“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بعد انتظار دام أكثر من 3 أعوام وافق مجلس الوزراء اللبناني يوم الأربعاء في 4 الجاري على مشروعي مرسومين يتعلقان بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية الى مناطق على شكل رقع، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية ونموذج إتفاقية الإستكشاف والإنتاج. كذلك وافق على تشكيل 3 لجان وزارية لدرس المشروع الخاص بالأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية ومشروع القانون المتعلق بالموارد البترولية في الأراضي اللبنانية.
لكن ابعد من المرسومين ثمّة تفاصيل عدّة تتعلق بالإستثمار التقني والشفافية والبيئة وكيفية الإدارة السياسية والإقليمية لهذا الملفّ والتي يلقي عليها الضوء في هذه المقابلة رئيس حزب “الحوار الوطني” المهندس فؤاد مخزومي الذي يتابع هذا الملفّ بحذافيره منذ أعوام، ودرج منذ 3 أعوام على تنظيم منتدى “النفط والغاز” بحضور شخصيات دولية كان أبرزها العام الفائت مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة والنفط آموس هوكستين.
من أبرز الأفكار التي يطرحها مخزومي إنشاء شركة وطنية لإدارة هذا القطاع بعيدة من المحاصصات الطائفية وإشراك المجتمع المدني في الإدارة لمزيد من الشفافية ويكشف تفاصيل عن كيفية تفكير الدول وشركات النفط والغاز الدولية في هذا القطاع.
هنا نص الحوار:
يبدأ عهد جديد رئاسي في الولايات المتحدة الأميركية، وكان الأميركيون قد دخلوا على خط الوساطة مع لبنان في ما خص النزاع الحدودي البحري مع إسرائيل، كما أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري اقترح في ملف النفط أن تتدخل “اليونيفيل” لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، كل هذه الأحداث محلية، ولكن ما يهمنا هو أن تشرح لنا السياق العام الذي يذهب إليه هذا الملفّ أبعد من المحليات؟
بالعودة إلى الماضي، نجد أن أولى الأبحاث والاختبارات حول وجود النفط والغاز أجريت في الأربعينيات من القرن الفائت في الشمال وفي منطقة تربل تحديداً، ولكنها توقفت وأغلق الملف لأسباب مجهولة.
المؤكد اليوم أن لبنان يمتلك احتياطات نفطية، خصوصاً في البحر الذي يعوم على نسبة من الغاز تفوق النفط المتواجد بنسبة أكبر في البرّ. لكن ما يطالب به اللبنانيون هو معرفة حجم المخزون النفطي، علماً بأن الكثير من الأبحاث أجريت بهذا الخصوص، وقيل أن لبنان يحتوي على 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة به. كل تلك الدراسات ما هي إلا تفاصيل لأن الأكيد هو ما أظهرته أوائل هذا العام دراسة قديمة أعدتها بريطانيا لكنها لم تسلم للحكومة اللبنانية لأنها لم تدفع كلفتها آنذاك. وخلصت هذه الدراسة إلى أن كمية الغاز المتواجدة في كل من لبنان وسوريا وقبرص تفوق كل النسب التي تحدثت عنها الدراسات والتوقعات التي انتشرت أخيرا.
يمتلك لبنان 10 بلوكات نفطية، ثمانية منها محددة جغرافياً لكن العمل فيها لم يبدأ بعد، أما البلوكين 8 و9 الواقعين في مرمى الأطماع الإسرائيلية لتواجدهما في المنطقة البحرية المتنازع عليها، فيتوقف حلّ مشكلتهما على إنجاز عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. أما المشكلة الأخرى التي تواجه البلد فهي الخطأ في ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية الخالصة بينه وبين قبرص. وقد استغلت إسرائيل هذا الخطأ ووقعت اتفاقية مع قبرص قضمت فيها حوالى 5 كيلومترات من الحقوق اللبنانية. لكن للأسف الاتفاق تمّ ولم يعد بإمكان لبنان الطعن سوى بالعودة للأمم المتحدة والمحكمة الدولية.
من جهتي، أعتقد أن علينا البدء بالتنقيب عن الغاز لا عن النفط في البحر لسببين: الأول أن كميات الغاز المتواجدة في البحر تفوق كميات النفط، والثاني أن التنقيب عن الغاز يعتبر أقل ضرراً على البيئة من التنقيب عن النفط. خصوصاً أننا في لبنان لا نولي البيئة الأهمية اللازمة في ظل غياب القوانين الضامنة لحمايتها. لذلك لدينا خوف كبير من تعريض الشواطئ اللبنانية لخطر التلوث في حال بدء التنقيب عن النفط في البحر.
النقطة السلبية الوحيدة التي تقف عائقاً بوجه هذه الثروة هي آفة المذهبية والطائفية التي أصبحت للأسف متجذرة في مجتمعنا وخسر لبنان بسببها الكثير بدءاً من الاقتصاد وصولاً إلى الحرب الأهلية التي كانت من الأسباب الرئيسية في عدم تقدمنا وازدهارنا.
هل يجب وضع قوانين تتعلق بالبنى التحتية في لبنان قبل البدء بإصدار المراسيم والترسيات؟
النفط يكون نعمة إذا اعتمدنا منطق العلم لا المحاصصة. ووجود النفط والغاز يحتم علينا العمل على تطوير وتحديث البنى التحتية الضرورية لإنتاجهما. لذلك علينا وضع خطة استراتيجية منظمة تشمل إضافة إلى الاستثمار في البنى التحتية، إنشاء شركة وطنية للنفط معزولة عن السياسة على غرار الدول النفطية التي تعمل على عدم تسييس ثروتها الوطنية. وعند إنشاء هذه الشركة تحت إشراف قيادة محايدة نستطيع أن نشغل الكوادر ذوي الكفاءات والخبرات العلمية لتوسيع الاستكشاف ورفع الاحتياطي ومستوى الإنتاج والاستغلال الأمثل للموارد البترولية والغازية. لكن للأسف كثير من السياسيين وزعماء الطوائف يرفضون إنشاء هذه الشركة لأنها تتعارض مع مصالحهم.
من الضروري أيضاً الضغط لإنشاء صندوق سيادي للنفط يؤمن ادخاراً وطنياً مستقلاً عن الموازنة، فتقسم العائدات النفطية إلى قسمين يذهب الأول إلى الدولة والثاني يتم استثماره، وبالتالي تساعد أرباح الاستثمارات في تفعيل الاقتصاد شرط أن لا تكون تحت غطاء سياسي يمرِّر الأموال لمصلحة هذه الجهة أو تلك.
إن عزل هذه الثروة الوطنية عن السياسة من شأنه أن يؤمن مستقبلاً أفضل للبنان فنحن لا نهدف فحسب إلى سداد الدين العام من خلال عائدات النفط بل إلى تدعيم الاقتصاد والاستثمار في قطاعات أخرى مباشرة وغير مباشرة خدمة للبلد وخصوصاً الشباب الذين نراهن عليهم بشكل خاص لرفع الصوت والمطالبة بحقوقهم.
كيف بإمكاننا إنشاء الصندوق السيادي كما نص عليه قانون النفط وإدارته بعيدا من الطائفية والمذهبية وبحسب المعايير العالمية؟
في بلد مثل لبنان، له تجارب مريرة مع المحاصصة في الموارد، على المجتمع المدني ممارسة الضغوط وصولاً للحفاظ على هذه الثروة. فالهدف من إنشاء الصندوق السيادي هو إدارة العائدات النفطية. لذلك من المهم إصدار قانون خاص يحدد نظام إدارة الصندوق ووجهة استثمار العائدات وتوظيفها واستعمالها على أن يكون مستقلاً عن الميزانية العامة للدولة، بشكل يؤمن المحافظة على العائدات النفطية والغازية لمشاريع استثمارية طويلة الأمد. وكل هذا يكون بالطبع تحت إشراف خبراء وقانونيين واقتصاديين وهيئات المجتمع المدني، وتقع على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن سيادته لجعله مستقلاً عن أية جهة سياسية تحاول التدخل أو تمرير الصفقات والمحاصصات. كما أنه من الضروري أن يكون على رأس الصندوق السيادي مجلس أمناء على غرار البنك المركزي، على أن يكون رئيسه مديراً إدارياً لا يمتلك السلطة التنفيذية التي تمكنه من اتخاذ القرارات. والأهم أن يكون للمجتمع المدني دور فعّال، لذا علينا أن نصرّ على تفعيل دور هذا المجتمع لجعله جزءاً من السلطة، حيث يستطيع المحاسبة والرقابة وبالتالي الحؤول دون استئثار السياسيين بالقرار.
ماذا تنتظر الدول اليوم من لبنان وبماذا تهتم؟
الخارج لن ينظر إلى لبنان إلا بقدر ما تستدعي مصالحه. وكل الدول كانت تقف في موقع المتفرج وقد يكون المراقب، ريثما ينتهي لبنان من إقرار أنظمة ترسية العقود والمشاركة والضرائب وغيرها وهذا ما تمّ الشروع به أخيرا. المشكلة الأولى في ملف النفط والغاز في لبنان هي النزاعات على أسلوب تقاسم البلوكات سياسياً إضافة إلى أن اختيار الشركات التي ستعنى بعمليات الحفر يتم على أساس المصالح السياسية وليس المواصفات الفنية. لكن كي تدير السلطة هذا الملف بالشكل الصحيح عليها أن تعرف كيف تستفيد من الدول المتدخلة في الشأن اللبناني، فتحدِّد إلى أي من الدول ستتوجه، وتختار منها من تستطيع حماية القطاع النفطي سياسياً في المرحلة القادمة، وبالتالي تعمل على ترسية العقود النفطية معها. والدول الأهم نفطياً هي السعودية وأميركا وإيران وروسيا وفرنسا وإيطاليا، وهي تمتلك الشركات التي تتمتع بكفاءات عالية مما يجعلها مؤهلة للتدخل في المشاريع النفطية. وعوضاً عن دخول لبنان في بازارات سياسية مع الشركات النفطية الكبرى، عليه وضع مواصفات وشروط معينة أمامها، فتعمل على ترسية العقود مع من تقدم المناقصة الأفضل. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تبعد البلد عن المحاصصات وتقاسم المغانم بين السياسيين.
نحن دعونا المبعوث الخاص لشؤون الطاقة الدولية آموس هوكستين إلى مؤتمر النفط والغاز الذي عقدناه في الـESA أوائل هذا العام. وقد رفض في بادئ الأمر المجيء إلى لبنان، لكننا أصرينا على قدومه وتمنينا أن لا تترك أميركا لبنان في هذه المرحلة. وأكدنا له أن الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبلنا تكمن في مساعدتنا على إنتاج النفط والغاز بالشكل الذي نستطيع من خلاله نقل لبنان من كونه بلداً خدماتياً إلى بلد نفطي. وبعد محادثاتنا مع هوكستين، عُقد اللقاء الشهير بين الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل الذي ما كان ليتم لولا مجيء المبعوث الأميركي.
وقد دعا هوكستين إلى عدم طرح البلوك 8 في المناقصة النفطية وبالمقابل تضغط أميركا على إسرائيل ألا تطرح البلوك الموازي للحدود اللبنانية. وهنا تقع المشكلة، فكيف للبنان أن يعترف مسبقاً بحقوق إسرائيل في هذا الملف. الأمر الذي ترفضه القوى السياسية اللبنانية كافة. علماً أن الشركات الدولية لن تدخل أي مناقصة تعتريها المشاكل السياسية. وطرحت الشركات الروسية أيضاً التدخل في الملف النفطي من خلال تفاوضها مباشرة مع إسرائيل وإعطائها كل من لبنان وإسرائيل حصته. لكن الرئيس بري طرح من جهته ضرورة ترسيم الحدود قبل الدخول في كل هذه البازارات. وأخذت الأمم المتحدة على عاتقها ترسيم الحدود لكن رئيس مجلس النواب فضل أن تقوم اليونيفل بهذا الدور لكي لا يقع لبنان ضحية ترسيم غير عادل من قبل جهات لديها ميول لطرف أكثر من الآخر. ومن جهتنا نوافق تماماً على موقف بري.