التصنيف: مقالات مختارة

  • اللواء عباس ابراهيم: لمست كلّ الحرص على الاستقرار الامني في لبنان من جميع من التقيتهم في الولايات المتحدة الأميركية

    اللواء عباس ابراهيم: لمست كلّ الحرص على الاستقرار الامني في لبنان من جميع من التقيتهم في الولايات المتحدة الأميركية

     

    مقالات مختارة

    مجلّة “الامن العام”

     

    أجرت مجلة “الامن العام” في عددها الصادر في تشرين الثاني نوفمبر الجاري حوارا مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم حول زيارته الى واشنطن في 14 تشرين الاول الماضي واللقاءات التي اجراها هناك وتكريمه، اضف ما سمعه من المسؤولين الاميركيين وانطباعاته عن المرحلة المقبلة. كذلك تناول جهوده لاطلاق محتجزين اميركيين في سوريا. هنا نصّ الحوار:

     

     

    * ما تقييمك للزيارة التي قمت بها الى واشنطن والاهتمام الاعلامي الذي حظيت به؟

    الزيارة ناجحة بكل المقاييس شكلا ومضمونا.  بالنسبة الى الاهتمام الاعلامي فهذا الامر له علاقة بمستوى الشخصيات التي التقيتها من ناحية، ومن ناحية ثانية الاهمية ان تمنح “جائزة انسانية” للمرة الاولى من مؤسسة محترمة ومرموقة ومعروفة لدى الشعب الاميركي الى  غير اميركي، ما يجعل للموضوع بعدا دوليا اكثر منه داخليا. اضافة الى اهمية ملف المفقودين الاميركيين وتأثيره على مجرى الانتخابات الرئاسية الاميركية حاليا، وهو ما اعتقد كثيرون نتيجة الجائزة وتوقيتها انه سبب الزيارة .

     

    * كيف يمكن تلخيص نتائج المحادثات التي اجريتها في ما يتعلق بلبنان؟

    –  كانت المحادثات صريحة وواضحة وجرت بشفافية مطلقة. لبنان هو الهم الاساسي ومصالحه كانت الاولوية كما في كل مكان قصدته. من المهم القول ان كل من التقيتهم كانوا مهتمين بالاستماع الى تقييمنا للوضع بشكل عام في لبنان والمنطقة. كان الحديث في الوضع السياسي لما له من انعكاس على الوضع الامني بشكل مباشر. هناك اهتمام حول الدفع في اتجاه الحوار كسبيل وحيد لحل مشاكل المنطقة ولبنان، لأن القوة والضغط لن ينتج عنهما الا مزيد من الاهتزازات في المنطقة .وقد لمست كل الحرص على الاستقرار الامني في لبنان من جميع من التقيتهم .

    * كيف كانت مواقف المسؤولين الاميركيين من الوضع في لبنان خصوصا على الصعيد الامني، وماذا لمستم من مواقف تتعلق بالمساعدات الاميركية للبنان والاجهزة الامنية خصوصا؟

    – ربطا بالاستقرار في لبنان، تبدي الولايات المتحدة الاميركية استعدادها للمساعدة، وهي تنظر باحترام الى الجهد المبذول من القوى المسلحة اللبنانية في هذا المضمار، وهذا ما يجعلها مصممة على التعاون الامني.

    هناك اهتمام حول الدفع في اتجاه الحوار كسبيل وحيد لحل مشاكل المنطقة ولبنان، لأن القوة والضغط لن ينتج عنهما الا مزيد من الاهتزازات في المنطقة

    * نشرت الكثير من التقارير الاميركية حول ارتباط زيارتكم الاميركية بخط العلاقات بين واشنطن ودمشق. ما مدى دقة هذه المعلومات وبماذا ترتبط تحديدا وما هو تعليقكم؟

    – تشكل سوريا جزءا مهما من المنطقة، وما يجري فيها يتأثر به لبنان الى حد كبير. انا سبق وقلت اننا ناقشنا الوضع غير المستقر في المنطقة وانعكاسه على لبنان وعلى كل المستويات. اما بالنسبة الى العلاقة الاميركية – السورية، هذا شأن الدولتين وليس شأن اي مسؤول لبناني. لكن ليس سرا اننا كجهاز امني رسمي ساعدنا الرعايا الاميركيين القاطنين في سوريا اخيرا، بناء على رغبة اميركية، في العودة الى بلادهم عبر لبنان بشكل آمن ومريح. بالاضافة الى موضوع المفقودين الذين نعمل عليه تاريخيا وبكل الاتجاهات، مع الكثير من الدول.

    ليس سرا اننا كجهاز امني رسمي ساعدنا الرعايا الاميركيين القاطنين في سوريا اخيرا، بناء على رغبة اميركية، في العودة الى بلادهم عبر لبنان بشكل آمن ومريح

    * من اي زاوية ترى تكريمك من جانب “مؤسسة جيمس فولي”؟ بالنسبة اليك على الصعيد الشخصي، وبالنسبة الى لبنان ودوره في هذا المجال؟

    – بالنسبة الى الجائزة او التكريم فهي شرف لي، خصوصا وان التكريم يأتي من مؤسسة انسانية تعني بمواضيع انسانية بعيدا من السياسة ومنزلقاتها. هذه المؤسسة الكريمة التي يدل اسمها على توجهاتها، والتي تحمل عنوان شخص نستطيع ان نقول انه شهيد كونه قدّم روحه بينما كان يحاول نقل الحقيقة عن ممارسات داعش وارهابها. هذا الشخص هو جيمس فولي. وقد التقيت والدته التي تضع عنوانا كبيرا لمؤسسة تحمل اسم ابنها. هذا العنوان هو الانسانية والانسانية فقط . من هنا ارى ان هذه الجائزة هي تكريم للبنان الانسان، لبنان الحوار، لبنان المحبة، لبنان الذين نشأنا وترعرعنا، في ظل هذه المبادئ، تحت سقفه. كان لهذه الجائزة ان تعيد الى لبنان على مستوى العالم هذا الدور الذي يليق به تنوعا وتفاعلا مع مختلف حضارات العالم. فلبنان يستحق.

     

     

     

  • سفير الكويت: من الحكمة والصواب اتاحة فرص النجاح للمبادرة الفرنسيّة

    سفير الكويت: من الحكمة والصواب اتاحة فرص النجاح للمبادرة الفرنسيّة

     

    “مصدر دبلوماسي”-مقالات مختارة

    مارلين خليفة

     

    طالما آزرت الكويت لبنان في ازمنة السلم والحرب وفي الملمات السياسية، واخيرا في الكوارث. آخر مبادراتها تجلت في تحركها السريع لمساعدة لبنان بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، من خلال الاغاثة وتعهدها بناء الاهراءات مجددا للمرة الثانية بعدما بنتها في العام 1969

     

    لم يكن مستغربا ولا جديدا ان يوجه امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الذي رحل في 29 ايلول الفائت بمساعدة لبنان في اقصى سرعة ممكنة. العلاقات بين البلدين متجذرة في التاريخ الحديث، وهي تستند الى المودة التي تظهرت في اكثر من محطة سطرها لبنان والكويت معا. قادت الكويت اللجنة السداسية التي تم تشكيلها بقرار من مجلس جامعة الدول العربية في 25 تشرين الاول في العام 1988 برئاسة اميرها وكان انذاك نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية، وبذلت جهودا جبارة في الازمة اللبنانية الطويلة. تعود العلاقات بين الكويت ولبنان الى العشرينات من القرن الماضي. يذكر الباحث عادل العبد المغني بأن التحاق عدد من الطلبة الكويتيين بالجامعات والمعاهد والمدارس اللبنانية يعود الى الاربعينات من القرن الفائت، حين اخذت اعداد كبيرة من الكويتيين تتوجه الى لبنان للسياحة والاصطياف. في منتصف الخمسينات كان عدد اللبنانيين في الكويت نحو الف شخص، وكان في امكان اللبناني ان يدخل الكويت ويخرج منها من دون تأشيرة. في الثمانينات ارتفع عدد ابناء الجالية اللبنانية الى 45 الفا، ووصل في العام 2017 الى نحو 50 الفا. كان لبنان لسنوات طويلة وجهة مفضلة للكويتيين، للتجارة والسياحة والاستشفاء والدراسة والتملك والاصطياف. يرصد حمزة عليان في كتابه “قراءة في تاريخ العلاقات الكويتية – اللبنانية”، مسيرة العلاقات بين البلدين، مشيرا الى ان اول تبادل للتمثيل الديبلوماسي بينهما تم في 6 حزيران عام 1962. في ذلك اليوم وصل مهلهل المضف الى بيروت لتسلم مهمات منصبه قائما بالاعمال. في موازاة ذلك، انشأ لبنان سفارة غير مقيمة في الكويت وانتدب لها حسيب العبدالله قائما بالاعمال، وتسلم منصبه في 17 كانون الاول 1962. ينقل عليان عن السفير احمد غيث، ان الكويت قررت بعد الاستقلال اقامة تمثيل ديبلوماسي مع لبنان، فاعترض في حينه الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم، وهدد بمقاطعة لبنان ومنتجاته وعدم السماح لها بالمرور في العراق، فتراجع لبنان عن قبول السفير الكويتي، واوجد مخرجا هو فتح السفارة على مستوى قائم بالاعمال. في العام 1963 وصل الى بيروت السفير محمد احمد الغانم الذي قدم اوراق اعتماده الى الرئيس اللبناني فؤاد شهاب، ليكون اول سفير لدولة الكويت في بيروت.

    تجسد وقوف الكويت الى جانب لبنان في العمل الدؤوب لانهاء الحرب الاهلية اللبنانية والوصول الى اتفاق الطائف عام 1989، كما تجسد في الدعم المادي والسياسي والمعنوي الكويتي للبنان في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية، لاسيما في اثناء حرب تموز 2006، وفي مواقف اخرى عديدة بحسب المراجع المختصة بالعلاقات بين البلدين.

    يتابع السفير الكويتي وعميد السلك الديبلوماسي العربي عبد العال القناعي صون هذه العلاقة الوطيدة بين البلدين، ويكشف في حوار مع “الامن العام” الكثير من اوجه المساعدات الكويتية المركزة للبنان بعد كارثة انفجار المرفأ.

    * بعد مرور 14 عاما سفيرا لدولة الكويت في بيروت، وعميدا للسلك الديبلوماسي العربي، كيف تشخص الوضع الواقع اللبناني الراهن وخصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت، هل هو مميت ام ثمة قدرة على النهوض؟

    – الواقع اللبناني هو بلا شك واقع صعب على المستويين الاقتصادي والسياسي على حد سواء، لكنني احمل املا في وجود مسؤولين وطنيين وواعين يمتلكون من الحس والشعور الوطني والحرص على اتخاذ كل ما هو ممكن اتخاذه لجهة انقاذ لبنان وانتشاله مما هو فيه. لذلك اظل متفائلا بأن هذا الوضع ليس مميتا وانما، انشاالله، سنصل الى حل والى طريقة نستطيع من خلالها انتشال لبنان من كبوته التي يمر فيها حاليا.

    * تستمر الكويت في الوقوف الى جانب لبنان وخصوصا في الاوقات العصيبة. ماذا عن دعم الكويت للبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، وماذا كانت ردود فعل الشارع الكويتي؟

    -اود اولا التوجه بأحر التعازي الى اسر الضحايا والشهداء الذين سقطوا جراء هذا الحادث الاليم، واتوجه ايضا بالدعاء الى الله سبحانه وتعالى بأن يمن بالشفاء العاجل على الجرحى وان يطمئن ذويهم عليهم. بالطبع شعور الكويت بازاء لبنان هو شعور اخوي، وقد آلمنا ما الم الشعب اللبناني من جراء هذا الحادث، وبتوجيهات من حضرة صاحب السمو امير البلاد رحمه الله ومن سمو نائب الامير، بادرت الكويت الى تقديم كل ما هو ممكن من دعم ومساندة ومحاولة للتخفيف على اشقائنا في لبنان من جراء هذا الحادث. بالفعل كانت اول طائرة مساعدات تصل الى لبنان هي من الكويت، من بين دول العالم كلها، وقد حرصنا على ذلك لكي نبعث برسالة بأن الكويت الى جانب لبنان ودائما وابدا وخصوصا في الظروف المأسوية.

     

    * وقفت الكويت بسرعة الى جانب لبنان ابان انفجار بيروت، وبلغ عدد الطائرات التي انطلقت منها حاملة المساعدات 18 طائرة بلغت حمولتها 820 طنا من المساعدات، كيف نظمتم توزيع هذه المواد الاغاثية؟

    – فعلا، حتى هذه اللحظة وصلت الى لبنان 18 طائرة اغاثية من الكويت تحمل مساعدات غذائية واستشفائية وطبية واجهزة متخصصة. كل هذه المعونات تمت بالتنسيق مع المسؤولين هنا في لبنان حتى لا يحصل تكرار في المساعدات من الدول المانحة للمعونات، وحرصنا على ان نطلب قوائم بما يحتاجه لبنان في هذا الظرف سواء من مساعدات غذائية او من معدات استشفائية. وقد تم توزيع هذه المساعدات بالتنسيق بين السفارة الكويتية في لبنان ولجنة الطوارئ التي شكلها مجلس الوزراء اللبناني اثر اعلان بيروت مدينة منكوبة. كما قمنا بالتنسيق ايضا مع الصليب الاحمر اللبناني في ما يتعلق المساعدات غير الحكومية التي تأتي من الهلال الاحمر الكويتي او من الجمعيات الخيرية الكويتية.

    * يمكن القول ان المساعدات الكويتية كانت محددة ضمن نطاق معين بحسب الحاجات وليست عشوائية.

    – لا، لم تكن عشوائية، وانما كانت بالتنسيق مع المسؤولين اللبنانيين لجهة ما هي الحاجة الضرورية والقصوى لأي نوع من المساعدات الغذائية واي مساعدات اخرى.

    * هل سلمت المساعدات الى الجهات الحكومية؟

    – سلمت هذه المساعدات الى هيئة الطوارئ التي شكلها مجلس الوزراء اللبناني وايضا الى الصليب الاحمر اللبناني، كما تم توزيع جزء منها بشكل شخصي بمعرفة السفارة.

    * بنيت اهراءات القمح في مرفأ بيروت بناء على قرض كويتي من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية وقع في العام 1969، وقد اعلن اخيرا وزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور احمد الناصر الصباح ان الكويت ستعيد بناء الاهراءات بعد دمارها بالكامل بفعل انفجار المرفأ. ما هي الرسالة الكويتية للبنان من خلال هذه المبادرة المهمة جدا؟

    – حاولنا من خلال اعادة بناء هذه الاهراءات التي وقفت شامخة في وجه العصف والتفجير الذي حل بيبروت – ويقال انها استطاعت ان تحمي والله هو الحامي – لكنها استطاعت ان تمنع ضررا كبيرا كاد ان يلحق بمدينة بيروت لولا وجودها ولولا ارادة الله سبحانه وتعالى، فارتأينا انه قد يكون افضل واكبر مثال لاعادة التآخي واعادة اثبات بأن الشقيق الى جانب شقيقه في وقت الضيق، هو بناء هذه الاهراءات خصوصا انها توفر اكثر من 90 في المئة من المخزون الاستراتيجي للشعب اللبناني من الحبوب.

    * سيكون تمويل بناء الاهراءات كويتيا فحسب ام سيكون البناء تبعا لمناقصات محددة تمولها الكويت؟

    – بالتأكيد الكويت ستقدم المال، لكنها ستتم وفقا لما اعتاده الصندوق الكويتي من آلية للتنفيذ بتلقي الحاجات والطلبات من الجانب اللبناني، على ان يتم درسها وتقييمها من الاستشاريين في الصندوق الكويتي للتنمية، ثم يتم بعدها بحث الاجراءات الادارية الخاصة بالهبة او بالقرض، وعلى ضوء ذلك يتم اجراء المناقصات المطلوبة وفق الشروط التي توضع عادة من الصندوق الكويتي بالتفاهم مع مجلس الانماء والاعمار.

    * كم يتطلب هذا المسار من وقت قبل بدء التنفيذ؟

    – يتطلب بعض الوقت لوضع تقدير الحاجات اولا، ووضع المواصفات ثانيا، والاتفاق مع المكاتب الاستشارية لاجراء الدراسات اللازمة ووضع الحجم والمواصفات الفنية والهندسية وما الى ذلك قبل الشروع في صياغة الاتفاقية. نعم، هذا يتطلب بعض الوقت.

    * لِمَ عمدت الكويت في العام 1969 الى بناء الاهراءات في مرفأ بيروت؟

    – كان هناك طلب من الحكومة اللبنانية، وتحديدا من رئاسة الجمهورية في ذلك الوقت، لبناء اهراءات تستطيع ان تحفظ المخزون الاستراتيجي للبنان من الحبوب، وتم الاتصال ما بين فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في ذلك الوقت شارل حلو مع سمو امير البلاد – طيب الله ثراه – الشيخ صباح السالم الصباح، وتوافقت الارادة بأن تساعد الكويت الشقيق اللبناني في توفير هذه الاهراءات لتخزين الحبوب.

    * ما هي المجالات التي يمكن الكويت ان تساعد فيها لبنان: الكهرباء، الغاز والنفط او سواها، وهل ستشارك في الاجتماع المقبل للدول المانحة في باريس في تشرين الثاني المقبل؟

    – سبق للكويت ان قدمت مثل هذه المساعدات للبنان وبحثت مساعدات اخرى وهي ستكون منفتحة على بحث ومناقشة اي مجالات يمكن تقديم الدعم من خلالها.

    * خسر قرابة 300 الف شخص مساكنهم في بيروت من جراء انفجار المرفأ، وتدمرت نحو 9 مستشفيات فضلا عن مدارس، هل سيكون للكويت مساعدة في عملية اعادة اعمار بيروت؟

    – بحث هذا الموضوع، لكن كما تعلمين فان حجم الدمار الذي مر في البلد ضخم جدا. لنكن واقعيين، ليس في مقدور بلد واحد مهما بلغ استعداده وقربه من لبنان ان يقوم لوحده بتوفير هذه المتطلبات كلها. لذلك اتفق ان تتم الدعوة الى مؤتمر دولي، بحسب ما فهمت من خلال الامم المتحدة للدول المانحة وذلك بعد ان تتقدم السلطات والحكومة اللبنانية بتقدير للخسائر، وما هو مطلوب من اصلاحات ومن ترميم لهذه المساكن او المباني التي دمرت. اعتقد انه سيكون هنالك مؤتمر دولي وان شاء الله ستشارك فيه الكويت.

    * استجابت دولة الكويت الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في باريس لمساعدة بيروت وتعهدت المساعدة بـ41 مليون دينار كويتي. كيف سيتم تنظيم هذه المساعدات وما القطاعات التي تشملها؟

    – شمل مبلغ 41 مليون دينار مساعدات غذائية وانسانية واستشفائية ودوائية، وستكون اعادة بناء الاهراءات من ضمنها.

    * هل كان من مستشفى ميداني كويتي؟

    – لم تقدم الكويت مستشفى ميدانيا، لانها كما سبق وقلت نسقت مع المسؤولين في لبنان. لقد ابلغنا ان هناك دولا عدة قدمت او ستقدم مستشفيات ميدانية، لذلك اخذنا جانبا آخر وهو التركيز على الادوية ومعدات طبية استشفائية. لدينا فريق من الهلال الاحمر الكويتي يعمل على الارض، وهو قام بزيارة المناطق المنكوبة والمتضررة، وتم الاتفاق مع بعض المستشفيات التي تقع في نطاق المنطقة المتضررة منها على سبيل المثال لا الحصر مستشفيات الجعيتاوي وبخعازي والوردية، ومركز معالجة السرطان في الجامعة الاميركية لاعادة ترميم بعض الاجنحة. تتواصل المساعدات منها اخيرا 6 شاحنات وصلت من طريق البر، حملت معدات طبية واستشفائية منها اجهزة طبية طلبت من الكويت وارسلت من طريق البر عبر المصنع.

    * اي دعم للبنان حاليا مشروط من المجتمع الدولي بالاصلاحات البنيوية. اما الدول العربية فتشترط بعض المسائل السياسية، هل من شروط تضعها دولة الكويت على لبنان لمساعدته؟

    – العلاقة بين لبنان والكويت محكومة بالاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض، ولا توجد اجندة سياسية للكويت في لبنان. مساعداتنا وتقديماتنا الى لبنان هي من شقيق الى شقيقه ولا تحكمها اي اجندة سياسية.

    * زار المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم قبل مدة دولة الكويت، كيف تصفون هذه الزيارة والى مَ افضت؟

    – هي زيارة الاخ لاخيه. وقد جاء سيادة الاخ اللواء عباس ابراهيم الى الكويت مبعوثا رئاسيا من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتباحث مع اشقائه في الكويت في العديد من الامور. تم الاستماع له من المسؤولين في الكويت بكل اهتمام وصراحة واخوة وكل استعداد وصدر رحب، واترك الحكم على نتائج هذه الزيارة لسيادة اللواء، ولكن اقول لك بكل ارتياح بأن النتائج ايجابية وستؤتي ثمارها ان شاالله.

    * متى ستظهر النتائج؟

    – في وقتها المناسب باذن الله، ومن احدى ثمارها ان الكويت كانت اول دولة تعلن مساعدتها للبنان بهذه السرعة.

    * سعادة السفير انتم عميد السلك الديبلوماسي العربي في لبنان. بعض الدول العربية والخليجية تشعر بنوع من الفتور في العلاقة معه، هل تلعب الكويت دورا في هذا المجال؟

    – الكويت دائما سباقة وتسعى الى كل ما يعزز التعاون العربي العربي وكل ما يوثق العلاقات العربية العربية. لكن وياللاسف الشديد، فان عالمنا العربي بشكل عام يمر في مرحلة حساسة ودقيقة جدا من تاريخه ولا يتعلق الامر بلبنان فحسب، وتتطلب الامور المزيد من الحكمة والتعقل والتروي والحرص على كل ما يقرب وكل ما يؤدي الى الوفاق والى التعاون والوئام بين الدول والشعوب العربية. تقوم الكويت بكل المساعي الحميدة وفق امكاناتها والقدرات المتاحة لها. نسأل الله ان توفق جهود الكويت وسواها لتوحيد العرب لما فيه صالح وصلاح امتنا العربية وشعوبنا العربية.

    * كيف ترى الكويت المبادرة الفرنسية التي يقودها الرئيس ايمانويل ماكرون؟

    – سبق وذكرت ان الكويت هي الى جانب كل ما من شأنه ان يحقق الامن والامان والاستقرار والرفاه والرخاء للشعب اللبناني. اعتقد ان هذه المبادرة الفرنسية في هذا الوقت بالذات وفي الظروف الصعبة والحرجة التي يمر فيها لبنان بكل فئاته واطيافه يجب ان تتاح لها الفرصة للنجاح. اعتقد ان ذلك سيكون من الحكمة والصواب والمنطق بأن تتاح لهذه المبادرة فرص النجاح الممكنة في ضوء التفاهم بين الاطراف السياسيين، حيث ان الان هو وقت العمل والتوافق والاتفاق وتسهيل كل ما من شأنه ان ينتشل لبنان من هذه الظروف الصعبة التي يمر فيها.

    * لعب سمو امير الكويت رحمه الله دورا اساسيا في تقريب وجهات النظر من اجل اعادة الوحدة الى مجلس التعاون الخليجي. كيف كانت آخر الوساطات؟

    – لا تزال الجهود الكويتية تتواصل لجمع الاشقاء الخليجيين على كلمة سواء، وكانت هناك بوادر ايجابية سيبنى عليها، وستظل الكويت وفية وحريصة على هذه الاخوة الخليجية وجمع كلمة الاشقاء ان كانوا في الخليج او في الدول العربية بشكل عام.

  • معركة ترسيم الحدود.. حذارِ النيران الصديقة

    معركة ترسيم الحدود.. حذارِ النيران الصديقة

     

    مقالات مختارة

    موقع: 180 Post

    أنطون مراد

    عميد ركن متقاعد

     

    وسط هذا الضجيج السياسي والإعلامي الذي بدأ من لحظة إعلان رئيس مجلس النواب الاتفاق الإطار حول مفاوضات ترسيم الحدود، وما زال مستمراً حتى يومنا هذا، وانطلاقاً من خبرتي الميدانية وأبحاثي حول هذا الموضوع، وجدت أن من واجبي أن أشرح للشعب اللبناني حقيقة الأمر بشكل صادق ودقيق لأني أعتبر أن الجيش اللبناني يخوض معركة حقيقية مع العدو الإسرائيلي وعلينا جميعًا الإلتفاف حوله وعدم التشويش على مهمته.

     

    بشكل دقيق نحن أمام مهمة تفاوض لمعالجة الإشكاليات الحدودية في البر والبحر كون اتفاق الإطار ينص على تلازم المسارين. هذه الإشكاليات وُجدت نتيجة الفوارق بين الخطوط التي حاولت الحلول مكان الحدود الدولية، فهناك خمسة خطوط في البر وخمسة خطوط في البحر، سنشرح ظروف وجودها والإشكاليات التي تسبّبت بها.

    بالنسبة للحدود البرية، مرّت هذه الحدود بثلاث مراحل تاريخية، فأصبح لدينا خمسة خطوط على الشكل التالي:

    1-الخط الأول هو خط لجنة بوليه – نيوكومب في العام 1923 وهو الترسيم الأول لحدودنا الجنوبية وهو عبارة عن خط الانتداب بين فرنسا التي كانت منتدبة على لبنان وسوريا وبين بريطانيا التي كانت منتدبة على فلسطين والأردن والعراق. وضعت هذه اللجنة 38 نقطة حدودية بين رأس الناقورة والمطلة (قبالة كفركلا وسهل الخيام)، وأودعت تقريرها عصبة الأمم فأصبحت حدودنا معترف بها دوليًا.

    2-الخط الثاني هو خط الهدنة في العام 1949 حيث كان الترسيم الثاني لحدودنا والذي نفّذته لجنة الهدنة المشتركة برئاسة الأمم المتّحدة وكانت تضم أعضاء لبنانيين وإسرائيليين.

    3-الخط الثالث (يتضمن الرابع والخامس) هو خط الانسحاب (الخط الأزرق) في العام 2000  والذي هو عمليًا عبارة عن ثلاثة خطوط: أولًا، خط الخريطة الورقية الذي تساوي سماكته 50 مترًا على الأرض، ثانيًا، خط لائحة إحداثيات 2000 وهي عبارة عن لائحة تتضمّن 197 نقطة مستخرَجة من الخط الأزق، ثالثًا، الخط الأزرق الرقمي Digital Blue Line.

    نتيجة الفوارق بين هذه الخطوط وخط الحدود الدولية، خسر لبنان مساحاتٍ واسعة من أراضيه يغتصبها العدو الإسرائيلي مستفيدًا من كون هذه الخطوط صادرة عن الأمم المتّحدة. تم حصر هذه الأراضي في ثلاث عشرة منطقة وضع لبنان تحفّظاته عليها ومساحتها 485487 متر مربع. بالإضافة إلى هذه المناطق، توجد إشكالية بلدة الغجر حيث يحتل العدو الإسرائيلي الجزء اللبناني من البلدة برغم أن الخط الأزرق مطابق للحدود الدولية، وبالتالي فإن الوضع هناك هو احتلال إسرائيلي واضح للأراضي اللبنانية وخرق فاضح للقرار 1701 وللخط الأزرق. أما الإشكالية الأخيرة فهي مزارع شبعا حيث يرفض العدو الإسرائيلي الانسحاب منها بحجّة أنها سورية وليست لبنانية.

    كما في البر كذلك في البحر، هناك خمسة خطوط تشرح الإشكالية البحرية وكيف خسر لبنان مساحاتٍ كبيرة من مياهه يغتصبها العدو الإسرائيلي مستندًا على شرعة القوة في غياب أي مستند قانوني يبرّر اعتدائه.

    بدأت المشكلة البحرية في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2006 حين بدأ التفاوض بين لبنان وقبرص حول حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة بين البلدين، واقتصر الوفد اللبناني حينها على مدير عام النقل البري والبحري في وزارة الأشغال العامة والنقل وبرفقته موظف من الوزارة نفسها، من دون إشراك الوزارات الأخرى المعنية، فكان الخطأ الأول حيث تم اعتماد الخط الوسطي بين لبنان وقبرص، وانطلق هذا الخط من النقطة رقم (1) جنوبًا وصولاً إلى النقطة رقم (6) شمالاً حيث تمّ التراجع بهاتين النقطتين إلى الجهة اللبنانية، وتم ذكر ذلك في محضر الإجتماع .

    استنادًا لنتيجة عمل الوفد اللبناني، وقّع لبنان بتاريخ 17 كانون الثاني/يناير 2007 اتفاقية مع قبرص حول ترسيم المنطقة الإقتصادية الخالصة. بعد حوالي السنتين، استفاقت الحكومة اللبنانية على ضرورة ترسيم حدودها البحرية، فكلّفت لجنة مشتركة شارك فيها الجيش اللبناني. رسمت هذه اللجنة الحد البحري الجنوبي حتى النقطة رقم (23)، فتبيّن أن هذه النقطة تقع على مسافة 17 كيلومتر جنوب النقطة رقم (1)، أي أن الفارق هو عبارة عن مثلّث رأسه عند رأس الناقورة (النقطة B1) ومساحته 860 كيلومتر مربع. استغل العدو الإسرائيلي هذا الخطأ، فسارع إلى توقيع اتفاقية مماثلة مع قبرص بتاريخ 17/12/2010 وحدّد الخط الفاصل بين البلدين إعتبارأ من النقطة رقم (1)، فقضم بذلك مساحة 860 كيلومترًا مربعًا من المياه اللبنانية دون أي مسوغ قانوني.

    لم يصادق مجلس النواب اللبناني على الاتفاقية مع قبرص، لكنه تسرّع باصدار القانون رقم 163 حول تحديد المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية، واعتمد النقطة (23) كنقطة ثلاثية لجهة الجنوب. جاء هذا القانون رغم وجود عدة آراء من قضاة وديبلوماسيين وضباط وأكاديميين لبنانيين كانوا يقولون بأن للبنان الحق بمساحات كبيرة جنوب النقطة (23). وقد ثبّت هذه الآراء دراسة قدّمها السيد جون براون من مكتب الهيدروغرافيا البريطاني UKHO قبل صدور القانون 163، وأوضح فيها أن بامكان لبنان اعتماد خيارين جنوب النقطة (23) من خلال إعطاء جزيرة “تخيليت” نصف تأثير أو عدم احتسابها كليًا، وهذه الدراسة تُمكّن لبنان من كسب حوالي 1300 كيلومتر مربع إضافي. برغم ذلك، صدر القانون وبعدها صدر المرسوم رقم 6433 الذي يحدّد إحداثيات المنطقة الاقتصادية الخالصة، وأودعه لبنان الأمم المتّحدة. استفاد العدو الإسرائيلي من هذا المرسوم ففرض منطقة النزاع بين النقطتين (1) و(23).

    بدأت الوساطة الأميركية خلال العام 2012، حيث اقترح المبعوث الأميركي السيد فريدريك هوف خطّاً يقسم المنطقة المتنازع عليها، فأعطى لبنان حوالي 468 كيلومترا مربعا وترك لإسرائيل حوالي 392 كيلومترا مربعا، فلم يقبل لبنان بهذا المقترح لأسباب مختلفة أهمها الانقسامات السياسية الداخلية. بعد هوف، استلم آموس هوكشتاين المهمة ومن بعده دايفيد ساترفيلد وحاليًا دايفيد شينكر الذي سيحضر عملية التفاوض المقرّر انطلاقها في الرابع عشر من هذا الشهر.

    إذًا أصبح لدينا خمسة خطوط في البحر هي: الخط اللبناني المعلن (23)، الخط الإسرائيلي المعلن(1)، خط هوف، خط الدراسة البريطانية مع احتساب نصف تأثير لجزيرة “تخيليت”، والخط الأخير هو من دون احتساب أي تأثير لجزيرة “تخيليت”.

    إن الجيش اللبناني يعرف جيّدًا أنه سيتعرّض لنيران العدو الإسرائيلي، وهو جاهز لمواجهتها لأنها ستأتيه من الأمام، لكن الخطر الأكبر هو تعرّضه لنيران صديقة لأنها تأتي من الظهر وتكون غير متوقّعة.

    بالنسبة لنيران العدو، فقد بدأت منذ الآن من خلال محاولة رفع مستوى التفاوض إلى المستوى السياسي، وكذلك من خلال حصر التفاوض بالبحر في حين أن دولة الرئيس نبيه بري اعتبر أن التأخّر ثماني سنوات حقّق انتصارًا للبنان من خلال فرض شروطه على العدو الإسرائيلي، ومنها شرط تلازم المسارين البري والبحري، ولكن قبل أن تنطلق المفاوضات تبيّن أنها ستكون محصورة بالبحر من دون البر، وما يدل على ذلك هو تشكيل الوفد العسكري الذي لا يضم ضابطًا خبيرًا بالحدود البرّية في حين أنه يضم ضابطًا بحريًا هو العقيد الركن مازن بصبوص الذي من خلال معرفتي به أستطيع أن أُطمئن اللبنانيين لأنه يتمتّع بكفاءة عالية وله دراسات عميقة في موضوع الحدود البحرية ودراساته تتطابق مع دراسة المكتب الهيدروغرافي البريطاني وقد سبق وعرض دراساته على السلطات السياسية اللبنانية ولكنها لم تأخذ بها.

    على اللبنانيين أن يدركوا منذ الآن أن جيشهم الوطني يخوض معركة تفاوض، وهذا يعني أن المفاوض سيأخذ في مكان ويعطي في مكان آخر كون العناد دون وجود خطة بديلة يقودنا إلى إضاعة ثماني سنوات أخرى مع ما يعني ذلك من خسارة للثروات وخاصةً أن دول الجوار سبقتنا جميعها في استخراج النفط والغاز.

    من هنا، فان المهمة تتطلّب من الجيش اتخاذ قرارات جريئة، وهو بذلك بحاجة لدعم جميع القوى السياسية. لذا، نصيحتي لقوى السلطة عدم تكبير الهدف وعدم إطلاق انتصارات وهمية، وتأمين متابعة يومية للوفد المفاوض وتزويده بالقرارات الواضحة وتحمّل تبعة النتائج لا رميها على الجيش اللبناني. كذلك عليها التعاطي بشفافية تامة مع هذا الملف وإطلاع اللبنانيين على مسار التفاوض ضمن الحدود المسموح بها. والأهم من كل ذلك التعاطي مع هذا الملف على المستوى الوطني وتجيير أي انتصار يتحقّق لمصلحة الوطن لا لمصلحة شخصٍ أو حزبٍ أو طائفةٍ.

    أما بالنسبة للقوى التي هي خارج السلطة، فنصيحتي لها أيضًا الالتفاف خلف الجيش اللبناني في معركته مع العدو الإسرائيلي، والتعامل مع هذه المهمة بروحٍ وطنية عالية وعدم نصب الكمائن واستغلال أية ثغرة لتوجيه النيران على الخصوم لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

    ولجيشنا البطل أقول، وفقكم الله في هذه المهمة الوطنية، نعرفكم لا تخافون من هذا العدو لأنكم ابطالٌ، كلنا خلفكم في معركتكم، حماكم الله من النيران العدوة وأبعد عنكم خطر النيران الصديقة.

  • أدوات ونصائح للتدقيق بالأخبار المضللة خلال الإحتجاجات

    أدوات ونصائح للتدقيق بالأخبار المضللة خلال الإحتجاجات

     

    مقالات مختارة 

    نبيل الجبوري – العراق

    شبكة الصحافيين الدوليين 

    يمكن تعريف التضليل الإعلامي، بأنه عمليّة مزج بين الحقائق والأكاذيب وبثها، لتوجيه اهتمامات النّاس باتجاه معيّن، غايتها التّأثير في خياراتهم وقراراتهم ورسم صور مغايرة للواقع والاستحواذ على افكارهم وميولهم وتسخيرها لخدمة أجندات معينة.

    كل ذلك تنفذه مؤسسات ومنظمات تستند في عملها على دراسات وبيانات يمكن من خلالها بناء المواقف والاستحواذ على الرأي العام بعيدا عن الحقيقة.

    التضليل الإعلامي ليس اكاذيب مجردة يعمد لنشرها وترويجها بل هو فنّ اقناعي، له أساتذته، ومعدّوه، وينتج بطبخات تتلاءم مع الظّروف والحوادث، ويصل إلى المتلقين بشكل سلس ومدروس ومقبول، وله عواقب وخيمة لانه الشرارة التي تسبب اشتعال نيران الحروب ونشر خطاب الكراهية وفقدان السلم الاهلي وانتشار الآفات الفكرية المجتمعية الفتاكة وغير ذلك.

    من الذي يقوم التضليل الاعلامي؟

    هذه العملية  ليست بالأمر السهل، ولا يقوم بها فرد لا يملك الدراية بها بل انها عملية ضخمة تصممها وتنفذها كيانات دولية لها سطوة مالية واعلامية وسلطوية، وتكثر هذه العمليات في الدول التي تكون طرفا في النزاعات وتشهد سخونة في احداثها  السياسية وتعد مسرحا للصراع الدولي كما يحدث في العراق وسوريا، فضلا عن دول اخرى.

    انواع التضليل الاعلامي!

    صراع المصالح يقصي الحقيقة، ولا يكترث من استخدام الاساليب الخبيثة ليحكم قبضته على المجتمعات، وهنا يبرز دور  اخلاقيات العمل الاعلامي الذي يفرض على وسائل الاعلام (التقليدية او الالكترونية) القيام بوظائفها بكل مهنية ومصداقية وامانة وموضوعية ودقة، وعدم اساءة استخدام هذه السلطة لاستغفال الجمهور مقابل مصالح سياسية او نفعية.

    التضليل الاعلامي  يستهدف كل المجالات والاتجاهات ويكون بأشكال عديدة منها:

     

     

     

    • الانتقائية في اختيار بعض الكلمات والحقائق والاقتباسات والمصادر والتعمد في تجاهل حقائق ووقائع وعدم التعاطي معها بشكل مهني ومتوازن.
    • مزج  الاخبار والتحليل وفي الغالب يكون التحليل وفقا لما تطلبه المؤسسة وبما يتناغم وسياساتها وارادة الجهات الداعمة .
    • استخدام العناوين والمقدمات الخبرية التي تعتمد المبالغة وتضخيم الامور بشكل غير منضبط  مع غموض ونقص بطرح المعلومة .
    • اللجوء لاستخدام مفردات مثل (الارهابيون، المخربون، الانفصاليون، الخارجون عن القانون وغيرها.. ) وتسوق للجمهور  لتكوين صورة ذات نتائج  انتقامية على بعض الشخصيات والجماعات لاسيما الدينية او القومية  وحتى دول بعينها.
    • التعتيم والتغييب المقصود لشخصية او قضية معينة أو تجاهلها وعدم التطرق اليها بموضوعية مما يجعلها خارج وعي الجمهور وتناولها من جانب واحد دون وجود رأي آخر او عكس الصورة  الحقيقية للحدث وتحويل المجرم الى ضحية والضحية هو المجرم المعتدي وهكذا.
    • تضليل الجمهور بإحصائيات واستطلاعات رأي غير حقيقية او وهمية او انها مليئة  بالأخطاء التنفيذية، لأن من يقوم بها اشخاص غير مؤهلين او مؤسسات غير معتمدة وغير مختصة بمثل هذه الامور.

    التضليل باختيار صورة حقيقة لشخص او حدث الا انها التقطت من زاوية معينة او في لحظة معينة لإعطاء رسالة مضللة حول الشخص او الموقف او الحدث.

     

    • قد تكون هناك قضية واقعية ولها احقية معينة، ولاسقاطها يتم اللجوء لمحاورة شخصية ضعيفة غير قادرة على تمثيل قضيتها  لإيصال رسالة بأن هذه الفئة فاشلة.

    وليس هذا كل شيء فهناك انواع عديدة وكثيرة وطرق مختلفة ووسائل متعددة لنشر مثل هذه السموم خصوصا مع الانتشار الرقمي والذي يستغل الآن بأبشع صوره من قبل مجموعات منظمة تشرف عليها جهات اغلبها سياسية لها مآرب معينة تخدم اهدافها التي وجدت لأجلها.

    العالم يتصدى لكشف الأخبار الكاذبة!

    بعد انتشار هذه الظاهرة التي اخذت ابعادا دولية، كما حصل في انتخابات الرئاسة الامريكية والحرب الاعلامية لتنظيم “داعش” بعد سيطرته على مدن عراقية، استشعر العالم خطورة هذا الموضوع  ليقرر التصدي للزيف والاخبار الكاذبة والغير صحيحة المنتشرة كالنار في الهشيم:

    –         صحيفة “لو موند” أنشأت، في الأوّل من شباط 2017، أداة DECODEX للمساعدة على تمييز المعلومات الصحيحة من تلك الكاذبة، ويمكن إدخال المواقع الإلكترونيّة عبر خانة لهذه الخاصّيّة فيعطي “ديكودكس” جواباً عمّا إذا كان الموقع المذكور موثوقاً به أم لا.

    –         جريدة ليبراسيون (Libération) الباريسية أطلقت  Check News، وهوأول موقع للتحقق من الاخبار في خدمة مستخدمي الإنترنت ويمكن تقديم سؤال مباشر لصحفيي خدمة Désintox، لكشف ما هو حقيقي أو زائف .

    –         برنامج تلفزيوني يبث من أوكرانيا  يدعى  StopFake News، مهمته التدقيق في الأخبار ورصد الكاذب منها وفضحه وكشفه أمام المشاهدين .

     

    –         فايسبوك أطلق حملة دعائية  تهدف إلى تثقيف ما يقدر بـ 6.1 مليون مستخدم  على تحديد الاخبار الوهمية وتقديم ادوات جديدة تساعد على كشف المحتوى غير الصحيح.

    –         مؤسس موقع ويكيبيديا الإلكتروني خطط لموقع إخباري ممول من الجمهور يقوده 6000 من الكتّاب والمحررين الذين سوف يكتبون، يحررون ويتحققون من المقالات المنشورة حول الأحداث الإخبارية في تصدي لانتشار الأخبار المزيفة.

    –         دولة الإمارات العربية المتحدة وشركة “فايسبوك”، يتفقان على تأسيس شراكة تهدف إلى الحد من انتشار الأخبار المضللة والكاذبة.

    –         “جوجل” في تدوينة لها، قررت مضاعفة خطواتها في منع ما وصفته بالأخبار “الكاذبة”، من خلال مبادرتين جديدتين لدعم الصحافة “الموضوعية”، ومحاربة نشر الأخبار الخاطئة. وتعهدت “جوجل”، باستثمار 300 مليون دولار أميركي في السنوات الثلاث القادمة.

    – فريق تصميم ألعاب في الجامعة الأميركية أنشأ لعبة  فاكتيشيوس لتقديم نصائح للاعبين تطلعهم على المقالات الوهمية في المستقبل ويمكن للمستخدم إما الضرب أو النقر، للفصل بين الأخبار الحقيقية والأخبار الوهمية.

    –         الجيش الصيني أطلق، موقعا إلكترونيا يدعو المواطنين إلى الإبلاغ عن التسريبات والأخبار الكاذبة، بالإضافة إلى الأنشطة غير المشروعة على الإنترنت التي يقوم بها أفراد من الجيش.

    –         الرادع القانوني يجب ان يكون حاضرا في مواجهة هذا  التحريف من خلال التشريعات واللجان الرقابية المختصة برصد المخالفات والتحريض بوسائل الاتصال مع الجمهور، للاسهام في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة وعدم السماح بتناميها.

    مواقع وتطبيقات تمكنك من تقصي الحقيقة ! 

    هنالك مواقع كثيرة على الشبكة العنكبوتية يمكن للصحفي او لكل رواد الانترنت الانتفاع منها لمعرفة ما يدور من احداث وبزاوية اخرى غير التي تسوقها الفبركات الاعلامية وتزييف الوقائع ويمكن الولوج لهذه التطبيقات التي نقدم جزءا منها :

     

    –         منصة “تأكد” لتصحيح الأخبار  في سوريا .

    –         مواقع  تساعد الصحفيين للتحقق من الصور، هي: موقع Tineye، وموقع izitru، وgoogle images.

    –         برنامج Jeffrey’s Exif viewer  لاستخراج بيانات الصور، عن طريق البدء بتحميل الصورة أو لصق رابطها مباشرة على الموقع، يستخدم للكشف عن  بيانات الصور مثلا تاريخ التقاطها وحجمها وحتى فتح العدسة المستخدمة ومكان التقاطها .

    – موقع  fotoforensics يستخدم الأسلوب الحراري في تحديد مجالات التلاعب في الصور ويوضحها من خلال تلوين مناطق التلاعب وهو برنامج سهل الاستعمال.

     

    –         موقع watchfra mebyframe  لمشاهدة أشرطة الفيديو واليوتيوب بوضوح مع  بطء الحركة، وذلك لتفحص بيانات الفيديو وتفاصيله بدقة.

    –         ميزة يقدمها تطبيق  تروبيك، على آيفون وأندرويد يمكن أن يستخدمه مجانا الصحفيون وعمال المنظمات غير الحكومية للتحقق من الصور والفيديو.

    –     موقع Extract Meta Data يقدم معلومات حول تاريخ نشر الفيديو ويقوم باقتطاع واظهار صور متعددة الجوانب للمحتوى يمكنها المساعدة في البحث عن الصور المطابقة في أي موقع آخر، ومن ثم تتبعها.

    –         أداة Youtube DataViewer   أو (عارض بيانات الفيديو) الذي طورته منظمة العفو الدولية  للسماح بالعثور على جميع المواقع التي يظهر فيها الفيديو الذي أنت بصدد التقصي فيه .

    واخيرا إذا كان المرء لا يستطيع التدقيق في كل خبر، فعليه ألا يصدّق كل خبر؛ كي لا يقع ضحية التضليل، ويكون اداة لتمريره  للآخرين.

    المصدر :شبكة الصحفيين الدوليين

  • كتاب مفتوح إلى السيّد لودريان لبنان مخطوف واللُّبنانيُّون معنيُّون بتحرير دولتهم  واستعادتها نظيفة … ونحن نُساعِد أنفُسَنا

    كتاب مفتوح إلى السيّد لودريان لبنان مخطوف واللُّبنانيُّون معنيُّون بتحرير دولتهم واستعادتها نظيفة … ونحن نُساعِد أنفُسَنا

     

    *مصدر دبلوماسي:

     

    السيّد جان إيف لودريان المحترم،

    وزير أوروبا والشؤون الخارجيَّة

    الجمهوريَّة الفرنسيَّة

     

    تحيَّة وبعد،

    نقدِّر عاليًا اهتمام فرنسا التَّاريخي بلبنان وشَعبه، ونفهمُ بالعُمق المحبَّة التي تجمع الشَّعبين اللُّبناني والفرنسي بما يتشاركان فيه من قِيَمٍ حضاريَّة في الحريَّة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعيَّة والعيش معًا.

    لبنان الكبير الذي يُشبه طموحات اللُّبنانيّين وإبداعاتِهم منذ قِيامه في العام 1920، بالاستناد إلى إرثٍ ثمينٍ تضرُبُ جذوره في التَّاريخ على مدى آلاف السنين، لبنانُ الكبير سيّد لودريان مخطوف ومُعذَّب.

    خطفتْه سُلطةٌ سياسيَّة إحترفَت تعليق الدُّستور، والسَّطو على القضاء، وقونَنَة الفساد، وعَزْل الكفاءات، واستباحة السِّيادة، وبناء المنتفعات الطَّائفيَّة والمذهبيَّة، وهدر الموارد، واستغلال صداقات لبنان العربيَّة والدَّوليَّة ومن ثمَّ تدميرها، وإفقار اللُّبنانيّين وتجويعهم، واللُّبنانيُّون انطلقوا في ثورة 17 تشرين الأوَّل 2019 يعلمون كم هي المسالِك وعِرة في تحرير وطنهم من خاطفي سيادتِه واقتصاده وماله، وكم هي أصعب في استعادة دولتهم نظيفة بعد أن أمعَنَت فيها السُّلطة خرابًا عظيمًا.

             السيّد لودريان،

    لقد أصغينا بتمعُّن وحُزنٍ إلى مخاطبتكم السُّلطة في لبنان: “ساعدوا أنفُسكم لنُساعدَكم”، والإشكاليَّة الأساسُ هنا أنَّكم ما زلتُم تتأملون بأنَّ هذه السُّلطة تُمثِّل لبنان واللُّبنانيّين، فيما الحقيقة المؤكدَّة أمام الرأي العامّ، كُلّ الرأي العامّ، أنَّ هذه السُّلطة فاقدة للشرعيَّة الشَّعبيَّة فيما شرعيّتها التمثيليَّة والتي تدّعي مكوِّناتها بالاستحصال عليها، فكيف تستقيم في ظِل إحجام أكثر من 50% من اللُّبنانيّين عن الاقتراع في الانتخابات النيابيَّة الأخيرة (2018)، وفي ظلّ تشكيكٍ بنيويّ بقانون انتخابات فُصِّل على قياس هذه السُّلطة الفاسدة، وبالتَّالي فإنَّ حتَّى الشرعيَّة التَّمثيليَّة مشكوك فيها. في أيّ حال، ثورة 17 تشرين أسقطَت وَهْم هذه السُّلطة بامتِلاكِها شرعيَّة.

     

             السيّد لودريان،

    اللُّبنانيُّون سائرون بثباتٍ في خيار تحرير وطنهم واستعادة دولتهم وهُم يدعون فرنسا للإصغاء إلى صَوتهم العالي في نضالهم لتنفيذ الثَّوابت التالية:

    • لبنان دولة مدنيَّة مؤتمنة على حُسن إدارة تعدُّديَّة مكوِّناتها في مواطنة حاضنة للتنوُّع يصونُها الدُّستور بكُلِّ مندرجاته، ويُرسِّخُ نموذجها الحضاري “العيش معًا”. السُّلطة دمَّرت هذا النَّموذج.
    • لبنان دولة قادرة على بَسْط سيادتها بقواها الشَّرعيَّة العسكريَّة والأمنيَّة لحِفظ الأمن وحماية الحدود، وهي معنيَّة بصَوْن أمنِها القوميّ ضمن المصلحة الوطنيَّة العُليا وترفُض أي اعتداء على السيادة.
    • لبنان دولة مؤسِّسة في الأمم المتَّحدة وجامعة الدُّول العربيَّة وملتزِمٌ قراراتِهما ومواثيقهما ومعاهداتهما ذات الصِّلة، وهو في ميثاقه الوطنيّ (1943) معنيٌّ بحياده عن سياسات المحاور. السُّلطة قتلت هذا الميثاق، وقتلت اتفاق الطائف الذي يحميه.
    • لبنان دولة تزخرُ بالكفاءات والإمكانات وأبناؤها قادرون على بناء إدارةٍ منفتحةٍ وشفَّافة فيه، وقضاءٍ مستقلّ، وسيادة ناجزة، واقتصاد مزدهر مستدام، وحماية اجتماعيَّة متماسكة. كُلّ هذا في إنفاذٍ لـ “الحوكمة السَّليمة”. السُّلطة إغتالت هذه الطُّموحات.
    • لبنان دولة قادِرة على إنجاز الإصلاحاتِ البنيويَّة والقِطاعيَّة، ليس من باب الحاجة إلى أموالِ المساعدات، بل من باب القناعة بأنَّ الخير العامّ وكرامة الإنسان أساسٌ في رُقيّ الشُّعوب واحترامها لتاريخ آبائها المؤسّسين وأجيالها القادمة.

     

    السيد لودريان، نُثمِّن عاليًا حرص فرنسا التَّاريخي على مساعدة لبنان والوقوف إلى جانِب سيادتِه واستقلاله ووحدته، كما نشكر كُلّ المبادرات التي أطلقتها لمحاولة إنقاذه، لكنْ باتَ من المُهم التأكُّد أنَّ شرعيَّة السُّلطة الفاسدة في لبنان سَقَطَت واللُّبنانيُّون باتوا يسيرون، كُلٌّ من موقِعه، في جبهة مدنيَّة وطنيَّة لإعادة تشكيل السُّلطة، ومن المفيد الإصغاء إلى ما هُم يريدون. أمَّا تأنيبُ السُّلطة فقد أثبت أنَّه مرحليّ، إذ إنَّ هذه السّلطة مُصِرَّة على تدمير لبنان حاملةً شعار تمثيله، وقد واجهت ثورة اللبنانيين بالقمع والتوقيف والاستدارة الخبيثة.

     

    لبنان مخطوف ونحن معنيُّون بتحرير دولتنا واستعادتِها نظيفة. لبنان ينهار، فلا كهرباء فيه ولا مياه، ولا بنى تحتية ولا اتصالات ولا شبكة مواصلات، وصعوبة هائلة في استمرار الحصول على الخدمات التربويَّة والاستشفائيَّة، بل إنَّ حتى أدنى مقومات الحياة فيه باتت معدومة… نحنُ نُساعِدُ أنفسَنا لكنْ يعنينا أن تُساعدونا بتجاوز معادلة إمَّا السُّلطة أو الفراغ، إنَّهُم هُم الفراغ، هُم اللاَّرؤية، هُم اللاَّقِيادة. اللُّبنانيُّون يمتكلون الرؤية والبرنامج والقيادة.

     

    السيّد لودريان، إنَّ توجُهنا إليكم بهذا الكتاب، لا يشكل مطلقًا استدعاء لتدخُّل فرنسي لصالح فريق ضد آخر، بل استدعاء للصداقة التَّاريخيَّة التي تربط بين بلدينا من أجل النُّصح والمساعدة والضغط بما يُخرج مسؤولينا من إنكارهم لمطالبنا وتمسكهم بالسلطة، ما يُساعد في إرساء القواعد المنقذة لِلُبنانِنا، الوطن الذي يختزن كل القيم الإنسانيَّة والثقافيَّة والحضاريَّة التي قرأتها فرنسا باكرًا في بدايات القرن العشرين فأعطته الحيّز السياسي والرعاية الأخوية لكي يكون جوهرة مضيئة على شرق المتوسط.

    السيد لودريان، إنَّ هذه الجوهرة تتعرَّض للخطف والسرقة اليوم، فهلاَّ لبيتم نداء الاستغاثة إنقاذًا للبنان وللثروة الإنسانية. هلاَّ أصغيتُم إليهم!

     

    ملتقى التأثير المدني

    عضو الجبهة المدنيَّة الوطنيَّة

    بيروت في 22/7/2020

     

  • الملحقون الاقتصاديون: جسر تبادل  حيوي بين لبنان و20 بلدا

    الملحقون الاقتصاديون: جسر تبادل حيوي بين لبنان و20 بلدا

    مقالات مختارة -مارلين خليفة:

     

    عينت وزارة الخارجية والمغتربين 20 ملحقا اقتصاديا الحقتهم بالبعثات اللبنانية في الخارج. ما الدور الذي يلعبه هؤلاء في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة التي تعصف بالبلاد؟ علما ان فكرة الملحقين الاقتصاديين ليست جديدة في لبنان، فهي تعود الى العام 1972 حين عيّن 6 ملحقين اقتصاديين ثم اوقف عملهم بسبب اشكاليات سياسية

     

    طرحت فكرة تعيين ملحقين اقتصاديين مجددا في العام 2016، حيث اقترحت الهيئة المنظمة لمؤتمرات الاغتراب اللبناني “ال دي اي” في احدى توصياتها انشاء ملحقية اقتصادية، وذلك في العام 2017. قام وزير الخارجية والمغتربين السابق جبران باسيل بزيادة عدد الملحقين الاقتصاديين من 12 الى 20 (استقال احدهم اخيرا في بريتوريا) وفي عدد من العواصم المعتمدة، وتم تعيينهم نهائيا في اواخر العام 2018. يتوزع هؤلاء في البعثات الديبلوماسية ضمن البلدان الآتية: الولايات المتحدة الاميركية، المملكة المتحدة، بلجيكا، المانيا، المكسيك، الاردن، ساحل العاج، مصر، كندا، الكويت، فرنسا، اليابان، الصين، جنوب افريقيا، الامارات العربية المتحدة، روسيا، البرازيل، السعودية، العراق ونيجيريا.

    ساهم الملحقون الاقتصاديون في حل قضية السائقين العالقين على الحدود التركية

    يتبع الملحقون الاقتصاديون لوزارة الخارجية اللبنانية، ويقبضون رواتبهم منها، ويعودون بالتراتبية الى مدير الشؤون الاقتصادية وهو حاليا السفير بلال قبلان، ولوزير الخارجية ناصيف حتي. يتحرك هؤلاء في عملهم في البعثات المعنية تنفيذا لخطة سنوية يتم وضعها بالتنسيق مع الوزارات المختصة: الاقتصاد والزراعة والصناعة ومؤسسة ايدال، بالاضافة الى الاولويات السياسية والاقتصادية الموضوعة في البلد.

    الى جانب المهمات الرسمية المنوطة بهم، يقوم الملحقون الاقتصاديون بما يتناسب مع الظروف المستجدة، مثل القيام بتنظيم وفود تجارية وعقد لقاءات والتحضير لاجتماعات واعمال الربط بين مختلف القطاعات بين لبنان والخارج، الدفاع عن المصالح الاقتصادية والتجارية اللبنانية وتزويد المصدرين اللبنانيين دراسة السوق التمهيدية، التحري عن الشركات التي يتعامل معها المصدرون من اجل التأكد من انها لا تحظى بأي سمعة سيئة.

    يتلخص دور الملحق الاقتصادي في كل بلد في العالم بعرض الانتاج اللبناني والتعريف عنه، وبكيفية تعزيز العلاقات الاقتصادية اللبنانية مع الدول عموما وتحديدا مع الدولة التي يكون موجودا فيها.

    وفق الاهداف والمهمات الاساسية لعمل الملحقين، والمحددة في المادة 3 من المرسوم رقم 3040 تاريخ 25 آذار 1972، يقوم الملحق الاقتصادي تحت اشراف رئيس البعثة ووفقا للقوانين والانظمة والتعليمات النافذة، بالاعمال الآتية:

    1- جمع المعلومات حول ما يهم لبنان من الشؤون الاقتصادية والتجارية والمالية في البلد الداخل في نطاق صلاحيته، ودرس هذه المعلومات لمعرفة تأثيرها على الاقتصاد اللبناني ولاكتشاف الاسواق الممكنة للمنتجات والخدمات اللبنانية، وامكان توظيف رؤوس الاموال الاجنبية في لبنان وتنشيط السياحة فيه.

    2- اجراء اتصالات مع سائر البعثات ومع الرسميين ورجال الاعمال وغرف التجارة والصناعة وجمعيات التجار والصناعيين وافراد الجالية اللبنانية ومع المسؤولين عن الاعلام وجميع المعنيين بالشؤون الاقتصادية والصناعية والتجارية والمالية والسياحية، بهدف تعريف لبنان وامكاناته على هذه الحقول وايجاد الاسواق له، والعمل على انشاء غرف تجارية مشتركة ومتابعة نشاطها.

    تأمين شراء الايتانول للمعقمات من انجازات الملحقين الاقتصاديين

    3- وضع ادارة برنامج الاعلام التجاري والسياحي وتحرير المقالات، والقاء المحاضرات عن المنتجات والخدمات اللبنانية وعن السياحة في لبنان، وتشجيع تنظيم الرحلات السياحية اليه.

    4- المساهمة في تنظيم المعارض والاسواق والمؤتمرات واستقبال اللبنانيين القادمين لهذا الغرض وتسهيل مهمتهم والاشراف على المعارض اللبنانية الدائمة.

    5- الاشتراك في اجتماعات الهيئات الدولية واعمالها وفي المفاوضات، وفي عقد المعاهدات والاتفاقات الدولية، والسهر على تنفيذ احكام الاتفاقات الاقتصادية المعقودة او التي تعقد بين لبنان والبلد الداخل في نطاق صلاحيته.

    6- تقديم المعلومات والمشورة الى رجال الاعمال اللبنانيين وتأمين الصلة بينهم وبين رجال الاعمال في البلد الموجود فيه، والقيام تاليا بالمحافظة على العلاقات الطيبة بينهم.

    7- السعي الى تسوية النزاعات التجارية بين اللبنانيين والاجانب وحماية مصالح اللبنانيين الاقتصادية.

    8- البحث في امكان الحصول على المساعدات والقروض الخارجية والعمل على الحصول عليها.

    9- التعاون مع وزارتي الاقتصاد الوطني والزراعة ومكتب الفاكهة والغرف التجارية والصناعية اللبنانية وجمعيات الصناعيين والتجار اللبنانيين.

    10- وضع تقارير شهرية عن الحالة المالية والاقتصادية عموما في البلد الذي يعمل فيه، وبنوع خاص عن تصريف المنتجات اللبنانية وعن التدابير التي يجب اتخاذها لتأمين زيادة التصريف ووضع تقرير سنوي شامل، والاجابة عن الرسائل والقيام بجميع الاعمال الادارية والمكتبية التي تتطلبها هذه المهمات.

    11- مساعدة رئيس البعثة والاجابة عن استشاراته وتنفيذ ما يأمر به في مختلف الامور الاقتصادية والتجارية والمالية.

    12- المساهمة في المراسيم.

    اضطلع الملحقون الاقتصاديون في الفترة الاخيرة بحل العديد من القضايا الحيوية للبنان، ابرزها: اعادة السائقين اللبنانيين العالقين عند الحدود التركية، تأمين مصدر لشراء الايتانول من السوق العالمية لصالح مصانع المعقمات في لبنان، تزويد الوزارات المختصة دراسات اولية عن تداعيات ازمة فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي ولبنان، عقد اجتماع مرئي من بعد بين الملحقين الاقتصاديين وقطاع الشركات الناشئة في لبنان لاقتراح حلول لدعم هذه الشركات وربطها بالزبائن والمستثمرين في الخارج، تحرير البضائع اللبنانية العالقة على الحدود السعودية والاردنية، التعاون مع جمعية الصناعيين لعقد سلسلة لقاءات عن بعد مع قطاعات صناعية، اطلاق التعاون مع مؤسسة ايدال بشكل مثمر وفعال تنفيذا لمذكرة التفاهم بين الوزارة وبينها.

    فيروس كورونا قلص حركة الملحقين الاقتصاديين

    تشير المعلومات الى ان هذا المشروع قد اثبت جدواه وتأكدت فعاليته لاسيما في تخطي بعض العقبات في العلاقة مع بعض البلدان العربية خلال الازمة الاخيرة التي يشهدها لبنان. وتفيد اوساط ديبلوماسية معنية لـ”الامن العام” ان “مهمات عدة قام بها الملحقون الديبلوماسيون سهلت التبادل التجاري كما حصل في اثناء تسهيل عملية مرور الشاحنات المحملة بالموز والتفاح الى الاردن، فتدخل الملحقون الاقتصاديون المعنيون وقاموا بحل المشكلة. كذلك تدخلوا في اثناء تفتيش شاحنات الخضروات عند الحدود السعودية وهي كادت ان تفسد لو طالت مدة توقفها واستمر امد بقاء البضاعة في الشاحنات، وقد نجحوا في ذلك وساهموا في فك اسر الشاحنات، مبرهنين تاليا ان عملهم يومي ومتعدد الوجه”.

    ثمة مشاريع لتسويق المنتجات الزراعية اللبنانية في اكثر من بلد، ابرزها مع الصين. فالميزان التجاري بين لبنان والصين غير متوازن وثمة فوارق بين الصادرات والواردات بحيث لا تتعدى الصادرات اللبنانية الواحد في المئة بالنسبة الى الواردات من الصين. ففي العام 2019 بلغت قيمة مجمل الواردات من الصين 1627 مليون دولار اميركي، بينما بلغت قيمة الصادرات الى الصين 14 مليون دولار اميركي. اما ابرز المنتجات المنوي فتح اسواق لها، فهي تلك التي تلائم النظام الغذائي الصيني والمعايير والمواصفات المطلوبة في الصين. كذلك ثمة اوراق عمل لتسويق المنتجات الزراعية بين لبنان واوستراليا ونيوزيلندا لتصدير الكرز والمشمش العجمي والحمضيات والخضروات، وذلك عبر التواصل مع اشخاص من الجالية اللبنانية هناك بما انه لا يوجد ملحقون اقتصاديون في هذين البلدين، بالاضافة الى ورقة عمل لتسويق المنتجات الزراعية اللبنانية في الولايات المتحدة الاميركية، فيما سيتم العمل على تدريب المصدرين على المطلوب منهم لكي يتمكنوا من الدخول الى الاسواق الاميركية.

    ابرز المنتجات التي يتم تسويقها في الخارج: الصناعات الغذائية في الدرجة الاولى، النبيذ، صناعة تصميم الازياء، بعض الخدمات التي تتعلق بالبرمجيات والتصاميم الهندسية، بعض المواد الصناعية مثل تصدير المولدات، وايضا تسهيل تصدير بعض المواد مثل عملية تصدير العسل اللبناني الى اوروبا حيث ثمة قرار اوروبي بمنعه بسبب وجود مواصفات صحية معينة تختلف بين بلد اوروبي وآخر، خصوصا في تصنيف العسل العضوي.

    تكمن الاولويات في المرحلة الحالية في بناء شبكة البيانات الخاصة بلبنان ومعرفة من هي الجهات التي يمكن ان تستورد منه، ومن هم اللبنانيون الذين يهتمون بالتجارة في المواد الصناعية الغذائية وسواها من الصناعات المهمة للبنان من اجل وجود المقاربة المطلوبة، وكذلك تنظيم المعارض وموضوع تسويق سياحة لبنان التي تراجعت بسبب فيروس الكورونا.

    هل اثرت كورونا سلبا على حركة الملحقين؟

    تشير الاوساط الديبلوماسية المعنية الى ان فيروس كورونا اثر سلبا على حركة الملحقين من خلال تقليص قدرتهم على انجاز دراسة السوق، واثرت ايضا لناحية ان الذوق المحلي حيث يتواجدون تغير تماما، وكذلك نتيجة الازمات الاقتصادية وتراجع القوة الشرائية للشعوب في الخارج. فالصعتر اللبناني مثلا صار من الكماليات بالنسبة الى عدد كبير من الناس الذين يفضلون المواد الاساسية والمحلية الصنع. كما اثر بطبيعة الحال على التسويق السياحي الذي تغيرت اولوياته.

    لن يؤثر قانون قيصر الاميركي على عمل الملحقين الاقتصاديين في دول الجوار بشكل مباشر، لكنه سيؤثر حتما على علاقات لبنان التجارية مع سوريا وخصوصا في النواحي التي لا شان لها بالمواد المتعلقة بالشؤون الانسانية والغذائية والطبية. سيتأثر مثلا التبادل التكنولوجي، والمشاركة في مناقصات حكومية للشركات اللبنانية مع نظيراتها السورية.

    صحيح ان لا دور للملحقين في هذه المواضيع، لكن قد يقوم الملحق الاقتصادي اللبناني في واشنطن مثلا بمتابعة بعض التفاصيل مع وزارة المال هناك، بتوجيه من سفير بلاده.

    *نشر هذا التقرير في العدد 82 من مجلة الامن العام الصادر في تموز 2020.

     

  • جرأة سياسيّة وثغرات قانونية في قرار مازح بمنع الاعلام من محادثة السفيرة الأميركية

    جرأة سياسيّة وثغرات قانونية في قرار مازح بمنع الاعلام من محادثة السفيرة الأميركية

     

    مقالات مختارة- علي الموسوي

    “مجلّة محكمة”

    اذا كان القاضي محمّد مازح قد فعلها ولو بطريقة شعبوية تجذب الرأي العام وتتناغم مع عواطفه ومواقفه من الولايات المتحدة الأميركية صاحبة الهيمنة الكبرى في العالم، عبر التصدّي لتدخّل سفيرتها دوروثي شيا بشؤون لبنان الداخلية بما يخالف المادة ٤١ من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وهو تدخّل ليس الأوّل من نوعه ولن يكون الأخير لا الآن ولا في المستقبل، إلاّ أنّ مازح أصدر قراراً يعرف في قرارة نفسه أنّه غير قابل للتنفيذ ولا يمكن صرفه على أرض الواقع، وتشوبه أخطاء قانونية عديدة في الشكل والمضمون.

    مازح أصدر قراراً يعرف في قرارة نفسه أنّه غير قابل للتنفيذ ولا يمكن صرفه على أرض الواقع
    مصلحة الدولة العليا
    وبعيداً عن قصائد المديح والتبجيل واللغة العاطفية والمشاعر الوطنية إذ لا مكان للشعر في معرض القانون، فإنّ خطوة مازح بمنع وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية الموجودة على الأراضي اللبنانية من أن تُجري حديثاً أو مقابلة مع السفيرة شيا، إنطوت على سلسلة أخطاء لا شكّ أنّ القضاء اللبناني في غنى عنها، كما أنّها لا تتوافق مع مصلحة الدولة العليا في الوقت الراهن في ظلّ التجاذب السياسي الحاصل في البلاد بين معسكرين متنافرين، واحد يميل إلى الولايات المتحدة الأميركية ومتفرّعاتها الغربية والعربية، وآخر ينحاز إلى إيران وروسيا والصين وسوريا.
    الهوّة بين القضاء والرأي العام
    ولا شكّ أنّ قرار مازح لم ينبع من “مزحة” قد تكون مكلفة متى تضافرت سياسات الدول الكبرى وتلاقت لتحقيق مصالحها، ومكلفة سياسياً واقتصادياً لبلد صغير مثل لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة من تاريخه السياسي، إلاّ أنّه أحرج القضاء برّمته، بدءاً من مجلسه الأعلى، بقرار لا يعطي أيّ إضافة معنوية للسلطة القضائية المستقلّة، بل يزيد الشرخ بين أفراد المجتمع على غرار قرارات قضائية سابقة صدرت في سنوات متعاقبة وفي عهود مختلفة، عن المجلس العدلي والمحكمة العسكرية ومحكمة التمييز العسكرية في ملفّات شائكة تتعلّق بجرائم القتل والإرهاب والتعامل مع العدوّ الإسرائيلي وشبكاته التجسّسية.
    ولا يغيب عن البال، أنّ من هلّل لقرار مازح ومن اعترض عليه من سياسيين ومواطنين في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، وعلى الأرض من خلال إحراق العلم الأميركي كما حصل في منطقة حيّ السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت، إنّما ينطلق من خلفية سياسية محضة، وقلّة قليلة ناقشته من منحى قانوني وتحدّثت عن الإيجابيات والسلبيات والثغرات الكامنة في تفاصيل سطوره المؤلّفة من 104 سطور.

    خطوة مازح بمنع وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية الموجودة على الأراضي اللبنانية من أن تُجري حديثاً أو مقابلة مع السفيرة شيا إنطوت على سلسلة أخطاء لا شكّ أنّ القضاء اللبناني في غنى عنها
    ووقوف الشعب اللبناني على ضفّتين متناقضتين في أمور الحياة اللبنانية على كلّ الصعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ليس جديداً على الإطلاق، وجاء قرار مازح ليوسّع الهوّة بين مؤيّد للقضاء ومنتقد له، وكلّ ذلك عرضة للمتغيّرات بحسب نوع الحكم أو القرار الصادر والجهة التي يتناولها، وبالتالي لا يوجد شيء جديد على هذا المنحى، وهو قرار لن يوتّر العلاقة بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية ولن يولّد أزمة دبلوماسية بينهما، وهو مجرّد قرار قضائي غير قابل للتنفيذ وإنْ حمل جرأة وأخطاء قانونية في آن معاً، كما أنّه تعثّر بجملة تناقضات واضحة المعالم.
    إنّ أصعب ما يواجهه أيّ قرار قضائي هو عدم القدرة على تنفيذه، ويصيب هيبة القضاء في الصميم، ويدرك القاضي مازح أنّ قراره لن ينفّذ ولن يبصر النور، إنّما هو تسجيل موقف سياسي غُلّف بإطار قانوني وتوقيع قضائي دون أن تكون للقضاء أيّ صلة به إلاّ من ناحية الشخص الذي أصدره، ولذلك هو على عاتق موقّعه مازح. وكلّ قاض مسؤول عن أفعاله وأعماله وأحكامه وقراراته بغضّ النظر عن نتيجتها وصوابيتها أو عدم دقّتها.

    إنّ أصعب ما يواجهه أيّ قرار قضائي هو عدم القدرة على تنفيذه، ويصيب هيبة القضاء في الصميم، ويدرك القاضي مازح أنّ قراره لن ينفّذ ولن يبصر النور، إنّما هو تسجيل موقف سياسي غُلّف بإطار قانوني
    أخطاء بالجملة
    ويمكن الإضاءة على الأخطاء والتناقضات الواردة في قرار القاضي مازح على الشكل التالي:
    أوّلاً: تناقل الرأي العام نسختين من قرار مازح، الأولى موقّعة من القاضي نفسه دون الكاتب، والثانية ممهورة بإمضائهما معاً. والنسخة الأولى تعرّض القرار للبطلان عملاً بالمادة 530 أصول محاكمات مدنية التي توجب توقيع الحكم من القاضي أوّلاً وقبل النطق به، ثمّ من كاتبه، الأمر غير الحاصل في هذه النسخة. فكيف سمح القاضي لنفسه تسريب هذه النسخة وهو على يقين بأنّها مخالفة صريحة للقانون وليس مجرّد عيب شكلي يمكن الرجوع عنه، بل هي تنسف القرار برمّته وتعتبره منعدم الوجود؟ وإذا كان الكاتب قد أقدم على هذه الخطوة من تلقاء نفسه دون العودة إلى القاضي فيجب تدخّل هيئة التفتيش القضائي لمعرفة حقيقة هذا التسريب وتحديد المسؤولية واتخاذ الموقف المناسب منها!
    ومن المعروف أنّه بمجرّد توقيع القاضي أو القضاة، والكاتب للحكم أو القرار، يعتبر رسمياً حتّى ولو حصل فيه خطأ مادي.
    وهنا لا بدّ من التذكير بواقعة حدثت مع قاض متقاعد كان يرأس محكمة استئنافية في بيروت وله باع طويل في القانون المدني وكان أستاذاً جامعياً خرّج عشرات القضاة والمحامين والحقوقيين، إذ أصدر ذات يوم قراراً لمصلحة المستأنف ووردت الحيثيات كلّها في هذا الإتجاه، غير أنّ الخلاصة تضمّنت عكس الحيثيات بتبديل غير مقصود بين عبارتي المستأنف والمستأنف عليه، ولمّا تلقّى وكيل المستأنف صورة القرار فوجئ بالتناقض بين الحيثيات والخلاصة ودخل إلى مكتب القاضي لينبّهه إلى هذا الخطأ، فما كان من القاضي إلاّ أن رفض تصحيح الخطأ وأرشده إلى تمييز القرار سبيلاً لتحصيل الحقّ والتصحيح.
    كلام شيا مرفوض
    ثانياً: إذا كان قاضي الأمور المستعجلة ينظر في الدعاوى المدنية والتجارية دون تلك الداخلة في عمل القضاء الإداري والجزائي والشرعي بحسب منطوق المادة 579 أ.م.م. وإذا كان تقدير العجلة ينطلق من سلطة مطلقة لقاضي الأمور المستعجلة في وصف الوقائع وتحديدها، فإنّ ما أدلت به السفيرة الأميركية شيا وبحسب العريضة المقدّمة للقاضي مازح يدخل في صلب عمل القضاء الجزائي، وبالتالي ليس من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة. فكلام شيا يؤجّج الصراعات الطائفية والمذهبية في لبنان ويشكّل خطراً على السلم الأهلي، أيّ ما يمكن إدراجه في خانة المادة 317 من قانون العقوبات، ولكن تحول الحصانة الدبلوماسية دون ملاحقة شيا على أقوالها واستفزازها لمشاعر شريحة من اللبنانيين.

    ما أدلت به السفيرة الأميركية شيا وبحسب العريضة المقدّمة للقاضي مازح يدخل في صلب عمل القضاء الجزائي وبالتالي ليس من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة
    كما أنّ كلام شيا المرفوض رفضاً قاطعاً، لا يحمل خطراً داهماً ومحدقاً لكي يتحرّك قاضي الأمور المستعجلة باتجاهه ويعمل على التصدّي له من الناحية القانونية، ذلك أنّه كلام يومي يأتيه كلّ مسؤول أميركي، وهو تضاعف في الفترة الأخيرة نتيجة تضييق الحصار على لبنان الواقع في عجز مالي وإفلاس إقتصادي، كما أنّ هناك سياسيين لبنانيين يكرّرون وبشكل ممجوج كلام شيا وتراتيل دولتها العظمى، وربّما يزايدون في مواقفهم السياسية، وقد تنضح بما يثير الفتنة بين أفراد الشعب اللبناني، ويصنّف كلام هؤلاء السياسيين عادة ضمن إطار”الإتهام السياسي” الذي لا يعوّل عليه!
    إتفاقية فيينا
    ثالثاً: مرّ القاضي مازح على اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية(1) الصادرة في العام 1961، من دون أن يستشهد بها في معرض تقييمه كلام السفيرة الأميركية شيا، ملمّحاً إلى المادة 41 منها دون الخوض فيها للقول بعدم جواز تدخّلها في الشؤون الداخلية للدولة اللبنانية، وذلك ليقينه بأنّ المادة 31 من الاتفاقية المذكورة تؤكّد توافر الحصانة القضائية الجنائية للدبلوماسي، وبالتالي تمنع عليه وعلى سواه ملاحقة الدبلوماسي في حال اقترافه جرماً جزائياً.
    ويعرف القاضي مازح أنّ اتفاقية فيينا تتقدّم على القوانين اللبنانية في معرض العمل بها، فلماذا وضعها جانباً وانهمك في البحث عمّا يقوده إلى تحقيق موقفه السياسي من خلال القوانين المحلّية،  فقدّم مقاربة تتعارض مع التفسيرات والشروحات الوافية لاتفاقية فيينا؟
    persona non grata
    وحاول مازح بقراره، أن يحلّ مكان وزير الخارجية اللبناني الغائب عن السمع وعن الحياة إزاء تدخّلات السفارة الأميركية وسفارات أخرى في شؤون وشجون لبنان وشعبه، ولكنّ هذا العمل لا يدخل ضمن وظيفة القاضي، ولا يحقّ له الحلول مكان السلطة التنفيذية ممثّلة بوزارة الخارجية التي يمكنها استدعاء السفيرة الأميركية والإحتجاج على كلامها وصولاً إلى إعلانها “شخصاً غير مرغوب به”(باللاتينية:persona non grata) وهو ما لن يحصل في لبنان.

    ولا يحقّ للمازح الحلول مكان السلطة التنفيذية ممثّلة بوزارة الخارجية التي يمكنها استدعاء السفيرة الأميركية والإحتجاج على كلامها وصولاً إلى إعلانها “شخصاً غير مرغوب به”
    الإعلام بدل عن ضائع
    وإزاء عدم القدرة على ملاحقة السفيرة الأميركية قضائياً، وعدم اتخاذه أيّ تدبير بحقّها لوجود موانع قانونية تحول دون ذلك، ذهب القاضي مازح إلى استصدار أمر على عريضة معجّل التنفيذ نافذ على أصله باسم الشعب اللبناني قضى بمنع أيّ وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية تعمل على الأراضي اللبنانية سواء أكانت مرئية أو مسموعة أو مكتوبة أو إلكترونية من إجراء أيّ مقابلة أو حديث مع السفيرة شيا لمدّة سنة تحت طائلة وقف الوسيلة الإعلامية المعنية عن العمل لمدّة مماثلة في حال عدم التقيّد بهذا الأمر وتحت طائلة تغريمها مبلغ 200 ألف دولار أميركي كغرامة إكراهية.
    رابعاً: اللافت للنظر أنّ الاستدعاء المقدّم عبر البريد الإلكتروني للقاضي مازح، يحدّد الغاية منه وهي كلام السفيرة الأميركية وليس وسائل الإعلام، واتخاذ تدبير لوضع حدّ لتصريحاتها وليس منع هذه الوسائل الإعلامية من القيام بواجبها المهني سواء باستصراح هذه السفيرة أو ذلك السفير ولأيّ دولة انتمى.
    رقابة مسبقة
    غير أنّ مازح وإزاء عدم القدرة على منع شيا من الحديث، استعاض عن ذلك بمنع وسائل الإعلام من التحدّث إليها بدلاً من الإكتفاء بوسيلة واحدة محدّدة بعينها، وذهب أبعد من ذلك بتقييد الحرّية الإعلامية لمدّة سنة وهذا ما يتعارض بشكل صريح وواضح مع الدستور اللبناني ومع الحرّيات الإعلامية ومع قانون المطبوعات. وهو لم يحدّد النطاق الجغرافي للوسيلة الإعلامية، بل تركها مفتوحة بحيث تشمل وسائل إعلامية تبثّ إلى كلّ العالم وإلى جميع أرجاء المعمورة، وبالتالي يخالف المبادئ القانونية العامة.
    والسؤال كيف أجاز القاضي مازح لنفسه أن يتخذّ موقفاً مسبقاً رقابياً بمنع أيّ وسيلة إعلامية من التحدّث إلى السفيرة الأميركية أو استضافتها، فيما هناك قرارات سابقة لقضاة العجلة تؤكّد بصورة نهائية عدم جواز إجراء أيّ رقابة مسبقة على وسائل الإعلام؟ وعادة تصدر قرارات قضاة العجلة بما يمنع تحقيق الضرر راهناً، وليس في المستقبل، بمعنى أنّه لا يمكن القول برقابة مسبقة على أيّ كلام قد يدلى به في مرحلة لاحقة.

    مازح وإزاء عدم القدرة على منع شيا من الحديث استعاض عن ذلك بمنع وسائل الإعلام من التحدّث إليها بدلاً من الإكتفاء بوسيلة واحدة محدّدة بعينها، وذهب أبعد من ذلك بتقييد الحرّية الإعلامية لمدّة سنة وهذا ما يتعارض بشكل صريح وواضح مع الدستور اللبناني ومع الحرّيات الإعلامية ومع قانون المطبوعات
    وأنّى للقاضي مازح أن يعرف ما قد يدلي به هذا أو ذاك من كلام وأقوال وينجم عنه ضرر حقيقي وأكيد وهو لم يتلفّظ به بعد؟ وهل يعقل أن يستبق الحدث بتحديد المنع لمدّة سنة من دون وجود ضرر حقيقي يستدعي هذه العقوبة المانعة في الأصل للحرّية الإعلامية؟
    وكيف سمح القاضي مازح لنفسه إصدار قرار على شكل أنظمة وبما يخالف المادة 3 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي تمنع القاضي من وضع أحكامه في صيغة الأنظمة، وحَبَسَ وسائل الإعلام لمدّة سنة عن أداء دورها الملتزم “بالمناقبية الإعلامية” كما يفترض، ومنعها من إجراء أيّ مقابلة مع شيا مع تهديدها بوقفها سنة مماثلة في حال تجرأت وخالفت قراره وتغريمها مائتي ألف دولار أميركي وليس بالعملة الوطنية أيّ الليرة اللبنانية؟
    شروط تدخّل قاضي العجلة
    ألم يكن بإمكان المتضرّر من الوسيلة الإعلامية، وهي هنا “الحدث – العربية” التي استضافت شيا، اللجوء إلى محكمة المطبوعات لمقاضاتها وفق ما تنصّ عليه أحكام قانون المطبوعات، علماً أنّ قاضي أمور العجلة يستطيع التدخّل لاتخاذ أيّ تدبير ملائم في حال توافر الشروط القانونية التي تتيح له التدخّل وهذا غير متوافر في هذه الدعوى؟
    وقد تعرّض القاضي مازح “للأساس” من خلال قوله إنّ حديث شيا الإعلامي يسيء لمشاعر كثير من اللبنانيين بينهم المستدعية فاتن علي قصير، وإذا كان هذا التوصيف دقيقاً وحقيقاً وليس الإكتفاء بظاهر الحال، فإنّه يخرج عن صلاحية قاضي العجلة لينصبّ في صميم مهام محكمة المطبوعات، فمن حقّ قاضي العجلة أن يسارع إلى وقف حلقة تلفزيونية قبل بثّها بناء على مقتطفات ترويجية لها يستشفّ منها وجود ضرر ما، بينما المقابلة التلفزيونية مع شيا بثّت على الهواء مباشرة بما فيها من تطاول على السيادة اللبنانية وكلام جارح بحقّ اللبنانيين، ولم يعد بالإمكان وقفها، وبالتالي خرجت عن صلاحية قاضي العجلة ولم يعد من صلاحياته تقرير عقوبة لمدّة سنة كاملة عن كلام مستقبلي تنوي هذه السفيرة الإدلاء به فهذا تعرّض فاضح للأساس يخرج عن نطاق مهام قاضي العجلة، فالضرر الناجم عن كلام السفيرة شيا وقع ولم يعد يحقّ لقاضي العجلة التصدّي له.
    منع الإعلام من المنازعة
    خامساً: لقد خالف القاضي مازح القانون بإصدار قراره بصورة رجائية ومن دون منازعة الشخص المستهدف، أيّ وسائل الإعلام بعدما استبعد السفيرة الأميركية من حلقة الإدانة والعقوبة لصعوبة تحقيق ذلك، فكيف أجاز لنفسه القيام بهذا التصرّف ومنع أصحاب المصلحة من المناقشة وإبداء آرائهم ومواقفهم من الاستدعاء المقدّم إليه، وهو ما لا يحصل إلاّ في الدول الديكتاتورية وليس في الدول الديموقراطية؟
    ألم يكن من الأفضل للقاضي مازح استدعاء وسائل الإعلام اللبنانية وتلك العاملة على الأراضي اللبنانية التي يرى أنّها قد تستقبل السفيرة الأميركية على شاشتها في أيّة لحظة، وسماع موقفها ودفاعها بدلاً من معاقبتها بصورة قاسية؟

    تعرّض القاضي مازح “للأساس” من خلال قوله إنّ حديث شيا الإعلامي يسيء لمشاعر كثير من اللبنانيين بينهم المستدعية فاتن علي قصير، وإذا كان هذا التوصيف دقيقاً وحقيقاً وليس الإكتفاء بظاهر الحال، فإنّه يخرج عن صلاحية قاضي العجلة لينصبّ في صميم مهام محكمة المطبوعات
    أكثر من المطلوب
    سادساً: إنّ منع سفيرة “الشيطان الأكبر” من الحديث مستقبلاً، لا يُتخذّ في قرار أمر على عريضة، حتّى ولو كان كلامها مضرّاً ومؤذياً لمشاعر اللبنانيين ويعتبر تدخّلاً في شؤون الدولة اللبنانية.
    وأخيراً، لقد بالغ القاضي مازح في قراره وأعطى المستدعية قصير أكثر ممّا طالبت به أو كانت تتطلع إليه وادعت به(باللاتيني: Ultra Petita) حيث قرّر عقوبة المنع سنة كاملة، بالإضافة إلى عدم اختصاصه ومخالفته اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لأنّه ليس من صلاحيته تفسيرها، وكلّ هذه العوامل تعرّض قراره للبطلان.

    *نشر هذا التقرير في مجلة محكمة الأحد في 28 حزيران 2020

     

  • حكومة الكاظمي في العراق: المساكنة الإيرانية-الأميركية

    حكومة الكاظمي في العراق: المساكنة الإيرانية-الأميركية

    مقالات مختارة- شوقي عشقوتي

    مجلّة الأمن العام

     

    اخيرا، تشكلت الحكومة في العراق بعد خمسة اشهر من ازمة سياسية وفراغ حكومي على وقع احتجاجات شعبية في الشارع، ونجح مصطفى الكاظمي الاتي من خارج الطبقة السياسية في تشكيل حكومة والحصول على تأييد القوى السياسية في البرلمان بما فيها القوى الشيعية المتنافسة. دخل العراق مرحلة جديدة حافلة بالتحديات والمشاكل.

     

     

    دخل مصطفى الكاظمي في امتحان عسير ومهمة صعبة هي كيفية ادارة التوازن والمساكنة بين ايران والولايات المتحدة على ارض العراق. اسفرت الانتفاضة الشعبية في العراق عن نتيجتين سياسيتين: سقوط حكومة عادل عبدالمهدي، وفتح الطريق امام انتخابات نيابية مبكرة. لكن النتيجة الابرز، التي انكشفت مع اعلان الحكومة الجديدة، تتمثل في ان الشارع العراقي نجح في وضع الطبقة السياسية جانبا واعلن الحاجة الى ضخ دم جديد في الجسم العراقي المريض، وفرض الانكفاء على القيادات الشيعية التي تعاقبت على تشكيل الحكومات، من نوري المالكي وابراهيم الجعفري، الى حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي. كانت النتيجة ان وصل مصطفى الكاظمي الى رئاسة الحكومة من خارج الطبقة السياسية والاحزاب الشيعية ومتمردا عليها، مع برنامج مقتضب من عناوين محددة: اطلاق السجناء السياسيين والذين اعتقلوا في صفوف المتظاهرين، واحتواء ازمة كورونا، وتحسين الوضع الاقتصادي، وتنفيذ اصلاحات ادارية ومالية، واجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتأكيد سيادة العراق وقراره، واقامة توازن بين ايران والولايات المتحدة، بحيث لا يتحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات ويسقط واقعا بين المطرقة الايرانية والسندان الاميركي.

    للمرة الاولى منذ استقالة عبد المهدي يحصل توافق سياسي على رئيس جديد للحكومة، ويحصل اجماع غير مسبوق بعدما فشلت محاولتان لتشكيل حكومة جديدة منذ بداية عام 2020 واعتذار محمد توفيق علاوي وبعده عدنان الزرفي. هذه المرة، التقت كل الكتل والقوى الشيعية على دعم الكاظمي الذي تلقى دعم الاكراد والسنة ايضا، وكان منذ البداية المرشح المفضل للرئيس العراقي برهم صالح الذي اشاد به بعد التكليف كـشخصية مناضلة ومثقفة معروف عنه النزاهة والاعتدال والحرص على الحقوق العامة للعراقيين.

    يعتبر الكاظمي مطابقا لمواصفات المرحلة. هذا الرجل الاتي من عالم الصحافة (كان مناهضا لنظام صدام حسين ولاجئا مقيما في لندن)، ومن عالم المخابرات (تولى رئاسة جهاز المخابرات منذ العام 2016 في ذروة المعركة مع داعش)، تنتظره مهمة صعبة لانقاذ العراق من كارثة اقتصادية وسياسية، ويعتبر الرجل الانسب والافضل لهذه المرحلة. فقد اتاح له موقعه في رئاسة المخابرات بناء علاقات مع الدول والاجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي، ومع كل اللاعبين السياسيين على الساحة العراقية، وعلاقته مع الاميركيين ممتازة، ومع الايرانيين جيدة، خصوصا بعدما تمت تسوية بعض الاشكالات وعادت الامور الى مجاريها في الفترة الاخيرة.

    مصطفى الكاظمي ينظر اليه في العراق كـمفاوض ماهر قادر على تسخير علاقاته الواسعة مع واشنطن وطهران، وكشخصية حيادية متوازنة، اذ لم يسبق له ان انتمى الى احد الاحزاب السياسية، وصاحب عقلية براغماتية قادر على لعب دور الوسيط السياسي بين الاطراف العراقيين خلال الازمات.

    لكن ما يلفت ايضا هو علاقته المتميزة مع السعوديين. خلال زيارة للعبادي الى الرياض عام 2017، شوهد الكاظمي وهو يعانق مطولا صديقه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان. مثلما كان لافتا ان تكون السعودية اول الدول المرحبة بحكومة الكاظمي واكثرها حرارة. لم يقتصر الامر على بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية يبدي استعدادا للعمل مع الحكومة الجديدة على اساس الاحترام المتبادل والروابط التاريخية، فهذا البيان ارفق ببرقيتي تهنئة من الملك سلمان وولي عهده الذي بادر الى الاتصال هاتفيا برئيس الوزراء العراقي الجديد.

    يعرف الكاظمي ان رئاسة الحكومة جاءته في توقيت حساس، وان مهمته ستكون صعبة وشائكة. فالعالم يتجه نحو مرحلة كئيبة من التعايش الطويل الامد مع وباء كورونا، وسط كساد اقتصادي غير مسبوق وكوارث اجتماعية وجيوش العاطلين عن العمل وارتفاع معدلات الفقر والجوع. فاذا كانت المرحلة المقبلة صعبة في البلدان التي تمتلك مؤسسات عصرية مستقرة ومتطورة، فكيف تكون الحال في بلدان مثل العراق تفتقر الى مثل هذه المؤسسات والى بنى تحتية ومرافق حيوية؟

    يعرف الكاظمي ان اصعب واخطر ملف على طاولته هو ملف الفشل العراقي في مرحلة ما بعد صدام حسين، الفشل في اعادة بناء الدولة وفي اقامة مؤسسات دستورية صلبة تحفظ هيبة الدولة وحقوق المواطن بعيدا عمن المحاصصة الطائفية والفساد العابر للطوائف والقوميات.

    اما المهمة الاصعب، فتبقى في كيفية الخروج من الوضع الذي كرس العراق خط تماس بين ايران والولايات المتحدة وساحة صراع وتصفية حسابات، خصوصا بعد انسحاب القوات الاميركية عندما انتزعت ايران لنفسها حق ادارة الشأن العراقي، في ظل عدم ممانعة اميركية ولامبالاة.

    مما لا شك فيه ان الانتفاضة العراقية لم تكن فقط ضد الفساد والفشل، انما ايضا وخصوصا ضد تكريس العراق ملعبا لاختبارات القوة الاميركية ـ الايرانية، وللتجاذب الذي بلغ ذروته حين اتخذ الرئيس الاميركي دونالد ترامب قرارا لم يتوقعه احد وهو اغتيال اللواء قاسم سليماني.

    حكومة الكاظمي الجديدة في بغداد تقود الى استنتاجين:

    – الاول هو ان ايران وافقت على الحكومة التي لا تعد مثالية والافضل بالنسبة اليها. ليست هذه الحكومة التي تريدها ايران وتطمح اليها، لكنها تصرفت واقعيا وسلمت بالتوازن الدقيق في العراق الذي لا يسمح لها بالاستئثار بالحكومة والقرار، وطرد الاميركيين كوجود عسكري ونفوذ سياسي. ما لم تستطعه طهران في الاشهر السبعة الماضية لفرض الحكومة التي تريدها لن تستطيعه في هذه المرحلة، في ظل حصار اقتصادي وضائقة مالية وجائحة الكورونا، وانهيار اسعار النفط، وبعد المتاعب التي واجهتها في العراق منذ مطلع هذا العام، بدءا من اغتيال اللواء قاسم سليماني الذي يصعب ملء فراغه، مرورا بالاحتجاجات الشعبية التي في جزء منها بدت موجهة ضد ايران، وصولا الى الانقسامات بين القوى والمكونات الشيعية، ناهيك بانحياز المكونين السني والكردي الى ناحية الاميركيين.

    – الاستنتاج الثاني ان التوصل الى هذه الحكومة وارساء توازن دقيق بين الاميركيين والايرانيين يدشن مرحلة جديدة قديمة عنوانها المساكنة بين الطرفين على ارض العراق. هذه المساكنة التي اهتزت بعنف بعد اغتيال سليماني وتحولت صداما وكادت ان تتطور الى حرب، تفرضها، ليس فقط التوازنات العراقية، وانما المستجدات الاقليمية التي خلطت الاوراق والاولويات، وفرضت على الطرفين تهدئة اللعبة وتبريد المسرح في العراق واليمن والخليج. المستجدات الاميركية التي لها علاقة بالانتخابات الرئاسية، اذ بعدما كان الامر قد حسم لمصلحة ترامب لم يعد كذلك وبات جو بايدن يشكل منافسا جديا ولديه حظوظ وفرص، اثر انقلاب المعطيات الاقتصادية في اميركا ومعها مزاج ترامب وشعبيته.

    الرئيس ترامب في الفترة الفاصلة عن الانتخابات لا هدف لديه الا ترميم وضعه الانتخابي المتصدع، مع ما يعنيه ذلك من تفرغ للداخل ووضع كل ملفات الخارج والشرق الاوسط جانبا، بحيث لا مكان حاليا لحروب ولا لصفقات كبرى. والايرانيون ليس امامهم الا انتظار الانتخابات الاميركية والعودة الى كسب الوقت والرهان على سقوطه وفوز بايدن ومعه عودة نهج اوباما. في الواقع، حصل تقاطع اميركي ـ ايراني على تهدئة الصراع وتمرير المرحلة في المنطقة، فكانت حكومة الكاظمي ترجمة لهذا التقاطع واعلان العودة الى سياسة المساكنة في العراق.

    يمكن حكومة الكاظمي ان تكون مؤشرا الى ما هو ابعد من مساكنة في العراق، الى تحرك المياه الراكدة بين ايران والولايات المتحدة، والى تحرك مسار المفاوضات من جديد وفتح الطريق لمفاوضات جديدة وقاسية بين الدولتين، ستكون في حال حصولها مختلفة عن المفاوضات في عهد الرئيس باراك اوباما، لانها ستشمل كل ملفات المنطقة ولن تكون محصورة بالاتفاق النووي.

    مثل هذا التحرك يبدو مؤجلا الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية التي يكتنفها الغموض.

     

     

    كادر

     

    الكاظمي قناة اتصال

    بين الأميركيين والإيرانيين

     

    يواجه رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي تحديات سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية يسعى الى حلها بالموارد المتاحة. ففي موازاة اثبات قدرته على ادارة وتفكيك ازمات معقدة، عليه ان يثبت قدرته في الامتحان الادق والاصعب وفي دوره كقناة اتصال وتواصل بين الجانبين الاميركي والايراني انطلاقا من الاعتبارات والظروف التالية:

    • الاشارات الاميركية الى انسحاب وشيك من العراق، او اقله الى اعادة انتشار للقوات الاميركية بعد استئناف الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد في حزيران المقبل.
    • الاشارات الايرانية الى اعادة نظر في السياسة والمقاربة المعتمدة في العراق، وهذا التوجه كان بدأ بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني.
    • رغبة ومصلحة الجانبين الايراني والاميركي في تعزيز مشروع الدولة العراقية وتمكينها من مواجهة التحدثات، بما فيها التحديات الارهابية التي تمثلها داعش.
    • اهمية الساحة العراقية كنقطة فصل ووصل، اشتباك وحوار بين واشنطن وطهران، واهمية دور الكاظمي في احتواء عوامل الاشتباك والتركيز على نقاط التلاقي.

     

    *نشر هذا التقرير في العدد 81 من مجلة الأمن العام الصادر في حزيران 2020.

     

     

  • ابراهيم كنعان: البرلمان ممرّ إلزامي للخطة الاقتصادية

    ابراهيم كنعان: البرلمان ممرّ إلزامي للخطة الاقتصادية

     

     

    مقالات مختارة- رضوان عقيل:

    مجلة الأمن العام

     

    تناقش الكتل النيابية مندرجات الخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة قبل بتها مع صندوق النقد الدولي، لاسيما وانه في حال تطبيقها قد يتغير الوجه المالي للبنان. يعد البرلمان خلاصة ملاحظاته عليها، بحيث من المتوقع اقرار 22 قانونا لتأخذ الخطة طريقها الى التطبيق.

     

    لا يتعاطى اصحاب الخطة الاقتصادية الاصلاحية على قاعدة انها منزلة. هذا ما يؤكده رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب، بحيث ان مساحة اجراء التعديلات عليها مفتوحة تحت قبة البرلمان التي تشكل الممر الالزامي لبدء تنفيذها، وقد تلقى صندوق النقد الدولي والجهات الدولية هذه الرسالة.

    يضيء رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ”الامن العام” على مسار الخطة التي يجري تشريح حروفها وارقامها واهدافها، وما تضمنته في المطبخ النيابي، حيث شارك في هذا العمل النواب من مختلف الكتل سواء كانوا من الموالاة ام من المعارضة. مع الاشارة الى ان خلاصات ما سيتم التوصل اليها مع صندوق النقد، واقرار الحكومة لها في نهاية المطاف، سينقل الوجهة الاقتصادية والمالية في لبنان من ضفة الى اخرى.

    رئيسا الجمهورية والحكومة اكدا ان الخطة ليست منزلة ولا يعارضان اي تعديلات عليها

    * كيف تعاين رحلة الخطة الاقتصادية في البرلمان؟

    – عقدنا اكثر من جلسة لمناقشة رحلة الخطة وكانت كلها “حرزانة”، وذلك من خلال حضور نيابي  في الجلسات التي عقدتها لجنة المال والموازنة حيث شارك ما يزيد عن 50 نائبا، في حضور وزيري المال غازي وزني والاقتصاد راوول نعمه، فيما نلمس اهتماما كبيرا من طرف النواب. عقدنا اكثر من جلسة في حضور ممثلين لجمعية المصارف ومصرف لبنان فضلا عن الهيئات الاقتصادية. نعمل على تعويض النقص في الخطة الذي عبّر عنه القطاع الخاص الذي اعتبر انه لم تجر مشاورته، وهذا ما تم نقله الى الكتل النيابية. اركز هنا على المعنيين بالخطة في هذا القطاع، من جمعية المصارف الى رجال الاعمال اضافة الى نقابات المهن الحرة، ان الخطة المطروحة تطاول كل نواحي المجتمع  وقطاعاته من المحامين والاساتذة وغيرهم، مع التركيز على النظام التقاعدي والضريبي. تلقينا كتبا من اكثر النقابات تقريبا، تفيد انه لم يتم التحدث معها في موضوع الخطة. وكما هو معلوم، يشكل البرلمان نقطة حوار ونقاش ويستمع الى الجميع. نحن نحرص في اللجان النيابية وقبل اصدارنا قوانين او اي مواقف اخذ آراء جميع الجهات المعنية بهذه الملفات المطروحة، فكيف بالحري امام خطة استثنائية ستغير في النهاية كل الحياة الاقتصادية في البلد، وقد تصل الى تغيير الهوية الاقتصادية اللبنانية من نظام اقتصادي حر الى موجه، بحسب ما يطرح البعض ويعبّر عن قلقه. نحن لا نتبنى اي شيء، لكننا ننقل القلق الذي نسمعه من الكتل والجهات الاقتصادية وغيرها.

    * يفهم من كلامك انهم يعبّرون عن قلق كبير ويعارضون مضمون هذه الخطة؟

    – عبّرت هذه الجهات عن قلقها في العلن وثمة بيانات تصدر في هذا الخصوص. من هذا المنطلق، ما قمنا به هو اننا استمعنا الى الوزراء وطرح النواب اسئلتهم وهواجسهم. نحن نقوم بتحليل الارقام المطروحة، وتم التوقف عند دستورية وقانونية بعض النواحي الواردة في الخطة مثل الملكية الخاصة التي وردت في الفقرة (و) من الدستور والتي لا تسمح بالمس بها وهي مقدسة. ثمة نقاط في الخطة تمس هذه الملكية في مكان ما، اي بمعنى هناك دخول على الودائع في المصارف من خلال محاور: سعر صرف الليرة الذي تم حسبانه في الخطة اي بمساواة الدولار بـ 3500 ليرة. فاذا تم تطبيق هذا الامر وجرى تعميمه يشكل “هيركات” مباشر وخصوصا مع تبدل قيمة هذه الاموال، مواكبة الصندوق السيادي وفق الشكل المطروح به لاعطاء المودعين حصصا في هذا الصندوق. المطروح في هذا المشروع ان تتم تغذيته من استعادة الاموال المنهوبة وهي ليست في اليد حتى اليوم. ثمة احتمالات في استعادة مبالغ من هذه الاموال او لا يحصل هذا الامر. في دول العالم التي تابعت هذا الموضوع، وبحسب دراسة اعدتها الامم المتحدة، لم يتم استرجاع اكثر من 45 في المئة من الارقام المطروحة، وقد عرضت هذه الدراسة علينا في اثناء مناقشتنا قانون استرجاع الاموال المنهوبة. هناك ايضا عملية طرح بعض النقاط التي تناولتها الخطة والمتعلقة بالخسائر والتي قدمتها، حيث تقول ان هذه الخسائر التي تبلغ 241 الف مليار ليرة هي خسائر غير محققة بعد. نسأل هنا كيف تم البناء على هذه الحصيلة، ولماذا تم اخذ 73 الف مليار من الدين العام  مع اعتبار انه سيتم اقفاله اضافة الى اخذ 66 الف مليار من مصرف لبنان  و40 الف مليار من المصارف على اساس انها توظيفات في القطاع الخاص. ثمة من يقول من المعترضين على الخطة، ان هذه الارقام ليست خسائر ونحن لا نقوم بعملية تصفية هنا. لماذا يتم تكبير الحجر على انفسنا لندخل الى المصارف والودائع. قد يؤدي هذا الامر الى افلاس اقتصاد كامل وتوقفه، وسيكون الانعكاس سلبيا على “موتور” الاقتصاد في البلد.

    * اين وجدتم النقاط الايجابية في الخطة؟

    – من النقاط الايجابية فيها انه اصبح هناك اطار يمكننا النقاش حوله او رؤية يمكن ان نساهم في اصلاحها. ما لمسته في الاجتماعات التي عقدها بعيدا من الاعلام مع الرئيس نبيه بري الذي كان من اول المشوار وقبل طرح الخطة، وشدد على حفظ الودائع واحترام الملكية الخاصة ووضعها في مرتبة الخط الاحمر. تشاركت معه في هذه النقطة ولا رجوع فيها الى الوراء. تلقينا من رئيس المجلس موقفا داعما لما نقوم به في هذه اللجنة وقد رحب بالنقاش الجدي المطروح من خلال وضعنا تصورا مشتركا يؤدي الى انقاذ البلد. التقيت ايضا رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب واكدا لي ان هذه الخطة ليست منزلة، وهما في النهاية لا يعارضان وضع تعديلات عليها.

    * الم تلاحظ ان همّ الخطة كان مخاطبة صندوق النقد الدولي والحصول على رضاه؟

    – لاحظنا ان صندوق النقد مذكور في كل صفحة، بحيث ان الرسالة التي تشتمها منها ان من دونه لن يتحقق اي انقاذ. لقد طرحنا كنواب الخطة (ب) لانه في حال، ولسبب ما، لم يوافق صندوق النقد على تقديم هذه القروض او اذا لم ير لبنان مصلحته في الشروط التي  ستطرح عليه، تبقى كل الاحتمالات واردة. علينا التفتيش هنا عن حلول اخرى، وان لم تكن في حجم الحل الاول اي الذهاب الى الصندوق.

    ثمة 22 قانونا تحضر لها الحكومة لمواكبة عمل الخطة كيف سيواكبها المجلس؟

    – من الواضح انه اذا لم يحصل تعديل في الخطة بمعنى الاخذ في الاعتبار او محاكاة الهواجس المطروحة وتخرج من الواقع الذي وضعت حالها فيه لن تكون الاجواء ايجابية، علما ان الكتل تطالب باحداث تعديلات على عدد من بنودها. في المقابل، لا يجب ان نذهب الى السلبية وقد لمسنا من الحكومة انها على استعداد لاجراء تعديلات في الخطة على اعتبار ان لا شيء منزلا. سمعت هذا الكلام من الرئيس دياب الذي قال انه مستعد للمناقشة ولم يتشبث بطروحاته. لا يستطيع احد ان يكون مقفلا امام مجلس النواب. هناك عدد من المواضيع تحتاج الى قوانين وهي تصل الى 22 قانونا سيقرها المجلس لاطلاق الخطة، واذا لم يمش المجلس بها لا يمكن تطبيقها. لن نتدخل في عمل الحكومة، لكن اذا فضلت طرح مسودة قوانينها اولا من باب التعاون لا مانع لدينا ولا مشكلة، واذا عملت عكس ذلك لا مشكلة ايضا من باب تطبيق فصل السلطات. في النهاية لن تقر هذه القوانين او تعدل او يتم ردها الا في المجلس، ووصلت الرسالة الى كل الجهات المحلية والدولية ان الممر الالزامي لأي خطة اصلاحية يستوجب هذا  الكم من التعديلات القانونية الاساسية التي تعيد هيكلة القطاع المصرفي والدين العام وعقد اتفاقات على تمويل يتخطى مليارات الدولارات مع الصندوق النقد، اضافة الى تعديل القوانين الضريبية وغيرها. علما ان هذه الامور لا تولد بقرار.

    شدد الرئيس بري على حفظ الودائع واحترام الملكية الخاصة ووضعها في مرتبة الخط الاحمر

    *  الا تتوقعون حصول معارضة شديدة للخطة من الكتل غير الممثلة في الحكومة؟

    –  تشارك كل الكتل في لجنة المال، واكثر الحاضرين كانوا من الكتل المعارضة حتى من الجهات التي قاطعت لقاء بعبدا فعبّرت عن ارتياحها الى اجواء النقاشات التي تتناول الخطة. منذ اليوم الاول، توصلنا الى جملة من النقاط المشتركة بين الكتل، ولم ار من  كتل المستقبل والتنمية والتحرير والوفاء للمقاومة والقوات اللبنانية والكتل الاخرى الا تقاطعات حيال اكثر من نقطة، مثل الحفاظ على الملكية الخاصة. عندما ناقشنا الخسائر المطروحة وانعكاساتها على الاقتصاد وطريقة احتسابها، حصل ايضا تقاطع كبير. لم اشعر لحظة ان النقاش مسيس، بل كان خارج اطار الاصطفاف السياسي اليوم بين المعارضة والموالاة. لا احد يحاسب الحكومة من المعارضة على خلفية المعارضة.

    * كيف سيواجه المجلس اذا قررت الحكومة رفع الدعم عن الطحين والمحروقات بناء على طلب صندوق النقد؟

    – هذا الموضوع سيمر في المجلس قبل ان يصل الى الصندوق، فيما نناقش حاليا الخطوط العريضة للخطة،  وبالتالي فان الحكومة ستكون حكيمة بما ستطرحه على الصندوق كي لا  تقع في المحظور ومن اجل ان لا تلتزم امرا لا تستطيع تطبيقه.

    * ماذا لمستم من صندوق النقد؟

    –  التقيت مع زميلي ياسين جابر مندوبين لصندوق النقد عند تقديمهم المشورة التقنية في اثناء جولاتهم على عدد من المسؤولين. في كل سنة عندما يحضر فريق صندوق النقد، يقوم بجولة على الجهات المعنية بالعملية المالية. التشريع المالي في البرلمان والاصلاحات المالية التي طرحتها لجنة المال كانت متقدمة جدا خلال السنوات الاخيرة، ولو تم تطبيقها لما وصلنا الى هذا الواقع.

    * هل وقفتم في موضوع الخطة امام رأي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟

    – لا مانع  من حصول هذا الامر. لا يجب طرح الموضوع من باب وجود مشكلات بين هذا الفريق او ذاك بل يجب تطبيق ما تنص عليه المؤسسات الدستورية على الرغم من وجود خلافات بين الكتل النيابية. لذلك المطلوب ان تناقش في المجلس وهذا هو الامر الذي يحصل. هذا هو الموقع الاساس الذي تطبخ فيه السياسات والتشريعات المالية.

    * خلاصة ما تناقشونه في المجلس في مقاربة الخطة  هل ستضعونه في تقرير ويتم رفعه الى رئيسي المجلس والحكومة؟

    – بالتأكيد. هذا الجهد الاستثنائي القائم على اداء ممتاز من طرفي الوزراء والنواب، يتبلور في هذه الخلاصة التي ستتضمن اقتراحات عملية. مشاركة سائر الاطراف في هذه النقاشات تحت قبة البرلمان هو تحد للبنان وديموقراطيته. هذا الامر يعبّر عن رقي المؤسسات الدستورية وخصوصا في البرلمان. سنرفع هذه الخلاصة بعد انتهاء المطابخ الشغالة لها الى رئيس المجلس، وربما سيطرحها في جلسة عامة او سيتم الاعلان عنها  كي تصبح ملك الرأي العام.

    *نشرت هذه المقابلة في العدد 81 من مجلة الامن العام الصادرة في حزيران 2020

  • الدكتور صالح النصولي: صندوق النقد الدولي لا يقدّم مساعدات أثناء المفاوضات

    الدكتور صالح النصولي: صندوق النقد الدولي لا يقدّم مساعدات أثناء المفاوضات

     

    *مقالات مختارة

    مجلة الأمن العام

     

    كي يحظى لبنان بتجاوب المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، ولانقاذه من ازمته الاقتصادية والمالية والاجتماعية غير المسبوقة، يجب ان يكون هناك اجماع داخلي على خارطة الطريق للحل. لا بد من ان يباشر لبنان اجراءات اصلاحية ضرورية وفورية قبل اللجوء الى المساعدات الخارجية

     

    هذه الاشارات تؤكد صدقية لبنان في اطلاق الاصلاحات، وتثبت جديته في ان يبدأ بمساعدة نفسه قبل ان يلجأ الى الخارج، لأن المزيد من المماطلة والتسويف سيفضي الى تدهور اعمق واخطر.

    اعتبر المدير السابق للمكاتب الاوروبية في صندوق النقد الدولي الدكتور صالح منير النصولي في حوار مع “الامن العام” من مكتبه في واشنطن، ان المؤسسات الدولية والمانحين الثنائيين سيكونون اكثر استعدادا لمساعدة لبنان، اذا رأوا دليلا على ان لبنان مستعد لمساعدة نفسه. وشدد على شرط مهم جدا، هو ان ازدهار لبنان ونموه في المستقبل يعتمد في شكل حاسم على قطاع مصرفي قوي وفعال ونابض بالحياة.

     

    * بدأ لبنان مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي IMF، وبات تشخيص الحالة اللبنانية الاقتصادية والمالية والنقدية واضحا، من دون ان ننسى ان للبنان وضعا سياسيا معقدا جدا، وقدرة الدولة على التزامها تنفيذ الاصلاحات معروفة، ويمكن ان تستغرق المفاوضات اشهرا. هل يستطيع الصندوق اعطاء لبنان مساعدة مالية مرحلية، تمكنه من اجتياز المفاوضات من دون عبء الواقع الاقتصادي والاجتماعي عليه؟

     

    – يواجه لبنان ازمة اقتصادية ومالية لم يسبق لها مثيل تنعكس في النقص الحاد في العملة الاجنبية منذ نهاية العام الماضي. الوقت الطويل الذي استغرقته الحكومة، على مدى ثلاثة اشهر، للاتفاق على اهداف جديرة بالثناء، ادى الى تفاقم الازمة وهو ما انعكس في الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية، وقوض صدقية لبنان المحلية والدولية. في حين تشكل الوثيقة التي اعتمدتها الحكومة خطوة ايجابية الى الامام، الا انه يجب ان تترجم الى خارطة طريق واضحة للسياسات المتسلسلة بعناية لتصحيح الوضع. من الاكيد ان صندوق النقد الدولي قادر على مساعدة الحكومة في رسم خارطة الطريق هذه. لقد اشرتم في شكل صحيح الى الوضع السياسي المعقد الذي يمكن ان يطيل المفاوضات. خطر المفاوضات الطويلة حول خارطة الطريق التي يمكن ان تشكل الاساس لبرنامج مدعوم من الصندوق، هو ان يتدهور الوضع الاقتصادي والمالي اكثر. هذا امر خطير جدا، يجب على جميع المعنيين التفكير فيه. المسألة ليست المفاوضات مع الصندوق، بل هي قدرة لبنان على توليد اجماع داخلي على برنامج ملموس من التدابير المدروسة لحل الازمة. وقد ادى التقاعس الطويل للحكومة في مواجهة الازمة الى زيادة التشكيك في الصدقية والتي تتطلب اتخاذ تدابير مسبقة كبيرة للبدء في استعادتها. يمكن ان يقدم الصندوق مساعدة مالية لدعم برنامج تصحيحي ذي جدوى لاعادة الاستقرار المالي المحلي والخارجي المستدام، لكنه لا يقدم مساعدة مالية موقتة خلال المفاوضات.

     

     * المطلوب من لبنان اتخاذ تدابير قاسية على الصعد المالية والنقدية والاقتصاد الكلي، وسيكون للاجراءات التي ستتخذها الدولة مفاعيل اجتماعية صعبة جدا. هذا الوضع لن يسمح له بتحقيق النمو المطلوب وفق خطة الدولة، خصوصا وان المشاكل الاجتماعية ستتعمق. ما هو المطلوب من لبنان تحديدا لبدء تسجيل النمو المطلوب في اسرع وقت وتحريك العجلة الاقتصادية؟
    – هذا هو حقا السؤال الاكثر اهمية. يحتاج لبنان الى البدء في اتخاذ اجراءات ملموسة وفورية لحل الازمة، بدلا من التركيز على المساعدة الخارجية. سيكون المانحون الثنائيون والمؤسسات الدولية اكثر استعدادا لمساعدة لبنان اذا رأوا دليلا على انه مستعد لمساعدة نفسه. فما هو المطلوب؟ للاجابة عن هذا السؤال على المرء ان يفهم لماذا نشأت الازمة. في اختصار، نشأت عن سوء ادارة واسع النطاق في القطاع العام وتفشي الفساد. على رغم وجود عوامل معنية عدة، اسمحوا لي ان اذكر اربعة عوامل رئيسية:

    • اولا، تم التخلي في عام 1997 عن سعر الصرف الذي كان عائما منذ الاستقلال وخدم لبنان جيدا. تم تحديده بسعر مبالغ به جدا، اثر على الانتاج المحلي السلبي وعزز الواردات التي ساهمت في زيادة اختلال التوازن في القطاع الخارجي.
    • ثانيا، احتاج لبنان الى اسعار فائدة عالية لجذب تدفقات النقد الاجنبي لتغطية هذا الخلل. تحقيقا لهذه الغاية، كانت البنوك مدعومة بعائدات مرتفعة في شكل مصطنع على ودائعها في البنك المركزي وعلى اذون الخزينة الحكومية. وقد استخدم هذا النقد الاجنبي للحفاظ على سعر الصرف المبالغ في قيمته ودعم الواردات ضمنيا، ما اضر بالقطاعات الانتاجية المحلية. اثقلت كلفة اسعار الفائدة المرتفعة في شكل كبير على الموازنة التي كان يتم تمويلها من خلال زيادة الاقتراض.
    • ثالثا، ادت الاعانات الضخمة لشركة كهرباء لبنان الى تفاقم وضع الموازنة، وشكلت حتى الان حوالى 40 في المئة من الدين العام الاجمالي. فشلت الحكومات المتعاقبة منذ نهاية الحرب الاهلية عام 1990 في اصلاح شركة كهرباء لبنان، مع الحفاظ على تعرفة الكهرباء عند مستوى التسعينات.
    • رابعا، ادى الافتقار الى الشفافية والبيانات الموثوق بها الى اعاقة صنع السياسة العامة السليمة، وساهم في فقدان الثقة في النظام المصرفي. لم يكن هذا الوضع مستداما. مع تصاعد الدين العام، ومع اعتماد البنوك في شكل كبير على الفائدة المرتفعة على ودائعها في البنك المركزي وعلى اذون الخزينة، ومع اتساع عجز الموازنة وزيادة اختلال التوازن في القطاع الخارجي، بدأت الثقة في النظام المصرفي في لبنان تتلاشى، وبدأت تدفقات النقد الاجنبي تتعثر. مع استمرار تضاؤل ​​النقد الاجنبي لدعم سعر الصرف المبالغ فيه بشكل مصطنع وبالتالي دعم الواردات، نفد النظام المصرفي من النقد الاجنبي في شكل كبير، وظهر سعر صرف منخفض في السوق الثانوية، وتعثرت الحكومة في دفع مستحقاتها للدين العام. على هذه الخلفية، تصبح الاجابة عن سؤالك واضحة. لاعادة العجلة الى الدوران كما تقول، يحتاج لبنان الى اتخاذ اجراءات فورية لمعالجة هذه العوامل الرئيسية، قبل ان يطلب من المؤسسات الدولية والمانحين الثنائيين انقاذه. في اثناء الشروع في العمل على برنامج مفصل متوسط ​​الاجل لمعالجة المشاكل الاكثر عمقا والفساد المستشري، يجب ان تتضمن الاجراءات الفورية الرئيسية، التي ارى انها ملحة ما يلي:
    • استعادة سعر صرف عائم و موحد يعكس حقيقة الاقتصاد وقوى السوق، مع اتخاذ خطوات لحماية الشرائح الاكثر ضعفا من السكان.
    • اكمال عمليات تدقيق مستقلة من شركات معترف بها دوليا للمصرف المركزي وجميع المصارف التجارية في غضون 30 يوما، من اجل تقييم الوضع الحقيقي للقطاع المالي.
    • الغاء السندات وجميع اذون الخزينة المملوكة لمصرف لبنان الذي هو جزء من القطاع العام، لتقليل عبء الفائدة على الموازنة العامة وتحسين وضعها، وتخفيض مجمل الدين العام.
    • تقديم تأكيدات جلية فيها للمودعين بأن ودائعهم ستكون محمية، مع عدم وجود حدود للسحب بالليرة اللبنانية، بحيث لن يبالي الناس بعملة السحب عندما يصبح سعر الصرف عائما موحدا.
    • وقف كل الضوابط على اسعار الفائدة في البنوك التجارية، وتحديد الفوائد على ودائع البنوك التجارية في البنك المركزي بما يتفق مع المستويات الدولية.
    • الغاء حدود مدفوعات الحساب الجاري مع الحفاظ على القيود الانتقالية على التدفقات الخارجة لرأس المال.
    • الشروع في اصلاح قطاع الكهرباء، بما في ذلك اعتماد خطة شراء الطاقة الانتقالية بين القطاعين العام والخاص لتأمين حاجات الكهرباء، مع مراجعة معدلات التعرفات بما يتماشى مع كلفة الانتاج، وخفض التكاليف من خلال التحسينات التقنية وتحسين اجراءات التحصيل وزيادة ساعات التزود بالكهرباء.

    اذا اعلنت الحكومة فورا عن مثل هذه الحزمة الفورية، فان ذلك يبعث باشارة جدية الى السوق يطمئن المشغلين المحليين، ما يساعد على تحقيق الاستقرار في سوق الصرف واستعادة بعض الثقة لتشجيع المستثمرين والقطاعات الانتاجية. كما انه سيزود المؤسسات الدولية والجهات المانحة الثنائية اشارة الى ان لبنان مصمم على تصحيح وضعه.

     

    * كيف تنظرون الى موضوع اعادة هيكلة المصرف المركزي والمصارف التجارية، خصوصا وان لا نمو من دون هذا القطاع ومن دون سياسة نقدية عاقلة وموزونة؟

    • هذا سؤال يجب النظر فيه بعناية، فقط بعد الانتهاء من مراجعة حسابات البنك المركزي والمصارف التجارية واجراء مراجعة لجودة الاصول المصرفية. لا شك في ان القطاع المصرفي كان منذ سنوات عدة ركيزة الاقتصاد اللبناني، وحتى وقت قريب اكتسب لبنان سمعة بانه سويسرا الشرق الاوسط. يعتمد ازدهار لبنان ونموه في المستقبل وفي شكل حاسم على قطاع مصرفي قوي وفعال ونابض بالحياة، يمكنه توجيه كل من المدخرات المحلية والاجنبية الى استثمار منتج. هذا هو السبب في انني اعتبر ان الافكار التي تدور حول مس الودائع من شأنها ان تقوض في شكل مؤذ ودائم للثقة في النظام المصرفي في المستقبل، وبالتالي تضر بالنمو الاقتصادي وفرص العمل في السنوات المقبلة. نشر البروفسور سمير مقدسي من الجامعة الاميركية في بيروت اخيرا مقالا مفصلا حول التأثير السلبي لمثل هذه الاجراءات في اوراق السياسات الخاصة في منتدى البحوث الاقتصادية. اعتمادا على نتيجة عمليات المراجعة، ينبغي ان تهدف اي اجراءات هيكلية الى اعادة ارساء الصدقية والثقة بالقطاع المصرفي.

     

    * ما هو موقفكم من موضوع الكابيتال كونترول، وهل يساعد على استقرار الفوائد وقيمة النقد؟ وما هو تأثير ذلك على النمو العام؟
    – من حيث المبدأ، ضوابط على حركة رأس المال غير فعالة. تظهر التجربة ان ضوابط رأس المال تخلق فقط تشوهات، وتؤدي الى ظهور سوق موازية، وتؤثر سلبا على النمو الاقتصادي. في حين قد تكون هناك حاجة الى بعض الضوابط الانتقالية في ما يتعلق بالودائع بالدولار في البنوك، يجب ان يكون هناك التزام واضح من السلطات بالتخلص التدريجي من تلك الضوابط. في هذا الصدد، ان استعادة الثقة بالنظام المصرفي ضرورية لتجنب تدفقات رأس المال الى الخارج. الحملات الاخيرة من السلطات على النظام المصرفي ليست مفيدة، وهي ببساطة تصرف الانتباه عن المهمة الضخمة التي تنتظرنا لمعالجة العديد من القضايا التي تسببت في الازمة. في هذا السياق، اود ان اشدد على ان الصرافين لعبوا دورا رئيسيا في الماضي في المساعدة على استقرار العملة خلال العقود التي كانت العملة معوّمة، وسيكون دورهم حاسما لنجاح الانتقال الى نظام عائم. لذلك احذر من الجهود الاخيرة لجعلهم كبش فداء تغيرات في قيمة الليرة اللبنانية التي تعكس واقع السوق.

     

    * وضع لبنان فريد من نوعه ولا يمكن مقارنته بأي بلد آخر، مثل فنزويلا او اليونان وغيرهما من البلدان، لأن موجودات مصارفه تفوق ثلاث مرات ونصف دخله القومي. كل الحلول المطروحة راديكالية هدفها اطفاء الدين العام وعجز البنك المركزي والدولة وتأتي على حساب المودعين. فهل سيأتي برنامج صندوق النقد الدولي معلبا ام انه سيراعي الحالة اللبنانية والاجتماعية، والاخذ في الاعتبار تسريع عملية النمو؟
    – الاجابة هنا واضحة. في حين انني لا اتحدث باسم الصندوق، يمكنني ان اقول لكم في شكل حاسم، ان كل برنامج مدعوم من الصندوق فريد من نوعه ومصمم لمعالجة المشاكل الاقتصادية والمالية المحددة التي تواجه اي بلد ويأخذ في الاعتبار خصائص هذا البلد، وكذلك التأثير الاجتماعي للتدابير المتخذة، مع احكام للتخفيف من الاثار السلبية على الشرائح الاكثر ضعفا من السكان. من المهم ان نأخذ في الاعتبار انه عندما تواجه دولة ازمة، هناك طريقان محتملان لحلها. الاول هو عملية تصحيح غير منظمة اذا لم يكن هناك جهد جدي لاتخاذ التدابير الصحيحة. هذا يؤثر سلبا على النمو والعمالة ومستويات المعيشة. والثاني هو عملية تعديل منظمة تستند الى تنفيذ خارطة طريق مفصلة بعناية للتدابير التي تضع البلد على طريق الاستقرار المالي المستدام وتدعم مسار نمو مرتفع ودائم. في حين ان الاجراءات المطلوبة في اطار عملية تصحيح منظمة قد تكون صعبة، فقد شهد لبنان بالفعل في الاشهر الاخيرة ارتفاع كلفة فوضى التصحيح غير المنظم الناتجة عن عدم اتخاذ الاجراءات اللازمة.

     

    * اي برنامج لا يمكن ان ينجح اذا لم تكن الحكومة شريكا جديا في عملية اقرار الاصلاح، وهناك خوف في تعطيل عملية الاصلاح من افرقاء سياسيين. كيف تنظرون الى هذا العامل السياسي؟ وما هي الضمانات التي يمكن ان يطلبها الصندوق للتنفيذ؟ والى اي مدى سيؤثر العامل السياسي على قرار الصندوق النهائي للوصول الى برنامج قابل للتنفيذ؟

     

    • من واقع تجربتي الشخصية، يضع الصندوق اهمية كبرى على ملكية الدولة للبرنامج. اكدت اخر مراجعة لشروط الصندوق في عام 2018 ان الملكية هي عنصر اساسي لنجاح البرنامج. لذلك سيكون من المهم للسلطات العمل مع جميع من هم في مواقع المسؤولية لضمان دعمهم، وكذلك للتشاور بشكل وثيق مع الشركاء الاجتماعيين. في رأيي، ستكون هناك حاجة الى الشفافية التامة وشرح للجمهور بوضوح كيف تهدف التدابير المتخذة الى تحقيق اهداف الاستقرار المالي، وتعزيز النمو، وتوليد فرص العمل، وتحسين مستويات المعيشة.

    * الراديكالية كما وردت في خطة الحكومة لن تنتج نموا سريعا، بينما فلسفة التدرج في عملية الاصلاح تنتجه. ماذا تفضلون بين التوجهين؟
    – اعتقد ان هذا الخيار بين الراديكالية والتدرج زائف. البرنامج المصمم بعناية سيشتمل على تدابير يجب تنفيذها في البداية وغيرها من التدابير التي يجب تنفيذها مع مرور الوقت. المشكلات التي تتم معالجتها والتحديات التي تواجه البلاد هي التي تحدد اي من الاجراءات التي يجب تنفيذها مقدما والتي يجب ادخالها تدريجا, ولا يمكن التعميم مسبقا.

     

    * بعض الافرقاء اللبنانيين يتحفظون عن التعاون مع صندوق النقد ويخشى من تسييس دوره. هل هذه المخاوف في محلها، وتاليا ثمة عوامل سياسية يمكن ان تؤثر في الخيارات والحلول التي يقدمها الصندوق ام ان وظيفته تقنية فحسب؟ وما هو الحد الفاصل بين التسييس والوظيفة التقنية؟

     

    • يتمثل دور موظفي الصندوق، تحت اشراف الادارة، في تقديم افضل مشورة تقنية ممكنة. عندما يتم التفاوض على البرنامج من الموظفين مع بلد ما ويتم اعتماده من الادارة، يتم تقديمه للموافقة النهائية من المجلس التنفيذي للصندوق. يتألف المجلس التنفيذي من ممثلين عن جميع الدول الاعضاء في الصندوق الذين يمثلون وجهات نظر بلدانهم. من واقع خبرتي في الصندوق منذ ما يقرب من اربعين عاما، وجدت ان تركيز المجلس كان بشكل عام على الميزات التقنية للبرنامج الذي يتم تقديمه للنظر فيه، على الرغم من انه يجب على المرء ان يأخذ في الاعتبار ان المديرين التنفيذيين يمثلون بلدانهم، ويمكن ان تؤثر العلاقات بين الدول المختلفة على وجهات نظرهم في حدود مسؤوليات الصندوق كما هو محدد في مواد اتفاقيته.

    *نشرت هذه المقابلة في العدد 81 من مجلة الأمن العام، الصادرة في حزيران 2020