تعتبر أوساط متابعة للملف النفطي في لبنان بأن الإتفاق الذي حصل بين “التيار الوطني الحرّ” من جهة ممثلا بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وبين رئيس المجلس النيابي نبيه برّي حول تقسيم العمل بـ”البلوكات” النفطية الذي سيتمّ بالتزامن بين الجنوب والشمال لا علاقة له بقرار دولي بل هو جزء من “السلّة اللبنانية” التي يحكى عنها منذ مدّة ولكن بشقّها الإقتصادي.
فالشركات الأميركية لديها إمكانية صرف أموال للتنقيب حول العالم أجمع ولا يتوقف الأمر على لبنان.
مصالح روسيا
بالنسبة الى الرّوس، فإنهم من الناحية الإستراتيجيّة مهتمّون بالغاز الموجود في البحر الأبيض المتوسّط كي يبقوا مصدر التزويد الأول للأوروبيين بهذه المادّة. من جهتهم يرغب الأوروبيون بالوصول الى البحر الأبيض المتوسط من خلال تركيا بغية الإستغناء عن الغاز الرّوسي، لكن إن تمكّن الروس من السيطرة على منابع النّفط الموجودة في المتوسّط فإنهم يلجمون الطموحات الأوروبيّة.
تستورد أوروبا اليوم معظم احتياجاتها من الغاز من روسيّا، وثمة أزمة سياسيّة اليوم بين الطّرفين، ويحاول الأوروبيون تحقيق استقلالية اقتصادية عن الروس عبر التفتيش عن مصادر أخرى للغاز وهذا الأمر غير متاح حاليا لأن غاز حوض البحر الأبيض المتوسّط لا يمكن أو يصل الى أوروبا إلا عبر سوريّا.
سرّ المصالحة الإسرائيلية التّركية
وإذا كان لبنان متأخرا في عمليات التنقيب بسبب عدم الإتفاق الداخلي فإن إسرائيل التي سبقته بأشواط عبر التنقيب في حقول عدّة وجدت ذاتها أمام حائط مسدود إذ لم تعثر على من يشتري منها الغاز، وهنا يكمن سرّ المصالحة الإسرائيليّة التركية التي تنطلق من فروق أساسية بين تصدير البترول والغاز.
تعقيدات الغاز
معظم الإقتصادات العالمية مبنية من الناحية اللوجستيّة لكي تعمل على البترول لذا فهو مادّة سهلة البيع عالميّا، وثمّة سعر موحّد في العالم.
بينما يتطلب تصدير الغاز اتفاقيات طويلة الأمد مع بلد مجهّز لتحويله مادة للإستهلاك.
فعمليّة إيصال الغاز معقّدة، بالنسبة الى لبنان وتبدو أوروبا “الزبون” الأقرب إليه وخصوصا وأنها تتحوّل تدريجيا نحو استهلاك الغاز.
تتمّ عمليّة نقل الغاز بطريقتين اثنتين، إما عبر بواخر تنقله الى أو من خلال أنابيب.
إن نقل الغاز عبر البواخر يحتّم تحويله الى غاز مسيّل طبيعي LNG أي Liquid natural gas لأنه حين يتمّ إستخراج الغاز من باطن الأرض، فإن تحويله الى غاز مسيّل يتطلّب ضغطه حوالي 800 مرّة، ما يعني بأنّ ذرّات هذا الغاز المضغوط هي أصغر بـ800 مرّة من ذرّات الغاز العادي. وبالتالي إن ضغط الغاز يتيح نقله عبر بواخر بكميات أكبر بكثير. لكن هذه العملية مكلفة لأنها تتطلب معملا خاصا لضغط الغاز أولا، ثمّ إن الجهة التي تشتري هذا الغاز عليها أن تكون مجهّزة بمعمل يحوّل بدوره الغاز المضغوط الى غاز طبيعي لكي يتم استخدامه في المصانع وكما أن ليس كل البلدان مزوّدة بهذه الطريقة وبالتالي فإن عملية تصردير الغاز معقّدة جدّا عبر البواخر.
أما الطريقة الثانية فهي نقله الى أوروبّا عبر أنابيب. لكنّ هذه العمليّة تتطلّب بالتالي المرور ببلدان عدّة: قبرص وتركيا ثمّ اليونان حيث توجد أنابيب موصولة الى إيطاليا ومنها الى بقيّة الدول الأوروبية. وبالتالي من المهمّ إيصال الغاز اللبناني الى تركيّا، وهنا أهمية تركيّا التي أصبحت الممرّ الإلزامي لكلّ البلدان التي لديها غاز في الشرق الأوسط والتي تريد تصديره الى أوروبّا. لأن أوروبا هي أكبر وأقرب مستهلك للغاز.
الحلّ الإسرائيلي
لذا فإن لدى إسرائيل مشكلة حقيقية فهي تستخرج الغاز لكن ليس لديها “زبون” لبيعه. قسم من الغاز الذي يتمّ استخراجه حاليا يذهب الى الإستهلاك المحلّي، أمّا القسم الآخر فيحتاج الى البيع، لذا قامت إسرائيل بعقد إتفاقية أساسية مع قبرص، وعبرها يذهب الى اليونان لكنّ الأمر مكلف…ومن الأسهل أن يمرّ بتركيا. لكن المشكلة التركية القبرصية لا تزال قائمة، لذا يريد الإسرائيليون تمرير غازهم مباشرة عبر تركيّا ( ولو كان الوضع سليما مع لبنان وسوريا لكانوا مرروا الأنابيب عبر أراضي البلدين) لذا سيمررون الأنابيب من قبرص الى تركيا ومنها الى أوروبا لأن الأتراك بنوا أنابيب ضخمة تأتي من البحر الأسود وتصل الى اليونان ومنها الى أوروبا.
خطأ تلزيم 6 “بلوكات”
لا معوقات أمام لبنان إلا داخلية، فبعد تقسيم المنطقة الإقتصادية الخالصة الى 10 “بلوكات”، كان الخلاف حول السؤال الآتي: هل نقدّم للمناقصة بلوكين اثنين أم أكثر؟
وفي حين أراد الرئيس برّي تلزيم البلوكات برمّتها أراد وزير الخارجية الحالي ووزير الطاقة السابق جبران باسيل تلزيمها تدريجيّا، وهو أمر أفضل بحسب الخبراء لأنه من غير الثابت بعد وجود الغاز في “البلوكات” برمّتها. فالشركات القادمة سوف تنقّب عن الغاز، والتنقيب هو عمليّة مكلفة جدّا.
كل عملية تكلف كل حفرة 150 مليود دولار ويمكن أن تصيب الغاز ويمكن لا. وبالتالي فإنّ الشركة التي ترغب بالتنقيب عن الغاز تصرف أقلّه بين مليار الى مليار ونصف دولار على التنقيب فإذا لم تعثر على الغاز توقف عملها فورا.
وبالتالي فإن أول إتفاقية يتمّ إتمامها على “بلوك” أو إثنين ستحدد مصير وسعر البقية.
هكذا يرتفع السعر إذا وجد الغاز أما إذا لم يوجد فلا يسقط سعر كل البلوكات دفعة واحدة.
اليوم سوف تقدّم “البلوكات” الستّة للمناقصة وهو أمر خاطئ بحسب الخبراء، لأن التنقيب دفعة واحدة ليس جيدا إذ أن أسعار “البلوكات” الباقية تزيد وتتضاعف تلقائيا في حال وجود الغاز.