“مصدر دبلوماسي”-مقالات مختارة
مارلين خليفة
طالما آزرت الكويت لبنان في ازمنة السلم والحرب وفي الملمات السياسية، واخيرا في الكوارث. آخر مبادراتها تجلت في تحركها السريع لمساعدة لبنان بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، من خلال الاغاثة وتعهدها بناء الاهراءات مجددا للمرة الثانية بعدما بنتها في العام 1969
لم يكن مستغربا ولا جديدا ان يوجه امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الذي رحل في 29 ايلول الفائت بمساعدة لبنان في اقصى سرعة ممكنة. العلاقات بين البلدين متجذرة في التاريخ الحديث، وهي تستند الى المودة التي تظهرت في اكثر من محطة سطرها لبنان والكويت معا. قادت الكويت اللجنة السداسية التي تم تشكيلها بقرار من مجلس جامعة الدول العربية في 25 تشرين الاول في العام 1988 برئاسة اميرها وكان انذاك نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية، وبذلت جهودا جبارة في الازمة اللبنانية الطويلة. تعود العلاقات بين الكويت ولبنان الى العشرينات من القرن الماضي. يذكر الباحث عادل العبد المغني بأن التحاق عدد من الطلبة الكويتيين بالجامعات والمعاهد والمدارس اللبنانية يعود الى الاربعينات من القرن الفائت، حين اخذت اعداد كبيرة من الكويتيين تتوجه الى لبنان للسياحة والاصطياف. في منتصف الخمسينات كان عدد اللبنانيين في الكويت نحو الف شخص، وكان في امكان اللبناني ان يدخل الكويت ويخرج منها من دون تأشيرة. في الثمانينات ارتفع عدد ابناء الجالية اللبنانية الى 45 الفا، ووصل في العام 2017 الى نحو 50 الفا. كان لبنان لسنوات طويلة وجهة مفضلة للكويتيين، للتجارة والسياحة والاستشفاء والدراسة والتملك والاصطياف. يرصد حمزة عليان في كتابه “قراءة في تاريخ العلاقات الكويتية – اللبنانية”، مسيرة العلاقات بين البلدين، مشيرا الى ان اول تبادل للتمثيل الديبلوماسي بينهما تم في 6 حزيران عام 1962. في ذلك اليوم وصل مهلهل المضف الى بيروت لتسلم مهمات منصبه قائما بالاعمال. في موازاة ذلك، انشأ لبنان سفارة غير مقيمة في الكويت وانتدب لها حسيب العبدالله قائما بالاعمال، وتسلم منصبه في 17 كانون الاول 1962. ينقل عليان عن السفير احمد غيث، ان الكويت قررت بعد الاستقلال اقامة تمثيل ديبلوماسي مع لبنان، فاعترض في حينه الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم، وهدد بمقاطعة لبنان ومنتجاته وعدم السماح لها بالمرور في العراق، فتراجع لبنان عن قبول السفير الكويتي، واوجد مخرجا هو فتح السفارة على مستوى قائم بالاعمال. في العام 1963 وصل الى بيروت السفير محمد احمد الغانم الذي قدم اوراق اعتماده الى الرئيس اللبناني فؤاد شهاب، ليكون اول سفير لدولة الكويت في بيروت.
تجسد وقوف الكويت الى جانب لبنان في العمل الدؤوب لانهاء الحرب الاهلية اللبنانية والوصول الى اتفاق الطائف عام 1989، كما تجسد في الدعم المادي والسياسي والمعنوي الكويتي للبنان في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية، لاسيما في اثناء حرب تموز 2006، وفي مواقف اخرى عديدة بحسب المراجع المختصة بالعلاقات بين البلدين.
يتابع السفير الكويتي وعميد السلك الديبلوماسي العربي عبد العال القناعي صون هذه العلاقة الوطيدة بين البلدين، ويكشف في حوار مع “الامن العام” الكثير من اوجه المساعدات الكويتية المركزة للبنان بعد كارثة انفجار المرفأ.
* بعد مرور 14 عاما سفيرا لدولة الكويت في بيروت، وعميدا للسلك الديبلوماسي العربي، كيف تشخص الوضع الواقع اللبناني الراهن وخصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت، هل هو مميت ام ثمة قدرة على النهوض؟
– الواقع اللبناني هو بلا شك واقع صعب على المستويين الاقتصادي والسياسي على حد سواء، لكنني احمل املا في وجود مسؤولين وطنيين وواعين يمتلكون من الحس والشعور الوطني والحرص على اتخاذ كل ما هو ممكن اتخاذه لجهة انقاذ لبنان وانتشاله مما هو فيه. لذلك اظل متفائلا بأن هذا الوضع ليس مميتا وانما، انشاالله، سنصل الى حل والى طريقة نستطيع من خلالها انتشال لبنان من كبوته التي يمر فيها حاليا.
* تستمر الكويت في الوقوف الى جانب لبنان وخصوصا في الاوقات العصيبة. ماذا عن دعم الكويت للبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، وماذا كانت ردود فعل الشارع الكويتي؟
-اود اولا التوجه بأحر التعازي الى اسر الضحايا والشهداء الذين سقطوا جراء هذا الحادث الاليم، واتوجه ايضا بالدعاء الى الله سبحانه وتعالى بأن يمن بالشفاء العاجل على الجرحى وان يطمئن ذويهم عليهم. بالطبع شعور الكويت بازاء لبنان هو شعور اخوي، وقد آلمنا ما الم الشعب اللبناني من جراء هذا الحادث، وبتوجيهات من حضرة صاحب السمو امير البلاد رحمه الله ومن سمو نائب الامير، بادرت الكويت الى تقديم كل ما هو ممكن من دعم ومساندة ومحاولة للتخفيف على اشقائنا في لبنان من جراء هذا الحادث. بالفعل كانت اول طائرة مساعدات تصل الى لبنان هي من الكويت، من بين دول العالم كلها، وقد حرصنا على ذلك لكي نبعث برسالة بأن الكويت الى جانب لبنان ودائما وابدا وخصوصا في الظروف المأسوية.
* وقفت الكويت بسرعة الى جانب لبنان ابان انفجار بيروت، وبلغ عدد الطائرات التي انطلقت منها حاملة المساعدات 18 طائرة بلغت حمولتها 820 طنا من المساعدات، كيف نظمتم توزيع هذه المواد الاغاثية؟
– فعلا، حتى هذه اللحظة وصلت الى لبنان 18 طائرة اغاثية من الكويت تحمل مساعدات غذائية واستشفائية وطبية واجهزة متخصصة. كل هذه المعونات تمت بالتنسيق مع المسؤولين هنا في لبنان حتى لا يحصل تكرار في المساعدات من الدول المانحة للمعونات، وحرصنا على ان نطلب قوائم بما يحتاجه لبنان في هذا الظرف سواء من مساعدات غذائية او من معدات استشفائية. وقد تم توزيع هذه المساعدات بالتنسيق بين السفارة الكويتية في لبنان ولجنة الطوارئ التي شكلها مجلس الوزراء اللبناني اثر اعلان بيروت مدينة منكوبة. كما قمنا بالتنسيق ايضا مع الصليب الاحمر اللبناني في ما يتعلق المساعدات غير الحكومية التي تأتي من الهلال الاحمر الكويتي او من الجمعيات الخيرية الكويتية.
* يمكن القول ان المساعدات الكويتية كانت محددة ضمن نطاق معين بحسب الحاجات وليست عشوائية.
– لا، لم تكن عشوائية، وانما كانت بالتنسيق مع المسؤولين اللبنانيين لجهة ما هي الحاجة الضرورية والقصوى لأي نوع من المساعدات الغذائية واي مساعدات اخرى.
* هل سلمت المساعدات الى الجهات الحكومية؟
– سلمت هذه المساعدات الى هيئة الطوارئ التي شكلها مجلس الوزراء اللبناني وايضا الى الصليب الاحمر اللبناني، كما تم توزيع جزء منها بشكل شخصي بمعرفة السفارة.
* بنيت اهراءات القمح في مرفأ بيروت بناء على قرض كويتي من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية وقع في العام 1969، وقد اعلن اخيرا وزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور احمد الناصر الصباح ان الكويت ستعيد بناء الاهراءات بعد دمارها بالكامل بفعل انفجار المرفأ. ما هي الرسالة الكويتية للبنان من خلال هذه المبادرة المهمة جدا؟
– حاولنا من خلال اعادة بناء هذه الاهراءات التي وقفت شامخة في وجه العصف والتفجير الذي حل بيبروت – ويقال انها استطاعت ان تحمي والله هو الحامي – لكنها استطاعت ان تمنع ضررا كبيرا كاد ان يلحق بمدينة بيروت لولا وجودها ولولا ارادة الله سبحانه وتعالى، فارتأينا انه قد يكون افضل واكبر مثال لاعادة التآخي واعادة اثبات بأن الشقيق الى جانب شقيقه في وقت الضيق، هو بناء هذه الاهراءات خصوصا انها توفر اكثر من 90 في المئة من المخزون الاستراتيجي للشعب اللبناني من الحبوب.
* سيكون تمويل بناء الاهراءات كويتيا فحسب ام سيكون البناء تبعا لمناقصات محددة تمولها الكويت؟
– بالتأكيد الكويت ستقدم المال، لكنها ستتم وفقا لما اعتاده الصندوق الكويتي من آلية للتنفيذ بتلقي الحاجات والطلبات من الجانب اللبناني، على ان يتم درسها وتقييمها من الاستشاريين في الصندوق الكويتي للتنمية، ثم يتم بعدها بحث الاجراءات الادارية الخاصة بالهبة او بالقرض، وعلى ضوء ذلك يتم اجراء المناقصات المطلوبة وفق الشروط التي توضع عادة من الصندوق الكويتي بالتفاهم مع مجلس الانماء والاعمار.
* كم يتطلب هذا المسار من وقت قبل بدء التنفيذ؟
– يتطلب بعض الوقت لوضع تقدير الحاجات اولا، ووضع المواصفات ثانيا، والاتفاق مع المكاتب الاستشارية لاجراء الدراسات اللازمة ووضع الحجم والمواصفات الفنية والهندسية وما الى ذلك قبل الشروع في صياغة الاتفاقية. نعم، هذا يتطلب بعض الوقت.
* لِمَ عمدت الكويت في العام 1969 الى بناء الاهراءات في مرفأ بيروت؟
– كان هناك طلب من الحكومة اللبنانية، وتحديدا من رئاسة الجمهورية في ذلك الوقت، لبناء اهراءات تستطيع ان تحفظ المخزون الاستراتيجي للبنان من الحبوب، وتم الاتصال ما بين فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في ذلك الوقت شارل حلو مع سمو امير البلاد – طيب الله ثراه – الشيخ صباح السالم الصباح، وتوافقت الارادة بأن تساعد الكويت الشقيق اللبناني في توفير هذه الاهراءات لتخزين الحبوب.
* ما هي المجالات التي يمكن الكويت ان تساعد فيها لبنان: الكهرباء، الغاز والنفط او سواها، وهل ستشارك في الاجتماع المقبل للدول المانحة في باريس في تشرين الثاني المقبل؟
– سبق للكويت ان قدمت مثل هذه المساعدات للبنان وبحثت مساعدات اخرى وهي ستكون منفتحة على بحث ومناقشة اي مجالات يمكن تقديم الدعم من خلالها.
* خسر قرابة 300 الف شخص مساكنهم في بيروت من جراء انفجار المرفأ، وتدمرت نحو 9 مستشفيات فضلا عن مدارس، هل سيكون للكويت مساعدة في عملية اعادة اعمار بيروت؟
– بحث هذا الموضوع، لكن كما تعلمين فان حجم الدمار الذي مر في البلد ضخم جدا. لنكن واقعيين، ليس في مقدور بلد واحد مهما بلغ استعداده وقربه من لبنان ان يقوم لوحده بتوفير هذه المتطلبات كلها. لذلك اتفق ان تتم الدعوة الى مؤتمر دولي، بحسب ما فهمت من خلال الامم المتحدة للدول المانحة وذلك بعد ان تتقدم السلطات والحكومة اللبنانية بتقدير للخسائر، وما هو مطلوب من اصلاحات ومن ترميم لهذه المساكن او المباني التي دمرت. اعتقد انه سيكون هنالك مؤتمر دولي وان شاء الله ستشارك فيه الكويت.
* استجابت دولة الكويت الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في باريس لمساعدة بيروت وتعهدت المساعدة بـ41 مليون دينار كويتي. كيف سيتم تنظيم هذه المساعدات وما القطاعات التي تشملها؟
– شمل مبلغ 41 مليون دينار مساعدات غذائية وانسانية واستشفائية ودوائية، وستكون اعادة بناء الاهراءات من ضمنها.
* هل كان من مستشفى ميداني كويتي؟
– لم تقدم الكويت مستشفى ميدانيا، لانها كما سبق وقلت نسقت مع المسؤولين في لبنان. لقد ابلغنا ان هناك دولا عدة قدمت او ستقدم مستشفيات ميدانية، لذلك اخذنا جانبا آخر وهو التركيز على الادوية ومعدات طبية استشفائية. لدينا فريق من الهلال الاحمر الكويتي يعمل على الارض، وهو قام بزيارة المناطق المنكوبة والمتضررة، وتم الاتفاق مع بعض المستشفيات التي تقع في نطاق المنطقة المتضررة منها على سبيل المثال لا الحصر مستشفيات الجعيتاوي وبخعازي والوردية، ومركز معالجة السرطان في الجامعة الاميركية لاعادة ترميم بعض الاجنحة. تتواصل المساعدات منها اخيرا 6 شاحنات وصلت من طريق البر، حملت معدات طبية واستشفائية منها اجهزة طبية طلبت من الكويت وارسلت من طريق البر عبر المصنع.
* اي دعم للبنان حاليا مشروط من المجتمع الدولي بالاصلاحات البنيوية. اما الدول العربية فتشترط بعض المسائل السياسية، هل من شروط تضعها دولة الكويت على لبنان لمساعدته؟
– العلاقة بين لبنان والكويت محكومة بالاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض، ولا توجد اجندة سياسية للكويت في لبنان. مساعداتنا وتقديماتنا الى لبنان هي من شقيق الى شقيقه ولا تحكمها اي اجندة سياسية.
* زار المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم قبل مدة دولة الكويت، كيف تصفون هذه الزيارة والى مَ افضت؟
– هي زيارة الاخ لاخيه. وقد جاء سيادة الاخ اللواء عباس ابراهيم الى الكويت مبعوثا رئاسيا من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتباحث مع اشقائه في الكويت في العديد من الامور. تم الاستماع له من المسؤولين في الكويت بكل اهتمام وصراحة واخوة وكل استعداد وصدر رحب، واترك الحكم على نتائج هذه الزيارة لسيادة اللواء، ولكن اقول لك بكل ارتياح بأن النتائج ايجابية وستؤتي ثمارها ان شاالله.
* متى ستظهر النتائج؟
– في وقتها المناسب باذن الله، ومن احدى ثمارها ان الكويت كانت اول دولة تعلن مساعدتها للبنان بهذه السرعة.
* سعادة السفير انتم عميد السلك الديبلوماسي العربي في لبنان. بعض الدول العربية والخليجية تشعر بنوع من الفتور في العلاقة معه، هل تلعب الكويت دورا في هذا المجال؟
– الكويت دائما سباقة وتسعى الى كل ما يعزز التعاون العربي العربي وكل ما يوثق العلاقات العربية العربية. لكن وياللاسف الشديد، فان عالمنا العربي بشكل عام يمر في مرحلة حساسة ودقيقة جدا من تاريخه ولا يتعلق الامر بلبنان فحسب، وتتطلب الامور المزيد من الحكمة والتعقل والتروي والحرص على كل ما يقرب وكل ما يؤدي الى الوفاق والى التعاون والوئام بين الدول والشعوب العربية. تقوم الكويت بكل المساعي الحميدة وفق امكاناتها والقدرات المتاحة لها. نسأل الله ان توفق جهود الكويت وسواها لتوحيد العرب لما فيه صالح وصلاح امتنا العربية وشعوبنا العربية.
* كيف ترى الكويت المبادرة الفرنسية التي يقودها الرئيس ايمانويل ماكرون؟
– سبق وذكرت ان الكويت هي الى جانب كل ما من شأنه ان يحقق الامن والامان والاستقرار والرفاه والرخاء للشعب اللبناني. اعتقد ان هذه المبادرة الفرنسية في هذا الوقت بالذات وفي الظروف الصعبة والحرجة التي يمر فيها لبنان بكل فئاته واطيافه يجب ان تتاح لها الفرصة للنجاح. اعتقد ان ذلك سيكون من الحكمة والصواب والمنطق بأن تتاح لهذه المبادرة فرص النجاح الممكنة في ضوء التفاهم بين الاطراف السياسيين، حيث ان الان هو وقت العمل والتوافق والاتفاق وتسهيل كل ما من شأنه ان ينتشل لبنان من هذه الظروف الصعبة التي يمر فيها.
* لعب سمو امير الكويت رحمه الله دورا اساسيا في تقريب وجهات النظر من اجل اعادة الوحدة الى مجلس التعاون الخليجي. كيف كانت آخر الوساطات؟
– لا تزال الجهود الكويتية تتواصل لجمع الاشقاء الخليجيين على كلمة سواء، وكانت هناك بوادر ايجابية سيبنى عليها، وستظل الكويت وفية وحريصة على هذه الاخوة الخليجية وجمع كلمة الاشقاء ان كانوا في الخليج او في الدول العربية بشكل عام.