السفير الإسباني خيسوس يانتوس آغوادو
“مصدر دبلوماسي”
خاص
احتفل السفير الإسباني في لبنان خيسوس يانتوس آغوادو مساء اليوم الجمعة، إلى جانب زوجته اللبنانية السيدة باسكال فغالي، بالعيد الوطني الإسباني في قصر شهاب التاريخي في الحدث، حيث اجتمع دبلوماسيون وسياسيون وضباط أمن وجيش، إضافة إلى جنود وضباط من الكتيبة الإسبانية في اليونيفيل، في لقاء عكس عمق العلاقات التي تربط لبنان بإسبانيا.

واستهل السفير آغوادو الحفل بكلمة مطوّلة أكد فيها على القيم المشتركة بين لبنان وإسبانيا، من العيش المشترك واحترام التنوع إلى خيار الحوار بدل النزاع. وأشار إلى دعم بلاده الدائم للبنان في مسيرته السياسية والإصلاحية، ولا سيما بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. كما شدد على التزام إسبانيا بالقانون الدولي والتعددية، وحرصها على المساهمة في استقرار المنطقة.
وتناول السفير في خطابه الموقف الإسباني من النزاعات الراهنة، مذكّراً بأن مدريد كانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، وأكد أن الاعتراف ليس نهاية عملية السلام بل بداية حلّ حقيقي على أساس الدولتين، داعياً إلى احترام وقف إطلاق النار في لبنان والتمسّك بحق اللبنانيين في العيش بسلام وكرامة. كما خصّ النساء والشباب اللبناني برسالة أمل، مشيداً بدورهن ودورهم في صياغة مستقبل البلاد.
وتوقف آغوادو عند التعاون الثقافي والتعليمي بين لبنان وإسبانيا، مشيراً إلى دور معهد ثربانتس وروابط الجامعات ومراكز البحث بين البلدين، معتبراً أن الثقافة تبقى لغة كونية للتواصل حتى في الأزمات. كذلك أكد على أهمية التعاون الاقتصادي والتجاري، مشيداً بمساهمة بلاده في قوات اليونيفيل منذ العام 2006، وحيّا الضباط والجنود الإسبان على تفانيهم وشجاعتهم.
وقد تميّز الحفل بحضور متنوّع من الوجوه السياسية والديبلوماسية والعسكرية والأمنية، في أجواء احتفالية بين أروقة وحدائق قصر شهاب التاريخي التي ازدانت بالأضواء. واختُتم اللقاء برفع الأنخاب تحيةً لإسبانيا وعلاقاتها الوثيقة مع لبنان.

في ما يلي النص الحرفي للخطاب:
مساء الخير، بعد عامين، نجتمع مرة أخرى لنحتفل بيومنا الوطني. إن مجرد وجودنا معاً هنا هو بحد ذاته سبب عظيم للرضى.
إن هذا اليوم يدعونا إلى التفكير في القيم التي نتشاركها مع الشعب اللبناني: العيش معاً بسلام، احترام الاختلافات والتنوع اختيار الحوار بدلاً من النزاع وبناء الجسور حيث تقف الحدود.
فمنذ العام 2022، حين احتفلنا آخر مرة بيومنا الوطني في بيروت تغيّرت أمور كثيرة في لبنان وفي المنطقة.
لقد تمّ ملء الفراغ السياسي بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة مدعومة من البرلمان. وقد أظهرت إسبانيا مراراً دعمها للمهمة الأساسية المتمثلة في إعادة البلاد إلى مسارها الصحيح. وقد كرر رئيس وزرائنا هذه الرسالة خلال لقائه الأخير بالرئيس اللبناني في نيويورك، وفعل وزراء خارجيتنا والدفاع الأمر نفسه خلال زياراتهم إلى لبنان.

نحن جميعاً ندرك أن العالم يمرّ بإحدى أكثر اللحظات اضطراباً في التاريخ الحديث. إن كثيراً من القيم التي كانت توجه النظام الدولي باتت اليوم موضع تساؤل. فما كان يبدو مؤكداً لم يعد كذلك.
إننا نعيش في زمن من عدم اليقين. وفي هذا الوضع، تواصل إسبانيا إيمانها الراسخ بالتعددية، وبأهمية أن تعمل الدول معاً. ونحن نفتخر بالدفاع عن القانون الدولي والقانون الإنساني، وندعم عالماً تُحترم فيه السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية.
اليوم، يختبر نزاعان كبيران، في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط، أسس السلام. وفي هذا العالم المتغيّر تنتهج إسبانيا سياسة خارجية واضحة لمواجهة كل هذه التحديات.
أيها الأصدقاء الأعزاء، كما تعلمون، كانت إسبانيا من أوائل الدول التي اعترفت اخيرا بدولة فلسطين.
لقد بذلنا كل ما في وسعنا للمساعدة على إنهاء الأزمة الإنسانية المروعة في غزة. ونحن ندرك الآن أن الاعتراف ليس نهاية عملية السلام، كما اعتقدنا بعد مؤتمر مدريد أو اتفاقيات أوسلو، بل هو بداية لحل حقيقي يقوم على دولتين. ونحن ندعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
كما أن الحكومة الإسبانية اعتمدت تسعة إجراءات جديدة للمساعدة على وقف النزاع في غزة، وشاركت في إنشاء “التحالف الطارئ من أجل الاستدامة المالية للسلطة الفلسطينية”، إلى جانب دول صديقة أخرى. وترحب إسبانيا بالاتفاق بين إسرائيل وحماس، على أمل أن يمهّد الطريق نحو إنهاء العنف، وتأمين الإفراج عن الرهائن، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية التي تشتدّ حاجة سكان غزة إليها.
أيها السيدات والسادة، في هذا السياق الإقليمي الصعب والمعقّد، يبقى لبنان عنصراً أساسياً لاستقرار الشرق الأوسط.
إن بناء هيكل قوي سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني ليس مهماً للبنان وحده، بل هو أيضاً مثال للتعايش والتسامح في المنطقة. إن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي يجب احترامه. ويتعيّن على جميع الأطراف أن تدرك أن معظم اللبنانيين يريدون العيش بسلام وأمن وكرامة، لكي يتمكّنوا من رؤية أبنائهم يكبرون في وطنهم.
لهذا السبب، سيواصل أصدقاء لبنان إدانة أي انتهاكات لوقف إطلاق النار، والتي ما زالت تحدث في كثير من الأحيان، تقريباً بشكل يومي. منذ أن جئت إلى لبنان للمرة الأولى قبل أكثر من عشرين عاماً، شهدت قوة هذا الشعب وابتكاره، وإرادته في المضي قدماً بعد هذه الأزمة. كما التقيت بالعديد من أبناء الجالية اللبنانية في بلدان أخرى، الذين يحافظون على ارتباطهم بلبنان ويرغبون في المشاركة في مستقبله، بما في ذلك من خلال الانتخابات المقبلة.
وأود أن أوجه تحية خاصة إلى النساء في لبنان. ففي الجامعات، وفي قطاع الأعمال، وفي الثقافة، وفي السياسة، وفي المجتمع المدني، إن حضوركن أساسي. ومن خلال “حوارات بصيغة المؤنث الجمع”، التي بلغت الآن دورتها الثامنة، شهدنا طاقتكن وقدرتكن على إحداث التغيير اللازم.
إن مستقبل لبنان سيكون أقوى بفضل موهبة وإصرار نسائه. وإلى شباب لبنان، الذين يشكلون إحدى أعظم قوى هذا البلد، أود أن أبعث برسالة أمل. من خلال طاقتكم، وإبداعكم، وعملكم الدؤوب، أنتم تصوغون بالفعل لبنان الغد.

إن إسبانيا تفخر بدعمكم. ففي كل عام، يختار عدد متزايد من الطلاب اللبنانيين إسبانيا كوجهة للدراسة، مما يرسّخ روابط دائمة بين بلدينا. ومن منطلق احترام سيادة لبنان واستقلاله، تأمل إسبانيا وسائر أصدقاء لبنان أن تكلل الجهود التي يبذلها لبنان في العديد من المجالات – السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية – بالنجاح.
ولا شك أن الطريق قد لا يكون سهلاً، لكننا نظل مستعدين لمرافقة البلاد في هذا المسعى المهم. وتواصل إسبانيا تقديم دعم قوي للبنان، الذي عاد منذ عام 2023 ليكون بلداً ذا أولوية للتعاون الإسباني. وتُنفذ اليوم العديد من المشاريع لتعزيز التنمية وتحسين الحياة اليومية لأولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها.
كما أود أن أشير إلى أمر مهم جداً بالنسبة لنا، وهو حضورنا الثقافي في هذا البلد. فمن خلال عمل الفنانين الإسبان واللبنانيين في مجالات عدة، يواصل بلدانا تبادل الأفكار والإبداع. ونحن نؤمن بأن الثقافة هي لغة كونية تصل بين الناس، حتى في الأوقات الصعبة.
ويفتح معهد ثربانتس نافذة على اللغة الإسبانية، التي تُعد من أكثر لغات العالم انتشاراً. كما أننا نعزز التعاون بين الجامعات ومراكز البحث في كلا البلدين، في مجالات مثل التاريخ، وعلم الآثار، والطب، والهندسة المعمارية، والأدب. وبالنسبة إلينا، تمثل الثقافة أيضاً شكلاً من أشكال الدبلوماسية والتعاون، وهي رؤية بدأت قبل ثلاثين عاماً مع عملية برشلونة الأورو-متوسطية.
وسوف يواصل مكتبنا الاقتصادي والتجاري العمل على تعزيز التجارة والاستثمار بين إسبانيا ولبنان لصالح البلدين معاً. وفي مجال الأمن، لعبت إسبانيا منذ عام 2006 دوراً مهماً في مهمة اليونيفيل وقرار 1701، الذي دعمنا تجديده اخيراً. وأود أن أشكر الجنرال إستيبان، رئيس القطاع الشرقي في اليونيفيل وقائد اللواء الثالث والأربعين في لبنان وجميع من يخدمون في عملية “ليبره إيدالغو”، على تفانيهم وشجاعتهم.
إن عملهم يعكس التزام إسبانيا العميق بالسلام والأمن الدوليين في هذه الأوقات الصعبة. ولا أود أن أختتم دون أن أعرب عن امتناني لفريق السفارة الإسبانية بأكمله، الذين ساهموا بحماسة وجهد وتفانٍ في جعل هذا الحدث ممكناً. كما أود أن أغتنم هذه الفرصة لأعرب عن امتناننا لجميع رعاة هذه المناسبة.
