علاقة تركيا بأميركا لن تتغيّر بعد الإنقلاب واستعادة غولن أولوية
مارلين خليفة-“مصدر دبلوماسي”:
شكلت محاولة الإنقلاب التي جرت في تركيا يوم الجمعة الفائت منعطفا في تاريخ حكم الرئيس رجب طيّب أردوغان منذ توليه السلطة عام 2003. وبعد فشل الإنقلاب سرت خشية حقيقية من أن يضيّق أردوغان الخناق على الديموقراطية وعلى العلمانيين بذريعة القضاء على الإنقلابيين، وهذه المخاوف وجدت صداها لدى الأميركيين والأوروبيين.
كذلك أطلقت التكهّنات حول مدى إمكانية أن يغيّر الإنقلاب الذي لم ينجح في كيفية التعاطي التركي مع الإقليم وتحديدا الملف السوري.
يجيب سفير تركيا في لبنان تشاغاتاي الجيّاس
Catagay Erciyes عن هذه التساؤلات والهواجس في مقابلة مع “مصدر دبلوماسي”.
“مصدر دبلوماسي”:
هل ستؤثر محاولة الإنقلاب على السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية كما أثرت على وزارات أخرى شهدت طردا لموظفين واعتقالات وكما حدث في القضاء التركي والجيش؟
الجيّاس:
أريد التشديد على أن تركيا لا تحارب منظّمة إرهابية واحدة بل عدّة منظمات، وفتح الله غولن هو جزء من هذه المنظمات الإرهابية. إنه داعية منفي منذ زمن ويعيش في بنسلفانيا في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وهو من يقف وراء محاولة الإنقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا. ليس هذا الأمر جديدا بل يواجه الحكومة التركية منذ أعوام عدة، وبالتالي فإن حكومة البلاد ورئيسها السيد أردوغان مصممة على التخلّص نهائيا من هذا الفخّ المنصوب لتركيا والذي يحاول البعض نشره في المؤسسات التركية بغية الإساءة إليها عبر خلق مؤسسات رديفة للدولة التركية القائمة.
تحاول تركيا القضاء على هذا التهديد وهو يتطلّب بعض الوقت لأن هذه الجماعات حاولت زرع أشخاص تابعين لها في داخل الؤسسات التركية وفي عدة وزارات وخصوصا في الجيش. والحمد لله فإن وحدة الشعب التركي وتضامنه والتفافه حول قيادة الرئيس أردوغان والحكومة التركية جنّبت البلاد هذه المحاولة الإنقلابية.
وقد نزل الشعب الى الشارع للقضاء على هذه المحاولة.
“مصدر دبلوماسي:
ماذا عن وزارة الخارجية؟
الجيّاس:
إن التحقيقات القائمة حاليّا تركّز على النظام القضائي وعلى القوات العسكرية والشرطة، وستمتد الى جميع المؤسسات والوزرات في الدولة من أجل تطهيرها من هؤلاء المتغلغلين فيها والتابعين للمنظمات الإرهابية التي لا تريد الخير للدولة التركيّة.
“مصدر دبلوماسي”:
هل ستسلّم الولايات المتّحدة الأميركية برأيك الداعية فتح الله غولن الى تركيّا؟
الجيّاس:
هذا ما تريده تركيا، نحن نعتبر غولن إرهابيا مع جماعته، أنظروا الى الضرر الذي ألحقه بالدولة التركية، إنه العدو الأول المعلن في تركيا. وبما أن الولايات المتّحدة الأميركية هي حليف قريب جدّا منّا فمن مسؤوليتها أن تستجيب الى طلب الدولة التركية باسترداد غولن. ونحن جميعا مستعدّين لإرسال كل الوثائق اللازمة الى الولايات المتّحدة الأميركية ونحن نتوقع أن تستجيب لنا.
“مصدر دبلوماسي“:
ما هي تداعيات محاولة الإنقلاب على السياسة الدولية والإقليمية لتركيا وخصوصا في سوريّا؟
الجيّاس:
وقعت محاولة الإنقلاب هذه في وقت تحاول تركيا إعادة تطبيع العلاقات مع جيرانها، وبالتالي نحن سنكمل بهذه السياسية، ولن يكون أي تغيير. بالنسبة الى الجيش التركي أودّ الإشارة الى أن هذا الإنقلاب كان منظّما من قبل مجموعة صغيرة من الجيش، إن الجيش التركي هو أحد أكبر الجيوش في العالم وهو ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي بعد الجيش الأميركي قياسا الى عديده، وبالتالي فإنّ محاولة الإنقلاب حصلت من قبل خونة ستتمّ إزالتهم، إن تركيا ستخرج من هذه المرحلة أكثر قوّة.
“مصدر دبلوماسي”:
هذا يعني بأن تركيا ستبقى منخرطة في سوريا كما في السابق وأعني بدورها العسكري؟
الجيّاس:
لا يوجد جنود أتراك في سوريّا، أعني على الأراضي السورية حيث توجد قوات روسية الى مقاتلين من بلدان مختلفة لكن لا يوجد جندي تركي واحد في سوريا.
ما تقوم بهد تركيا في سوريا يتمثّل بدعم الحلّ السياسي، وتركيا تقف دوما ضدّ الحلّ العسكري، ومن المعروف بأن هذا الحل يلاقي عثرات فضلا عن صعوبات لوجستية وميدانية تمنع وصول المساعدات الإنسانية، إننا نشجع النظام والمعارضة معا على الإنخراط في العملية السياسية.
“مصدر دبلوماسي”:
هذا يعني بأنّ تركيا لا تزال على موقفها ضدّ بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم؟
الجيّاس:
أكرر أنه لا يوجد أي تغيير في سياساتنا تجاه سوريا. لكن تركيا تدعم الحل السياسي، ونحمّل النظام السوري مسؤولية ما يحدث في سوريا، ونحن نؤيد انتقال سياسي وهذا ما نص عليه قرارات مجلس الأمن الدولي.
“مصدر دبلوماسي”:
هل ستبقى علاقة تركيا بالولايات المتحدة الأميركية وحلف “الناتو” على حالها أم أنها ستتبدل، وأشير هنا الى بعض التقارير الصحافية التي شككت بدور أميركي وأطلسي بمحاولة الإنقلاب التي حصلت في تركيا؟
الجيّاس:
إن العلاقات التركية الأميركية إستراتيجيّة، ونحن جزء من حلف شمالي الأطلسي ولا أتوقع أي تغيّر لكن بالطبع فإنّ عملية إسترداد فتح الله غولن تبدو أساسية، لأنه العدو الأول لتركيا، ومن الآن فصاعدا سيتصدّر هذا الموضوع أجندة المواضيع التي نبحثها مع الولايات المتّحدة الأميركيّة.
“مصدر دبلوماسي”:
ماذا عن العلاقة التركية مع الإتحاد الأوروبي؟ وخصوصا وأن تلويح تركيا بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام قد يؤدي الى رفض تام لقبول عضويتها في المنظومة الأوروبية بحسب ما أشارت مفوّضة السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية فيديريكا موغيريني؟
الجيّاس:
تحترم تركيا المعاهدات والإلتزامات تجاه الإتحاد الأوروبي، ما حدث منذ ايام قليلة يحتّم على الأوروبيين تقديم الدعم للشعب التركي وهو أمر نقدره كثيرا، وأرى أن تصريحات مماثلة هي غير منتجة أو مفيدة في المرحلة الراهنة، بل نعتبرها غير عادلة أيضا، في وقت لم تمر إلا ايام معدودة على محاولة الإنقلاب.
من جهة ثانية تحتكم تركيّا الى نظامها القانوني وهي كانت ألغت عقوبة الإعدام منذ فترة طويلة، اليوم إن الشعب التركي الذي جنّب تركيا محاولة الإنقلاب كان يطالب في الشوارع بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام، وهذا أمر سيناقشه البرلمان التركي حين يطرح عليه، ولغاية الآن لا توجد مسودّة قانون في هذا الشأن ولا يزال الأمر قيد النقاش. قال رئيس الحكومة التركية نحن نظام ديموقراطي والقرار يعود الى البرلمان، وعندما يصل قراره الى مكتب الرئيس أردوغان فله قرار القبول أو الرفض.
“مصدر دبلوماسي”:
ماذا عن مستقبل العلمانيّة في تركيّا؟
الجيّاس:
إن العلمانية منصوص عنها في الدّستور التّركي، وبالتالي هو ليس عرضة للتغيير لأن العلمانية هي إحدى المبادئ التأسيسيّة للدّولة التّركية، ونحن سنتابع على هذا النّهج.
“مصدر دبلوماسي”:
كيف قرأت ردود فعل الشعب اللبناني إزاء محاولة الإنقلاب التي حصلت في تركيّا؟
الجيّاس:
أريد اغتنام هذه المناسبة بغية التوجّه بالشكر الى رئيس الحكومة اللبنانية تمّام سلام، والى وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل، لتعبيرهما عن الدعم لتركيا ولإدانتهما هذه المحاولة الإنقلابية، وبالتالي نحن نقدّر هذا الدّعم. ونقدّر أيضا كل رسائل التعاطف التي تلقيناها من لبنانيين فضلا عن المسيرات السلمية التضامنية التي انطلقت في طرابلس وعكار وصيدا والبقاع تضامنا مع تركيا، ونحن نشكر جميع من تضامن وعبّر عن محبته لتركيا وللشعب التّركي وللحكومة التركية، لأن ما حصل في تركيا هو فوز للديموقراطية وقد أظهر الشعب التركي إعادة التزامه بالنظام الديموقراطي.