“مصدر دبلوماسي”
جمع رحيل الرئيس السابق لـ”اتحاد نقابات اصحاب الافران والمخابز” كاظم ابراهيم والد مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم يوم الاثنين الفائت الاضداد اللبنانية المتنافرة فاجتمعت في أيام العزاء الاربعة التي لمّت شمل الوطن من كوثرية السياد مسقط رأسه وصولا الى القاعة الكبرى “السي سايد أرينا” التي اختتمت فيها التعازي يوم السبت الفائت.
فرض رحيل الرجل المعروف بعمله النقابي الطويل ايقاعا مختلفا في الوطن المفكك، وفي لحظات العزاء تحلقت حول نجله اللواء ابراهيم شخصيات يصعب ان تلتقي في مكان واحد، لكنها اجتمعت وصافحت وتحادثت فيما هي تتحارب وتتقاتل يوميا من على المنابر السياسية والاعلامية.
صحيح أن الموت يجمع ويسقط العداوات ولو للحظات، لكن المشهد الوطني الاستثنائي صنعته شخصية اللواء ابراهيم الذي توّجت الروح الوطنية الجامعة مسيرته الطويلة في الامن والسياسة والدبلوماسية الدولية، وكشفت المناسبة الحزينة العلاقات العابرة للطوائف وللحساسيات وللعداوات التي نسجتها هذه الشخصية اللبنانية، وظهّرت في لحظة حزن قدرتها على بسط جناحيها على اطياف الوطن كله: من السفراء الاعداء المنضوين بمحاور اقليمية متصارعة، الى الاحزاب المتصادمة عقائديا وسياسيا، الى الخصوم اللدودين المتناحرين في اكثر من ميدان. كذلك، تلاشت في هذه المناسبة كل الفروق الاجتماعية بين الناس الذين التمّوا ليقدموا واجب العزاء للواء وعائلته، فكان المعزون من المواطنين العاديين من اصحاب المهن الحرّة، ومن العسكر، الى الضباط الى الفنانين والاعلاميين والاطباء والمحامين ورجال الدين من مختلف الاطياف الى الصغار والكبار جميعهم جاؤوا للتعزية ولاسماع نجل الراحل كلمات المواساة دافعهم المحبة والاحترام والتقدير كل من موقعه. كان لافتا ايضا الوفود الشعبية من الفلسطينيين الذين حمل اللواء ابراهيم قضيتهم منذ كان مسؤولا امنيا في الجنوب اللبناني.
لاحظ من حضر أيام العزاء تلاشي الاحقاد في هذه الايام الاربعة امام حضرة شخصية تعمل بصمت مقدّس لمصلحة الجميع دون استثناء. في هذا السياق، ينشر موقع “مصدر دبلوماسي” مجموعة من الصور التي حصل عليها من العزاء وكلمة تعرّف بالراحل كاظم ابراهيم بقلم صديقه نائب رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد لمع حملت عنوان:” كاظم ابراهيم: العصامية تبكيك والطموح يرثيك”، جاء فيها:
“أحب الجيش ومات في يوم عيد الجيش، أحب الحسين ومات في اوائل أيام عاشوراء، إنه كاظم ابراهيم الذي افتقدناه في الأول من شهر اَب، عشق المؤسسة العسكرية منذ أيام شبابه فأقنع إبنه البكر محمد بالإلتحاق في الجيش ولما استشهد على يد قنّاص مجرم وهو في العشرين من عمره عام 1976 أبى عليه عشقه للجيش إلا ان يقنع ابنه الثاني عباس بالإلتحاق بالكلية الحربية والتقدم لامتحاناتها حيث تخرج منها عام 1982 برتبة ملازم وظلت النجوم تتزايد على كتفيه وكان في كل مركز تبوأه على قدر المسؤولية وإثبات الوجود فمن فرقة المكافحة الى فوج المغاوير الى فرع المخابرات العسكرية في الجنوب الى نيابة رئاسة المخابرات العسكرية في لبنان مروراً بمواكبة الأخضر الإبراهيمي في الثمانينات والرئيس رفيق الحريري في التسعينات إلى ترقيته إلى رتبة لواء في العام 2011 أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حيث عيّن مديراً عاماً للأمن العام وما زال يشغل هذا المركز إلى اليوم . أما ما قام به وما يقوم من أدوار ومهام انسانية واطلاق حرية رهائن ومسجونين ومخطوفين فليس هنا مجال الحديث عنها.
الحاج كاظم محمد ابراهيم ، العصامي الذي أعطى العصامية مبنى ومعنى منه تعلّمنا كيف يكون التلازم بين الجهد والصدق والعصامية والطموح طريقاً الى النجاح وبناء الذات.
أبو محمد لست هنا لأرثيك وأنت لم تترك لنا في القلب إلّا وجعاً وفي العين إلا دمعاً وبعضاً من الذكريات …
مسيرة عمرها اكثر من أربعين عاماً مشيناها معاً على طريق التعب والنضال وكنت لي خير أخ وصديق وكنت أنا شاهداً على عصاميتك فمن فرن صغير بنيت صروحاً للمواد الغذائية ، ومن عصاميتك ونضالاتك في سبيل إحقاق الحق ونصرة المظلوم والدفاع عن لقمة العيش تعلمت أنا الكثير … كنت صامتاً حيث يجب أن يكون الصمت وثائراً حين تكون الثورة واجبة وصرخة دائمة مدوية في وجه الإذلال والحرمان .. محباً للناس ومحبوباً منهم لا تدع واجباً إلا وتقوم به، تأخذ بيد هذا وتساعد ذاك وتراجع مسؤولا هنا وهناك.
أبو محمد عند الموت تنتهي الكلمات ولا تبقى منها سوى الذكريات والأفعال ومن يترك وراءه أبناء وأحفاد أعزاء ورجلاً بحجم وطن وبطلاً مثل اللواء عباس ماليء الدنيا وشاغل الناس لا يموت .. جسده فقط يغيب أما ذكراه ، أما عصاميته فتبقى خالدة على مرّ الزمن …
الله أعطى والله أخذ ولا راد لمشيئته وكل شيء عنده بأجل مسمى …
أبو محمد : لقد كتبت أمس السطر الأخير في رواية هذه الحياة القاسية والمؤلمة .. توجعت وتألمت ، تحملت الوجع والألم بصبر وصمت وتركتنا وحدنا نتابع من بعدك قراءة رواية الحياة إلى أن نطويها …
ليت الموت يدعك تفتح عينيك ولو للحظات لترى الأحبة وقد جاءوا بالاَلاف من مختلف مناطق لبنان يودعونك ولبست الكوثرية التي أحببتهاوأحبتك ثوب السواد وكأنها في موسم الحج او كأن القيامة قامت بها لكثرة من أتوا مودعين …
لقد صدق من قال : إن الموت لا يوجع الموتى .. إن الموت يوجع الأحياء…
أبو محمد إلى اللقاء بعدما جمعتنا الحياة .. لقد رحلت عنّا بجسدك أما ذكراك فستبقى خالدة في نفوسنا وباقية بقاء الموت والحياة .. يكفيك من هذه الدنيا أنك عشت بخوف الله ، لم تؤذ إنساناً ولم تفتئت على حق أحد .. مثال التواضع والانسانية كنت .. الأمانة والمحبة والخير والعطاء كلها خصال تجسدت بك .. حقاً إن الموت سيبقى سراً عميقاً والحياة تبقى السر الأكبر … الشهيد محمد وشقيقه أحمد والحاجة شفيقة ينتظرونك فوق ومعهم الأحبة والأصدقاء ممن سبقوك مجتمعون وبسمة اللقاء على وجوههم .. فوق انتظار وهنا احتضار أتراها معاهدة الموت مع الحياة طلبوك فلبيت النداء …
العزاء كل العزاء لعائلة أنت كبيرها : اللواء عبّاس وشقيقيه شريف وعلي وشقيقتهم وفيقة ولأحفادك محمد وعلي وبلال وعبّاس ولسائر الأحفاد ولكل فرد من افراد العائلة واَل ابراهيم فرداً فرداً ..
كاظم ابراهيم عشت بصمت ، عملت بصمت ، ورحلت بصمت … وداعاً يا كبيراً خسرناه”.