“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
لم يسبق أن نشطت الدبلوماسية السعودية كما حدث أخيرا أثناء زيارة الموفد السعودي الى لبنان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الذي اجتمع بـ36 شخصية لبنانية في زيارات معلنة و12 أخرى في زيارات غير مجدولة، ما مجموعه 48 إجتماعا في غضون 3 أيام!
وقد يقول قائل بأن هذا النشاط السعودي الدبلوماسي غير المعهود منذ مدّة في لبنان قد أفضى الى انتخاب رئيس للجمهورية، لكنّ السعوديين يرفضون هذا الكلام مؤكدين دوما أنهم لا يتدخلون في الشأن الداخلي اللبناني وبأنهم يدعمون ما يتوافق عليه اللبنانيون.
لكن لا بدّ من الملاحظة بأن التداعيات التي خلّفتها زيارات السبهان المكوكية وفي الإتجاهات اللبنانية كلّها خلّفت إرتياحا وطمأنينة في الشارع السنّي خصوصا ولدى بقية اللبنانيين بطوائفهم كلها، الذي شعروا بمباركة سعودية ولو مضمرة لخيارهم الرئاسي الذي تجلّى في التوافق حول العماد ميشال عون، في حين حقق السعوديون ما يتوقون إليه في المرحلة الراهنة أي تثبيت استقرار لبنان وتعزيز وتنمية العلاقات الثنائية بين البلدين، ولهذين الهدفين أجندة واضحة منها ما هو معروف ومنها ما لا يزال مضمرا في انتظار المؤشرات السياسية القادمة التي ترصدها المملكة العربية السعودية بدقّة واهتمام.
وفي انتظار جلاء هذه المؤشرات يستمر رفع قرار الحظر على سفر السعوديين الى لبنان مؤجلا، والأمر سيّان بالنسبة الى إعادة الهبة السعودية للجيش اللبناني، هذان القراران المهمان جدّا لبنانيا ينتظران القراءة السعودية للتحرك السياسي اللبناني، وأول الغيث تشكيل الحكومة اللبنانية، وثمة “فترة سماح” تمنحها الدبلوماسية السعودية الى حين إجراء الإنتخابات النيابية بعد قرابة الـ6 أشهر.
ولعلّ إتصال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالرئيس العماد ميشال عون بعثت برسالة طمأنة متجددة للبنانيين بأن المملكة لم ولن تتخلّ عن لبنان، وقد تمنّى جلالة الملك السعودي دوام الإستقرار والإزدهار للبنان.
هذه التمنيات السعودية ليست رمزية بل ستجد ترجمتها العملية في إعادة ضخّ الحياة في شرايين العلاقة بين البلدين ليس سياسيا فحسب بل ثقافيا واقتصاديا أيضا. حيث تهيّئ السفارة السعودية في بيروت التي يرأس بعثتها الدبلوماسية حاليا القائم بالأعمال وليد البخاري إنشاء صالون ثقافي وأدبي يستضيف شرائح المجتمع اللبناني برمّتها مع تركيز على عنصر الشباب والنخب الثقافية والفكرية، ضمن استراتيجية التواصل مع شرائح المجتمع اللبناني برمته دون تمييز ودون أولوية لطائفة معينة، الى نشاط آخر بتعلق بالتبادل التجاري بين البلدين يعلن عنه في حينه.
القائم بالأعمال في السفارة السعودية في لبنان المستشار وليد بن عبد الله بخاري المقلّ في أحاديثه الإعلامية، يفضّل العمل بصمت من أجل دبلوماسية سعودية مستدامة، ويفضل الدبلوماسي القادم مباشرة من برلين والمتخصص في التخطيط الإستراتيجي والقارئ النهم للتاريخ (معجب بالمؤرخ الراحل كمال الصليبي) التغريد عبر “تويتر” ضمن ما يسمّيه “الفلسفة الرمزية” التي حرّكت منذ قرابة الشهر الملفّ الرئاسي اللبناني بعد أن استعاد “تغريدة” قديمة لوزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل وصف فيها الوزير السابق جان عبيد بـ”حكيم العرب”، ثمّ سحبها بعد أن تصدّرت مقدمات نشرت الأخبار و”مانشيتات” الصحف وافتتاحياتها…هي “تغريدة” نموذجية عن مضمون “الفلسفة الرمزية” التي يعتمدها بخاري والتي عرّت الطبقة السياسية اللبنانية فعليا وأظهرت مدى هشاشتها وتوقها الى غطاء إقليمي مهما كان الثمن.
القائم بالأعمال بخاري يرفض التحدث الى الإعلام لكنّ العارفين بالسياسة السعودية يشيرون في أحاديثهم عن العلاقة المستقبلية بين السعودية ولبنان قائلين بأن:” القادم أجمل”.