يأتي وزير الخارجية الفرنسي جان-مارك إيرولت الى بيروت وكالعادة بدأ اللبنانيون يحللون مضامين الزيارة الدبلوماسية الرفيعة قبل أن تغطّ طائرة إيرولت المنتظرة اليوم الإثنين القادم.
تبدو توقعات اللبنانيين من فرنسا أكبر بكثير مما تتوقع فرنسا ذاتها إنجازه لبنانيا، ولعلّ إيرولت يأتي للإستماع والإصغاء الى اللبنانيين للمرّة الألف بعد زيارات متتالية سابقة توّجها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي زار لبنان منذ قرابة الشهرين.
ويبدو الإستماع المتكرر للمشكلات اللبنانية التي تعوق انتخاب رئيس للجمهورية وتسيير عمل المؤسسات بالشكل الصحيح كما تطلب فرنسا مفيد للفرنسيين وخصوصا بعد لقائهم بالرئيس الإيراني حسن روحاني وبولي ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان وبعد عمليات مكوكية من الدبلوماسية السرية التي قام بها دبلوماسيون مختلفون يعرف اللبنانيون منهم سفير فرنسا الحالي في المغرب جان-فرانسوا جيرو.
وفي سياق القراءة الدبلوماسية لزيارة إيرولت، فإن رئيس الدبلوماسية الفرنسية يأتي بعد أيام من تصريح للسفير الفرنسي في بيروت إيمانويل بون دعا فيه اللبنانيين الى نسيان أمر تنظيم فرنسا لمؤتمر “سان كلو” ثان يجمع القادة اللبنانيين بغية التباحث في الأزمة اللبنانية.
هذه الفكرة التي لا تزال أوساط لبنانية على تماس مع الفرنسيين تعتبر بأنها قائمة فعليا لكنّ الفرنسيين من ناحيتهم يجسّون نبض القوى اللبنانية بغية تبيان مدى إمكانية تحقيقها.
وبالتالي فإنّ إيرولت الذي أدرك المناخ الإيراني والسعودي يحاول خلق مبادرة فرنسية خالصة لن ترى النور إلا بعد إعادة رصد الحركة الداخلية اللبنانية .
فالدبلوماسية الفرنسية تسأل اللبنانيين عن أفكار يمكن أن تساعدهم فيها لحلّ أزمة نظامهم، لكنّها لا تنوي التدخّل بالملفّ اللبناني الشائك والمرتبط بالصراع الإيراني السعودي، بلا التأكد من وجود جهوزية داخلية لبنانية للتجاوب مع وساطتها وهي غير موجودة لغاية اليوم.
وبالتالي سيستفسر إيرولت مجددا عما يمكن أن تفعله فرنسا لمساعدة لبنان.
في هذا السياق قدّم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع فكرة رئاسية تقضي بأن يقبل الأطراف اللبنانيون بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا وطلب من بعض الأطراف السياسية اللبنانية محاولة إقناع المملكة العربية السعودية بذلك. لكنّ الفرنسيين الذي تبلّغوا هذه المبادرة يقفون حائرين أمام ثلاث أسئلة: أيهما أسهل؟ إقناع السعوديين بعون أم إقناع الإيرانيين بالتدخل لدى “حزب الله” للتخلّي عن عون؟ أم إقناع السعودية وإيران معا بمرشح ثالث غير العماد عون؟
هكذا يأتي إيرولت حائرا بين هذه الأفكار الرئاسيّة كلّها، لذا سيكون مصغيا بالدرجة الأولى، وسيعيد بحسب أوساط دبلوماسية متابعة للملفّ الفرنسي إبراز اهتمام فرنسا بلبنان.
لكن، ما هي الأفكار التي سيحملها إيرولت في القضايا غير الرئاسية؟
مؤتمر السلام الدّولي
سيكون ملفّ النازحين السوريين طبقا رئيسيا في لقاءات إيرولت مع المسؤولين اللبنانيين، وسيطرح مدى إمكانية مساعدة فرنسا في هذا الملفّ. كذلك سيتمّ طرح احتمال عقد اجتماع خاص لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان التي كانت فرنسا وراءها منذ البداية والذي سيتطرق في حال الموافقة اللبنانية عليه الى مواضيع تفعيل مؤسسات الدولة ودعم الجيش اللبناني وملف النزوح السوري، وسيرصد إيرولت الرغبة اللبنانية في عقد مؤتمر مماثل، وهل سينعكس إيجابا على الملف الرئاسي اللبناني.
أما الفكرة الرئيسية التي سيطرحها إيرولت والتي كانت وراء تأجيل زيارته الى بيروت في المرّة الأولى بسبب الإعتراض الإسرائيلي على الدور الفرنسي هو عقد مؤتمر السلام الدّولي في الشرق الأوسط، وفرنسا هي صاحبة المبادرة اليه وهو سيطرح القضية الفلسطينية وسيشمل ملفات أخرى في المنطقة.
وتخلص الأوساط الدبلوماسية المتابعة للمناخ الفرنسي الى القول لـ”مصدر دبلوماسي” بأنّ زيارة إيرولت لن تحقق المعجزات لكنّها بالتأكيد سوف تخلق دينامية جديدة، وتذكر الأوساط بزيارة وزير الخارجية الفرنسي السابق إيرفيه دو شاريت الى بيروت إبان عملية عناقيد الغضب عام 1996 وقد جاء بلا مبادرة واضحة حاملا حقيبة واحدة لكنه غادر لبنان محققا “تفاهم نيسان” الذي شارك فيه الأميركيون والإسرائيليون واللبنانيون والأمم المتحدة.