التصنيف: مقالات مختارة

  • القرار 1325: لدعم مشاركة النساء وحمايتهن في النزاعات

    القرار 1325: لدعم مشاركة النساء وحمايتهن في النزاعات

     

    مقالات مختارة

    مارلين خليفة

     

    قامت الامم المتحدة خلال شهري ايار وحزيران الفائتين بحملة دولية واسعة متابعة لتطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1325 المتعلق بالمرأة والسلام والامن، وكان للبنان حصته في تطرق نائبة المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الانسانية نجاة رشدي الى الوضع اللبناني.

     

     

     

    صادق مجلس الامن الدولي في العام 2000 بالاجماع على القرار الرقم 1325 وهو الاول الذي يعترف بدور المرأة في حل النزاعات ومواجهة تبعاتها ومشاركة المرأة في مشروعات السلام  وتعزيز حمايتها من العنف الجنسي.

    أقر لبنان الخطة الوطنية لتطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1325 في ايلول من العام 2019. يكتسب القرار 1325 بالاضافة الى الاطار العام الاوسع للنساء والسلام والامن تصاعدا في وضوح الرؤية عالميا، اذ تنظر اليه الحكومات وصناع القرار والمؤسسات العامة ووسائل الاعلام والناشطون على انه اداة رئيسية لتطبيق السياسات المتعلقة بالجندرية وسياسة حل النزاعات وفي احترام حقوق الانسان ومعالجة جذور اسباب النزاعات من اجل بناء سلام مستدام وتحقيق المساواة الجندرية.

    في هذا السياق، يقول مصدر مسؤول في منظمة الامم المتحدة للمراة في لبنان

    UN Women

    لـ”الامن العام” بأن  “تبني لبنان للخطة الوطنية حول قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1325 يعد خطوة ذات قيمة بالنسبة الى البلد كونها تهدف الى رفع مشاركة النساء في صنع القرار في مجالات مختلفة. هذا يعني مشاركتهن في الحياة السياسية والعامة وفي الاقتصاد وفي القطاع الامني ومشاركتهن في مفاوضات السلام والوساطات”.

    يضيف المصدر:” بشكل رئيسي، فإن الخطة الوطنية حول القرار 1325 ترسل الى المجتمع الدولي رسالة واضحة مفادها بان مشاركة النساء هي امر جوهري في البلد من اجل تثبيت السلام والاستقرار وان بعض الآليات والشروط يجب ان توضع موضع التنفيذ من اجل تجنب العنف وحماية النساء والفتيات من العنف الجندري او الجنسي، وللتأكيد بأن الاعتبارات الجندرية مصونة في جهود المساعدة في واوقات الطوارئ والازمات والكوارث”.

    لدى لبنان احدى اعلى الفجوات بين الجنسين في العالم

    وعن اهمية المرأة وانخراطها في الوساطة الدولية في ما يتعلق بالامن والسلام الدوليين، قال المصدر المسؤول في منظمة الامم المتحدة للمرأة في بيروت:” ان مشاركة النساء في تجنب الازمات والحلول عبر الوساطات والمفاوضات يمكن ان تحسن النتائج قبل وخلال وبعد النزاع. ثمة يقين متزايد بان مشاركة النساء في مسارات السلام تؤكد بأن النتائج هي اكثر استدامة وافضل تطبيقا. كما ان مشاركة النساء في محادثات السلام تقلل من نسبة الاخفاق في التوصل الى سلام بنسبة 64 في المئة”.

    بدأت الاجهزة الامنية اللبنانية وخصوصا الامن العام اللبناني تطبيق هذا القرار، وعن كيفية التعاون مع الامم المتحدة في هذا الخصوص يقول المصدر المسؤول في منظمة الامم المتحدة للمرأة بان” مؤسسات القطاع الامني هي اعضاء في اللجنة التوجيهية الوطنية حول القرار 1325 وهي منخرطة في تطوير ودعم مشاركات القطاع الامني في هذا الشأن”. يضيف:” ان اللجنة الوطنية لشؤون المرأة هي كيان مسؤول عن تنسيق وتطبيق الخطة الوطنية للقرار 1325 عبر جميع المؤسسات الوطنية. ان وكالات الامم المتحدة ومن ضمنها هيئة الامم المتحدة لشؤون المرأة وسواها تدعم الحكومة في جهودها الكاملة عبر هذه الهيئة”. بالنسبة الى التعاون مع المديرية العامة للامن العام اللبناني يقول المصدر في منظمة الامم المتحدة لشؤون المرأة:” ان المنظمة تدعم الامن العام اللبناني من اجل بناء كتلة وازنة من مدربين مرموقين حول المساواة الجندرية ومن اجل تطوير مواد تسهم في برامج التدريب المختلفة. كذلك ساعدناهم في تحليل دورهم في الاستجابة لازمة كوفيد-19 اثناء فترة الاغلاق، وانفجار بيروت والاضطرابات المدنية التي وقعت من منظور المساواة”.

    وعن الصعوبات التي تواجه تطبيق هذا القرار عربيا ودوليا وفي لبنان يقول المصدر المذكور:” ان التحديات الرئيسية في تطبيق القرار تختلف من سياق الى آخر، لكن بشكل عام فإن تمثيل النساء في مهام السلام وبناء الدول تبقى محدودة بسبب انخفاض وجود النساء في مسارات صنع القرار بشكل عام.

    لا يزال يوجد ضعف في الوعي حول القرار وخصوصا على الصعد المحلية بالاضافة الى قوانين تمييزية وممارسات تعرقل التقدم في المساواة الجندرية. في لبنان، يشكل السياق السياسي والازمة الاقتصادية والوضع الامني تحديات لناحية تطبيق الخطة الوطنية حول القرار 1325″. أما الهدف البعيد الامد فيتمثل “في ضمانة مشاركة النساء في عمليات السلام والاستقرار في بلدانهن. يضمن تطبيق هذا القرار مشاركة النساء وحمايتة حقوقهن في النزاعات وما يليها من مراحل اعادة الاعمار ويسهم في وضع آفاق المساواة الجندرية ورؤيتها وحقوق النساء في عمق مواضيع السلام والامن”.

    ضمن هذا السياق، قامت نائبة المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان والمنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الانسانية نجاة رشدي اخيرا  باطلاع فريق الخبراء غير الرسمي المعني بالمرأة والسلام والامن والتابع لمجلس الامن خلال اجتماع افتراضي انعقد في ايار الفائت على الوضع في لبنان، لا سيما فيما يتعلق بتأثير الازمة الحالية على المرأة وحول كيفية عمل النساء للحفاظ على السلام والامن في البلاد وهي المرة الاولى التي يناقش فيها هذا الفريق الوضع في لبنان.

    يذكر انه في شهر تشرين الاول 2015، اعتمد مجلس الامن القرار (2242) الذي دعا فيه إلى تشكيل فريق خبراء غير رسمي معني بشؤون المرأة والسلام والامن. وتهدف هذه الآلية الى تزويد مجلس الامن بالمعلومات والتحاليل المفصّلة والدقيقة حول المرأة والسلام والامن في دول محدّدة ترزح تحت وطأة النزاعات، وحول سبل تنفيذ الامم المتحدة مهمتها الخاصة بالمرأة والسلام والامن على ارض الواقع. استهلّ هذا الفريق عمله في العام 2016، ويعقد اجتماعات دورية مع الامم المتحدة في العديد من الدول.

    وقالت رشدي في احاطتها بحسب بيان صادر عن مكتب المنسق الخاص في لبنان انه “بدون معالجة القضايا المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وبحقوق المرأة في لبنان، لن نتمكن من معالجة الأزمة الحالية المتعددة الاوجه التي تواجهها البلاد معالجة حقيقية وبشكل مستدام.” واضافت انه بينما تبرز النساء في طليعة العديد من المبادرات الحالية الهادفة الى صنع السلام، الا انّ انعدام المساواة بين الجنسين في لبنان شديد الارتباط بالهياكل السياسية والاجتماعية التي تؤثر على طبيعة الأزمة القائمة في البلاد”.

    واشارت رشدي الى ان ازمة لبنان الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة والتي تفاقمت جراء الاغلاق الناجم عن تفشي فيروس كورونا وانفجارَي مرفأ بيروت المأساويين، قد عمقت انعدام المساواة بين الجنسين، مشددة على انّ اي جهود مبذولة لتحقيق التعافي في لبنان يجب ان تشمل النساء حتى تكون مستدامة. فلبنان الذي يحتلّ المرتبة 145 من اجمالي 153 دولة، لديه احدى اعلى الفجوات بين الجنسين في العالم، وكذلك إحدى أدنى معدلات مشاركة النساء في الحياة السياسية وفي سوق العمل”.

    وتناول الاجتماع اهمية تعزيز مشاركة المرأة في عمليات السلام والامن والسياسة، بما في ذلك في الانتخابات النيابية والبلدية في لبنان العام 2022، كجزء من جهود اوسع لتوطيد السلام وتحقيق الاستقرار في لبنان”.

    وبحسب رشدي، “فإن اعتماد خطة العمل الوطنية الاولى الخاصة بلبنان لتطبيق قرار مجلس الامن 1325 حول المرأة والسلام والامن في أيلول 2019، قد اعطى بصيص امل لزيادة مشاركة المرأة في صنع القرار على جميع المستويات، بما في ذلك في قطاعي الامن والدفاع، كما في منع نشوب الصراعات وتعزيز التماسك الاجتماعي للمساهمة في ارساء السلام المستدام في لبنان. كما سلطت الضوء على الدور البارز الذي ادّته النساء اخيرا سواء عبر دورهنّ الطليعي في الاحتجاجات الشعبية والحركات السياسية او في الجهود الهادفة الى بناء السلام والوساطة على الصعيد المحلي”.

    وكررت رشدي دعوات الامم المتحدة المتكررة الى تشكيل حكومة ذات توجّه اصلاحي في لبنان لتلبية الاحتياجات الملحة للبلاد بما في ذلك تلك المتعلقة بحقوق النساء. وقالت ان “لبنان بحاجة الى حكومة كفوءة وممكنة وتتمتّع بصفة تمثيلية للشعب – وبالطبع للنساء ايضا- كلما طال بقاء لبنان من دون حكومة، كلما تعمّقت هذه الازمة وازدادت حدّة.”

  • السفيرة الفرنسية آن غريو: لن نستسلم  والطبقة السياسية تتحمّل مسؤولية التعطيل

    السفيرة الفرنسية آن غريو: لن نستسلم والطبقة السياسية تتحمّل مسؤولية التعطيل

     

    مقالات مختارة

    مجلة الامن العام

    مارلين خليفة

     

    عندما تسلمت السفيرة الفرنسية آن غريو مهامها في لبنان في تشرين الاول الفائت، نصحها الرئيس ايمانويل ماكرون قائلا: “اصمدي، تمسكي بمواقفك واطلقي الدينامية الصحيحة من اجل لبنان”. هذا ما تطبقه يوميا، وهي السيدة الاولى التي تتولى هذا المنصب الديبلوماسي الرفيع في “قصر الصنوبر”

     

    منذ قدومها الى لبنان من منصبها في المكسيك، تحاول السفيرة آن غريو تطبيق هذا الالتزام الفرنسي الموصى به من الرئاسة الفرنسية. لم تأت في ظروف عادية، بل بعد مرور شهرين على تراجيديا انفجار مرفأ بيروت في 4 اب 2020، حيث استهلت عملها بالاشراف على المهام الانسانية والعملانية التي اضطلعت بها فرنسا بالتعاون مع السلطات اللبنانية، والتي تتحدث عنها تفصيليا في مقابلتها مع “الامن العام” في ذكرى 14 تموز التي ترمز الى العيد الوطني الفرنسي وسقوط سجن “الباستيل” ومعه الحكم الملكي في العام 1789.

    تشبه غريو ما يحصل في لبنان بـ”السقوط العنيف”، وتتحدث عن “الافقار الشرس”، من هنا تركز فرنسا على المساعدات الانسانية والصحية والتربوية حيث دفعت في غضون عام 100 مليون دولار كمساعدة للبنان. يستنفر فريق السفارة الفرنسية طاقاته كلها لمتابعة توجيهات باريس والمشاريع المختلفة التي تبنتها في لبنان “وفقا لمبادئ رئيسية: الاستقلالية، الكرامة، الاخوة، الشراكة والاستدامة”. تقول غريو:  “يمكنني القول ان الالتزامات التي تعهدنا بها للبنانيين قد تم الايفاء بها، فرنسا ستبقى الى جانبهم، وانا ساسهر على ذلك”.

    لا تقتصر علاقة فرنسا على المساعدة الانسانية، بل تعود الى الروابط التاريخية بين البلدين “التي تحكمها العاطفة والثقة” بحسب غريو. لذا وجهت في حوارها رسائل سياسية جدية لا تقل قسوة عن تلك التي وجهها رأس الديبلوماسية الفرنسية جان – ايف لو دريان في زيارته الاخيرة الى لبنان في ايار الفائت.

    منذ قدومها، تجوب غريو لبنان من الشمال الى الجنوب مرورا بالبقاع وجبل لبنان، تقول: “اصابتني الدهشة بالطاقات الكامنة في مناطق الاطراف والتي يجب دمجها في بناء لبنان الغد، وذلك عبر رؤية استراتيجية لمستقبل لبنان”.

     

    * اين نحن من المبادرة الفرنسية بعد الزيارة الاخيرة لوزير اوروبا والشؤون الخارجية جان – ايف لودريان الى لبنان؟ ولماذا تخلت فرنسا عن لهجتها التصالحية لتطلق صرخة انذار كي لا نقول تبني نبرة تهديد؟

    – لم تبدأ ازمة لبنان في 4 اب الفائت او في تشرين الاول 2019 كما يقول البعض، لكنها بدأت قبل ذلك بوقت طويل. منذ اعوام دقت فرنسا والمجتمع الدولي ناقوس الخطر ودعت القادة اللبنانيين بشدة الى الاستجابة لها. يشكل الانهيار الاقتصادي والمالي للبنان خطرا على مستقبل البلد وعلى اللبنانيين الذين ليس امامهم اليوم سوى الاختيار بين الهجرة القسرية او البقاء على قيد الحياة، ما يؤدي الى خلق وضع هش في المنطقة وعلى ضفاف البحر الابيض المتوسط. في مواجهة هذا الوضع الحاد، حيث بات اكثر من 50 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، وفي خضم اليأس والشكوك والمخاوف التي يعيشها شعب باكمله، وفي مواجهة المخاطر التي يشكلها المأزق السياسي المستمر على استقرار البلاد،  هل من مجال لموقف تصالحي؟ يجب ان نأخذ هذا السياق في الاعتبار لكي نفهم امتدادا الالتزام الاستثنائي لرئيس الجمهورية ايمانويل ماكرون والدعوة الملحة والحازمة لوزير اوروبا والشؤون الخارجية جان – ايف لودريان الى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والوزراء والمكلف ومن خلالهم الى الطبقة السياسية برمتها. انها دعوة الى يقظة للخروج من المأزق السياسي الذي يبقون عليه وهو جراء صنيعتهم. انها مسؤوليتهم المؤسسية للاتفاق على الحكومة لقد تعهدوا للرئيس الفرنسي القيام بذلك بسرعة والشروع بالعمل من اجل تمكين المجتمع الدولي من مساعدة لبنان بطريقة هيكلية. لغاية اليوم من الواضح ان المماطلات لا تزال مستمرة وسط لامبالاة تامة بالاوضاع في بلدهم، من دون اغفال ما يحل باللبنانيين. اذا لم يتفاعلوا مع ما يحدث، فسيكون هذا فشلهم وليس فشل فرنسا او المجتمع الدولي. هذا ما ذكره الوزير لودريان، يجب على الجميع تحمل مسؤولياتهم. لقد اتخذت فرنسا وستستمر في اتخاذ قراراتها الخاصة بالتشاور الوثيق مع شركائها. تتحدث فرنسا الى الجميع في لبنان. قمت بذلك منذ لحظة وصولي الى البلد. نحن نحاول التقريب بين المواقف بفضل الحوار الصريح والمباشر الذي نجريه مع الجميع. واقول هذا ايضا لمن يلومنا على الاستمرار في التحدث الى القادة اللبنانيين: عندما يسود انعدام الثقة بين جميع اللاعبين وتتعمق المخاوف من بعضهم البعض كمستشارين سيئين. من المهم  استمرار التحاور باستثناء الوقوع في حلقة مفرغة. ساستمر في القيام بذلك بشكل واع. طالما رددت يمكننا التسهيل، لكن لا يمكننا ان نحل مكان اللبنانيين. الامر متروك للطبقة السياسية اللبنانية لتقرر ما اذا كانت تريد اخراج لبنان من التعطيل الذي تتحمل مسؤوليته وحدها. الوقت يضغط. اتمنى انه في حلول موعد احياء الذكرى المؤلمة ليوم 4 اب المقبل الذي اعلن اخيرا يوم حداد وطني، يكون قد حصلت يقظة. في كل الاحوال، فرنسا لن تستسلم. ساواصل من جهتي الجهود بحزم. لبنان واللبنانيون يستحقون ذلك.

    *  في حوار مع صحيفة “لوريان لوجور” قلت ان “تكليف السيد سعد الحريري هو بداية دينامية نؤيدها ولا يمكن تقديم ضمانة فورية لها بل سنحكم على الافعال”، هل ما زلت على الموقف نفسه خصوصا وان عبارة “حكومة مهمة” نالت تأويلات محلية عدة، كذلك مصطلح التكنوقراط اثار جدلا؟ هل تريدون حكومة اختصاصيين بعيدين من التأثيرات السياسية؟

    ـ كم سمعت من تعليقات حول الخطوة الفرنسية منذ وصولي! لكل طرف تفسيره المناسب لشخصه بالنسبة الى “المبادرة الفرنسية”  لتفريغها من جوهرها في غالب الاحيان. طالما كان موقفنا  ثابتا من هذا الموضوع منذ الاعلان عنه: الحل للازمات المتعددة التي يعيشها لبنان حاليا يكون بتشكيل حكومة مؤلفة من شخصيات كفية وجاهزة للعمل بجدية، وقادرة على تقديم المصلحة العامة العليا لجميع اللبنانيين على كل الانشغالات الاخرى. نحن في حاجة الى حكومة شاملة وفعالة، قادرة على تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والادارية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل والتي يعرفها الجميع منذ سنوات عديدة. هذا طلب من فرنسا وكذلك المجتمع الدولي باسره. لا يحتاج المرء الا الى اعادة قراءة بيانات مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان، (GIS)، حيث هناك تطابق كامل في وجهات النظر حول الاسباب التي ادت الى الوضع الراهن في لبنان وحول المسؤولية المركزية للقادة اللبنانيين، وهنالك اجماع على الدعوة الى تشكيل حكومة فاعلة. في استعارة لمصطلح طبي، فان التشخيص قد تم وكذلك تحديد العلاج وشرح الوصفة المرفقة مع خارطة الطريق التي – لنذكر – هي كل ما اوصى به المجتمع الدولي منذ فترة طويلة والذي يتفق عليه العديد من الخبراء اللبنانيين. المساعدة التي يمكننا تقديمها معروفة، بما يتجاوز المعالجة العاجلة في الوقت الحالي ولكنها لا تستطيع ان تعالج هذا البلد بشكل عميق.

    اكرر: ان الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي الملح يتطلب يقظة وتدابير واجراءات يتخذها جميع المسؤولين عن ادارة البلاد. لقد حان الوقت لوقف التراشق بالبيانات الصحافية التي ترمي المسؤوليات بشكل متبادل وبدء تخطي المصالح الخاصة. كما قلت بالفعل “سنحكم على الافعال”. حتى الان لم تر فرنسا اي تغير في الافعال ومثلها المجتمع الدولي والشعب اللبناني.

     

    * كيف تنسق فرنسا جهودها في ما يتعلق بلبنان مع الدول المؤثرة عليه مثل السعودية وايران وموسكو والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية؟ وهل هنالك امكان لعقد طاولة حوار موسعة بمبادرة من فرنسا لبحث النظام السياسي اللبناني؟

    ـ في اعقاب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت بادرت فرنسا الى حشد المجتمع الدولي لدعم الشعب اللبناني بدعم من الامين العام للامم المتحدة، ترأس رئيس الجمهورية مؤتمرين دوليين في آب وكانون الاول الفائتين. قدم هذان المؤتمران مساعدات طارئة اساسية للسكان المتضررين من الانفجار، تم حشد بما يفوق 250 مليون يورو. نحافظ في الوقت ذاته على تعاون وثيق للغاية مع جميع الشركاء الدوليين واصدقاء لبنان، سواء في اطار الاتحاد الاوروبي او الامم المتحدة او مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان. هنا في لبنان ارى زملائي بانتظام حيث نتحاور وننسق. لكن لا ينبغي ان ننساق وراء الاوهام. اليوم من دون العمل الحازم من فرنسا ورئيس جمهوريتها والوزير لودريان كان لبنان سيجد نفسه اكثر عزلة من اي وقت مضى، وسيكون في ادنى الاولويات الدولية. على القادة السياسيين اللبنانيين ان يثبتوا للمجتمع الدولي انهم يريدون حقا العمل من اجل المصلحة الجماعية لبلدهم. من دون ذلك سيكون من المستحيل علينا حشد الدعم الدولي الذي يحتاجه لبنان بشكل ضروري للخروج من الازمة الحالية.

    *  قال الوزير جان – ايف لودريان لقد بدأنا على الصعيد الوطني تنفيذ اجراءات تقييدية من حيث الوصول الى الاراضي الفرنسية ضد الشخصيات المتورطة في التعطيل السياسي الحالي او المتورطة في الفساد؟ هل هنالك اي تفسيرات لذلك؟ وما الذي سيستند اليه الاتحاد الاوروبي او فرنسا لمعاقبة المسؤولين في دولة مستقلة وذات سيادة؟

     

    – عندما لا يكون الحوار كافيا يحين الوقت الذي يجب فيه فحص جميع ادوات العمل. ونظرا الى خطورة العبء الذي يشكله تقاعس الساسة اللبنانيين على الشعب اللبناني وعلى استقرار البلد، اعتمدت فرنسا في نهاية نيسان الفائت اجراءات تقييدية على دخول الاراضي الفرنسية ضد الشخصيات المسؤولة عن التعطيل السياسي او المتورطة في قضايا فساد. قال الوزير جان – ايف لودريان في بيروت اذا استمر التعطيل فسيتم تشديد هذه الاجراءات او توسيعها. توجد اجراءات مماثلة تتم دراستها على المستوى الاوروبي، لأن المسالة اللبنانية وبمبادرة من فرنسا  اصبحت موضوعا اوروبيا كما اشار المفوض الاوروبي جوزيب بوريل قبل اسابيع قليلة، لافتا الى ان الاتحاد الاوروبي يعمل على الوسائل التي من شأنها ان تجعل من الممكن ممارسة الضغط في شكل فردي على القادة اللبنانيين الذين يعيقون تجاوز البلد للمأزق الحالي. لقد زار السيد بوريل بيروت اخيرا للتذكير بذلك.

     

    *  في 2 كانون الاول الفائت نظم رئيس الجمهورية الفرنسية مع الامين العام للامم المتحدة المؤتمر الدولي الثاني لدعم الشعب اللبناني بعد مؤتمر 9 آب 2020، اين نحن اليوم من هذا الدعم الطارئ؟

    – في الواقع، كما سبق وذكرت، حرص رئيس الجمهورية الفرنسية على دعوة المجتمع الدولي لمرتين في 9 آب ثم في 2 كانون الاول بالتعاون الامم المتحدة. تم الاعلان عن مساعدات بقيمة 250 مليون يورو. لم يتم الايفاء بهذه الوعود فحسب بل تم تجاوزها ايضا. اكرر لقد اوفت فرنسا بالتزاماتها. خلال العام 2020 خصصنا اكثر من 85 مليون يورو للبنان بما في ذلك قرابة 50 مليون يورو استجابة لتفجيرات 4 آب، وقد تجاوزنا بذلك وعد الرئيس ماكرون البالغ 30 مليون يورو في آب 2020. يركز عملنا على اربعة مجالات ذات اولوية وتعود بالفائدة المباشرة والملموسة على جميع اللبنانيين: في مجال اعادة الاعمار والحفاظ على التراث والثقافة، الحصول على الغذاء، دعم القطاع الطبي والصحي، دعم المدارس والقطاع التربوي الذي اوليه اهمية خاصة. ان مستقبل البلد والحفاظ على ما يشكله لبنان من نموذج يتمثلان بالتعايش بين طوائفه والحوار المثمر بين ثقافاته بدءا من المدرسة. ستستمر مساعدتنا. في العام 2021  تم الالتزام باكثر من 50 مليون يورو. كان هذا الدعم الطارئ لا يزال ضروريا. لكنني اصر على انه لا يمكن ان يحل محل تنفيذ الاصلاحات التي يتوقعها اللبنانيون اليوم من اجل ان تكون لهم دولة تضمن حقوقهم كمواطنين وتلبي تطلعاتهم المشروعة في العيش بكرامة وسلام في وطنهم.

     * كيف ستساهم فرنسا في اعادة اعمار مرفأ بيروت؟

    – يعتمد عملنا على ثلاثة مكونات: ازالة مخلفات الدمار، ضمان الامن في العمل، واعادة البناء. ان ازالة الركام وضمان الامن في الاعمال يحصلان في حالات الطوارئ اولا، وبناء على طلب السلطات اللبنانية. تحركت فرنسا على الفور. بدأت “عملية الصداقة” Operation Amitie  في 4 آب الفائت حيث تم ​​انشاء جسر جوي وعسكري اتاح نقل المنتجات الاساسية الى الميدان وتوظيف متخصصين في الحماية المدنية للمساعدة في البحث عن الضحايا، بالاضافة الى مئات الجنود الفرنسيين الذين شاركوا في جهود ازالة الركام والتنظيف في المرفأ بالتنسيق مع الجيش اللبناني. تم استنفار الخبرة في “عملية الصداقة” في مجال مكافحة التلوث البحري والبحري ولدعم سلطات منطقة المرفأ من المدنيين والعسكريين من اجل منع وقوع حوادث جديدة في المنطقة. نظرا الى انه لا تزال هنالك نفايات تشكل خطرا، فان فرنسا ومن خلال شركة Recygroup  تدعم ماليا وتقنيا معالجة النفايات التي لا تزال موجودة في المرفأ، وكذلك معالجة الحبوب في الاهراءات. في موازاة ازالة الركام والدمار، تمت المساعدة في انطلاق عجلة العمل مجددا وبدعم مالي من فرنسا، كذلك ستعمل EDF على قضايا امداد المرفأ بالكهرباء، وتعمل شركة Artelia على اعادة تأهيل البنية التحتية لامدادات المياه في احياء بيروت المتضررة من الانفجار. يتم تقديم الدعم الفني والمادي والمالي للجمارك اللبنانية لاسيما من خلال توفير ماسح ضوئي  “سكانر” من قبل شركة Smith Detection  الذي سيتم تسليمه قبل نهاية تموز الجاري. سيسمح ذلك للجمارك بلعب دورها الاستراتيجي الرئيسي المنوط بها. بالنسبة الى المرحلة الاخيرة اي اعادة البناء، فقد حدد فريق من الخبراء الفرنسيين بشكل ملموس المشاريع التي سيتم تنفيذها لاعادة اعمار الميناء: الحوكمة والجمارك والرقمنة والامن والتجهيز.

     

    * ماذا يمكن ان تقولي عن زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون الى فرنسا والمؤتمر الذي اعقبها لدعم الجيش، وماذا عن التعاون مع الاجهزة الامنية ومنها الامن العام اللبناني؟

     

    ـ استجابة للنداء الدولي الذي اطلقته القوى المسلحة اللبنانية، تم تنظيم مؤتمر دولي في 17 حزيران الفائت بمبادرة من فرنسا وايطاليا وبدعم من الامم المتحدة لحشد المساعدات الطارئة للقوات المسلحة اللبنانية والقوى الامنية اللبنانية التي لم تنج من الازمة المتعددة الوجه التي تصيب لبنان منذ اشهر عدة. اتاح هذا التداول الاستثنائي عبر تقنية “الفيديو كونفرانس”، الذي جمع شركاء لبنان الرئيسيين، الاستجابة للحاجات الملحة التي عبرت عنها القوات المسلحة وخصوصا بالنسبة الى المساعدات الغذائية والطبية، وفي توريد قطع الغيار اللازمة لصيانة المعدات لتبقى في حالة تشغيلية جيدة. يجسد هذا المؤتمر الدعم الملموس الذي يقدمه المجتمع الدولي للجيش اللبناني الذي يبقى مؤسسة اساسية ضامنة لسيادة لبنان وامنه ووحدته واستقراره.

     

     

     

     

     

     

  • النظريات التي تحكم سلوك الدول: تحقيق المصالح السيادية عبر القوة الناعمة

    النظريات التي تحكم سلوك الدول: تحقيق المصالح السيادية عبر القوة الناعمة

     

    مقالات مختارة

    مجلة الامن العام

    مارلين خليفة

    تنطلق العلاقات الدولية في مجملها من “النظرية الواقعية” المرتكزة الى المصلحة الوطنية والقوة وتوازن القوى. لكن لهذه النظرية اشكال عدة تتغير مع تغير المتحكمين بمصائر غالبية الدول. فما هي النظريات التي تحكم العلاقات الدولية وتشرح سلوك الدول حيال بعضها البعض؟

     

    لا يعدّ تحليل الاسس والمعايير التي تحكم العلاقات بين الدول امرا بسيطا ويرتبط فعليا بتفسير العلاقات السياسية القائمة منذ قرون من حيث صراع النفوذ والاستراتيجيات والتحالفات، من هنا تنبثق اهمية معرفة ما يسمى بقوانين الجغرافيا السياسية والنظريات التي توجه الحوادث السياسية في العالم.

    بعد جائحة كورونا “انعدمت النظريات التعاونية لتتغلب عليها المصلحة الوطنية والذاتية والانانية

    تتعدد النظريات التي تفسر حقيقة العلاقات بين الدول والاسباب التي تقود الى الحروب او التحالفات ومنها النظرية الواقعية التي شكلت الظاهرة الاساسية التي تحكم العلاقات الدولية منذ معاهدة وستفاليا في العام 1648 ونشوء الدولة المؤسساتية القائمةعلى مبدأ السيادة الوطنية.  في هذا السياق تقدّم الباحثة في الشؤون الدولية رانيا حتي شرحا وافيا لهذه النظريات. تقول حتي لـ”الامن العام” بأن “العلاقات بين الدول تحكمها المصالح السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية، وتسعى الدول المعبرة عن المصلحة الوطنية الى التفتيش عن القوة في عالم تسوده الفوضى والنزاعات المستمرة، ما يدفع كل دولة الى تحصين ذاتها لمنع الدول الاخرى من الاعتداء عليها وتهديد امنها. اما السلام والاستقرار من وجهة نظر هذه الدول  فلا يمكن ان يتحقق الا من خلال توازن القوى”. بعد “النظرية الواقعية”، تنطلق حتي لشرح  “النظرية الليبرالية” والتي تعني امكانية التعاون بين الدول من خلال انشاء مؤسسات ومنظمات معنية بتحقيق التعاون في تقليص حدّة النزاعات. فيما الامن والاستقرار بحسب الفكر الليبرالي لا يتحقق الا من خلال ايجاد القيم والمصالح المشتركة مقابل تقليص الابعاد العسكرية فتتشابك حينها المصالح الاقتصادية التي تؤدي بدورها الى تحقيق الرفاهية لجميع الفاعلين الدوليين”.

    بعد انتهاء الحرب الباردة وبزوغ عصر العولمة “تطورت النظريات التي تفسر طبيعة العلاقات بين الدول، فبرزت مدارس جديدة منها “النيوليبرالية الاقتصادية”، ونظرية غرازنر حول “الانساق الدولية” اي القواعد والقوانين التي يجب ان تحكم العلاقات الدولية،  فيما فرضت “نظرية الاعتماد المتبادل” لجوزف ناي وروبير كوهين نفسها بفضل ازدياد التجانس الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بين الدول في ظل تقلّص الحواجز بين الدول”.

    حتي: الحل الامثل هو في السعي الى اتفاق لانشاء مؤسسات عبر وطنية او اطر قانونية عليا تديرها حوكمة دولية

    في السياق عينه، رتب انهيار الاتحاد السوفياتي مجموعة نتائج اسهمت في تكوين ملامح الفترة التي يتسم بها النظام الدولي في العلاقات الدولية. تشير حتي:” خلال تلك الحقبة تربعت الولايات المتحدة الاميركية على قمة النظام الرأسمالي بما تملكه من قدرات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية، ما عدّ بمثابة انتصار للنموذج الرأسمالي الاميركي. فبفضل “القوة الناعمة” والعولمة استطاعت  الولايات المتحدة التحكم باللعبة السياسية الدولية وبمفاصل النظام الدولي عن طريق الجاذبية ومن ثم استفرادها على الصعيد الدولي من دون منازع.

    في هذا الاطار،  لم تكن الولايات المتحدة الاميركية الوحيدة التي استطاعت الاستفادة من اقتصاد السوق والعولمة النيوليبرالية، إنما دول عدة مثل دول “البريكس” استطاعت بما فيها الصين،   تركيز  نشاطها الاقتصادي على القطاع الثانوي من خلال انتاج سلع بتكلفة منخفضة في سياق العولمة. هذا التنظيم للاقتصاد الدولي سمح لبكين تطوير صناعتها والاستفادة من عمليات نقل التكنولوجيا. فمنذ العام 1990 وحتى العام 2020  بدأت العلاقات الدولية تهتز بسبب تغيّر موازين القوى الدولية في ظل تضاعف الناتج القومي الصيني بمقدار 14 ضعفا تقريبا”.

    في هذا السياق المتجدد، أنشأت الصين البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية والذي بلغ عدد اعضائه 103 من الدول. يقوم المصرف الآسيوي باقراض العديد من الدول النامية، بما يشكّل منافسة لدور البنك الدولي، هكذا تمكن العملاق الصيني من تحقيق ما يسميه كثر معجزة اقتصادية خلال العقدين الماضيين، فيما عانى الاقتصاد الاميركي من ازمة حادة في العام 2008.

    منذ العام 1990 وحتى 2020 بدأت العلاقات الدولية تهتز بسبب تغيّر موازين القوى في ظل تضاعف الناتج القومي الصيني

    هذا الوضع القائم أدى إلى  المنافسة بين  الصين  والولايات المتحدة الاميركية – كما تقول حتي-ويمكن اخذه كنموذج في العلاقات الدولية، بحيث شكل احدى النقاط الرئيسية التي ترتكز اليها النظريات لفهم سلوك وحوافز تلك الدول وتأكيد للنظرية الواقعية التي عرّفناها بداية، والقائمة على المصلحة الوطنية والقوة وتوازن القوى. بعد الصعود الصيني وانحسار السيطرة الكاملة للولايات المتحدة الاميركية زادت الحدة في العلاقات الدولية وباتت اشد تعقيدا في عالم تسوده الفوضى”.

     

    ازداد التأزم في العلاقات بين تلك الدول بعد تفشي جائحة كورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية الكارثية على العالم. تشير حتي:” بعد جائحة كورونا “انعدمت النظريات التعاونية لتتغلب عليها المصلحة الوطنية والذاتية والانانية، الامر الذي عزز طبيعة الصراع وحرب الكل ضد الكل. ولكن بالرغم من التنافس والصراع الاقتصادي الشرس اعطت نظرية “الضرورة” و”عبر الوطنية” حلولا لمعالجة القضايا العالمية في ظل التناقضات الحاصلة وعدم تجانس المصالح بين الدول الكبرى بهدف حصر الخلافات والعودة الى “الاعتماد المتبادل المعقد” بالرغم من “الدولاتية” المسيطرة في العلاقات الدولية (الدولاتية: تعني الدولة بمقوماتها الخمسة السلطة والشعب والاقليم والشخصية القانونية والسيادة)، ومناهضة الخلل عبر الارتكاز الى القانون والقواعد الدولية و اعطاء دور للحوكمة الدولية التي تشمل الجهات الرسمية وغير الرسمية لحل القضايا عبر الوطنية والابتعاد عن الهيمنة التي تؤثر في تلك العلاقات  في ظل هذه التحديات الآنية”.

     

    باختصار، في القرن الحادي والعشرين، لا يزال العالم يعيش في نظام عالمي فوضوي وخصوصا بعد احياء جائحة كورونا للصراعات من جديد بسبب الركود الاقتصادي. ولكن ينتظر من اللاعبين الدوليين والمنظمات الحكومية وغير الدولية ومن بينها الافراد والمنظمات غير الحكومية، توسيع آفاق النقاش للدخول الى معالجة الخلل وحل المشاكل الانسانية بطريقة تشاركية وتعاونية، واتخاذ  الاعتماد الاقتصادي والصحي والبيئي المتبادل اطارا جديدا لتجنب الخلافات والصدامات بين الدول. تشري حتي:” لا شك بأن تنامي الاعتماد المتبادل يقلل من احتمالية نشوب حروب باردة حقيقية او حروب ساخنة لان كل الدول  لديها حوافز للتعاون في عدد من المجالات  بما فيها الامن الصحي. في الوقت نفسه، ان سوء التقدير مثل  خطر “السير اثناء النوم” يؤدي إلى كارثة بشرية.  ومن المؤكد بأن هكذا ترابط وتفاعل في شتى المجالات الصحية والبيئية الخ….تسهّل من احتمالية التعاون والسلم والاستقرار. اما عكس ذلك، فيمكن ان يؤدي الى  “تدمير شامل مؤكد ومتبادل” وربما يفكك القواعد القانونية التي تقوم عليها العلاقات الدولية وقد يشعل العالم. فبالرغم من بعض قوة  الدول و ضعف بعضها الآخر على الساحة الدولية، الا ان جميع الدول بحاجة للتعاون والتشارك لتفادي الوصول الى الانهيار”.

     

    وتختم حتي بقولها:” يبقى الحل الامثل في السعي الى اتفاق على انشاء مؤسسات عبر وطنية، او اطر قانونية عليا، تديرها حوكمة دولية  يتم الاحتكام اليها لعلاج الخلافات، لتبقى عاملا مهما في تجنب الصدامات الدولية بما فيها بين الصين والولايات المتحدة وبقية الدول كاطار لتسوية الخلافات، فضلا عن اعتماد الاطر المؤسسية، او القانونية التي تؤدي الى  لعب دور مهم في ادارة النزاعات ومعالجة المشاكل والتحديات والتهديدات العالمية المشتركة. وربما قد تقلل تلك الاطر من العلاقات الدولية الاكثر تشددا وانانية والاتجاه نحو علاقات دولية اكثر انسانية والخضوع مجددا لقواعد قانون دولي لا تتحكم فيها الانتقائية والاستنسابية”.

  • مدير أونروا- لبنان: حرب غزّة قد تشتعل خلال اشهر

    مدير أونروا- لبنان: حرب غزّة قد تشتعل خلال اشهر

     

    مقالات مختارة

    موقع “أساس”

    مارلين خليفة

    خلّفت الحرب الاخيرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة اكثر من 240 قتيلا من بينهم اكثر من 60 طفلا، بالاضافة الى 47 الف مهجر، وجد معظمهم ملاذا في مدارس “الأونروا” في غزة.

     

    تحتاج  وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بشكل عاجل إلى 38 مليون دولار لتغطية الاحتياجات الإنسانية للسكان المتضررين في غزة وذلك بعد وقف الأعمال العدائية إثر شن غارات جوية إسرائيلية واسعة النطاق على غزة، بدأت في 10 أيار وانتهت في 21 منه فضلا عن اشتباكات في الضفة الغربية والتي شملت القدس الشرقية.  إلا أن الوكالة التي أسستها الامم المتحدة في العام 1949 تعاني نقطة ضعف تأسيسية تتمثل بالتمويل الطوعي للدول. وبالرغم من الغاء الرئيس جو بايدن قرار سلفه دونالد ترامب تجميد الولايات المتحدة الاميركية تمويلها للوكالة، إلا أن بلاده لم تسدد لغاية اليوم سوى مبلغ 150 مليون دولار من أصل 360 مليون دولار تقع على عاتقها طوعيا سنويا، من ضمن موازنة عامة يبلغ حجمها 1،5 مليار دولار تتحكم بمصائر 5،7 مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في الشتات. أما تمويل الدول العربية فقد تراجع بشكل ملموس منذ العام 2018 وخصوصا بعد اتفاقيات ابراهام في العام الفائت، إذ قلصت إحدى الدول الخليجية مساهمتها من 50 مليون دولار في العام 2018 الى مليون هذا العام.

    يرأس الايطالي كلاوديو كوردوني فرع المنظمة الدولية في لبنان منذ العام 2017، وهو احد 5 مدراء في سوريا والاردن وغزة والضفة الغربية، بينما يتولى رئاسة الاونروا في الاردن المفوض العام السويسري فيليب لازاريني.

    رسم كوردوني لـ “اساس” خطوط عمل الاونروا في الاراضي المحتلة ولبنان، وهو ليس بغريب عن المنطقة، فقد ولد في مصر وعاش في لبنان 5 اعوام في بداية السبعينيات ولغاية اندلاع الحرب الاهلية حيث درس في مدرسة ايطالية في فردان، بعدها انتقل الى ايطاليا حيث تابع تحصيله الجامعي، ثم الى الولايات المتحدة الاميركية. بدأ حياته العملية في منظمات دولية واستمر 26 عاما، ثم انضمّ الى الامم المتحدة في مهمة سنة في البوسنة، فليبيا، وبعدها مباشرة تسلم منصب مدير “الأونروا” في لبنان. وبالتالي لديه مزيج من الخبرة في مجالي حقوق الانسان والاغاثة.

    في حرب الـ11 يوما التي خاضتها غزة واجزاء واسعة من فلسطين المحتلة مع اسرائيل لعبت “الاونروا” دورا هائلا في تخفيف معاناة الفلسطينيين. وإذ يرحب كودروني بقرار وقف اطلاق النار، يقول لـ”أساس”:” أقله أن لا احد سيموت بعد الآن بسبب هذا الصراع، إلا انه لتجنب ما حصل نحتاج الى حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية بأسرع وقت ممكن”. لا يشعر كوردوني بالطمأنينة حتى بعد وقف اطلاق النيران الذي يعتبره هشا، لذا يدعو الى “ان يواجه المجتمع الدولي مسببات هذا الصراع الاخير وهي تختصر بخرق القانون الدولي والتعرض لحقوق الانسان”.

    ويشير كوردوني الى:” ان هذه الحرب قابلة للاشتعال مجددا في غضون اشهر قليلة، ما شهدناه في غزّة والضفة الغربية واسرائيل يعني انه لا يمكن الاستمرار بسياسة التمييز العنصري وبانتهاكات حقوق الانسان ثم توقع ان يبقى الوضع هادئا. في مرحلة ما سيكون هنالك انفجار جديد، وبالتأكيد نحن ضد أية هجومات على المدنيين، ولا نريد رؤية اطفال يموتون من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي وعلى هذه الحرب ان تتوقف نهائيا وليس مرحليا”.

    ضمّت “الأونروا” صوتها إلى كيانات الأمم المتحدة  اخيرا  في دق ناقوس الخطر بشأن عائلات الشيخ جراح الثماني، التي يقارب مجموع أفرادها 75 شخصا والتي تقيم في الحي الذي يحمل هذا الاسم في القدس الشرقية، وكانت عرضة لخطر الإخلاء القسري الوشيك والترحيل القسري.

    تتكون هذه العائلات من لاجئين فلسطينيين فقدوا منازلهم الأصلية وسبل كسب العيش نتيجة لصراع العام 1948. انتقلت هذه العائلات اللاجئة الى حي الشيخ جراح في العام 1956، بدعم من الحكومة الأردنية ومساعدة مادية من الأونروا، بعد نزوحها، وأقامت في هذه المنازل لقرابة الـ70 عاما.

    إن الحالة في الشيخ جراح ليست بالحادثة المعزولة. فحسب المعلومات المتاحة للجمهور التي نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ثمة ما يقارب من ألف فلسطيني، نصفهم تقريبا من الأطفال، معرضون لخطر الإخلاء القسري في جميع أنحاء القدس الشرقية. الى ذلك، يجري الإخلاء القسري للفلسطينيين في سياق بناء المستوطنات الإسرائيلية وتوسيعها بصورة غير قانونية تخالف القانون الانساني الدولي.

    تستند بعض هذه الإجراءات إلى ادعاءات تعود إلى ما قبل العام 1948، في حين يحظر على اللاجئين الفلسطينيين بشكل تمييزي استعادة ممتلكاتهم ومنازلهم التي فقدوها في القدس الغربية في العام 1948. مع ذلك، فإن القانون الدولي يفرض على سلطة الاحتلال احترام القوانين المعمول بها في بداية الاحتلال الا في بعض الحالات القصوى التى تمنع ذلك.

    تضع الاونروا نصب عينيها في غزة في المدى المتوسط كيفية توفير المساعدة للعائلات التي تأثرت بفعل الحرب. لدى الاونروا قرابة الـ 42 الف مهجر لجأوا الى 50 من مدارس “الاونروا”، (عدد المدارس في قطاع غزة يتعدى المئتين) وهؤلاء بحاجة ماسة الى المساعدة. وبطبيعة الحال فإن هذه الحرب زادت من حالات الاصابة بكورونا. الى ذلك لدى الاونروا اليوم  استحقاق اعادة الاعمار، واسعاف الجرحى ومن أصيبوا بصدمات نفسية وخصوصا بين الاطفال، ولهذا تقدمت بطلب مبلغ 38 مليون دولار اضافية للاستجابة مع هذا الوضع الطارئ.

    يشير كوردوني: “إن ما نحتاجه في غزة الى جانب المساعدات الانسانية هو بدء مسار حل سياسي للصراع لكن هذا الحل لا يتعلق بالاونروا، إنما يقع على عاتقها تذكير المجتمع الدولي والاطراف واسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس وحلفاء هؤلاء ايضا كما الولايات المتحدة الاميركية وسواها بأنه لا يترتب عليهم فقط التفرج على ما يحصل او ادارة الصراع في افضل الاحوال، بل عليهم محاولة حل هذا الصراع”.

    أخيرا، سوف تدعو السويد والاردن الى مؤتمر يتناول الاونروا في تشرين الاول المقبل من دون تحديد المكان والزمان لغاية اليوم وذلك بهدف تنظيم نقاش بنّاء مع المجتمع الدولي حول دور الاونروا لأن تفويضها  يتم تجديده كل 3 اعوام.  “إن معظم دول العالم تؤيد استمرارنا في عملنا، لكن في المقابل لا يعطوننا الموارد الكافية للقيام بذلك بحيث ليست بحوزتنا الاموال الكافية، ولا يمكننا المتابعة في عملنا حيث نعيش حالة طوارئ كل شهرين  بسبب نفاد المال،  لا يوفر هذا النمط الاستدامة المنشودة. على العالم ان يجد سبلا افضل لتوفير الدعم المستدام للاونروا فلا نمضي الجزء الاكبر من وقتنا نبحث عن تمويل، بل التركيز على توفير خدماتنا بنوعية جيدة” يقول كوردوني.

     

     

    في لبنان الاونروا تبحث عن محاور تتحدث اليه!

    في لبنان، قامت الاونروا بلوبي واسع النطاق لا سيما مع الاحزاب والسلطات اللبنانية وبالتعاون مع هيئة الحوار اللبنانية الفلسطينية من اجل تخفيف قيود العمل عن الفلسطينيين. يقول كوردوني:” يكمن هدفنا الرئيسي في “الاونروا” في لبنان في التأكد من تمكين الفلسطينيين على عيش حياة كريمة في انتظار حل عادل لقضيتهم، وهذا يعني ان عددا من القيود التي تطاول حق العمل يجب ازالتها، فيتمكن الفلسطينيون من العيش والعمل في هذا البلد وان تكون حقوقهم محترمة وهذا عمل طويل الامد”.

    وثيقة وحيدة تدعم هذا الهدف في لبنان تحمل عنوان “الرؤية الموحدة “وافقت عليها مجمل الاحزاب اللبنانية في اطار عمل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني ونشرت في العام 2017، وهي تشير الى اتفاق هذه الاحزاب على عدد من النقاط المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين واحداها ازالة القيود حول حق العمل لكن هذه الوثيقة لم تطبق البتة. “تسعى “الاونروا” الى البناء على اتفاقيات مماثلة، للتأكد من ان الفلسطينيين يتمتعون بحقوقهم كافة في لبنان من دون تقويض حقهم بالعودة، فنحن لا نسعى الى منح الفلسطينيين الجنسية او توطينهم” يقول كوردوني.

    يواجه هذا الهدف صعوبة تعطل العمل الحكومي :” إنه عمل طويل الأمد، نحن اليوم في ظل فراغ حكومي، يبدو بأن القوى السياسية اللبنانية غير قادرة على الاقتراب من تشكيل حكومة بالرغم من تداعيات ذلك على البلد، وبناء عليه نحن نفتقر الى وجود متحاور للنقاش معه، وبالتالي تتمثل الخطوة الاولى في تشكيل حكومة ثم بدء حوار حول اجندة لتطبيق هذا الهدف”.

    في مدارس الاونروا في لبنان يوجد 37 الف طالب في 65 مدرسة، وتوجد 27 عيادة صحية اولى وتشمل خدمات الوكالة 12 مخيما للاجئين، وتهتم الاونروا بجمع النفايات واعادة بناء وصيانة البنى التحتية. تمكنت الاونروا بجهودها من اعادة بناء مخيم نهر البارد بعد تدميره بالكامل في العام 2007. “نحن نحتاج الى 40 مليون دولار لاستكمال العمل وإذا حصلنا عليها سننهي اعمال البناء في غضون عامين وتوجد 1300 عائلة لا تزال بحاجة لإيوائها في المخيم”.

    سمحت السلطات اللبنانية باعادة بناء نهر البارد إثر انعقاد مؤتمر للمانحين في العام 2008 وافقت فيه الحكومة اللبنانية على اعادة بناء المخيم في المكان ذاته مع تعديلات تضمن التأكد من انه لن تكون مجددا اشتباكات عسكرية. وتعهد المجتمع الدولي تمويل المشروع وكلّفت الاونروا بتولي اعمال البناء.

    في عين الحلوة في صيدا تمت اعادة بناء حي الطيري الذي تدمر في العام 2017، بتمويل من اليابان. ويوجد برنامج لإعادة تأهيل المخيمات كلها في لبنان مع اعطاء الاولوية اماكن سكن اللاجئين. “احدى التحديات الرئيسية التي تواجهها الوكالة تتمثل بالسماح بادخال مواد البناء الى المخيمات، ولغاية الآن تسير الامور بشكل جيد في ظل التعاون من قبل الجيش اللبناني في الجنوب وقوى الامن الداخلي في منطقة بيروت في ما يخص ادخال مواد البناء”، كما يؤكد كوردوني.

    إحدى اهم الامور التي يمكن الحديث عنها تتمثل بكفية تعامل لبنان والامم المتحدة مع الازمة الصحية، يقول كوردوني:” كان من المهم جدا اتخاذ القرار بأن النظام الصحي اللبناني الخاص والعام يجب ان يهتم بجميع المتواجدين على الاراضي اللبنانية بغض النظر عن جنسياتهم، وبالتالي يمكن للفلسطينيين الذهاب الى المستشفيات اللبنانية، والمهاجرين ايضا. واعتمد المبدأ ذاته عند بدء حملة التطعيم، حيث ان كل من يقطن الاراضي اللبنانية  يحق له باللقاح المجاني وهذا كان احد شروط البنك الدولي لاعطاء قرض للحكومة اللبنانية. بدأ تطعيم اللاجئين كما اللبنانيين عبر المنصة وهنالك فلسطينيون اكثر من السوريين تسجلوا على المنصة لتلقي اللقاح، لكن لا يزال عدد المسجلين ضئيل بسبب الفائض من الاخبار المضللة التي تجعلهم يخافون من اللقاح”.

  • مبادرة دبلوماسية اممية للبنان: الوصول المنصف الى لقاح كوفيد-19

    مبادرة دبلوماسية اممية للبنان: الوصول المنصف الى لقاح كوفيد-19

     

    مقالات مختارة

    مجلة الامن العام

    مارلين خليفة

     

    اعلنت 182 دولة من اصل 193 تنتمي الى الامم المتحدة التزامها ضمان توزيع منصف للقاحات المضادة لفيروس “كورونا” وفق ما ذكرت اعلان سياسي صدر عن الجمعية العامة في الامم المتحدة بمبادرة واقتراح من لبنان.

     

    اطلقت هذه المبادرة مندوبة لبنان الدائمة في الامم المتحدة السفيرة أمل مدللي ونجحت بجمع 19 دولة لتأييد المبادرة اللبنانية انضم اليها الاتحاد الأوروبي، وتمت كتابة الاعلان ووافقت عليه 182 دولة في العالم. وعقد  رئيس الجمعية العامة في 26 آذار الفائت اجتماعا للجمعية العامة وتم الاعلان السياسي وتحدثت معظم دول العالم شاكرة لبنان على المبادرة. تكمن اهمية الاعلان في انه نال موافقة الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي والتي هي منتجة للقاح.  وجاء في الاعلان السياسي: “نشعر بقلق عميق انه بالرغم من الاتفاقات الدولية والمبادرات والاعلانات العامة، فان توزيع لقاحات كوفيد-19 لا يزال غير منصف في جميع انحاء العالم سواء بين البلدان او في داخلها”.

    وتحدثت السفيرة مدللي نيابة عن المجموعة الاساسية للاعلان السياسي بشأن الوصول العالمي المنصف الى لقاحات كوفيد-19 وهي: البرازيل، الدنمارك، مصر، الاتحاد الاوروبي، فيجي، المانيا، الهند، ايطاليا،  كينيا، المكسيك والنرويج وباكستان وقطر وجمهورية كوريا وسانت فنسنت وجزر غرينادين والسنغال والسويد والمملكة المتحدة ولبنان.

    اتّسعت هذه المجموعة الاساسية من 19 الى 182 دولة من جميع انحاء العالم واتفق على ان تدعم هذا الإعلان، “والاتحاد والسعي لاعلان اللقاح كصالح عام ولكن ايضا لاجتياز هذا الاختبار التاريخي لانسانيتنا”.

    واحد من كل 4 اشخاص تلقى اللقاح في الدول الغنية مقابل 1 من 500 في الدول الافقر

    المفتاح في هذا الاعلان السياسي هو تعهد شعوب الامم المتحدة ودولها الاعضاء بالعمل معا لدحر هذا الوباء ومساعدة الناس والكوكب على التعافي بشكل افضل.

    وتعهدت الدول بمعاملة لقاح “كوفيد 19” باعتباره منفعة عامة عالمية من خلال ضمان الوصول الميسور التكلفة والمنصف والعادل للقاحات للجميع ، ومع كون منصة “كوفاكس” الآلية المناسبة لضمان ذلك.

    وطالب الاعلان بالمزيد من توافر اللقاحات ومشاركة اكبر لجرعات اللقاح من اولئك الذين حصلوا عليها، لا سيما في البلدان النامية وورد:”نلتزم بمنع عدم المساواة في اللقاحات داخل البلدان وفيما بينها، ونلتزم بمنع المضاربة والتخزين الذي قد يعيق الوصول الى لقاحات آمنة وفعالة واطالة أمد الوباء”.

    وروت السفيرة مدللي في خطابها الذي توجهت به الى الامين العام للامم المتحدة قائلة:” السيد الرئيس، بعد ان اخذت جرعتي الاولى من اللقاح تلقيت العديد من الرسائل من لبنان ومن اصدقاء حول العالم تقول: كم انت محظوظة!. لا ينبغي ان يكون هذا اللقاح مسألة حظ. يجب ان يكون حقا للجميع”.

    هذا الامر شدد عليه الاعلان السياسي بشأن الوصول العالمي المنصف الى لقاحات كوفيد-19

    وقالت مدللي:” ان الصورة الحالية للقاح الذي يتم طرحه في العالم مقلقة للغاية. انه بطيء ويميل لصالح اولئك الذين يمتلكون الوسائل والتكنولوجيا والبنية التحتية الصحية لتوزيعه بنجاح. الفجوة بين اولئك الذين يحصلون على اللقاحات والذين لا يحصلون عليها مذهلة”. اضافت:”هناك دول لم تعط جرعة واحدة  واخرى ستنتهي من تطعيم سكانها في غضون شهرين. هذا يرجع الى الحصول على اللقاحات والقدرة على تحمل تكاليفها. تشير الدراسات الى ان البلدان ذات الدخل المرتفع تمتلك بالفعل اكثر من نصف الجرعات العالمية التي تم ابتياعها ومن المقدّر انه لن تكون هناك جرعات لقاح كافية لتغطية سكان العالم لغاية العام 2023 على الاقل وفقا لمركز “ديوك للابتكار الصحي”.

    14 دولة في العالم لم تبدأ التطعيم بعد

    كما يظهر “ان البلدان ذات الدخل المتوسط المائل الى المتدني هي الاكثر تضررا من هذا التفاوت. ويذكر انه في حين ان البلدان ذات الدخل المرتفع تمتلك جرعات كافية لتطعيم اكثر من ضعف سكانها فان البلدان الاقل نموا والبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط يمكنها تغطية الثلث فقط”.

    واوردت مدللي ارقاما لمنظمة الصحة العالمية التي اشارت -لغاية نهاية آذار- انه تم اعطاء حوالي 56 في المئة من الجرعات حول العالم في البلدان ذات الدخل المرتفع وهو ما يمثل 16 في المئة من سكان العالم. كذلك تم اعطاء 0.1 في المئة في 29 دولة ذات الدخل الادنى ، والتي تضم 9 في المئة من سكان العالم. ولقد وزعت منصة “كوفاكس” لغاية اليوم اكثر من 31 مليون جرعة الى 57 دولة.

    في لبنان، تلقى 115،927 شخصا فحسب اللقاح الاول، وتلقى 54،661 شخصا فحسب اللقاح الثاني. هذا من أصل اكثر من 5 ملايين نسمة اذا احصينا اللاجئين والنازحين.

    وتحدثت مدللي عن “سباق في كل مكان بين اللقاحات والوباء، سيفوز اصحاب هذا السباق قبل البداية إذا لم يكن هناك تقاسم عادل وميسور للقاحات”. اضافت:”سوف تتسع الفجوة بين الاغنياء والفقراء والعالم المتقدم والنامي مع عواقب سياسية واقتصادية وصحية اذا لم نتعامل مع قضية اللقاح هذه برحمة وكرم ومع أفضل ما في إنسانيتنا”.

    في هذا السياق، كشفت منظمة الصحة العالمية في 10 نيسان الفائت عن “اختلال صادم” في التوزيع العالمي للقاحات، اذ تمّ اعطاء اكثر من 700 مليون جرعة لقاح على مستوى العالم لغاية تاريخه، اكثر من 87 في المئة منها ذهبت الى البلدان المرتفعة الدخل او البلدان ذات الدخل المتوسط الاعلى، بينما تلقت البلدان المنخفضة الدخل 0،2 في المئة فحسب.

    وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس ارنهانوم غيبرسوس في مؤتمر صحافي عقده في جنيف في 9 نيسان الفائت انه “في المتوسط، في البلدان المرتفعة الدخل، تلقى واحد من بين كل اربعة اشخاص لقاحا. اما في البلدان المنخفضة الدّخل، فشخص واحد فقط من بين اكثر من 500 شخص تلقى اللقاح”. وشدد:” اسمحوا لي ان اكرّر: شخص واحد من كل اربعة في مقابل شخص واحد من كل 500″. في هذا السياق، نقل موقع الامم المتحدة بان مرفق “كوفاكس” يستمر في التوزيع العادل للقاحات الى الدول المحتاجة.

    وكان مرفق كوفاكس يتوقع توزيع نحو 100 مليون جرعة مع حلول نهاية آذار 2021، لكنه حتى الآن سلّم اكثر من 38 مليون جرعة من اللقاح لأكثر من 100 دولة ومنطقة. (لغاية 10 نيسان الفائت).

    وقال الدكتور تيدروس: “يوم غد، هو اليوم المائة (اول 100 يوم في عام 2021). من بين 220 دولة ومنطقة، هنالك 194 دولة بدأت بالتطعيم، و26 لم تفعل. ومن بين هذه الدول، تلقت سبع دول لقاحات وبامكانها البدء بالتطعيم، ومن المقرر ان تتلقى خمس دول اخرى اللقاحات في الايام المقبلة”.

    وبحسب المسؤول الاممي، يترك ذلك 14 دولة لم تبدأ بالتطعيم بعد، لعة أسباب: بعض الدول لم تطلب لقاحات عبر كوفاكس، وبعضها غير جاهز وبعضها يعتزم البدء في الاسابيع والاشهر المقبلة. واضاف الدكتور تيدروس: “هذا وقت الشراكة وليس المحسوبية. ندرة الامدادات هي الدافع وراء قومية اللقاح ودبلوماسية اللقاح”.

    وفي مؤتمر صحفي منفصل في جنيف قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت هاريس “بأن العالم يواجه نقصا خطرا في اللقاحات، مما جعل العديد من الدول تنتظر بدء حملات التطعيم”.

    وحذرت من ان الارتفاع في الاصابات والوفيات في جميع المناطق حول العالم يرجع جزئيا إلى “الفيروس المتغيّر” وبعضها “لخروج الاشخاص من حالة الاغلاق”.

  • زيارة لودريان: معركة الرئاسة الفرنسية تبدأ من لبنان

    زيارة لودريان: معركة الرئاسة الفرنسية تبدأ من لبنان

     

     مقالات مختارة

    موقع “أساس”

    مارلين خليفة

    استهل وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان  الى لبنان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ممتنعا اقله امام وسائل الاعلام عن لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري “لأن لقاء رئيس مكلف غير جائز بروتوكوليا” كما تقول اوساط فرنسية واسعة الاطلاع لموقع “أساس”.

    منذ آذار الفائت ورأس الدبلوماسية الفرنسية يطلق الموقف تلو الآخر داعيا الى الاسراع في تشكيل حكومة تنجز اصلاحات بنيوية سياسيا وماليا واقتصاديا في ترجمة للمبادرة التي اطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون في أيلول 2020، لتتحول هذه المواقف من دعوات الى تلويح بعقوبات فرنسية واوروبية.

    آخر هذه المواقف جاء أمس حين غرّد على حسابه على “تويتر” مستبقا زيارته الى لبنان:

    “سأكون في لبنان غدا مع رسالة شديدة الحزم للقادة السياسيين ورسالة تضامن كامل مع اللبنانيين. الحزم في وجه الذين يعرقلون تشكيل الحكومة: لقد اتخذنا إجراءات وطنية، وهذه مجرد البداية”.

    وأضاف: تؤكّد زيارتي أيضًا تضامن فرنسا في مجال التعليم والطبابة والآثار، ودعمها اللبنانيين الذين يبذلون قصارى جهدهم من أجل بلدهم”.

     

    لودريان الذي تشير سيرته الذاتية التي سنلقي عليها الضوء في هذا السياق الى انه من الاكثر قربا للرئيس الفرنسي، يعبّر بأمانة عن موقف الرئيس ماكرون الذي سيخوض في 2022 معركة رئاسية قاسية سيكون الملف اللبناني احد عناوينها الرئيسية لما للبنان من موقع تاريخي وبعد عاطفي لدى الفرنسيين في الداخل من جهة ولدى فرنسيي لبنان من حاملي الجنسية المزدوجة الذي سيصوتون في السفارة الفرنسية، وسيكون نجاح ماكرون او فشله معيارا رئيسيا في خياراتهم.

    قبل الخوض في سيرة لودريان وزير الدفاع السابق لخمسة اعوام والذي نجح في ملف الدفاع بشكل يشهد له من عاصروه في تلك الوزارة، لا بد من التذكير بتدرج المواقف الفرنسية تجاه لبنان منذ بداية السنة ولغاية اليوم، وهي مواقف تحملها فرنسا التي تتواصل بشكل وثيق مع مجموعة من الدول المؤثرة: روسيا، الولايات المتحدة الاميركية، المانيا ، مصر، الامارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي بطبيعة الحال. وبالتالي تشكل زيارة لودريان قمّة الاندفاعة الفرنسية بعد خفوت سجلته الاشهر التي اعقبت زيارتي الرئيس ماكرون في 6 آب الفائت عقب انفجار مرفأ بيروت ثم في 1 ايلول لدى اطلاقه مبادرته من “قصر الصنوبر” بعد اجتماعه بأقطاب الاحزاب اللبنانية وعشية المئوية الاولى لـ”لبنان الكبير” وبعد الغاء ماكرون لزيارته الثالثة في 22 كانون الاول الفائت بسبب اصابته بفيروس كورونا وامتناعه عن تحديد موعد جديد لعدم حصول خرق في الملف الحكومي اللبناني.

    سيناقش لودريان بحسب الاوساط  الفرنسية التي تحدثت الى موقعنا “الانسداد الحكومي والاصلاحات التي تأخرت، ولن يتجنب الحديث في عقوبات على شخصيات محددة”  كما قالت الاوساط من دون ان تفصح عن تفاصيل اضافية تاركة المجال لتصريحات لودريان.

    لمحة استعادية لتدرج مواقف لودريان من لبنان

    منذ آذار الفائت، وجان-ايف لودريان يطلق التصاريح تلو الاخرى في ما يتعلق بالوضع الحكومي، ومن المهم استعراض ابرز مواقف الدبلوماسية الفرنسية منذ بداية السنة الحالية لأنها تبرز تدرج الموقف الفرنسي تصاعديا وصولا الى التلويح بعقوبات.

    بعد 4 أيام من تنصيب الرئيس الاميركي جو بايدن رئيسا في الولايات المتحدة الأميركية وتحديدا في 24 كانون الثاني، اتصل به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  وتم الاتفاق على التعاون في ملفات المنطقة ومنها لبنان بحسب بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية. وتوطدت العلاقة الاميركية الفرنسية على عكس الفتور الذي مرّت به طيلة عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي وضع حلفائه الاوروبيين جانبا متفردا بالقرارات ومنها سياسة “الضغوط القصوى”.

    في 1 شباط، نفخ ايمانويل ماكرون مجددا الروح بالمبادرة الفرنسية التي اطلقها من “قصر الصنوبر” إذ اتصل برئيس الجمهورية العماد ميشال عون معيدا تفعيل خط الاتصال المباشر مع المسؤولين اللبنانيين اثر انقطاع اعقب مؤتمره الصحافي في ايلول 2020 والذي حمّل فيه المسؤولين اللبنانيين تبعة الانهيار الحاصل في لبنان ولم يوفر في نقده “حزب الله”.
    يومها اصر ماكرون بحسب ما رشح على تشكيل حكومة لبنانية فورا ومن دون ابطاء.

    بعد هذا الاتصال تكثفت  الاتصالات وحركة الموفدين على أكثر من خط، سواء بين باريس وبيروت أو بين باريس والرياض، او باريس وطهران وباريس وموسكو التي زارها  المبعوث الرئاسي الفرنسي السفير باتريك دوريل اقله مرتين، وكان ماكرون حاز دعم الولايات المتحدة الاميركية للمضي قدما في حل الازمة اللبنانية، بعيدا من سيف العقوبات الاميركية التي وقعت مرتين اثنين وكانت الحكومة على وشك التأليف سواء في حقبة تكليف السفير مصطفى اديب حيث طاولت العقوبات الوزيرين السابقين علي حسن الخليل ويوسف فنيانوس ، او في فترة تكليف سعد الحريري بحيث وقع سيف العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ما عطل الاندفاعة الفرنسية.

    في 4 شباط، اصدر وزيرا الخارجية الفرنسي والأميركي، جان إيف لودريان وأنتوني بلينكن، بيانا مشتركا عبّرا فيه ” عن دعم فرنسا والولايات المتحدة الكامل “الذي لا لبس فيه للشعب اللبناني”، ولفت لودريان وبلينكن إلى أنّ فرنسا والولايات المتحدة تتوقعان “نتائج سريعة في التحقيق في أسباب الانفجار”، مع تأكيدهما على “الحاجة الملحة والحيوية لأصحاب المصلحة اللبنانيين، للعمل بشكل نهائي على الالتزامات التي تعهدوا بها لتشكيل حكومة ذات مصداقية وفعالة، وتمهيد الطريق لتنفيذ الإصلاحات اللازمة”.

    في 11 شباط التقى الرئيس ماكرون الرئيس المكلف سعد الحريري في باريس ما ترك انطباعا عن أن المساعي الاقليمية والدولية الضاغطة قد تؤدي الى تعجيل تشكيل الحكومة. ما لبث ان تبدد هذا الانطباع بعد مرور شهر من هذه المساعي. ففي 11 آذار أطلق جان-ايف لودريان تصريحه الناري الاول اثناء اجتماعه مع نظرائه من مصر والاردن والمانيا فقال: “تتجاذبني مشاعر الحزن والغضب والأسى، إذ لا يمكننا أن نكون بدلاء للقوى السياسية اللبنانية التي لغاية اليوم هي مسؤولة عن عدم اسعاف البلاد وهي في خطر. لا يزال يوجد وقت للفعل، وغدا سيكون قد فات الأوان”. في 18 آذار اي بعد 6 ايام من تصريح لودريان اعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ان فرنسا ستغير مقاربتها واساليبها تجاه الازمة اللبنانية.

    في 22 آذار، جان-ايف لودريان يصرح أنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقف مكتوف الأيدي ولبنان ينهار، معربا عن إحباطه من الجهود الفاشلة لتشكيل الحكومة اللبنانية.

    وأضاف: “فرنسا تتمنى أن نناقش قضية لبنان.. الدولة تنجرف بعيدا ومنقسمة.. عندما ينهار بلد ما، يجب أن تكون أوروبا مستعدة”.

    ولم يلبث لودريان ان اصدر في 29 آذار الفائت بيانا صارما إثر تحركه على الصعيد الاوروبي حيث

    طلبت فرنسا من المفوضية الاوروبية وضع تصور للازمة اللبنانية مع تلويح بوسائل جديدة لعلاج الازمة اللبنانية. وفي 29 آذار أصدر لودريان بيانا عالي النبرة مما جاء فيه

    “إن التعطيل المتعمّد لأية رؤية للخروج من الازمة، وتحديدا من قبل بعض اللاعبين في النظام السياسي اللبناني، عبر طلبات طائشة ومن زمن ولى ينبغي أن تتوقف فورا. في هذا الخصوص”، ذكّر الوزير برؤيته الملتزم بها المتعلقة بمبادرته في الأسبوع المنصرم مع نظرائه الأوروبيين، بهدف التعرف الى أذرع التحكم الاوروبية من اجل زيادة الضغوط على المسؤولين عن هذا الجمود.

    في 1 نيسان الفائت اعلنت الرئاسة الفرنسية أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان “يتشاركان “الرغبة نفسها في رؤية حكومة ذات مصداقية في لبنان لإخراجه من أزمته الحادّة”. وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى أنهما يعتبران أنّه لابدّ من حكومة “قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة للنهوض، والتي التزم بها القادة السياسيون اللبنانيون”، مشدداً على أنّ تشكيلها “شرط لحشد مساعدة دولية طويلة الأمد

    في 7 نيسان تصريح ناري جديد تصريح ناري جديد لجان-ايف لودريان الذي كان يجيب عن سؤال للسيناتور برنارد فيالير اثناء جلسات استماع لمجلس الشيوخ الفرنسي حول الملف اللبناني ومما جاء فيه: “هذه الازمة ليست مرتبطة بكارثة طبيعية، بل لهذه الازمة مسؤولين محدّدين بشكل واضح، لأنه في مقابل هذا الوضع، فإن القوى السياسية اللبنانية ترفض الاتفاق حول تشكيل حكومة. إن فقدان البصر لديهم هو جريمة بعدم مساعدة بلد في خطر (…) وإذا لم يتحمل بعض المسؤولين اللبنانيين مسؤولياتهم، لن نتردد في تحمّل مسؤولياتنا، في هذا الخصوص” (…). في وفي 29 نيسان قال لودريان بأن “بلاده قررت مع شركائها الاوروبيين وضع قيود على دخول شخصيات لبنانية الى اراضيها”، وذلك اثناء مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره من مالطا إيفاريست بارتولو.

    ووصف لودريان موقع لبنان الاستراتيجي في السياسة الخارجية الفرنسية فقال:” إنها قضية إقليمية إنها قضية متوسطية إنها مسألة أوروبية. إنك تعلم التدهور الخطير للوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني وحقيقة أن القادة السياسيين يواصلون عرقلة تشكيل حكومة كفوءة  قادرة على إصلاح البلاد” (…).

    ولفت :”يجب أن يفهم المسؤولون عن الانسداد أننا لن نظل مكتوفي الأيدي. لقد بدأنا نقاشات مع شركائنا الأوروبيين حول الأدوات المتاحة لنا لزيادة الضغط على اللاعبين في النظام السياسي الذين يعرقلون ايجاد مخرج من الأزمة. وعلى الصعيد الوطني بدأنا في تنفيذ إجراءات تقييدية من حيث الوصول إلى الأراضي الفرنسية ضد الشخصيات المتورطة في الانسداد السياسي الحالي أو المتورطة في الفساد. ونحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات إضافية ضد كل من يعيق الخروج من الأزمة وسنفعل ذلك بالتنسيق مع شركائنا الدوليين”.

    كان هذا التصريح الاخير قبل الاعلان عن زيارة لودريان الى لبنان اذلي يصله مساء الاربعاء، والتي من المتوقع ان يقول فيها كلاما علي النبرة، مع التذكير بأن وزراء الخارجية الاوروبيين يتشاورن لغاية اليوم في تصور مشترك لعقوبات على شخصيات لبنانية لن يكون من السهل التوافق عليها بين الدول الـ27 وخصوصا وأن عرقلة تشكيل حكومة لا يدخل في صلب فلسفة العقوبات الاوروبية التي غالبا ما تتبع قرارات أممية يتخذها مجلس الامن الدولي. إلا أن اوساطا فرنسية رفيعة قالت لـ”أساس” أنه “في حال تعذر وضع عقوبات اوروبية بسبب صعوبة الاجماع (وزير الخارجية المجري زار لبنان الاسبوع الفائت رافضا اية عقوبات على “التيار الوطني الحر” ورئيسه كونه اكبر حزب مسيحي)، فإن هذه العقوبات ستكون ثنائية عبر الدول الراغبة في فرضها وفي طليعتها فرنسا، ومن غير المؤكد لغاية اليوم إن كانت المانيا ستحذو حذوها”.

    واذا كان الافرقاء اللبنانيون لا يأخذون العقوبات الفرنسية او الاوروبية لغاية اليوم على محمل الجدية (مثل تجميد ارصدة ومنع دخول الى الفضاء الاوروبي) فإن على هؤلاء التريث قليلا مع وزير خارجية هو لودريان سيستمر في موقعه أقله لغاية نيسان 2022 أي لغاية موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية وقد يستمر لفترة اطول في حال فوز ايمانويل ماكرون بولاية ثانية.

     

    من هو لودريان: “تينور” يساري.. التحق بماكرون

    كشف وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية جان-ايف لودريان بأنه وجّه أمس الاول رسالة مباشرة الى رئيسي الجمهورية والبرلمان ميشال عون ونبيه بري  والى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري مفادها أن “الخروج من المأزق السياسي الموجود فيه البلد أمر لا يحتمل التأخير”.

     

    كلام لودريان جاء في ختام زيارة له استمرت يوما كاملا وذلك ضمن إيجاز صحافي محدود وزّعت نصه السفارة الفرنسية في بيروت.

    وأبرز ما جاء في كلام لودريان الذي استعرضنا في حلقة الامس سلسلة مواقفه منذ بداية السنة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الآتي: “ألاحظ بأن اللاعبين السياسيين اللبنانيين لم يتحملوا مسؤوليتهم ولم يبدأوا بالعمل بجدية من اجل تصحيح سريع في البلد. إذا لم يتصرفوا منذ اليوم بوعي مسؤول، فعليهم تحمل تبعات هذا الفشل ونتائج انكار التعهدات التي اتخذوها هنا في الاول من ايلول الفائت أمام رئيس الجمهورية”.

     

    ولفت لودريان:” نرفض ان نكون خاملين في مواجهة العرقلة، وأتحدث عن العرقلة، لذا بدأنا تطبيق تدابير تقييدية في ما يخص الدخول الى الاراضي الفرنسية ضد الشخصيات المسؤولة عن الانسداد السياسي القائم، او ضد شخصيات متورطة بالفساد. هذه هي مجرد بداية، اذا استمر الانسداد قائما يمكن تشديد هذه التدابير او تمديدها. كما يمكن استكمالها بأدوات الضغط المتاحة للاتحاد الأوروبي  والتي بدأ التفكير بشأنها بالفعل مع شركائنا الأوروبيين. يجب على الجميع تحمل مسؤولياتهم: نحن نتحمل مسؤوليتنا،  الأمر متروك للمسؤولين اللبنانيين لتقرير ما إذا كانوا يريدون كسر الحصار الذي نظموه لأكثر من ثمانية أشهر. أنا مقتنع بأن ذلك ممكن. من الممكن إذا أرادوا ذلك. يمكنهم التصرف. الأمر متروك لهم للقيام بذلك”

     

    من هو جان-إيف لودريان شاغل اللبنانيين وخصوصا منذ انفجار مرفأ بيروت بحيث يطلق بين الفينة والأخرى تصاريح نارية تجاه الطبقة السياسية اللبنانية؟

    أتى لودريان من الحزب الاشتراكي الفرنسي، وانضمّ إلى حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”، مجسّداً مسيرة جديدة يقودها الرئيس ماكرون، وكأنّه يعلن انهيار اليسار الفرنسي.

    يقول عارفوه من دبلوماسيين عملوا تحت إدارته لـ”أساس” إنّه “مؤيّد مخلص للرئيس ماكرون إلى أقصى حدّ”، منبّهين إلى أنّ “ماكرون هو الرأس الحقيقي للدبلوماسية الفرنسية، ولا يلاقي في ذلك أيّ اعتراض من جان-إيف لودريان، الذي لم يكن يوماً على خلاف مع رئيسه، ويمتلك قدرة النقاش معه”.

    عُرِف، بحسب مصدريْن دبلوماسيّين فرنسيّين تحدّثا إلى “أساس”، بتكريسه معظم وقته للشرق الأوسط، ويُحكى في الأوساط الدبلوماسية الفرنسية أنّ 70 في المئة من زياراته هي لهذه المنطقة من العالم منذ تولّيه الحقيبة الدبلوماسية عام 2017.

    يوصف بأنّه “شخصيّة متواضعة، تحبّ البساطة، ومتعاطفة مع الآخرين. عُرِف بكونه وزير دفاع ناجحاً. وهو أقلّ ارتياحاً في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية. لا يتقن الوزير لودريان لغات أجنبية سوى الفرنسية، لكنّه يهوى العمل في السياسة الخارجية”.

    كان لودريان معروفاً بإخلاصه الشديد للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، لكنّه قام بانعطافة في انتخابات فرنسا عام 2016، إذ قدّم النصح والمشورة سرّاً لِمَن كان لا يزال مرشّحاً رئاسياً في الظلّ، فوضع شبكة علاقاته في تصرّف المرشّح الشابّ والمغمور إيمانويل ماكرون.

    كان مخلصاً لهولاند حتّى النهاية تقريباً، لكنّه واحد من أولئك الذين انضمّوا بسرعة إلى إيمانويل ماكرون الشابّ اللامع. ويعتبر “التينور” الوحيد من حكومة هولاند السابقة، الذي قرّر الانضمام إلى حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”.

    غادر مقر وزارة الدفاع في Hôtel de Brienne، حيث خدم خمسة أعوام متواصلة، منتقلاً إلى وزارة أوروبا والشؤون الخارجية عام 2017، ولمّا يزل فيها إلى اليوم.

    وُلِد في منطقة “لوريان” عام 1947، وبدأ حياته المهنية ناشطاً في صفوف المنظمات الشبابية. ونال إجازة في التاريخ المعاصر، وعمل أستاذاً مساعداً في جامعة رين. ثمّ انضم إلى إحدى المنظمات الطالبية المسيحية، مشاركاً في ثورة أيّار من عام 1968.

    بعد سماعه خطاباً للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، قرّر الانضمام إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي عام 1974، وأصبح مستشاراً لبلدية لوريان للمرّة الأولى عام 1977.

    تولّى منصبيْ نائب موربيهان (1978)، وعمدة لوريان (1981)، قبل أن ينضمّ إلى حكومة إديت كريسون وزيرَ دولةٍ لشؤون البحار عام 1991. عام 1998، عُيِّن مستشاراً إقليمياً لمنطقة بريطانيا الفرنسية، التي لن يغادرها أبداً. عام 2004، أصبح رئيس المجلس الإقليمي، واحتفظ بهذه الوظيفة حتّى أيّار من عام 2012 عندما عُيِّن وزيراً للدفاع.

    كان مقرّباً جدّاً من فرانسوا هولاند، ومن أشدّ الأوفياء له. وهو أحد المؤسّسين، مع المحامي جان بيير مينارد وجاك ديلور، لمركز أبحاث ديموقراطية 2000، ثمّ نادي تيموي. واستمرّ مسانداً لفرانسوا هولاند على المستوييْن السياسي والخاصّ.

    إنّه وزير دفاع ناجح، وأبرز المروِّجين لمشروع دفاعي أوروبي مشترك. هو متحفّظ، ولكنّه فعّال، هكذا يصفه عارفوه. نجح في ترسيخ نفسه في بيئة لا تعتبر الاشتراكية “فضيلة”. في خلال فترة ولايته، نال إجماع اليسار واليمين، ولا سيّما لأنّه دافع بشدّة عن ميزانية وزارة الدفاع، ومنح قوات الجيش الفرنسي الفرصة لإظهار خبرتها، وخصوصاً في إفريقيا. بعد 5 أعوام على ولايته، برزت ثمار أدائه الإيجابية: نجاح العمليات الفرنسية في مالي وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، صياغة كتاب جديد أبيض عن الدفاع والأمن القومي، وقرار قانون البرمجة العسكرية الجديد، وتعزيز الروابط مع دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية، وزيادة ملموسة في مبيعات طائرات “رافال” والمعدّات العسكرية.

    بعد هجمات تشرين الثاني الإرهابية، التي طاولت فرنسا عام 2015، كان لودريان المحرّض الرئيس على تفعيل بند التضامن الأوروبي، داعياً الأوروبيين إلى توحيد جهودهم الاستخبارية والسياسية. وله كلمة شهيرة في هذا المضمار، إذ قال: “لا تستطيع فرنسا أن تقوم بالمهمّات كلّها: أن تكون في منطقة الساحل، وأن تكون في جمهورية إفريقيا الوسطى، وأن تكون في لبنان، وأن تتولّى التدخّل والردّ في بلاد الشام، بالإضافة إلى ضمان أمن التراب الوطني من قبل قوّاتها”.

    أوروبيّاً، يُعتبر لودريان أبرز المروّجين لمشروع الدفاع الأوروبي المشترك. عام 2016، شجّع فرانسوا هولاند على خوض معركة من أجل ولاية ثانية، وما لبث أن دعم مانويل فالز في الانتخابات التمهيدية لليسار، لكن بعد فشل هاتين المحاولتين لصديقيْه رفض دعم بينوا هامون، مستبدلاً باليسار وزعمائه إيمانويل ماكرون، واثقاً به ثقة استثنائية ليجعل منه بطله في الانتخابات الرئاسية وحصانه الفائز.

     

     

     

  • خروج دوشاديريفيان: باسيل يقصي وزير خارجية التيار عبر واتساب

    خروج دوشاديريفيان: باسيل يقصي وزير خارجية التيار عبر واتساب

     

     

    مقالات مختارة

    موقع “أساس”-مارلين خليفة

     

    أنهت رسالة نصّية تتطلب قراءتها ثلاثين ثانية حقبة نضال دامت ثلاثين عاما خاضها القيادي في “التيار الوطني الحر” ميشال دو شاديريفيان في المعترك الدبلوماسي بهدف توضيح وجهة نظر “التيار الوطني الحر” في المحافل الدولية، ولمّا حاول توضيح وجهة نظر الدبلوماسية الدولية تجاه “التيار” تمّ فصله.

     

    أنهت رسالة نصّية، تتطلّب قراءتها ثلاثين ثانية، حقبة نضال دامت ثلاثين عاماً خاضها القيادي في “التيار الوطني الحر” ميشال دو شاديريفيان في المعترك الديبلوماسي بهدف توضيح وجهة نظر “التيار الوطني الحر” في المحافل الدولية، ولمّا حاول توضيح وجهة نظر الديبلوماسية الدولية تجاه “التيّار” فُصِل منه.

    لِمَن لا يعرف، ميشال دو شاديريفيان هو أول مسؤول عن الاتصالات الديبلوماسية يستمرّ في موقعه طوال هذه المدة منذ عيّنه العماد ميشال عون حين كان رئيساً للحكومة الانتقالية عام 1990، واستمر لغاية 26 نيسان الجاري، حين تلقّى رسالة نصية من رقم مجهول تبلّغه قرار فصله من “التيار الوطني الحر”، وتطالبه بتسليم بطاقته الحزبية.

    سبق لدو شاديريفيان أن قدّم استقالته في كانون الأول الفائت على خلفيّة عجزه عن إقناع رئاسة الجمهورية وقيادة “التيار الوطني الحرّ” بأنّ ثمة مناخاً ديبلوماسياً عربياً ودولياً “قد يكون صحيحاً أو خاطئاً” يحمّل مسؤولية عدم تشكيل الحكومة لقيادة “التيار الوطني الحر”. ردّة فعل رئاسة الجمهورية كانت هادئة، إلا أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل رفض تحميله المسؤولية عمّا يحصل، معتبراً أنّ معلومات السفراء خاطئة، واضعاً نفسه في موقع دفاعي. عند هذا الحدّ، ولما تعذّر على دو شاديريفيان إيصال رسائله المتعدّدة، وهو أوّل من حذّر من عقوبات أوروبية ضد التيار ورئيسه، قال لباسيل:” ما بقا بدّي”، وبعث باستقالته الخطّية إلى نائب “رئيس التيار الوطني الحر” مي خريش.

    لكن ما الذي حدا دو شاديرفيان إلى الاستقالة، وهو يعمل في المعترك الديبلوماسي والدولي منذ تسعينيات القرن الفائت ومرّ بمطبّات عدة؟

    يقول لـ”أساس”: “لم يعد بإمكاني الدفاع عن سياسة “التيار الوطني الحر” في المجتمع الديبلوماسي، فأينما حضرت لا أسمع سوى انتقادات للتيار الذي أمثّله، فقرّرت التنحّي حفاظاً على صدقيّتي ومبادئي التي عملت من أجلها”. دو شاديريفيان، أحد مؤسّسي “التيار الوطني الحر”، يقلّب مئات الصور الأرشيفية لاجتماعات مع كبار الديبلوماسيين والمسؤولين الدوليين وإلى جانبه العماد ميشال عون. ولكن أيضاً النائب جبران باسيل، الذي كان العماد عون قبل تسلّمه الرئاسة يطلب من دو شاديريفيان أن يرافقه في اجتماعاته الديبلوماسية، وهذا ما تثبته الصور التي في حوزة دو شاديريفيان. قبل الخوض في مسيرة زاخرة بالأخبار والأحاديث يجب التذكير بأنّ دو شاديريفيان رفض المثول في جلسة استماع أمام الهيئة الأولى لدى مجلس التحكيم في “التيار الوطني الحر”، التي حُدّدت في 21 نيسان عند الساعة 4 و10 دقائق، في حين تلقّى قيادي آخر دعوة للمثول في الساعة 4 و15 دقيقة، أي أنّ كل قيادي أُعطي 5 دقائق للإدلاء بدلوه!

    إقرأ أيضاً: جبران باسيل: مُنتَج انتهت صلاحيته

    لا يزال دو شاديريفيان يعتبر نفسه عونيّاً نسبة إلى المبادئ العونية التي حملها طوال أعوام نضاله، فـ”ليست البطاقة هي التي تحدّد هويّتي السياسية”. سيعمل دو شاديريفيان مع “الخط التاريخي” في “التيار الوطني الحر” من دون أن يذكر أسماء، وذلك بحسب المبادئ التي حملها: “محاربة الفساد، الشفافية في العمل السياسي، احترام المواثيق الدولية والمجتمع المدني والقضاء المستقلّ”.

    ما يحزنه أنّه بعد كل العمل الذي قام به في غياب العماد ميشال عون عن الساحة اللبنانية، ثم بين عاميْ 2005 و2016، يرى التيار الوطني الحر، بعد تسلّم العماد عون زمام البلد، “يفقد الكثير من وهجه”. ويضيف: “على الرغم من علمنا أن لا صلاحيات لدى رئيس الجمهورية، لكنّنا كنّا نأمل أن يساند “التيار الوطني الحر” الرئيس لا أن يعيقه”.

     

    قبل 31 عاماً… التعارف مع العماد عون

    لم يكن دو شاديريفيان يعرف العماد ميشال عون رئيس الحكومة الانتقالية في بعبدا في عام 1988، لكنّه كان من مناصريه، وخصوصاً ضدّ الوجود السوري في لبنان.

    تناهى إلى مسامعه، هو المسافر إلى أتلانتا في زيارة عائلية، أنّ الجيش اللبناني بقيادة عون ينقل لبنانيين إلى قبرص في طوّافاته، وذلك في عزّ حرب التحرير بين الجيشين اللبناني والسوري. اتّصل بمكتب العماد عون، طالباً أن يُنقل وزوجته وابنه الصغير جورج الى قبرص، فجاءه جواب العماد عون عبر مرافقه فادي ماضي: “طوافات الجيش ليست تاكسي، خلّيه يروح بواسطة “كارغو”، أي باخرة شحن”!

     

    بداية العمل السياسيّ… من أتلانتا

    وهكذا كان. لدى وصوله إلى مطار أتلاتنا تعرّض دو شاديريفيان وعائلته لموقف محرج، إذ أُبقوا في المطار ساعتين للتفتيش والتدقيق لكونه “مسيحي لبناني”. وكانت الإدارة الأميركية حينذاك مصطفّة إلى جانب وجهة النظر السورية في لبنان. هال دو شاديريفيان هذا الواقع، فقصد كنيسة الموارنة في أتلانتا، حيث عقد اجتماعاً مع عدد من أبناء الجالية اللبنانية، وسرد لهم قصف السوريين لـ”المناطق المحررة”، أي تلك التي كانت تخضع لسلطة عون، متحدّثاً عن مبادئ عون في الحرية والسيادة والاستقلال وضرورة إخراج الاحتلال السوري من لبنان. واُتُّفق على تنظيم تظاهرة مؤيّدة لعون ضمّت قرابة 300 لبناني، زار وفد منهم، وفي مقدّمهم دو شاديريفيان، الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في مقرّه في المؤسسة التي أنشأها للدفاع عن السلام العالمي ومراقبة الانتخابات.

    لم يكن دو شاديريفيان يعرف العماد ميشال عون رئيس الحكومة الانتقالية في بعبدا في عام 1988، لكنّه كان من مناصريه، وخصوصاً ضدّ الوجود السوري في لبنان

    هذا النشاط أدّى إلى أن تتّصل به شبكة CNN الأميركية، وتجري معه مقابلة عن الأوضاع اللبنانية دامت 20 دقيقة، وشنّ فيها دو شاديرفيان حملة ضد السوريين، مدافعاً عن وجهة نظر عون. وسرعان ما تلقّى اتصالاً من القصر الجمهوري في لبنان ودعوةً من العماد عون للقائه. ولمّا عاد إلى لبنان بعد أسبوع بالباخرة من قبرص إلى مرفأ جونيه، توجّه إلى بعبدا، وفوجئ بالعماد عون يقول له: “أنا منذ فترة في موقعي ولم تطلب مني CNN مقابلة، فهل بإمكانك العمل على تنظيم مقابلة مع المحطة الأميركية؟”. وافق دو شاديريفيان وتمكّن باتصالاته أن ينظّم مقابلة لعون الذي سرعان ما كلّفه بالاهتمام بالعلاقات مع الأجانب.

     

    بعد 13 تشرين

    سرعان ما انضمّ ميشال دو شاديريفيان إلى “الجبهة اللبنانية الجديدة”، التي كان يرأسها الشهيد داني شمعون، وكان أمينها العام الشهيد جبران تويني، وكان هدفها دعم ومساندة سياسة العماد ميشال عون، فتعاون دو شاديريفيان في الشق الدبلوماسي مع وليد فارس الذي شغل في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب مهمّات استشارية.

    في 13 تشرين الأول 1990، دخلت القوات السورية إلى لبنان، وقُتل داني شمعون، وسافر العماد ميشال عون إلى فرنسا بعد 7 أشهر أمضاها في السفارة الفرنسية، وتوجّه دو شاديريفيان للعيش في قبرص خوفاً من عمليات انتقامية، لكن سرعان ما اضطر إلى العودة الى لبنان بعد وفاة والده.

    دو شاديريفيان هو أرمني كاثوليكي من الأشرفية، ومن سكان بدارو. والده جورج دو شاديريفيان من مواليد زحلة، ووالدته نينيت من مواليد قبرص. ولد في 6 تشرين الثاني من عام 1952، ودرس في المؤسسة اللبنانية الحديثة في الفنار لمؤسّسها الأب ميشال خليفة. تابع دراسته الجامعية في كلية هايكازيان وفي الجامعة الاميركية حيث تخصص في إدارة الأعمال، وعمل في حقل التأمين منذ عام 1978 حتّى اليوم. بدأ حياته السياسية الفعلية بعد مقابلته مع شبكة CNN. وهو لا ينتمي إلى عائلة سياسية.

     

    قائد الأوركسترا الديبلوماسية لعون المنفيّ

    بعد 13 تشرين الأول، جمع دو شاديريفيان ورفاقه “العونيون” أنفسهم لمواصلة النضال، وطلب منه العماد المنفيّ في فرنسا أن يتولى منذ عام 1991 الاتصالات الدبلوماسية، وكان دو شاديريفيان يزوره دوماً في منفاه في “لاهوت ميزون” أوّلاً، ثم في باريس، على مدى 15 عاماً. يعرف دو شاديريفيان جميع الديبلوماسيين الذين مرّوا في لبنان منذ التسعينيات إلى اليوم، وكان يجول على السفارات كلّها للمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان. وطالما ووجه بالصدّ، وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية. ويروي دو شاديريفيان أنّ وكيل وزير الخارجية الأميركي الحالي ديفيد هايل كان وقتذاك مستشاراً أوّل في السفارة الأميركية في بيروت، وكان يؤيّد الوجود السوري، معتبراً أنّه يحافظ على السلم الأهلي اللبناني. ولمّا عاد هايل سفيراً مطالباً بإبعاد السوريين عن قرار لبنان، لم يتردّد دو شاديريفيان بتذكيره بمواقفه السابقة!

    دو شاديريفيان هو أرمني كاثوليكي من الأشرفية، ومن سكان بدارو. والده جورج دو شاديريفيان من مواليد زحلة، ووالدته نينيت من مواليد قبرص. ولد في 6 تشرين الثاني من عام 1952، ودرس في المؤسسة اللبنانية الحديثة في الفنار لمؤسّسها الأب ميشال خليفة

    حركة دو شاديريفيان المكّوكية حقّقت تفهّماً دوليّاً لمواقف عون، على الرغم من كونه في المنفى. والمفارقة التي يرويها دو شاديريفيان أنّ العماد عون لطالما كان يقول له: “خود معك جبران”، ليرافقه في كل الاجتماعات الديبلوماسية، وهذا ما كان يحصل، وكان رئيس التيار الوطني الحر حاليّاً يدوّن محاضر الجلسات.

    نهاية المشوار

    بعد عودة العماد ميشال عون من المنفى عام 2005، صار دو شاديريفيان المستشار الديبلوماسي لرئيس التيار العماد عون، فكان ينسّق ويعدّ كل الاجتماعات الديبلوماسية مع الوفود الأجنبية. ورافق العماد عون في أسفار عدّة، منها إلى برلين ومدريد. كان اللقاء الديبلوماسي الأخير مع عون في 28 تشرين الأول من عام 2016، أي قبل يومين من تولّي عون رئاسة الجمهورية. يتذكّر ميشال أنّ ذاك اللقاء “كان مع سفير مصر السابق في لبنان الصديق نزيه النجاري والمبعوث السعودي ثامر السبهان يرافقه القائم بالأعمال آنذاك والسفير الحالي وليد البخاري”. يتابع: “أذكر جيداً أنّ النجاري والبخاري خاطبا عون وقتذاك بـ”فخامة الرئيس”، وكنت حاضراً وجبران باسيل”. بعد انتخاب عون في 31 تشرين الأوّل من عام 2016، طلب من دو شاديريفيان الالتحاق بوزارة الدفاع ليكون مستشاراً دبلوماسياً لوزير الدفاع وقتذاك يعقوب الصرّاف، وغادر الوزارة بعد تولّيها من قبل الياس أبو صعب. بقي مسؤولاً عن الاتصالات الديبلوماسية في التيار، وكانت تجمعه اجتماعات دورية مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وآخرها في 16 كانون الأول 2020. بعدها انقطع الاتصال. استقال دو شاديريفيان، ولم يلقَ طلبه مقابلة الرئيس أيّ جواب إلى حين تلقّيه رسالة نصّية تعلمه بفصله نهائياً من “التيار الوطني الحر” في 26 نيسان عند الساعة الرابعة إلا خمس دقائق من عام 2021.

  • سفير تونس بوراوي الامام: مكافحة الإرهاب  وتفكيك شبكات الجريمة المنظمة أولوية البلدين

    سفير تونس بوراوي الامام: مكافحة الإرهاب وتفكيك شبكات الجريمة المنظمة أولوية البلدين

     

    “مصدر دبلوماسي”

    مقالات مختارة

    مجلة الامن العام

    مارلين خليفة

     

    اطلقت تونس في العام 2010 شرارة تحولات كبرى في المنطقة العربية، لا تزال تداعياتها ماثلة لغاية اليوم. تعتبر تونس نموذجا للبلد القادر على تحصين نفسه، داخليا وخارجيا، على الرغم من موقعها الحساس بين بلدان متخاصمة، ومن تنوع تياراتها السياسية المختلفة

     

    في مقاربتها الصراعات الدائرة في المنطقة، ومن منطلق تمسكها ببعدها العربي وحرصها على الاستقرار والامن، تدعو تونس دوما الى تغليب العقل واعتماد منطق الحوار، ودعم كل الجهود الرامية الى ايجاد حلول سياسية للازمات التي يشهدها عدد من الدول العربية، على غرار ليبيا وسوريا واليمن حتى تتفرغ لقضايا التنمية العاجلة.

    هكذا يشرح السفير التونسي في لبنان بوراوي الامام مقاربة بلاده لقضايا الاقليم، قائلا ان تونس “تستند الى القواعد الثابتة التي تأسست عليها السياسة الخارجية التونسية منذ الاستقلال وفي مقدمها التمسك بالسيادة واستقلالية القرار الوطني والنأي بتونس عن مخاطر الاصطفاف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والالتزام بالشرعية الدولية والدفاع عن قضايا الحق والعدل. هذه الثوابت كانت دوما محل اجماع ومثلت حزاما امن لتونس وحدتها واستقرارها ومصداقيتها”. عيّن بوراوي الامام سفيرا مفوضا فوق العادة للجمهورية التونسية لدى لبنان منذ تشرين الثاني 2020.

    قبل قدومه الى لبنان، شغل منصب مدير الديبلوماسية العامة والاعلام في وزارة الشؤون الخارجية ومتحدثا رسميا للوزارة. تولى مهمات ديبلوماسية مختلفة منذ التحاقه بوزارة الشؤون الخارجية التونسية العام 1996، اهمها: ملف الحصانات والامتيازات الديبلوماسية في ادارة المراسم الديبلوماسية، رئيس قسم ادارة التعاون الاورومتوسطي مكلفا ملف الهجرة، مستشار في ديوان وزير الشؤون الخارجية مكلفا العلاقات مع الحكومة ومجلس النواب. كما عيّن مستشارا في القسم القنصلي والتجاري في سفارة تونس في اليونان، ومستشارا مكلفا الاتصال والاعلام في سفارة تونس في باريس ثم وزيرا مفوضا فيها.

     

    * سعادة السفير جئت الى لبنان منذ قرابة خمسة اشهر، ما هو انطباعك عن بلدنا؟

    – جئت الى بلد نكن له ولشعبه في تونس محبة واحترام كبيرين، وتجمعنا واياه علاقات تاريخية وحضارية عريقة ومتينة. من هذا المنطلق، نتابع في تونس باهتمام التطورات التي تحدث ونقف بقوة الى جانب لبنان وندافع عن سيادته واستقراره وازدهاره. على الرغم من الظروف الصعبة والاستثنائية التي يعيشها، يتمتع لبنان بميزات عالية يمكن استثمارها لتحقيق غد افضل واستعادة اشعاعه على المستويات كافة. بلد ثري برصيده البشري وعمقه الحضاري وتنوعه الثقافي والطبيعي، جميل باعلامه ومفكريه وفنانيه، قوي بارادة شعبه وعزيمة شبابه ووطنيته.

    نقدّر القدرة التنظيمية والعملياتية للمؤسسة الامنية اللبنانية
    نقدّر القدرة التنظيمية والعملياتية للمؤسسة الامنية اللبنانية

    * ماذا عن مسار الانتقال الديموقراطي في تونس بعد الثورة؟

    – حققت تونس وبشهادة معظم المراقبين تقدما ملموسا وهاما في عملية الانتقال الديموقراطي، حيث اثبتت المحطات الانتخابية الرئاسية والتشريعة المتتالية منذ 2011، مرورا بعملية صياغة دستور جديد ووصولا الى انتخابات 2019، ان البلاد تسير بخطى ثابتة في استكمال البناء الديموقراطي. فعلى الرغم من الخلاقات السياسية والايديولوجية في بعض الاحيان لم تنزلق البلاد نحو العنف والفوضى، وذلك بفضل تماسك المجتمع وحركية مكوناته المدنية وايضا بفضل الدور الايجابي والفاعل للمؤسستين الجمهوريتين العسكرية والامنية، وقدرة القوى السياسية على التوافق على الرغم من اختلافاتها وخلافاتها. الا انه، ورغم اهمية المنجز الثوري السياسي والحقوقي، لا يزال الانتقال الاقتصادي والاجتماعي يواجه صعوبات كبيرة تفاقمت نتيجة تداعيات ازمة فيروس كورونا. فالديموقراطية لا تكتمل الا بتحقيق تنمية شاملة وعادلة ودائمة.

    * كيف يمكن وصف دور المجتمع المدني في مرحلة الانتقال الديموقراطي بعد الثورة؟

    – المجتمع المدني التونسي، والمقصود به عندنا المنظمات الوطنية والنقابات المهنية والهيئات الاقتصادية والجمعيات الفكرية والثقافية وغيرها، كان ولا يزال رافعة للتغيير والتطوير في تونس وهو من دون مبالغة صمام الامان في تونس. العمل المدني المجتمعي في تونس سابق للعمل الحزبي السياسي، وساهم بشكل كبير في تشكيل الوعي الوطني الذي تجسد لاحقا في المقاومة السياسية وحتى المسلحة ضد المستعمر من اجل السيادة والاستقلال. مع بداية الاستقلال، اخذ الفعل المدني اشكالا متعددة وتطور دوره ومجال نشاطه من اجل ترسيخ الحقوق والحريات وعلوية القانون. تجلى ذلك بعد الثورة حيث اثبتت مكونات المجتمع المدني ريادتها في مسار الانتقال الديموقراطي، وامسكت المنظمات الوطنية بزمام المبادرة بازاء انسداد الافق السياسي سنة 2014 والتهديد الذي واجهه الانتقال الديموقراطي بحصول عمليات عنف، واطلق حوارا شاملا بين القوى السياسية برعاية هذه المنظمات للخروج من الازمة. وقد توج نجاحها في حل الازمة، وتحديدا الرباعي المؤلف من الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، والاتحاد التونسي الصناعة والتجارة (منظمة الاعراف)، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، ونقابة المحامين، بنيلها جائزة نوبل للسلام في 9 تشرين الاول 2015. لعل من بين الاسباب الاساسية لنجاح التجربة التونسية صلابة ومتانة مؤسسات المجتمع المدني التي انتجت نخبا سياسية مدافعة عن الحرية والعدالة والكرامة، فضلا عن تشكل ثقافة سياسية وطنية منذ دولة الاستقلال كانت المرأة فيها احد المحركات الاساسية. لعبت الحركة النسوية التونسية دورا متقدما لدفع مسارات التغيير والدفاع عن النموذج المجتمعي التونسي المتسم بالاعتدال والانفتاح والتسامح.

    * كيف تعاملت تونس مع ازماتها وخصوصا في المرحلة الانتقالية؟ وهل من تشابه مع ازمة الحكم في لبنان؟

    – شهدت تونس ككل الدول فترات صعبة وازمات، اختلفت طريقة ادارتها ومعالجتها. لكن المفارقة الايجابية ان هذه الازمات، رغم حدتها في بعض الاحيان وما خلفته من نتائج خطرة عززت الوعي الجمعي بضرورة المحافظة على مقومات الدولة والامتناع عن المس بالمنجزات والمكتسبات سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي الاجتماعي. خلال السنوات العشر الاخيرة، ترسخت قناعة عند جميع الاطراف السياسيين والمدنيين في تونس، ان اسلم طريقة لاحتواء الازمات والحد من انعكاساتها السلبية هو اختيار نهج الحوار والبحث عن التوافقات من ناحية وادارة الازمة في الاطر الدستورية والمؤسساتية من ناحية اخرى. اشرت الى امكان التشابه بين ازمتي الحكم في تونس ولبنان. اعتقد اولا ان لكل بلد خصوصياته ومساراته ونسق تطوره، لكن هناك تقاربا فكريا كبيرا بين الشعبين التونسي واللبناني، لاسيما بين النخب. لذلك قد يلتقي البلدان في الاليات، ومن المؤكد انهما يلتقيان في ارادة الحياة.

    * ماذا عن التعاون التونسي – اللبناني في المجال الامني وخصوصا في مجال مقاومة الارهاب والجريمة المنظمة؟

    – اولا، اريد ان اقول اننا نقدر عاليا المهنية الكبيرة والقدرة التنظيمية والعملياتية التي تتمتع بها المؤسسة الامنية اللبنانية. هذه المؤسسة تزخر بكفايات عالية وحققت نجاحات كبيرة في مجال مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة. اؤكد ان التعاون التونسي – اللبناني في هذا المجال بلغ مستويات متطورة، وهناك اليات للتواصل بين البلدين سواء بطريقة مباشرة او عن طريق السفارة. وقد لمست خلال محادثتي مع اللواء عباس ابراهيم في كانون الثاني الماضي، حرصه على مزيد تطوير التعاون بين البلدين، واكدت له استعداد تونس تكثيف التنسيق وتبادل الخبرات، خاصة وان البلدين يواجهان تحديات مشتركة سواء في مقاومة الارهاب او في تفكيك شبكات الجريمة المنظمة العابرة للقارات.

    * هل تأثرت تونس بالارهاب وكيف تكافح ظاهرة التطرف عند بعض الشباب؟

    – الارهاب ظاهرة عالمية لم تسلم منها البلدان العربية والاسلامية التي كانت اولى ضحاياها، وقد دفعت تونس ضريبة قاسية سواء من حيث عدد الضحايا الابرياء او من حيث المس بصورتها كبلد آمن وشعب متسامح ومعتدل. تونس حاربت الارهاب بمؤسساتها وفي مقدمها قواتها المسلحة، لكن ايضا بمكونات شعبها، افرادا ومنظمات. وقد اثبت مشاركة المواطنين في دحر الهجوم الارهابي على مدينة بنقردان وافشال محاولة السيطرة على المدينة في اذار 2016 جنبا الى جنب مع القوات العسكرية والامنية، مدى تمسك التونسي بمؤسساته الوطنية ورفضه للارهاب والتطرف. مرت تونس في حربها هذه من رد الفعل الى استباق الفعل بوضع استراتيجيا وطنية لمكافحة الارهاب والتطرف العنيف تقوم على الوقاية والحماية والتتبع والرد، ضمن معالجة شاملة ومتعددة البعد. هذه الاستراتيجيا لا تقوم على الجانب الامني فقط، بل تاخذ في الاعتبار الجانب الوقائي والفعل الثقافي والديني والاجتماعي. كما تدعو تونس بالتوازي مع ذلك، الى مزيد تكثيف الجهود الاقليمية والدولية وتعزيز التنسيق على المستوى الثنائي ومتعدد الطرف لمحاربة الارهاب لانه لا تستطيع اي دولة لوحدها التحصن من هذه الافة ودحرها.

    * كيف عبّرت تونس عن تضامنها مع الشعب اللبناني وخصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت؟

    – هذه فرصة اجدد فيها تضامن تونس قيادة وشعبا مع الشعب اللبناني الشقيق. انا كنت لا ازال في تونس في الرابع من آب 2020 تاريخ حصول الانفجار. بكل امانة اقول، اهتزت تونس لاهتزاز بيروت، وشهدت موجة تضامن قوية مع لبنان على المستويين الرسمي والشعبي، اكدت عمق العلاقات التاريخية واواصر الاخوة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين. فور سماع سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد نبأ الانفجار وما خلفه من ضحايا ودمار للممتلكات الخاصة والعامة، سارع الى ارسال طائرتين عسكريتين وصلتا في 7 آب محملتين بالمساعدات الغذائية والادوية والمستلزمات الطبية لدعم الشعب اللبناني. واعرب رئيس الجمهورية ايضا عن استعداد تونس لاستقبال اعداد من الجرحى والمصابين من جراء الانفجار. كما حطت طائرة عسكرية ثالثة يوم 10 آب تحمل على متنها مساعدات طبية واغذية موجهة من الاتحاد العام التونسي للشغل الى الاتحاد العمالي العام في لبنان.

    * ماذا عن الطلاب الذين استضافتهم تونس للدراسة؟

    – بالتوازي مع وصول طائرات المساعدات التونسية، تقدمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الى وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية بمبادرة لاستقبال 200 طالب لبناني من مختلف المستويات والمراحل الجامعية (اجازة وماجستير ودكتوراه في اختصاصات متنوعة منها الطب والهندسة) للدراسة في تونس مع تمتعهم بالمنحة والسكن. وقد تولت السفارة بالتنسيق مع الوزارتين التونسية واللبنانية المعنيتين تسجيل 24 طالبا لبنانيا الى حد الان باشروا دراستهم في الجامعات التونسية، ويبقى الباب مفتوحا لقبول المزيد خلال العودة الجامعية المقبلة. لا بد من الاشارة الى اهمية التعاون في هذا المجال، والى ان العديد من التونسيين ايضا مروا بالجامعات اللبنانية واستفادوا من الجودة العالية للتعليم في لبنان.

    * ماذا عن التعاون التونسي اللبناني في المجالات الاقتصادية والسياحية والثقافية وكيف تطورت؟

    – مثل اقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين العام 1957 برمزيته العالية منطلقا للتواصل والتعاون بين البلدين وسمح بتعميق التشاور والتنسيق والتضامن في المحافل العربية والدولية، ووفر الارضية المناسبة لتجسيد ارادة البلدين في مزيد النهوض بالتعاون المشترك في جميع مجالاته. كما بادر البلدان العام 2001 بوضع اطار قانوني لتطوير علاقاتهما لاسيما في شقها الاقتصادي، تمثل في انشاء لجنة عليا مشتركة. لكن على الرغم من ذلك فان المبادلات التجارية والاقتصادية بين البلدين لم تبلغ مستوى العلاقات السياسية والثقافية المتميزة ولا تعكس التقارب الكبير بين الشعبين. اشير في هذا الصدد، الى ان حجم التبادل التجاري بين تونس ولبنان بلغ نحو 23 مليون دولار في سنة 2020، وهذا الرقم يبقى دون المستوى المرجو بالنظر الى الامكانات والفرص المتاحة في البلدين. موقعا تونس ولبنان الاستراتيجيان، وما يزخران به من طاقات، يتيح فرصا ومجالات رحبة للتعاون الثنائي في القطاعات الاقتصادية والتجارية، ويمكن ان يمثل نموذجا لشراكة اقتصادية تكاملية على مستوى الضفة الجنوبية للبحر الابيض المتوسط. من هذا المنطلق، نحن حريصون على توظيف الميزات التفاضلية لاقتصاديات البلدين، وحركية قطاعهما الخاص، لدعم التبادل التجاري وتحفيز الاستثمار بآليات ثنائية وثلاثية. في شأن علاقات البلدين في المجال السياحي، اشير الى ان عدد السياح اللبنانيين الذين زاروا تونس سنة 2018 قدر بـ3500 سائح مقابل مئات من التونسيين الذين زاروا لبنان. لكن الازمة الصحية حالت دون مزيد تطوير الاقبال المتبادل على الوجهتين التونسية واللبنانية، على الرغم مما يزخر به البلدين من ميزات كبيرة. نحن نأمل ونسعى الى تعميق التبادل السياحي، وارساء شراكة ثنائية في اتجاه اسواق سياحية اخرى. اما في مجال التعاون الثقافي، فيمكنني القول ان الفعل الثقافي يأخذ طعما خاصا لما يتعلق الامر ببلدين مثل تونس ولبنان، تجمعهما وشائج عدة ويتمتعان برصيد ثقافي وفكري وفني ثري ومتميز. هنا، لا بد من التأكيد على ان التعاون الثقافي بين البلدين يتميز بالتنوع ويغطي العديد المجالات، اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، المشاركات اللبنانية المنتظمة في معرض الكتاب بتونس، ومشاركة الفنانين والفرق في المهرجانات الصيفية في قرطاج والحمامات وسوسة وطبرقة وصفاقس، بالاضافة الى مشاركة السينمائيين والمسرحيين وبشكل بارز في ايام قرطاج السينمائية والمسرحية، فضلا عن عدد من الفعاليات الفكرية المشتركة. انا على يقين بأن علاقات البلدين الثقافية، باعتبارها القاطرة التي تجر خلفها كل القطاعات الاقتصادية والتجارية والسياحية، مؤهلة الى ان تشهد المزيد من التطور، خصوصا وانه تم تجديد التوقيع على البرنامج الثقافي المشترك بين الوزارتين المعنيتين في البلدين لسنوات 2021-2022 -2023  والذي يغطي مجالات واسعة.

    * كان من المفترض ان تحتضن تونس القمة الفرنكوفونية في سنة 2021، هل من جديد حول هذا الحدث؟

    – بالفعل، الازمة العالمية الوبائية حالت دون انعقاد الدورة  18لقمة رؤساء دول وحكومات البلدان الذين يشتركون في استعمال اللغة الفرنسية كليا او جزئيا، في موعدها الاصلي 20 اذار 2020. لكن تونس عازمة على تنظيم هذه القمة المهمة وعلى انجاحها، وقد تم تحديد موعد جديد وهو يومي 20 و21 تشرين الثاني المقبل وسيكون ذلك في جزيرة الاحلام جربة. وقد تم توجيه الدعوات الرسمية الى كل الدول الاعضاء (اكثر من 87 دولة)، فضلا عن ممثلي الهيئات والمنظمات الاقليمية والدولية. نأمل في مشاركة عالية المستوى من لبنان، هذا البلد الشقيق العضو الفاعل في الفضاء الفرنكوفوني والمساهم الكبير في خدمة قيم الفرنكوفونية ومبادئها. ستكون هناك العديد من الفعاليات حول الموضوع الاساسي للقمة وهو “التنوع في التواصل: الرقمنة رافعة للتنمية والتضامن في الفضاء الفرنكوفوني”. اهم هذه الفعاليات، المنتدى الاقتصادي الذي سينتظم عشية اجتماع القمة وسيجمع عددا من رجال الاعمال وممثلي الهيئات الاقتصادية من كل البلدان الاعضاء، والقرية الفرنكوفونية التي ستكون فضاء لابراز التنوع والثراء الثقافي في الفضاء الفرنكوفوني. كما تم الشروع في اعداد تظاهرات ثقافية متنوعة مفتوحة لمشاركة الفرق الفنية والمسرحية والابداعية طوال الاشهر المقبلة وعلى هامش القمة.

     

  • أحمد عدنان يحاور الاديبة والباحثة المصرية الدكتورة نوال السعداوي: لا أريد من زوجي هدية ليخونني بعدها!

    أحمد عدنان يحاور الاديبة والباحثة المصرية الدكتورة نوال السعداوي: لا أريد من زوجي هدية ليخونني بعدها!

     

    مصدر دبلوماسي”

    مقالات مختارة

    أحمد عدنان

    إيلاف- صحيفة المدينة-2002

     

    توفيت اليوم الأديبة والباحثة والثورية  المصرية الدكتورة نوال السعداوي، يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة الشيقة التي أجراها معها الصحافي والكاتب احمد عدنان والتي نشرت في موقع “ايلاف” وصحيفة “لمدينة”، نظرا للأفكار الثورية وطنيا وعلى صعيد العلاقات الانسانية بين الرجل والمرأة التي تحفل فيها هذه المقابلة والتي وصفت بأنها من أكثر الحوارات جرأة للسعداوي.

    أبرز عناوين المقابلة:

    نوال السعداوي تثير الجدل و الضجيج:

    – لا يمكن أبدا لأي شعب و أي دولة أن تحقق الديمقراطية في ظل الاحتلال
    -أنا أهم من العقاد و طه حسين و أعلم في القرآن من الشيخ الشعراوي و كتبي تجاوزت قاسم أمين
    عمرو خالد و خالد الجندي مثل النساء القبيحات
    -الحجاب” مفروض للجواري و لا أدري لما لا أتزوج أربعة
    -لدين ليس نصا .. و الله ليس كتابا يخرج من المطبعة
    -ربنا لا دخل له بالسياسة لأنني لا أستطيع أن أعارضه
    تعلمت أول درس في الدين من جدتي الأمية و كدت أتزوج في العاشرة
    يجب أن لا نمشي خلف الرسول في الخطأ
    -الحج) و (الصلاة) بالطريقة الحالية (غلط) .. و تقبيل الحجر الأسود (وثنية)
    لا أريد من زوجي هدية ليخونني بعدها
    لا يوجد عندنا مبدعون لأننا دائما (موافقون)
    في الوطن الواحد ليس مفترضا أن يعيش أحد في كنف أحد لأننا شركاء متساوون
    لم تفشل الاشتراكية أو الوحدة العربية لأنهما لم تقوما من الأساس
    -السادات حرر السيناء مقابل بيع قضيتنا و القضاء على الجامعة العربية
    الاختلاف على (العراق) هو صراع على النفط في البداية و النهاية

    أجرى الحوار – أحمد عدنان:

     بهرني هذا السلام النفسي الذي تحياه هذه السيدة، وتجاوزا لما تسببه آراؤها من ضجيج، فإنها ولا شك علامة بارزة في المشهد الفكري العربي لا يمكن المرور عليه مرور الكرام و بالتحديد لو تطرقنا إلى قضايا (المرأة)، ولا أشك لحظة بأن رصيدها من البحث العلمي وخصوصا في فترة السبعينيات ضرب شوطا كبيرا من حيث الكم و الكيف في مرامي التنوير، أما ما قد نختلف معها حوله اليوم … فهو لا يلغي العطاء الثري المرتبط باسم (نوال السعداوي)،  والتي أبت إلا أن يكون اللقاء معها صاخبا و مثيرا إلى أبعد درجة.

    *فلنتحدث بدءا عن حدث الساعة.. في هذه الأيام يتقدم مجموعة من الساسة و المثقفين بطلب تأسيس حزب مصري جديد يرأسهم حفيد الرائد  أحمد لطفي السيد رحمه الله، أهم ما في بنوده الدعوة إلى إسقاط المادة المتعلقة بالدين من الدستور و إلى انسلاخ مصر من بعدها العربي .. ما هو رأيك في هذا التوجه ؟
    – أنا مع الدعوة إلى إسقاط البند المتعلق بالدين من الدستور المصري ” الإسلام هو الدين الرسمي أو الرئيسي لمصر “، لأن بيننا أقباط، و لأن الدين مسألة متعلقة بين العبد و ربه و ليس لأحد أن يفرض دينه و ربه و طريقة عبادته على الناس، و لهذا أنا من أشد المعارضين للدولة الدينية لأن ربنا لا دخل له بالسياسة.

    مع الكاتب احمد عدنان
    مع الكاتب احمد عدنان

    *لكن الأقباط عاشوا في كنف الإسلام في منتهى السعادة و الإنصاف .. فلم المعارضة ؟
    – نحن أبناء وطن واحد و شركاء فيه، و ليس المفروض أن يعيش أحد في كنف أحد.

    *ما بالك إذا في جماعات الإسلام السياسي التي تطالب مصر بالعودة للإسلام لأنها ليست إسلامية أو دينية لفظا أدق ؟
    – بغض النظر عن كونها جماعات متطرفة ورجعية، فإذا لم نكن دولة دينية فالأولى والأجدى أن نحذف المادة المتعلقة بالدين من الدستور أساسا دون أن نكذب و نناقض نفسنا.
    * و في الناحية المقابلة ما تعليقك على الدعوة للانسلاخ من البعد العربي و في هذا الوقت بالتحديد ؟
    – لا بد من أن تتمسك مصر بموقعها و دورها في العالمين العربي و الإفريقي لنحمي أنفسنا، أوروبا قامت بالوحدة لتحمي نفسها من الهيمنة الأمريكية، لا بد من أن يكون لنا العرب سند عربي و إفريقي و آسيوي نحتمي به. و لعلمك إن قانون الأحزاب في مصر يمنع تكوين و تأسيس الأحزاب، و أن ينادى بحزب بهذه الدعوة في هذا الوقت يعني أنه مدعوم من أمريكا و إسرائيل المستفيدان الوحيدان من تشتيت العرب.
    * لم أشتم رائحة ” الوحدة العربية ” في ثنايا كلامك و قد أثبتت الأيام و التجارب أنها فكرة مثالية و فاشلة ؟
    – لم تفشل الوحدة العربية لأنه لم يكن هناك أصلا وحدة عربية، حتى في أيام عبد الناصر، ويقولون فشلت الاشتراكية، هي أيضا لم تفشل لأنها لم تطبق أساسا.
    * ألا يمكن أن تكون هناك وحدة إسلامية ؟
    – لا .. أنا ضد إقحام الدين في الدولة و التحالفات.
    *و لكن .. كانت هناك حضارة إسلامية ؟
    – هي جزء من حضارة عامة ، مبنية على الحضارات المسيحية و اليهودية و الفرعونية، لا توجد حضارة نقية، جميع الحضارات متداخلة ، وأنا ضد التقسيم إلى حضارة غربية أو شرقية  نحن نعيش في حضارة واحدة .. هي حضارة رأسمالية أبوية طبقية متدينة و بكل أسف ، تستخدم الدين مخلبا للسيطرة .
    نوال السعداوي !!
    *سأمر على أغلب النقاط التي ذكرتها بتفصيل أكبر في ثنايا اللقاء  واستنادا على الحديث عن أحمد لطفي السيد .. لماذا توقفت مصر عن إنجاب المفكرين العظماء الذين شغلوا الدنيا و الناس على غرار قاسم أمين و طه حسين و العقاد رحمهم الله ؟
    – إذا و أين هي نوال السعداوي ؟!
    أنا أهم من طه حسين لقد كان رحمه الله وزيرا و لعب دورا سياسيا و ثقافيا سليما، أنا أيضا لعبت دورا ثقافيا و سياسيا و طبيا مؤثرا من دون وزارة و تصديت للمحرمات الاجتماعية، طه حسين لم يقم بهذا طه حسين تحسب له الريادة و الأولوية، و لكن هذا لا يعني أن مصر توقفت عن إنجاب الرواد، و أنا منهم. ولكن الفرق أنني لست في السلطة و لا أتزلف لها ، لذلك تجد أن هذه الفئة المبدعة تعاني من التعتيم و الحظر  و هذه للأسف الشديد سنة ابتدعتها ثورة يوليو ، لذا علك تلحظ ، أن (نجوم) العهود المختلفة بعد الثورة يختلفون من عهد لآخر لا وفق العطاء الفكري و الثقافي للأمة بل برضا السلطة عنهم .
    *و لمصلحة من هذا التعتيم و الحظر ؟
    – لمصلحة النظام الذي يحكم ، أيا كان هذا النظام  و لهذا يضطهد المفكرون و يعذبون و يهددون بالاغتيال و ينفون  و أغلب المفكرين و المفكرات تعرض لهذا  وبالتالي هم موجودون و يقاومون و لكن أن تأتي و تقول أن مصر لم تنجب بعد طه حسين و قاسم أمين  هنا أختلف معك ، أنا كتبي أهم مليون مرة من كتب قاسم أمين .
    * كلامك عن العلاقة بين السلطة و المثقف يطرح السؤال التقليدي المعضلة : لماذا تظل العلاقة بين المثقف و السلطة علاقة توافق أو تنافر؟ أليس هناك مفر أو سبيل يخرجنا من هذه الحدية ؟
    – صعب .. في ظل حكم ديكتاتوري يحارب الشعب لا بد أن تعارض و تنتمي إلى الشعب و الناس و تقف في صفهم ضد الاستبداد ، و هذا ينطبق على كل العالم ، أنا ألقي محاضرات و أدرس في جامعات أمريكية و بريطانية ، و أقولها عن تجربة .. ليست هناك ديمقراطية لا في أمريكا و لا في بريطانيا ، هم يتفوقون علينا برلمانيا ، و من الخطأ الاعتقاد أن الديمقراطية انتخابات و برلمان ، الديمقراطية الحقيقية هي أن يتاح لكل فئات الشعب بمختلف شرائحه و توجهاته القدرة على التنظيم السياسي و المشاركة في الحكم .
    تكوين
    *لا شك أن هذه الآراء المغايرة سواء التي أدليت بها هنا أو في كتبك تعبر بشكل ما عن تجربة مغايرة .. هل من الممكن بإيجاز أن تصفيها لنا ؟
    – أنا من الريف المصري ، و شققت طريقي من القاع إلى العالم و ليس إلى مصر فقط ، حيث أن كتبي مترجمة إلى أكثر من 30 لغة ، أول العوامل التي أثرت في تكويني كان أبي رحمه الله،و جدتي العظيمة والدته التي اجتهدت و علمت ابنها في الأزهر و دار العلوم و القضاء الشرعي ،حتى أصبح أزهريا متعلما مؤمنا بالمساواة بين الولد و البنت إلا في مسائل طفيفة و مؤمنا بأهمية التعليم للجنسين ، كان لديه 9 بين بنات و أولاد علمهم جميعا تعليما جامعيا و كنت أكثرهم تفوقا ، لذا أكثر من تشجيعي و بالتفاخر بي ، والدتي كانت من الثوار ، شاركت في العمل الوطني ضد الإنجليز و دخلت السجن بسبب ذلك ، فأخرجها والدها – كان عسكريا – من المدرسة و زوجها بوالدي ، هذا باختصار هو أثر البيئة التي نشأت فيها علي ، نأت إلى أثر التعليم ، لقد درست الطب و أصبحت طبيبة ثم تمردت على التعليم الطبي مطالبة بتغييره ، بعدها فهمت المجتمع و تمردت عليه ، و تلحظ هنا أن تمردي على الأشياء نابع من فهمي و ممارستي ، لأنه لا يمكن أن تكشف مساوئ الشيء دون أن تعيه لتتعرف عيوبه ، بإيجاز .. كنت محظوظة ببيئتي و أسرتي و تعليمي ، تخيل كانوا سيزوجونني و أنا في العاشرة لولا معارضتي و وقوف والدتي بجانبي .
    *ماذا عن أهم المفكرين الذين أثروا فيك ؟
    – كثير جدا ، لأنني أقرأ بالعربية و الفرنسية و الإنجليزية التي درست لها ، عدد لا يحصى ، أتذكر أنني تأثرت كثيرا و أنا مراهقة بسيرة طه حسين (الأيام) ، و لكننا اليوم تجاوزنا ذلك الجيل بمراحل، حتى قاسم أمين و هدى شعراوي فقد تجاوزتهم كتبي ببون شاسع .
    * و لكن لا يمكننا أن نتجاهل الظرف الزمني الذي عاشوه
    – لا شك أنهم رواد ، و نحن اليوم أيضا رواد .
    * والدك الذي تحدثت عنه هنا و في كتبك و لقاءاتك بكثير من الإيجابية ، توجهين للمؤسسة التي ينتم لها (الأزهر) دائما الصفعات واحدة تلو الأخرى ، أليس في هذا شيء من التناقض ؟
    – من الأساس كان أبي ثائرا على الأزهر و وزارة المعارف و له مصادمات كثيرة معهما  لذا نفوه في 10 سنوات في (منوف) و هكذا ليس مستغربا أن ينجب المتمرد على الأزهر و المؤسسة الأبوية من تتمرد عليهما هي الأخرى .
    تخصص
    *في كتابك الأخير (كسر الحدود) … نوال السعداوي كتبت في الدين و الثقافة و الإبداع و السياسة .. أليس هذا (التشعب) يفقدك المصداقية في زمن (التخصص) الذي يترادف فيه بين الاحتيال و بين (بتاع كله) ؟
    – غير صحيح ، نحن في ذيل العالم الذي يقفز قفزا نحو الإبداع و الابتكار بتجاوز التخصص ، كليات الطب المتقدمة اليوم تدرس الأدب و التاريخ و الموسيقى ، رواياتي مثلا تدرس في كليات الطب في أمريكا ، الحكمة .. أن يتخرج متعلم الطب متثقفا موسيقيا و أدبيا و تاريخيا و سياسيا ، و علم (الكون) يكسر التخصصات بين العلوم ، على المرء في البداية أن يتخصص و لكن بعد ذلك عليه أن يتعمق في العلوم الأخرى حتى يكتسب النظرة الكلية و الشمولية الفاحصة و المعالجة للأمور .
    *الكلام في الدين تحديدا له في عيون الكثيرين بعض الخصوصية لحساسيته .. ؟
    – هذا غير صحيح ، أنا ممكن أدرس و أكون أفقه من الشيخ الشعراوي ، و أنا أعلم في القرآن أكثر من الشيخ الشعراوي رحمه الله ، لقد درست الأديان و قارنت بين القرآن و التوراة و الإنجيل ، هو لم يفعل ذلك ، كان متخصصا في القرآن الذي لا يمكن أن يفهم دون أن تقارنه بالكتب الأخرى ، لأن العلم يبدأ بالمقارنة و التجربة و التجريب .
    * هكذا .. إذا نحن نميع العلوم و لا أظن أنه ستكون هناك جدوى من العلماء ؟
    – أنا لم اقل ذلك ، أنا لم أنف التخصص ، دعني أضرب لك مثالا يوضح فكرتي ، هناك من تخصص في جراحة و علاج القلب ، عليه أيضا أن يدرس الموسيقى ، عليه أن يفهم كيف يمرض القلب ، القلب كامن في جسم كامن في مجتمع ، المجتمع يؤثر على الجسم الذي يؤثر على القلب فيؤثر على الجسم ، و بالتالي إذا لم يفهم المجتمع قبل أن يفهم الجسم فلن يستطيع علاج القلب ، أنا طبيبة نفسية ، شرحت الجسد و النفس ، و بعدها شرحت المجتمع ، لأن الأمراض النفسية تأت تأثرا من الأمراض السياسية و الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية ، لا أستطيع أن أقوم بالعلاج إلا بالتعمق و التشعب في القراءات ، ما الفائدة من طبيب قلب ليس ملما حتى بأبجديات مجتمعه ؟ لا شيء ! ما الفائدة من طبيب نفسي لا يفهم في السياسة و الاقتصاد ؟ أيضا لا شيء ! (بتاع كله) الذي تتحدث عنه لم يدرس شيئا و لا يفعل شيئا و هو مرفوض ، أما المتخصص في علم و مطلع و متثقف من بحور العلوم الأخرى فهذا ما أنادي به و أفعله . لماذا أدرس في جامعات أمريكا و أحوز أعلى أجر على محاضراتي هناك ؟ أدرس لديهم مادة (الإبداع و التمرد) و هي مادة غير موجودة في أي جامعة عربية و أقول لهم إنني أتمنى أن يسمعني الشباب المصري و العربي مثلكم ، أنا لا أدرس في أي جامعة عربية لأنهم يعيبوني بالتخصص ، و لكن هناك حين يسمعون ما أقوله و أدرسه للطلبة يتهافتون علي و يعطونني أعلى أجر . و هنا دلالة واضحة على أن هزيمتنا الفكرية أنجبت هزيمتنا السياسية و الاقتصادية .
    * هل هذه هي الحقيقة .. نحن مهزومون فكريا ؟
    – نعم ، لأنه لا يوجد لدينا مبدعون  دوما ثمة علاقة بين الإبداع و التمرد  بين الإبداع و المعارضة  و لكننا نولد و نعيش و نموت في خوف  وبالتالي ليس عندنا لا تمرد و لا معارضة . موافقون موافقون !
    * أزمتنا إذا سياسية و ليست ثقافية؟
    – لا .. أزمتنا سياسية و ثقافية ، أنا لا أفصل بين السياسة و الاقتصاد و الثقافة و المرأة و الجنس ، كلهم مترابطون ، و حين يقع ركن واحد يتهاوى المبنى بأكمله .
    السادات
    *لماذا ألحظ أن الرئيس الراحل أنور السادات (بطل الحرب و السلام) يمثل عندك ذروة سقوط الركن السياسي ؟
    – طبعا ، أود أن أشير بداية أنني لا متحيزة لعبد الناصر و لا متحاملة على السادات ، و لكنني سررت بالتغييرات التي أنجزها عبد الناصر في فترة حكمه و أبرزها تذويب الفوارق بين الطبقات و المساواة و دفع المرأة للعمل بأجر و مقاومة الإمبريالية الغربية المتمثلة وقتها في الصلف البريطاني و الأمريكي بعدها ، و هذا ما دفع الغرب حينها للتآمر عليه و هزيمته و ساعدهم في ذلك أن سياسة عبد الناصر الداخلية كانت قائمة على القمع لا الحوار و هذه هي أكبر عيوبه و أخطائه بالإضافة إلى فساد عبد الحكيم عامر و زبانيته في القوات المسلحة .
    * ألا ترين أن عبد الناصر لو كان وليدا لليوم لما اختلف كثيرا عن صدام حسين الرئيس العراقي المخلوع ؟
    – لا يمكن أن تساوي بين صدام و عبد الناصر ، صدام قام بأعمال جليلة كثيرة للعراق ، لكنه كان قاتلا و عبد الناصر لم يكن كذلك .
    * أين أنت من السجون و المعتقلات التي فتحت للأخوان و المعارضين ؟
    – زوجي د/ شريف حتاتة مكث 10 سنوات في السجن في عهد عبد الناصر و خرج دون خدش ، عبد الناصر لم يكن دمويا مثل صدام ، و رغم ما قلته عنه في البداية إلا أنني عارضت حرب الخليج ، و مع هذا في رأيي أن جورج بوش الأب و الابن أكثر دموية من صدام حسين .
    *لماذا مثل عندك أنور السادات رمز السقوط ، لماذا لا يكون رمزا للنهضة ، أليس هو من حرر سيناء ؟
    – لم يحررها  و إن حررها فبأي ثمن ؟ ببيعه القضية العربية و قضائه على الجامعة العربية!! ، و أصبحنا نسمى (الشرق الأوسط) بعد أن كنا نسمى (العالم العربي) .
    *إن أطراف القضية اليوم يتمنون لو كانوا في صف أنور السادات .. فلم تشنعين عليه ؟
    – هذا جهل سياسي خطير و هناك منافقة للسادات لأن عهد اليوم امتداد له .
    *حين اعتقل (السادات) محمد حسنين هيكل خرج و كتب (خريف الغضب) .. و أحسب أن هجومك الضاري على السادات عائد لنفس المشكلة  لأنك سجنت في عهده .. أليس في هذا طرف من صحة ؟
    – ليس هناك مسألة شخصية بيني و بين السادات و لا مع مبارك و لا مع عبد الناصر الذي اضطهدت في عهده أيضا ، لقد اضطهدت في كل العهود لأنني أنتمي دائما إلى الشعب و ليس إلى الحاكم .
    *السادات) هو أول من وضع بذور الديمقراطية في مصر و ربما في العالم العربي .. ألا يحسب هذا له أيضا ؟
    – هذه أكبر أكذوبة سمعتها في حياتي ، ليس يعني شيئا أبدا أنه اصدر قرارا جمهوريا عدد الأحزاب ، ماذا كانت النتيجة ؟ أن الأحزاب التي عندنا ليست أحزابا حقيقية إنما أحزاب ورقية ، لأن الأحزاب الحقة هي التي تنجبها الديمقراطية من رحم المجتمع و ليس من قصر الرئاسة ، هل من الديمقراطية أن تغلق جمعيتي سنة 1991م لأننا عارضنا حرب الخليج ، حدثان قضيا على العالم العربي : كامب ديفيد أنور السادات و حرب الخليج ، بسببهما اليوم نحن في الحضيض ، لو تابعت مشهد القضية الفلسطينية لوجدت الأنظمة تتوسل أمريكا للتدخل .. بالله أي عار بعد هذا على شعوبنا ؟
    *الاحظ اعتراضك على مقولة أن العرب يعملون ضد أنفسهم .. على الرغم من الأيام دوما تؤكد صدق المقولة ؟
    – لابد أن نفرق بين الشعوب و الأنظمة في العالم العربي ، المستبد العربي دوما كان عميلا للاستعمار البريطاني ثم الأمريكي و الإسرائيلي و الوحيد الذي شذ قليلا كان جمال عبد الناصر .
    * كان يأخذ معونة من أمريكا مثله مثل غيره ..فلم نميزه عنهم ؟
    – خطأ .. هذا لم يحدث إلا في عهد السادات ، أمريكا حاربت عبد الناصر لأنه رفض مساوماتها على تمويل السد العالي و لم يفرط في السيادة و حرر قناة السويس و ذهب إلى روسيا، فاتهموه بالشيوعية ، و المعونة / العار علينا التي تتحدث عنها تعود إلى أمريكا مرة أخرى أضعافا مضاعفة . هذه التصورات المغلوطة نتيجة طبيعية لتضليل الساسة و الإعلاميين العرب للشعوب العربية .
    * إذا 3 معضلات في الحالة السياسية : المستبد – إسرائيل – التبعية لأمريكا ، هل تجدين علاقة بين (المستبد) و إسرائيل ؟
    – طبعا .. نحن نعيش في عالم واحد على شكل هرم ، يحكمه شرذمة من أصحاب الأموال و السلع في واشنطن  وإسرائيل هي اليد اليمنى للولايات المتحدة و الشركات متعددة الجنسيات في المنطقة. السياسة الدولية تؤثر في السياسة الإقليمية التي تؤثر في المحلية المؤثرة في العائلة، و الاستبداد العربي صنيعة و حماية السياسة الدولية (السادات) مثلا كان محميا من أمريكا و حين لبى مطالبها كلها رفعت عنه الحماية فقتل، وما ينطبق على السادات ينسحب على غيره .
    مزاح
    * كيف تفسرين مشروع باول و غيره من المبادرات المنادية لترسيخ و إدخال الديمقراطية في المنطقة العربية ؟
    – من الممكن أن تقول عنها أنها (مزاح) .
    * كيف ؟
    – هل سنظل نتسول من الغرب كل شيء ؟ أمريكا لن تحل مشاكلنا  و كولين باول و كونداليزا رايس لن يجلبوا لنا الديمقراطية .*

    و لكن منذ سقط النظام الطاغية في (بغداد) و هناك متغيرات إيجابية في العالم العربي .. لا يمكن أن نتجاهلها .. كيف تفسرينها ؟
    – كلام فارغ، كل هذا قطرات أو حقن مخدرة، هل تتصور أنت أن الاحتلال الأمريكي للعراق سيجلب الديمقراطية ؟
    * أنا مجرد صحفي محايد يطرح الأسئلة، ألم تبدأ النهضة الاقتصادية و السياسية في كل من اليابان و ألمانيا بسقوط الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمها على يد أمريكا ؟
    – لا .. أنت تقلب التاريخ و تؤيد الاحتلال، لا يمكن أبدا لأي شعب و أي دولة أن تحقق الديمقراطية في ظل الاحتلال، هناك (منطق) فلماذا نلغيه ؟ كيف تتحقق الديمقراطية في العراق على يد الأمريكان خاصة و أن أول ما فعلوه حين دخلوها أن استولوا على أموال نفطه و بعدها استولوا على النفط نفسه .
    * و لكن النفط في أي حال يأت لأمريكا في آخر المطاف ؟
    – غير صحيح ، لا تنس منافسة فرنسا و ألمانيا و روسيا ، الذين تصنعوا البطولة في مجلس الأمن لا من أجل عين العراق بل من أجل عيون النفط .. الذي أصبح مرتعا للشركات الأمريكية التي بدورها أغلقت الباب في وجه الشركات الأوربية ، هو صراع من أجل النفط في البداية و النهاية .
    * لقد وضعت أزمة العراق الأخيرة المثقف العربي في معضلة أنه إذا لم يعارض الاحتلال فهو يؤيد الاستبداد أو العكس .. كيف كان من الممكن أن يخرج من مأزقه ؟
    – لم يكن هناك تناقض ، و هي معضلة مزيفة ، لأن صدام كان عميلا لأمريكا، و اختلف معها على جزئية احتلال الكويت التي قضت على ما بينهما بتخطيط أمريكا نفسها ، و تذكر معي اجتماعه بالسفيرة الأمريكية قبل الحرب ، و هنا مؤشر مهم على أن الديكتاتور دائما ما يكون غبيا ، أمريكا هي التي تصنع الطغاة و تحميهم و ينتهون حين ترفع يدها عنهم ، لذا صنعت لنا المعضلة التي تحدثت عنها حتى يصمت المثقفون خوفا من أن يتهموا بأنهم مع صدام ، أنا لست مع صدام و لا مع أمريكا ، أنا مع شعب العراق الذي يموت كل يوم سواء بيد الاستبداد أو بيد الاحتلال.
    * نوال السعداوي تهاجم السائد من الاستبداد و الرجعية في العالم العربي من ناحية ، و من ناحية أخرى تهاجم النموذج الغربي، الأمر الذي وضع المتلقي في حيرة ما تريده نوال السعداوي ؟
    – و هل الخيار لا يكون إلا بين الاستبداد المحلي و بين الاستعمارية الرأسمالية الغربية ؟ أريد حرية الناس و الشعب ، انظر إلى مثال كاسترو ، هو ليس مع الاستبداد و لا مع الاستعمار ، “مطلع عين أمريكا” وهو يجاورها في دويلة صغيرة جدا ، و رغم الدعاية التي وجهوها ضده و محاولات اغتياله ظل كما هو لالتفات الشعب حوله ، و هذا يدل على أنه من الممكن أن ترفض المستعمر الخارجي و المستبد الداخلي ، و أمريكا كلما وجدت تكرارا لهذا النموذج في آسيا أو أفريقيا سعت لإسقاطه ، عبد الناصر قتل قتلا لهذا .*

    يبدو يا دكتورة أن نفي تهمة (الناصرية) لن يكون سهلا بالنسبة لك ؟!
    – هذا هو التفكير الديني الذي أرفضه ، حدية الأبيض أو الأسود ، عبد الناصر إما أن يكون ملكا أو شيطانا ، أنا ضد تقسيم الناس إلى ملائكة و شياطين ، عبد الناصر كان وطنيا حاول أن يرتقي ببلاده نزيها لم يتقاض راتبا من أمريكا مثل السادات ، عيب عبد الناصر أنه كان ديكتاتورا ، و الفرد الواحد لا يفعل شيئا كما أن اليد الواحدة لا تصفق ، لقد طالبنا بالتغيير في عهد عبد الناصر فاضطهدنا من أعوانه و عزلوه عن الناس ، عبد الناصر لم يكن أبدا مثل السادات ، لقد فتح الأخير للتيارات الإسلامية الباب على مصرعه أما عبد الناصر فحرص على محاربتها و القضاء عليها .
    * و لكن أليس من حقها أن تسع للوصول للحكم .. أليست هذه هي الديمقراطية ؟
    – لا ليس من حقها .. إنهم سفاحون مجرمون .. وضعوا اسمي و غيري من المثقفين و المفكرين الشرفاء و المخلصين على قوائم الموت ، و لو مررنا على جرائمهم فإنها لا تعد و لا تحص ، إذا كان رأيي يخالف رأيك فهذا ليس دافعا لقتلي ، حاربني بالتجاهل أو بالرد علي و لكن ليس بالتكفير و سفك الدماء كما تفعل هذه الجماعات . لهذا أنا أعارض الدولة الدينية ، (ربنا) يجب أن نبعده عن السياسة لأنني لا أستطيع أن أناقش أو أعارض (ربنا) ، اعبد الإله الذي يرضيك و يحقق مصالحك و مطالبك ، لكن لا تفرضه علي أو على الدولة ، لأن كل المواطنين في الدولة سواء ، على اختلاف حالتهم المادية أو شريحتهم الاجتماعية و انتمائهم الديني ، لماذا أكون كامرأة أقل مواطنة من الرجل لأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام ، لماذا يتزوج الرجل 4 و أنا لا ، هذه إهانة لي .
    زواج
    * هذا هو حقه !
    – من قال هذا ؟
    * القرآن !
    – أنا درست القرآن ، لقد وضع العدل شرطا ثم قال ” و لن تعدلوا ” أظن أنه ليس هناك ما هو أوضح ، الرجال و استنادا على فسقهم يدعون و يكذبون على القرآن و يقولون أنه نادى بالتعدد ، كيف يتزوج الرجل 4 ؟ هذا فساد أخلاق و إساءة للقرآن و الإسلام ! كيف ينتقل من فراش امرأة إلى فراش امرأة أخرى ! (إخي)! و الله لو ذهب زوجي لامرأة أخرى لطردته ، هل يرضى الرجل أن تتنقل امرأته بين فرش الرجال ، هو أيضا سيطردها ، أنا أيضا تملي علي كرامتي الإنسانية نفس الفعل و ردة الفعل ، تونس منعت التعدد و غيرها من الدول الإسلامية .. هل ستكفر هذه الدول ؟ تعدد الزوجات وصمة عار على العرب و على أي دولة تسمح بهذا الفعل الشائن ، و القانون الذي ترتكز عليه قانون فاسد و غير أخلاقي .
    *دعيني أرتدي العباءة الإسلامية و أقول لك أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان متزوجا بـ 9 و بعض الصحابة رضوان الله عليهم من بعده كان نصابهم من الزوجات كاملا؟
    – و لماذا تجعل الرسول صلى الله عليه و سلم مثلك ؟ و هو لم يقل لك أن تفعل مثله . و هناك حديث مهم أن إحدى زوجاته وجدته في ليلتها على فراشها مع زوجة أخرى ، فقالت له مستنكرة ” في ليلتي و في فراشي يا رسول الله ؟!” فقال بعد اتعاظ و اعتبار ” اسكتي و لا تذكريه لن أعود لمثلها أبدا ” لأنه نبي و رسول يجب أن يكون مثلا للعدل  و الفعل الذي فعله مناف للعدل و هو حديث موجود في ” الطبقات الكبرى ” ، إذا كان النبي محمد قد أخطأ لأنه بشر يخطئ و يصيب فكيف تريدني أن أمشي خلفه في الخطأ ، مرة أخرى أقول لك أن الرجل بسبب فساد أخلاقه و يفسر و ينتقي من الإسلام ما يشاء .
    *ما رأيك في حجة القضاء على العنوسة ؟
    – هذا تبرير لفساد الرجال الأخلاقي ، والتعددية الجنسية ليست وسيلة للقضاء على العنوسة المزعومة ، والمرأة التي ترضى أن تتزوج رجلا متزوج من 3 قبلها هي جارية و لا تستحق أن تكون امرأة .
    *بحكم اختصاصك في علم النفس ، ثمة حجة قرأناها تقول أن الرجل بفطرته يميل إلى 4 و أن المرأة تخلص لرجل واحد فقط ؟
    – العكس هو الصحيح ، و من الناحية البيولوجية فقط لا تحتمل قدرة الرجل أكثر من واحدة ، على الرغم من أنني لا أفصل بين البيولوجيا و السياسة و الاقتصاد كما أخبرتك ، أنا مع الأخلاق و الاستقامة وعدم الازدواجية ، كما يجب أن تكون هناك أخلاق للرجل تكون كذلك للمرأة ، الأخلاق للأغنياء و للفقراء أيضا ، و ليس طرفا واحدا دون آخر .
    *لقد قلت في كتاب لك يجب أن تنطبق المعايير الأخلاقية على الرجل و المرأة ضاربة بـ (المرأة شرفها مثل عود الكبريت) و (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق) ، هوجمت لأنه فهم أنك تريدين أن تطلقي العنان على آخره للمرأة فكيف تردين ؟
    – و هل الرجل ليس له شرف ؟ و هل الأب ليس مدرسة هو الآخر ؟ أين مسؤولية الأبوة ؟ كل شيء على عاتق الأم و بعد هذا كله يهينوها و يحتقروها و لا يسم المولود باسمها إنما باسم الأب ، أنا أنادي بأن ينتسب المواليد للأم ، لأن اسم الأم مشرف ، لماذا لا يتسم أولادي و بناتي باسم نوال السعداوي ، اسم الأم ليس عورة و ليس عيبا .
    * و لكنه العرف ؟
    – العرف غلط ، و لا بد من تغييره ، العالم كله يغير و يتقدم إلا نحن ، و لهذا نحن مهزومون ، ثلاثة أرباع العالم يحترم اسم الأم ، الأطفال كلهم يتسمون باسم الأب و الأم ما عدا بلداننا .
    *أين أنت من نظرية أن الرجل خلق ليعمل و الأم خلقت لتربي ؟
    – خطأ ، أنا امرأة و طبيبة و أديبة و مفكرة و تزوجت و أنجبت و ربيت الأمومة مثل الأبوة ، و المرأة مثل الرجل ، أنا لم أخلق لأربي فقط ، بل لأفكر ، أفكر لأنه عندي عقل ، عقل المرأة مثل عقل الرجل بالضبط و ربما يفوقه بحسب البيئة و الظروف ، أين هو الرجل المصري الذي حقق ما حققته ؟ حتى نجيب محفوظ لم تترجم كتبه مثل كتبي إلى أكثر من 30 لغة ، أنا امرأة و عندي عقل ، و الإنسان هو العقل و ليس الأعضاء التناسلية التي خلقت للإنجاب ، و يجب أن تكون الأبوة مسؤولة مثل الأمومة ، و اسم الأم يجب أن يكون مشرفا مثل اسم الأب ، يجب أن تتعدل مجتمعاتنا لأنها مجتمعات لا أخلاقية .
    * ترفضين إذا نظرية مسؤولية الأم عن الأخلاق ؟!
    – و لماذا لا يكون الأب مسؤولا هو الآخر !! أمرك غريب .
    * الأب مشغول في مزاحم العمل و جني المال ؟
    – و الأم أيضا ، حتى التي لم تتعلم تطبخ و تكنس و تغسل في البيت و الرجل يأكل أجرها على ذلك ، أين هي أخلاق الرجل ؟ الرجال يريدون أن يعفوا أنفسهم دوما من المسؤولية الأخلاقية .
    تحرير المرأة
    * لو تعمقنا في مشروعك (تحرير المرأة) و هو أول ما يلتصق بالأذهان فور ورود اسمك ، نلحظ انه في أواخر القرن 19 و أوائل العشرين و تحديدا في قاسم أمين و من بعده هدى شعراوي ، ثم أنت في نهايات القرن العشرين و أول القرن الحالي نلحظ اختلافا بين المدرستين : قاسم أمين لم يرد أن يهدم البناء .. أراد فقط ان يرمم مواطن الضعف و الخلل فيه ، نوال السعداوي على عكسه تريد هدم البناء و البناء محله ، قاسم أمين اعتمد (النص) أداة له و نوال السعدواي اعتمدت العقل و المنطق ، كيف تقرئين هذا الاختلاف ؟
    – أنا لست امتدادا لقاسم أمين أو هدى شعراوي على الإطلاق ، آمنت بتحرير المرأة لأنني ولدت امرأة في بيئة فقيرة و بدأت أشعر بظلم المجتمع لي ، مشروع قاسم أمين كان مشروعا سطحيا جدا ، ليس هناك معنى لأن تضع المرأة (مكياجا) و تذهب إلى الجامعة و تتزوج و بعدها تتحجب و ترضى أن تضرب من زوجها حين يقول المجتمع لها ذلك ، هذا ليس تحررا .
    * ما هو (تحرير المرأة) في مفهومك ؟
    – هو أن تكون المرأة إنسانة كاملة الإنسانية ، تشعر بمسؤولية تامة و كاملة إزاء نفسها أولا ثم المجتمع ، و هذه هي خلاصة مشروعي للمرأة في العالم و ليس في العالم العربي فقط .
    *لماذا لا تستندي للمرجعية النصية / القرآن في هذا المشروع ؟
    – أنا آسفة جدا ، الدين ليس نصا ، و الله ليس كتابا ، لقد تعلمت أول درس ديني على يد جدتي الفلاحة الأمية : ” ربنا هو العدل عرفوه بالعقل ” ،إذا .. الله هو العدل و ليس نصا يخرج من المطبعة ، هو هذا الدين بالنسبة لي ، هذا هو الإسلام ، هذه هي الأخلاق .
    *تفسيرات العدل تتفاوت ؟
    – هنا تتدخل السياسة ، و ليس لربنا دخل بها ، ربنا هو العدل و النور و الجمال و الصدق ، هذا ما تعلمته من أبي الأزهري الثائر على الفكر النصي ، لذا يقول المفسرون المتقدمون أن المصلحة تقدم على النص إذا تعارضا لأن المصلحة متغيرة و النص ثابت ، هذه فلسفة الإسلام ، و هي فلسفة متقدمة ، و الإسلام نفسه متقدم لأنه متغير ، إسلام اليوم ليس هو الإسلام قبل قرن ، و حتى اليوم ، إسلام السعودية يختلف عن إسلام إيران عن إسلام ليبيا عن إسلام طالبان عن إسلام مصر ، كل مجتمع و له ظروفه .
    * قال أحد المفكرين : ” ارتكزت الحضارة الإسلامية دوما على النص ، لذا أي رغبة تجنح نحو التغيير في أي مجتمع إسلامي لا بد أن تمر من تحت عباءة النص ” ، كيف تعلقين على هذه المقولة ؟
    – غلط ، العجز و التخلف هما من يحيلان للنص ، الإنسان هو الذي يصنع النص و ليس العكس ، و كأننا صنعنا صنما اسمه (النص) بيدنا ثم عبدناه ، الإنسان هو الذي خلق القانون ثم كسره للصالح العام و لم يجعل القانون سيفا مسلطا على رقبته ، وهنا الإبداع .
    و أين الضابط ؟
    – لا بد أن يكون (نظام) ، هناك نظام حالي ، و من المستحيل أن تتبع النظام القديم ، إبداعك يزيل القديم و يخلق نظاما جديدا ، مثلا انا غيرت مفهوم ارتباط الشرف بغشاء البكارة ، و ربطت الشرف بالعدل و العقل و الصدق ، إذا لا بد من هدم النظام القديم بشرط تقديم النظام الجديد ، هناك خطأ في تفكيرنا أننا نخاف من كلمة (هدم) ، انظر إلى عملية بناء الإنسان ، هناك خلايا تهدم و خلايا تبنى ، لا يوجد (بناء) فقط و لا يوجد (هدم) فقط ، هناك بناء و هدم أيضا في الفكر كما في الجسد .
    إنكار
    * دعيني أنتقل معك إلى محور (الزواج) و قد أثرت بنفسك قضية الشرف ، سبق و صرحت أنك تعارضين فكرة الزواج و أنك لا تمانعين من أن تكون ثمة علاقة كاملة بين الجنسين دون عقد يربطهما، فهل هذا صحيح ؟
    أنا عارضت الزواج بوثيقة، بالضبط كما أستلف من أحدهم مبلغ و قدره 1000 جنيه و يكتبني عليها كمبيالة ، ما يحدث بالنسبة للزواج أن المرأة تتزوج و تكتبه أن الرجل ” اشتراها ” بدفعه مبلغ و قدره كمقدم ، و عند الطلاق يدفع لها مبلغ آخر ، ورقة الزواج أو عقد الزواج هي أكبر امتهان للزواج .
    *و ماذا عن حفظ الحقوق ؟
    إذا الرجل لم يحافظ على حقوق المرأة بلا ورقة أو عقد فهو لا يستحق أن يعيش معها ، لا يعقل من وجهة نظري الشخصية أن يخلص الرجل لزوجته لأجل ” ورقة” . حفظ حقوق الزوجة أو الزوج يكون في الضمير و الأخلاق قبل أي شيء.
    * إذا .. هو ليس اعتراضا على مشروع الزواج بذاته ؟!
    – أبدا .. أنا نفسي متزوجة و لدي أولاد .
    * و ماذا عن إنكارك لفريضة الحج يا دكتورة ؟
    – أنا لم أنكره ، لقد قلت نصا أن (الحج) و (تقبيل الحجر الأسود) عادة وثنية .
    و لكنه ركن خامس ؟
    – أبدا .. هو (اختياري) (لمن استطاع إليه سبيلا) ، أبي توفى و لم يحج و هذا لا يعني أن إسلامه ناقص ، هناك من يصلي دون أن تنفعه صلاته ، و هذا ينطبق على الذي يذهب الحج ليقوم بعمل ، أو يقبل الحجر الأسود !! إنني أسأل هل تقبيل الحجر الأسود من الإسلام ؟ هذه وثنية !!! الإسلام أتي ليقضي على الوثنية و أنا أحارب عبادة الأوثان .
    *و هل يمثلها الحج ؟
    – بالطريقة التي يقومون بها ، نعم . و أنا أيضا ضد الطريقة التي يصلون بها ، لقد ذهب جمع من الصحابة لرسول الله و قالوا له فلان يصلي الليل و النهار ، فقال لهم : و من يعول أسرته ، قالوا : كلنا يا رسول الله ، فقال : أنتم خير منه . يا أخي رعاية الأولاد صلاة و عبادة ، الصدق صلاة وعبادة ، التعامل الإنساني صلاة و عبادة ، ليس أن يذهب إلى الحج ليسرق أو يتاجر أو يصلي و هو أفسق خلق الله ، أنا مع المفهوم الصحيح للإسلام ، الصلاة ليست مجرد حركة رياضية كما أصبحت حالا ، الصلاة هي إحياء الضمير ، الحج كذلك ليس زيارة لقبر أو تقبيل لحجر، لأن الإسلام حارب الوثنية ، الحج هو التأمل، اسمع الكلام الجميل لرابعة العدوية التي حاربت مع الصوفية (الطقوسية) : ” لا أعبد الله لأنني أخاف النار أو أطمع في الجنة فأكون أمة أو جارية ، إنما أعبده لأنني أحبه” ، انظر إلى هذا الجمال .
    *و هذا ما يفسر غضبتك حين يقول أحدهم لكي يا ” حجة” ؟
    – نعم .. لا أحب أن يناديني أحد بهذا اللقب ، لأنني لم أحج و لن أحج ، بإمكاني أن أحج و أنا في شرفة بيتي ، و عملي و كتبي هي صلاتي ، تقربي لله هو تقربي للعدل و الحرية ، و ليس بالنصوص و التفسيرات ، هذه سياسة .
    * و لكن أنت أيضا تطرقين باب السياسة بقوة فين تكتبين ، فلم تزعجك ؟
    – لقد قصدت السياسة بمفهوم التآمر للاستحواذ على السلطة أو التملق لها ، أي .. السياسة كما توارثناها و عرفناها في العالم العربي.
    * باختصار شديد ، ماذا تعني لكي هاتين الكلمتين : الرجل و الدين ؟
    الرجل يستغل الدين ليتزوج و يمارس أهواءه الجنسية .
    * هذا الهجوم الشرس على الرجل ، هل هو أساس لموقف شخصي ؟
    – أنا ليس لي موقف شخصي من الرجل ، أنا متزوجة من د/ شريف حتاتة ، و لدي ابني عاطف حتاتة ، و أصدقائي الرجال أكثر من أصدقائي النساء ، أنا لست ضد الرجل ، إنما أنا ضد النظام الذي يفسد الرجال .
    *و هل (الدين) هو هذا النظام ؟
    – نعم .. الدين كما تتبعه البلاد و الأنظمة العربية، نعم .. الدين الذي يدرسونه في المدارس ، و ليس الدين الذي تعلمته من أبي و جدتي ” ربنا هو العدل عرفوه بالعقل” .
    *و لكنك قلت في كتبك صراحة أن الإسلام و المسيحية و على الرغم مما أحدثاه من تطور اجتماعي كبير زادت القيود على المرأة ؟
    – لقد قلت أن الأديان السماوية و غير السماوية مراحل تقدمية من التاريخ البشري إذا أخذت لصالح المقهورين و النساء و الفقراء ، لكن إذا أخذت لصالح الحكومات و الأسياد تصبح معادية للإنسان، هل تعلم أن إسرائيل احتلت فلسطين و قتلت النساء و الأطفال بحجة آية في التوراة تعدهم بالأرض إذا ختنوا ذكورهم ؟! من جهة أخرى على وجه العموم يجب أن يتطور الكتاب الديني مع البشرية ، أنا ضد الثوابت و مع المتغيرات ” إذا تعارض النص مع المصلحة غلبت المصلحة” لصالح الشعب ، لماذا تسجنني بـ ” قال الكتاب الديني” ، ألم يقل المصطفى ” أنتم أعلم بأمور دنياكم” ، لقد فوضنا في تصريف أمور حياتنا فلماذا نقيد أنفسنا ؟ لماذا نستجيب للحاكم الذي يكبلنا ؟
    حجاب
    * أريد أن أستوضح منك هذه العبارة التي وردت في أحد كتبك أيضا : ” تحجيب المرأة باسم الإسلام يوازي تعريتها باسم التجارة ” ؟
    – نعم .. أنا ضد أن تتعرى المرأة و ضد أن تتغطى ، أنا إنسانة و لست جسدا يغطى أو يعرى ، ما مشكلة (الشعر)؟ إنهن يغطين شعورهن و يغمزن بأعينهن للرجال! لا علاقة بين الأخلاق و الحجاب ، و لقد ذكرت أيضا أن (الماكياج) حجاب و هاجمته ، و قلت أنني ضد العري و هاجمته أيضا ، تغطى المرأة لأنها بضاعة جسدية و تعرى لأنها بضاعة جسدية ، لذلك في الناحية المقابلة لا يعرى الرجل لا يغطى .
    *ما هو الحجاب ؟
    – الحجاب مفروض للجواري و العبيد ، و الأسوأ منه حجاب العقل ، لأنه لا يمكن لقلة أن تتحكم في الأغلبية دون حجاب العقل ، و ينطبق نفس الشيء على حجاب الوجه .
    ” هذه الإجابات الصارخة تتنافى كلية مع الخطاب الديني السائد ، ما تفسيرك لهذا ؟
    – و هذا يفسر العزلة المفروضة علي .
    *و لكن ما هو المقابل لخطابك ؟
    – خطاب الحكومات ، و خطابي هو البديل .
    *و لكنك لا تمثلي مرجعا دينيا ؟
    – هذا لا يهم ، لأن الدين موجود في بيت كل واحد ، ليس له علاقة لا بالسياسة و لا بالاقتصاد لأنه علاقة شخصية بين العبد و ربه ، يختار الإله الذي يريد و يعبده بالطريقة الذي يريد دون فرض .
    * نعود إلى تحرير المرأة بعد هذه التفرعات و التي لا أظنها أخرجتنا عن السياق ، ألا ترين أن (حركة) تحرير المرأة لو صح المصطلح تراجعت قياسا بفترة الستينيات و السبعينيات، و حتى أن أبرز رموزها انسحبوا إلى الصحافة و النقد الأدبي بل و الأمومة و العودة إلى البيت في أحيان أخرى ، فهل هذه هزيمة لنوال السعداوي ؟
    – لا ، هذه أكبر هزيمة للنظام الذي أحاربه .
    * كيف ؟
    – هؤلاء ليسوا من قرائي أو تلامذتي ، إنما هم أذيال الخطاب الرسمي السائد .
    * لقد كانوا معك يوما ما ؟
    – أبدا ، (المعرفة) عندي ليست قابلة للانتكاسة ، من قرأ كتبي و استوعبها يسترد إنسانيته ، تذوق الإنسانية إحساس جميل مثل تحرر العبيد ، غير قابل للانتكاسة ، فمن تنفس هواء الحرية لا يمكن أن يتراجع عنه، المتراجعون هم أذيال الخطاب الرسمي ، أنا لي شعبية كبيرة جدا في مصر و العالم العربي ، اسأل نفسك لماذا تجري حوارا معي !! حتى جريدة (عكاظ) جاءتني من قبلك و كذبت على لساني و تقولت علي .
    تراجع
    في محور الإبداع .. كتبت معترضة على الرواية الشهيرة (وليمة أعشاب البحر) لحيدر حيدر لأن خيالها مبتور لا لأنها تمس المقدسات ، و في تناقض صارخ هاجمت الفنان التشكيلي المصري / محمود سعيد رحمه الله لأنه رسم المرأة عارية ، هل أسمي هذا تعنصرا إبداعيا ؟
    – أنت لم تقرأ بالضبط ما كتبته عن محمود سعيد ، لقد قلت لماذا تتعرى المرأة / الموديل أمام الرسام ليرسمها ، ألا يستطيع أن يرسم امرأة بملابسها ، أنا ضد الفساد الأخلاقي ، محمود سعيد رسام من الطبقة العليا الفاسدة أخلاقيا التي تعري المرأة أو تحجبها ، هو نفسه رسم المرأة إما محجبة أو عارية ، بالنسبة للوليمة، فهي رواية سيئة ، لا لقولهم أنها مست الدين بل لدونية النظرة للمرأة فيها ، و هذا في تصوري ليس مستغربا لأن كاتب الرواية (يساري) أو أن بطلها يمثل اليسار مصطلحا أدق ، و حقيقة إن التيار اليساري انتهى و مات في العالم العربي ، و حدا أدنى أقول أنه أصبح لا قيمة له بسبب واحد : أنه لم يتطور إنسانيا و اقترن بشكل أو بآخر بالفساد الأخلاقي .
    *لو كانت الرواية من الناحية الأدبية رفيعة و أساءت للمقدس هل كنت ستقبلينها ؟
    – لا يوجد شيء اسمه رواية رفيعة تسيء للمقدس أو المدنس ، أنا لا أقسم الأشياء إلى مقدس أو مدنس ، أو آلهة و شياطين، أنا ضد هذه الثنائيات أو الازدواجيات التي توارثناها منذ العبودية ، لأن الإنسان يجمع بين الخير و الشر ، ليس ملاكا و لا شيطانا ، الإنسان ممكن أن يقتل أو يسرق ، لذا أنا ضد أن يعاقب القاتل بالقتل أو تقطع يد السارق ، أنا طبيبة نفسية ، علينا أن نسأل نفسنا : لماذا ارتكب الإنسان هذه الجريمة ؟ و بعدها نعالج الأسباب ، أنا ضد العقوبات و الجوائز .
    *كيف ربيت أطفالك دون مبدأ الثواب و العقاب ؟
    -ربيتهم بمبدأ ” الجائزة هي ما تعمل ” ، لا تهمني جائزة نوبل ، و حين رشحت لجائزة الدولة التقديرية رفضتها ، جائزتي هي عملي ، و هي أن يجيئني أمثالك ، و اعتمدت في مبدئي على الكتب و القراءة ، لأن الكتابة التي من القلب تدخل القلب ، و تستشعر هذا و أنت تقرأ لي ،تشعر أنك تقرأ لفلاحة تكتب من واقعها و ليست أكاديمية تتقعر الألفاظ و تعيش في برج عاجي ، أنا كتبي يقرأها فتيان و فتيات لم يتجاوز عمرهم 13 سنة ، و لعلمك ، إن الرجال المتنورين في العالم العربي مثلك يحبون كتاباتي، غير صحيح أن الرجل يحاربني أو أنني أحارب الرجال ، لقد جاءني رجل من الصعيد ليقبل يدي ، قال لي : ” كدت أقتل ابنتي لأنها لم تنزف ليلة الزفاف لولا أنني قرأت كتابك (المرأة و الجنس) ” .
    *أشكرك على إطرائك الذي لا أستحقه ، و حديثنا عن عائلتك يدفعني إلى سؤالك عن سبب رفضك أن يهديك زوجك أي هدية كما ذكرت في حوار فضائي لك ؟
    -هديتي هي الإنسانية ، أكبر هدية عندي هي المعاملة بحنان وإخلاص ، أنا لا أرتدي عقدا أو حتى خاتما للزواج و لا أصبغ شعري و لا أضع الماكياج ، لأنني واثقة من نفسي جدا ، و أحب أن أكون على طبيعتي ، من أرادني كما أنا فأهلا و سهلا ، لماذا يجلب لي هدية ؟! ماذا أفعل بها ؟ ابتسامته في وجهي هدية ، وقفته بجانبي في الأزمات هدية ، دفاعه عني في غيابي هدية ، هذا هو الحب ، و ليس أن يجلب لي هدية ثم يخونني ، أنا لم اقبل مهرا ، و زوجي لا ينفق علي لأنني لست عالة ، نحن ننفق على البيت مناصفة ، ليس عدلا أن يكدح الرجل و يتعب و أنا أجلس في البيت دون أن أعمل شيء ، ماذا أفعل في وقتي؟ و كما قلت لك أنا لست عالة .قوامة
    *ما هو شعورك و أنت تسمعين من يقول أو من تقول : ” طاعة الزوج من طاعة الله ” و ” الرجال قوامون على النساء” ؟
    – هي عبدة و جارية ، و لا تفهم القرآن أو الإسلام .
    *ما هو تفسيرك إذا لقول الله تعالى : ” الرجال قوامون على النساء ” ؟
    ” بما أنفقوا من أموالهم ” ، للرجل حق القوامة لو أنفق علي ، حين تجلب أنت الخادمة ألست تطعمها و تعطيها المال ، نفس الأمر ينطبق على المرأة و الرجل ، أما لو كانت المرأة مستقلة فهذا لا ينطبق .استعاذة
    * أنت – كما تقولين – تمثلين خطابا جديدا ، هل يمثله ذاته المشايخ الجدد كعمرو خالد و خالد الجندي ؟
    -لا .. أعوذ بالله ، هؤلاء قوم يخدعون الشباب و الشابات و يكذبون على الناس ، هم كالنساء اللاتي يضعن الماكياج ثم يدعين أنهن جميلات و هن لسن كذلك .
    هل العمل على التزام الناس و تقريبهم على الله من وجهة نظرك يعد كذبا و خداعا ؟
    نحن نعيش في كذب ، عالمنا اليوم يقوم على الكذب ، رئيس أكبر دولة في العالم جورج بوش الابن يكذب كل يوم ، توني بلير يكذب كل يوم ، لقد قال ماركس و لو أنني لست ماركسية : ” الدين أفيون الشعوب” و هي مقولة الصحيحة ، السياسة في العالم العربي معناها فن الكذب ، و رجال الدين عندنا يقومون بنفس الدور أو يجملونه ، لأنهم يشغلون الشعب عن قضيته الأساسية ” الاستبداد السياسي” عبر تخديرهم بقضايا سطحية و فرعية للغاية .
    *أختتم معك في المحور الإبداعي مستفهما : كيف نحمي ؟ و من يمنع ؟
    خطأ ، أنا كتبت عن ذات الموضوع ، يقولون لا بد من الرقابة على الثقافة و وسائل الإعلام ، وكأن الشعب قاصر ، و هي نظرية تربوية خاطئة ، لأن الضابط هو ما يختاره الشعب لنفسه و يمارسه من تلقائها نفسه دون فرض أو وصاية ، و هنا تناقض صارخ مع الديمقراطية التي يزعمها العرب ، الديمقراطية أساسها حرية الشعب و أن يختار ممثليه ، فإذا كان قادرا على التصويت للمرشح فكيف يعجز عن انتقاء الرواية التي يقرأها ؟!
    ختام
    *ماذا عملت في النهاية .. بقي كل شيء كما هو ، و لم نستفد منك سوى أن يقولوا حين تسافرين في المؤتمرات الغربية .. انظروا كم هناك من ظلم و تخلف لديهم حتى أن نوال السعداوي تأت و تتحدث عندنا ؟
    – أريد أن أقول أنه تحققت أشياء كثيرة حتى و إن تجاهلها البعض ، منها أنك أتيت إلي اليوم ، فالعيار الذي لا يصيب يدوش ، هناك آلاف مؤلفة من العالم و مصر تراسلني لتقول لي : كتابك الفلاني غير حياتي ، نعم .. حصل تنوير في الأجيال الجديدة من قبل المثقفين الحقيقيين ، و في المقابل حصل تضليل أودى بكثيرين في أحضان و براثن التيارات الأصولية ، و لكنني مؤمنة و متفائلة بأن تيار التقدم هو الذي سينتصر ، لهذا أعيش في سعادة و طمأنينة داخلية رغم أن حياتي هي التعب بعينه ، العقل و المنطق هو من سينتصر في النهاية و ليس الجهالة و التضليل ، و في كل حال كما أسلفت لك هناك (هدم) و هناك (بناء) و لكن المحصلة النهائية غالبا أو دائما ما تصب لصالح البناء و التقدم .

     

     

  • الدبلوماسيّة الاقتصاديّة: ادارة المصالح الدوليّة بقفازات التنمية والتبادل التجاري

    الدبلوماسيّة الاقتصاديّة: ادارة المصالح الدوليّة بقفازات التنمية والتبادل التجاري

     

    مقالات مختارة

    مجلّة الامن العام

    مارلين خليفة:

     

     تعتبر الدبلوماسية الاقتصادية جزءا مبتكرا من الديبلوماسية العامة، وتسعى الى التوجه الى صناع القرار والرأي العام لبناء جسور التعاون عبر ادارة المصالح الحيوية، وقد دخل لبنان في الاعوام الاخيرة في صلبها عبر بعثاته الديبلوماسية حول العالم.

     

    يبرز الاقتصاد عاملا رئيسيا في تمتين العلاقات بين الدول وتطويرها في شكل يتواءم مع العلاقات السياسية، وربما يتجاوزها اهمية. لعل المصالح الاقتصادية كانت ولم تزل تحكم مواقف الدول بازاء بعضها البعض. ادركت الديبلوماسية اللبنانية اهمية استخدام الدبلوماسية الاقتصادية منذ اعوام، لكنها تحاول اخيرا تفعيلها بشكل مبتكر يلائم الحداثة، ولعل المكتسبات المشتركة بين الدول هي اساسية في تحديد المواقف السياسية. في هذا السياق، صدر اخيرا كتاب يعتبر مرجعيا بعنوان “الدبلوماسية الاقتصادية في عصر العولمة” للدكتور وسام كلاكش، قارب دراسة الدبلوماسية الاقتصادية في اكثر من دولة في العالم، منها لبنان مع فصل مميز عن الدبلوماسية الاقتصادية والامن. قدّم له وزير الخارجية والمغتربين السابق الدكتور ناصيف حتي.

    عرض الكاتب تجارب عدد من الدول الرائدة في مجال الدبلوماسية الاقتصادية، لا سيما دول كاسبانيا واليابان وبريطانيا وماليزيا والمغرب ومصر وروسيا والصين والولايات المتحدة الاميركية، فضلا عن التطرق الى تجربة الدبلوماسية الاقتصادية اللبنانية، عارضا بالتفصيل لوظائف الملحقين الاقتصاديين والادوار الاقتصادية للدبلوماسي اللبناني وخصوصا في بلدان الاغتراب.

    المرسوم الاشتراعي رقم 139 اعطى الامن العام صلاحيات الاستقصاء الاقتصادي واستثماره لصالح لبنان

    عن النموذج الدولي الاقرب لاعتماده في لبنان يقول الدكتور وسام كلاكش لـ”الامن العام”: “اعتقد ان النموذجين الاقرب يمكن ان يكونا الماليزي والمغربي. ماليزيا تجسد بلدا على الرغم من انه متعدد الدين والثقافة وافتقاره الى الثروة النفطية، الا انه استطاع بناء اقتصاد متطور قوامه الانتاج الصناعي والزراعي والقطاع الخدماتي لاسيما على صعيد السياحة. اما النموذج المغربي فتمكن عبر الجاليات المغربية في افريقيا واوروبا والتخطيط الرسمي المنسق، من تحقيق قفزات نوعية في دبلوماسيته الاقتصادية مع هاتين القارتين”.

    يضيف: “اظن ان الدبلوماسية اللبنانية حققت في السنوات المنصرمة خطوات جيدة في الميدان الاقتصادي، لكن اذا ما اردنا تسجيل قفزات نوعية في مجال الديبلوماسية الاقتصادية، فينبغي ايجاد رؤية موحدة بين القوى السياسية حول السياسة الخارجية الاقتصادية للبنان. على اساسها تنبثق خطة متكاملة تعمل على تنفيذ مضمونها وزارة الخارجية والمغتربين بالاشتراك مع الادارات المعنية. هنا تقتضي الاشارة الى الدبلوماسية لأي بلد ليست سوى مرآة امينة تعكس مستوى التوافق او التباين بين مكونات المجتمع الذي تمثله. كما من المفيد رفد الديبلوماسية اللبنانية بالامكانات المادية اللازمة، الامر الذي يشكل افضل استثمار لاسيما في الوقت الحالي اذ سيكون له مردود مضاعف على الاقتصاد الوطني”.

    اختيار الملحقين الاقتصاديين يتم عبر مباراة شفهية ويشكلون جزءا ثابتا من ملاك وزارة الخارجية

    يورد كلاكش عددا من الاقتراحات يراها مفيدة لتفعيل عمل الديبلوماسية الاقتصادية اللبنانية، ويراها تجسد خلاصات عملية لترسو على اساسها رؤيا جديدة توضع في تصرف الدولة اللبنانية ما يساعد على الخروج من المعضلات الاقتصادية والسياسية من خلال:

    “أ ـ انشاء اقسام اقتصادية على غرار الاقسام القنصلية القائمة حاليا في السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج. يتم رفدها بالعديد البشري اللازم من خبراء وموظفين متخصصين وتأمين الموارد المالية اللازمة.

    ب – اجراء دورات تدريبية وتأهيلية متخصصة في تطوير المهارات التفاوضية والتقنيات المهنية للدبلوماسيين والموظفين المحليين الذين يتابعون الشؤون الاقتصادية، وذلك في البعثات في الخارج وفي الادارة المركزية.

    ج – توفير الموارد البشرية والدعم اللوجستي اللازم لتمكين مديرية الشؤون الاقتصادية في وزارة الخارجية والمغتربين من مواكبة عمل اكثر من 85 بعثة دبلوماسية وقنصلية في الخارج، اضافة الى المهمات الموكلة اليها المتمثلة بالتنسيق مع الادارات اللبنانية المعنية بالشأن الاقتصادي.

    د – تعميم الاستفادة من الطاقات الاقتصادية اللبنانية المنتشرة في الخارج بانشاء رابطة اقتصادية جامعة تضم الهيئات والجمعيات والشخصيات اللبنانية التي تتعاطى الانشطة الاقتصادية والتجارية. ونحسب اننا، من خلال ارساء هيكلية تنظيمية عصرية لهذه الرابطة الاقتصادية للمغتربين، قادرون على تحديث تجربة الجامعة الثقافية التي على الرغم من تعدد المآخذ والملاحظات على عملها اثبتت انها مفيدة للبنان، لكن شرط ان تتم معالجة العوائق الادارية والقيود السياسية والطائفية التي احاطت بعملها ومنعت تطورها.

    هـ – تعميق ادوات التواصل والتواجد الديبلوماسي اللبناني بفاعلية اكبر في المؤسسات الاقتصادية والدولية والاقليمية”.

    تطرق الكاتب الى امكانات التعاون بين الدبلوماسية الاقتصادية والامن، وتحديدا الامن العام اللبناني الذي اعطته التشريعات صلاحيات مهمة. ذكر المرسوم الاشتراعي الرقم 139 (12\6\1959) ان من بين ابرز مهمات الامن العام “جمع المعلومات السياسية والاقتصادية لصالح الحكومة، اضافة الى تقييم المعلومات في شتى الميادين واستثمارها”. في المادة الخامسة من المرسوم ان “دائرة الاستقصاءات تتولى استقصاء المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن كل ما يمت الى لبنان بصلة”. يلاحظ ضمن هذا التوجه، ان القوانين اللبنانية منحت هامشا واسعا لهذا الجهاز الامني في جمع المعلومات الاقتصادية داخل لبنان وخارجه.

    اقتبس كتاب كلاكش حديثا للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم لـ”الامن العام” في كانون الثاني 2020، شرح فيه ابعاد دور الامن العام المتقدم الذي يقوده في هذا الشأن وخصوصا عند بدء عمل الملحقين الاقتصاديين، قائلا: “ان الامن العام واكب تخريج هذه الدفعة من الملحقين الاقتصاديين من خلال المساهمة في ندوات تم التعريف فيها بدور الامن العام ومهماته وبعلاقته بالقنصليات والسفارات في الخارج، لاسيما على صعيد الامن الاقتصادي. علما انه يتم الاعداد لطرح مشروع تعيين ملحقين امنيين من المديرية العامة للامن العام، اسوة بما هو معمول به بالنسبة الى الملحقين العسكريين في الجيش اللبناني، وانطلاقا من مقتضيات المصلحة الوطنية والارتباط المباشر للامن العام بعمل السفارات والقنصليات في الخارج”.

    النموذجان الاقتصاديان الاقرب لاعتمادهما في لبنان هما الماليزي والمغربي

    يضيف كلاكش: “نعتقد ان من شأن ذلك فتح افاق واسعة للدبلوماسية الاقتصادية اللبنانية اذا ما احسن استخدام القدرات الكامنة فيها واستغلالها. قد يكون من المفيد التفكير في تشكيل لجنة مؤلفة من الامن العام ووزارة الخارجية والمغتربين تعنى بتحديد العناصر الايلة الى وضع هذه الخطوة موضع التنفيذ الذي لا بد من ان يأتي منسجما مع مندرجات اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، لناحية وظائف الملحقين الفنيين فضلا عن ضرورة ان يحقق التكامل بين الوظائف الامنية والاقتصادية والسياسية في سياسة لبنان الخارجية. حسبنا ان هذا التوجه يجسد جوهر العمل الدبلوماسي الحديث ويوفر العديد من الفرص للاقتصاد اللبناني”.

    يقول: “التعاون بين الامن والدبلوماسية الاقتصادية يكرس عبر خطوات ايجابية في الاونة الاخيرة. اعتقد ان من المناسب ان تجري الاستفادة من الطاقات الديبلوماسية التي يملكها لبنان لاسيما ان التشريعات الوطنية اعطت صلاحيات مهمة الى الامن العام عبر البحث والاستقصاء عن المعلومات ذات الطابع الاقتصادي لصالح الحكومة اللبنانية. يمكن للراصد الموضوعي لاداء الامن العام ان يعاين حجم التطور في ادائه وطرق عمله خلال السنوات الاخيرة، محققا بهذا قفزات نوعية في ميدان الديبلوماسية الاقتصادية. تجلى هذا الامر عبر مواكبة التحاق الدفعة الاولى من الملحقين الاقتصاديين بالبعثات اللبنانية في الخارج. وقد شرح اللواء ابراهيم ابعاد هذا الدور المتقدم للجهاز الذي يقوده. الواقع انه يمكن للدبلوماسيين العاملين في الخارج ان يرصدوا مدى اهمية تحصين هذا العنصر الحيوي لحماية الامن القومي اللبناني في الخارج. وكانت لي تجربة واقعية، حين تشرفت برئاسة البعثة الدبلوماسية اللبنانية في ابيدجان – ساحل العاج، في معاينة كيف ان عوامل ثلاثة اجتمعت في تحركات المدير العام للامن العام في اتجاه المغتربين: التعاون الرسمي مع السلطات الاجنبية المعنية ونسج علاقات انسانية ومهنية مفيدة مع المسؤولين الامنيين والسياسيين والتواصل المكثف مع الشخصيات الاجتماعية والاقتصادية اللبنانية، فقد ادت تلك العوامل الى تكوين ما يمكن تسميته بحزام امان اضافي لتعزيز الامن القومي اللبناني في الخارج”.

    عن اعتماد ملحقين اقتصاديين في لبنان من خارج الملاك وتعيينهم في الخارج مع ما يرتب ذلك من تكاليف على خزينة الدولة، فضلا عن اراء تفيد بانهم غير فعالين، يقول كلاكش: “تم اختيار الملحقين الاقتصاديين وفقا لمباراة شفهية اجرتها لمئات المرشحين، لجنة في وزارة الخارجية والمغتربين برئاسة الامين العام للوزارة وعضوية كوكبة من خيرة الدبلوماسيين. وعليه بات الملحقون الاقتصاديون بعدما فاز 20 منهم في المباراة، يشكلون جزءا ثابتا من ملاك الوزارة. على الرغم من ان من المبكر الحكم على ادائهم قبل مرور بضع سنوات على عملهم، الا ان الانطباع الاولي حولهم في اوساط الدبلوماسيين العاملين في الوزارة يفيد ان لدى الملحقين الاقتصاديين امكانات ومهارات مهنية واعدة وقابلة للتطوير، بما يساهم في تعزيز ادوات دبلوماسيتنا الاقتصادية”.