء أهمية للعمل الجماعي وهذا هو سرّ التغيير، لأن التغيير تصنعه الجماعة.
من الناحية الصحية، صحيح أنني عانيت من أحد الأمراض الأشدّ تعقيدا، لكنني تعلمت ايضا المقاومة من صلابة اللبنانيين الذين عانوا الكثير في حياتهم سواء من الحرب الأهلية بتعقيداتها وتداعياتها أو من الظروف أخرى، وبالتالي إن روح المقاومة التي أتسلّح فيها بمرضي موجودة لدى الشعب اللبناني. إن فكرة المقاومة ساعدتني للإستمرار في أوقات صعبة ومعقدة.