مارلين خليفة، “مصدر دبلوماسي”
لعلّ السفير الدكتور خالد زيادة من السفراء القلّة الذين أتوا من التعليم الجامعي الى عالم الدبلوماسية، فبعد أن مارس التعليم على مدى 25 عاما في الجامعة اللبنانية عيّن عام 2007 سفيرا للبنان في القاهرة، حيث أهم منظمة عربية هي جامعة الدول العربية.
عاصر الدكتور زيادة الذي تقاعد في شباط الفائت حقبات دقيقة مرّت في تاريخ لبنان ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، ولعلّ أبرزها حقبة حوادث 7 أيار 2008، حين عقدت جامعة الدول العربية إجتماعا إستثنائيا لمساعدة لبنان في الخروج من المأزق الأمني أولا والدستوري ثانيا، وبعد اجتماع دام 7 ساعات كان الإتفاق على لمّ شمل الزعماء اللبنانيين في الدوحة حيث أبرم هؤلاء ما عرف بـ “إتفاق الدوحة” الذي أدى عمليا الى ملء الشغور الرئاسي وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.
وسط شغور رئاسي متجدّد فرضته أزمة النظام والمؤسسات ومدده ربط لبنان بقضايا الإقليم من سوريا الى اليمن مرورا بالعراق والعلاقة السعودية الإيرانيّة، كان لا بدّ من الرجوع الى خبرة سفير كالدكتور زيادة الذي عاد أخيرا 25 عاما الى الوراء مستعيدا دور الباحث السياسي وهو يشغل حاليا رئاسة “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في بيروت.
يشخّص زيادة الدبلوماسي أزمة إنسداد الأفق في لبنان بـ ” تأثره بما يحيط به أكثر من أيّ بلد آخر، لا سيما بعد نكسة عام 1967 حيث أصبحت قضايا العرب كلّها موجودة في لبنان”.
لكنّ لبنان ” البلد الإشكالي” كما يصفه زيادة “إستطاع أن يقدّم نموذجا فريدا في العالم عبر تعدديته الطائفية والدينية”
من طرابلس
ولد زيادة في طرابلس في 26 كانون الثاني عام 1952، تابع دراساته الإبتدائية والثانوية في المدرسة الرسمية لينتقل بعدها الى الجامعة اللبنانية ( حيث درس الفلسفة ومنها الى جامعة السوربون في باريس. متزوج من السيدة هلا زيادة وهو والد لشابين مازن وهاني.
الأستاذ والباحث والمؤلف
25 عاما أمضاها زيادة أستاذا جامعيا في الجامعة اللبنانية (معهد العلوم الإجتماعيّة) حيث درّس موادّا عدة منها الفلسفة وعلم الإجتماع الحضري والأنتروبولوجيا الثقافية.
وخلال مسيرته الأكاديمية تسلّم منصب مدير كليّة الآداب والعلوم الإنسانية على مدى 3 أعوام ( بين عامي 1985 و1988.
لزيادة مؤلّفات تتوزّع على اهتمامات فكرية عدّة أبرزها 3 كتب عن علاقة الإسلام والعرب بالغرب عناوينها: “المسلمون والحداثة الأوروبية” وكتاب “تطوّر النّظرة الإسلامية الى أوروبا” وآخر بعنوان” لم يعد لأوروبا ما تقدّمه للعرب”.
عمل زيادة في مؤلفاته أيضا على سجلّات المحاكم الشرعيّة، وكتب 3 مؤلفات منهجية عن السجلّات الشرعيّة سيجمعها قريبا في مجلّد واحد أما عناوينها فهي ثلاثة: “الصورة التقليدية للمجتمع المديني”، “دراسات في السجّلات الشرعيّة” والكتاب الثالث هو وثائقي.
الى مجموعة مؤلفات أبرزها كتاب بعنوان “الكاتب والسّلطان”، وهو بحث في الأجهزة الثقافية التقليدية السابقة للحداثة وخصوصا أجهزة الكتّاب في الدولة والفقهاء.
خلال دراسته الجامعية في قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة عمل في عدد من الصحف والمجلات منها مجلّة البلاغ لصاحبها غسان شرارة، و صحيفة “السفير”، ثم في مجلّة “الكفاح العربي”.
إشكالية الإسلام وأوروبا
لم اختار زيادة الكتابة عن الإسلام وأوروبا وخصوصا وأن هذه العلاقة تطورت اليوم الى إشكالية بين الإسلام وبين أوروبا والغرب بشكل عام؟
يحلل هذه العلاقة بقوله: كتبت هذا الموضوع في أطروحتي عام 1980، أدركت منذ ذلك الحين وجود إشكاليات بين العالم الإسلامي وأوروبا، وأردت في أطروحتي العودة الى جذور علاقة الإسلام بالحداثة، وهذا الأمر يرجع الى بداية القرن الثامن عشر وليس الى حملة نابوليون بونابرت كما يقول البعض”.
تعقّب زيادة بالتالي كل الظروف الأفكار التي رافقت العلاقة بين الطرفين وكان دوما على يقين بأن “هنالك علاقة متشابكة جدا تاريخيا بين الإسلام والغرب منذ 1300 عام” . مشكلات عدّة لم تسهّل العلاقة بين الإسلام والغرب ” لذا نعمد دوما الى استحضار الماضي في علاقتنا المشتركة”.
يشرح:” تكمن المشكلة الحقيقية في تبني النخب الثقافية في العالم العربي في بداية القرن العشرين الأفكار التنويرية التي نادت بها الثورة الفرنسية مثل الحرية والإنفتاح، ولكن كل التعثرات التي وقع فيها العرب في سوء التفاهم مع الغرب وخصوصا بسبب الإستعمار والمصالح، والتعثرات الناتجة من التجارب الحديثة في العالم العربي وقضية فلسطين وهزيمة 1967 ودعم الغرب لإسرائيل، كل هذه الأمور زادت في تعقيد العلاقة وسوء التفاهم بين العالمين”.
هذا التعقيد ليس مرشحا للزوال في وقت قريب بحسب زيادة: “كنت آمل
حين بدأت الكتابة في هذا الموضوع بـأن تتجه الأمور نحو تفاهم وتصالح ولكن بعد مرور أكثر من 30 سنة على البحوث التي أجريتها توصلت الى نتيجة تفيد بأن الأمور باتت أكثر تعقيدا الآن”.
يضيف:” إن أوروبا التي كنا نتبنى أفكارها الحديثة لم تعد تقدّم حتى الأفكار. لذا كان آخر مؤلف لي بعنوان: لم يعد لأوروبا ما تقدّمه للعرب”.
الفارق بين الأستاذ والدبلوماسي
إنتقل زيادة الى السلك الدبلوماسي في حقبة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. ما الفارق الذي وجده بين سلكي التعليم والدبلوماسية؟
يقول: هما سلكان مختلفان لكن المشترك بينهما هو وجود جانب في العمل الدبلوماسي ذي طابع أكاديمي. الدبلوماسية هي جزء من العمل السياسي ومن العلاقات بين الدول وتشمل اليوم قطاعات بارزة منها الإقتصاد والثقافة والسياسية”.
الجانب الآخر بالدبلوماسية يتمثّل بالعمل الإداري، فالسفير يدير السفارة وشؤونها وقد أفاد زيادة من تجربته الإدارية كمدير لكلية الآداب.
وعن تجربته في القاهرة يقول:” إن الفارق الأساسي- إذا كان من وجه للمقارنة- هو أن الأستاذ الجامعي يمضي وقته في البحث والتعليم وتقتصر علاقاته على الجوّ الأكاديمي، وليس مطلوبا منه إلا حضور الأنشطة الثقافية. أما الدبلوماسية فتتطلب علاقات مع الدول ومع السفراء الآخرين وخصوصا في دولة كبرى كمصر تربطها بلبنان علاقات وثيقة”.
تجربة النأي بالنفس…مريحة
إندلعت الحرب السورية عام 2011 حين كان زيادة في منصبه في القاهرة، يصف تلك المرحلة بأنها كانت صعبة ومعقّدة جدا وتوالت فيها إجتماعات جامعة الدول العربية. ” كانت سنة عصيبة، واتخذت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يومها موقفا هو النأي بالنفس وكان مناسبا برايي آنذاك، وذلك بسبب الإنقسام اللبناني وبسبب العلاقة الوثيقة بين لبنان وسوريا والعامل الجغرافي. واجهت يومها سؤال ممثلي الدول العربية عن معنى مصطلح “النأي بالنفس” وشرحت لهم أن لبنان قرر ألا يخوض في سجالات المواقف حول الأزمة السورية فسّجلوا رأيي بلا اعتراض”
يقول زيادة مبتسما ردّا على سؤال “مصدر دبلوماسي” :” إن هذا الموقف كان مريحا بالنسبة إلي”.
فقد وفّر عليه النأي بالنفس الخوض في السجالات التي حصلت في الجامعة العربية، لأن ” من يريد النأي بالنفس لا يشارك في النقاشات القائمة”.
الثقافة السياسية ضرورية للدبلوماسي
عصارة خبرة زيادة موجودة في السلك التعليمي الذي يشعر محدّثه بأنه في حنين دائم إليه في حين يبقى حديثه عن تجربته الدبلوماسية عاديا
نسأله عن نصيحته للدبلوماسيين الجدد الذين دخلوا أخيرا الى السلك الخارجي في لبنان فيشير الى أن من فازوا يتمتعون بمستوى تعليمي جيد، لكنّ الإمتياز الدّراسي لا يكفي، لأنّ الخبرة والمعرفة هما الأهمّ”. يضيف:” أظنّ أن ما ينقص الدبلوماسيين اللبنانيين على جدارتهم هو عدم الإطلاع الكافي على ما يصدر من منشورات في شؤون السياسة الحديثة، وإكتفاء البعض منهم بالخبرات التي يكتسبونها من خلال العمل، وهذا جيّد لكنّ الإطلاع على الكتب الصادرة عن البلدان التي يعيّنوا فيها أمر مفيد جدّا وبالتالي لا يجب إكتفاء الدبلوماسي بشراء الدليل السياحي للبد المعني”.