صخرة الروشة المضاءة بصورة الشهيدين السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين
“البوصلة”
كتبت مارلين خليفة:
لم يبدأ نواف سلام امتحان السلطة من باب فرض تطبيق الاصلاحات التي تحسن حياة الناس المعيشية أو من باب مواجهة العدوان الاسرائيلي بل قرّر أن يفتح معركة جانبية ضد جمعية ثقافية هي “رسالات” بذريعة إضاءتها لصخرة الروشة بصورتي الأمينين العامين الشهيدين لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين لمدة لا تتجاوز الدقائق… لأن الجمعية المذكورة تراجعت تحت وطأة الضغط الشعبي الذي سببه سلام وبعض النواب بتصريحاتهم ، عن تعهّد سابق بعدم الإضاءة.
لم يكتفِ سلام بذلك، بل طلب من القضاء أيضاً ملاحقة الإعلامي علي برو الذي اعتاد أخيراً أن ينشر فيديوهات قصيرة وسكتشات طريفة بينها ذلك المقطع الذي صرخ فيه عند صخرة الروشة: “ضوّيناها نواف! بدنا نطفيك!”.
في بلد يئن تحت وطأة اعتداءات إسرائيلية يومية ويسقط فيه المدنيون تحت القصف في القرى والمدن الجنوبية ويكابد فيه أكثرية اللبنانيين مأساة معيشية خانقة، يصرّ رئيس الحكومة على أن يجعل أولويته ملاحقة الأصوات المزعجة.
يترك خلفه كل هذه الكوارث، لينشغل بكمّ أفواه قد لا يعجبه خطابها. والنتيجة أن هذه السياسة لن تنعكس سلباً على علي برو أو على “رسالات” وحدهما، بل سترتدّ قبل كل شيء على الرئيس نفسه القادم من بيئة وصداقات كرّست حياتها لحرية التعبير، واستشهدت في سبيلها.
في قضية علي برو بالذات لو كان من شخص يستحق أن ترفع عليه دعوى، فهي الوزيرة السابقة مي شدياق التي نال منها برو بطريقة خفيفة وغير إنسانية وقليلة الأدب.
أما الضجيج المفتعل في السراي السياسي والإعلامي بسبب فيديوهاته الساخرة، فلا لزوم له، لأنها لا تخرج عن إطار الكوميديا السوداء والفكاهة السياسية. يبدو أن تأثير برو على الشارع المناوئ لحزب الله كان قوياً، فصار الهدف طمسه. لكن هذه محاولة تمسّ مباشرة بحرية التعبير وأتوقع أن تتحول قضية برو إلى قضية رأي عام شيعي، كما حصل في قضية صخرة الروشة، وسترتدّ بشكل أقوى وأخطر على رئيس الحكومة نفسه.
أما الطامة الكبرى، فهي ملاحقة جمعية “رسالات”. هذه الجمعية التي تتخذ مقراً قرب السفارة الكويتية سابقاً، تُعنى بالمسرح والفنون والموسيقى منذ تأسيسها عام 2006 في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. جريمتها اليوم أنها أضاءت صخرة الروشة! أي سابقة هذه في لبنان؟ أي بلد هذا الذي يحلّ جمعية ثقافية بحجة صورة مضاءة على صخرة؟
دولة الرئيس، أرجو أن تفكّر ملياً، وأن تعود قبل اتخاذ قرار مماثل في مجلس الوزراء إلى وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة ليسدي لك النصح. وبالرغم من أنني لا أتواصل معه عن قرب، أشك كثيراً أن يبارك حلّ جمعية ثقافية دأبت على دعوة الإعلام إلى مسرحياتها وحفلاتها الموسيقية وإنشادها الديني ومؤتمراتها الصحافية في بيئة المقاومة. ما تدعو إليه اليوم خطير جداً، ولم يحدث في لبنان من قبل.
دولة الرئيس، أنت صديق مقرب من عميد الصحافة اللبنانية غسان تويني. وزوجتك، الصحافية [قبل ان تكون دبلوماسية ومستشارتك المؤثرة] سحر بعاصيري كتبت العمود السابع خلفاً للصحافي الكبير ميشال أبو جودة، الذي شُطب وجهه يوما بسكين المكتب الثاني لأنه كتب مقالاً بعنوان “في حمى الأمير” في النهار.
غسان تويني نفسه سُجن. ولا يزال هتاف “بدنا ناكل، جوعانين” يتردّد بعد نصف قرن، وهو عنوان مقال خاطب فيه تويني السلطة عام 1951، رافعاً سقف الوجع بوجه الحكّام ومطالباً بأبسط حقوق الناس. المقال هزّ الحكم آنذاك، فعُطلت “النهار” وأُحيل تويني إلى السجن. لكن المعارضة تبنّت النص ووزعته بياناً موقعاً من كمال جنبلاط، كميل شمعون، سامي الصلح، فؤاد رزق، ونعمة ثابت.
أنت أيضاً عرّاب زواج سمير قصير وجيزيل خوري. وسمير اغتيل ظلماً لأنه كتب بحرية، ولوحق من أجهزة الحقبة السورية السوداء. وأنت صديق جبران تويني، نجل غسان تويني، وصديق الروح للروح لوالده. واليوم، يا دولة الرئيس، تخيّل غسان تويني وسمير قصير يسألانك:
“العزيز نواف، هل يستحق دهس حرية الناس وحقهم في التعبير من أجل عبارات فارغة مثل ‘ضوّيناها’ و’طفّيناها’؟ هل هيبة الدولة تمرّ بك وحدك؟ أليست هيبة الناس، وهم يصرخون جوعاً وقهراً، أهم من أي استعراض للسلطة؟”؟ واليس وجع طائفة برمتها تشعر بالاستهداف الممنهج وسط قصفها يوميا من قبل اسرائيل أهم من قرار سطرته ولم ينفّذ لأن الاجهزة الامنية حملت مسؤولية الناس الزاحفة بالآلاف الى صخرة لم تكن لتأخذ هذا الوهج لولا أخطاء وتصريحات عنصرية ارتكبها نواب ووزراء وناشطين؟ ولماذا لا تحاسب هؤلاء قبل “رسالات” لأنهم هم من أنجحوا فعالية صخرة الروشة لا علي برو ولا حزب الله بل الجهل العميق لدى فريق من السياسيين والاعلاميين والناشطين بنبض الناس ووجع الشارع!!!!
سيقول أحدهم إنّ هناك فارقاً شاسعاً بين علي برو وأنشطة “رسالات” وبين قامات مثل غسان تويني وسمير قصير، وإن لغة هؤلاء لا تُقارن بلغة الرعاع. قد يكون هذا صحيحاً، لكننا اليوم في زمن الانحطاط حتى في التعبير. ومع ذلك، فإن حرية التعبير لا تتجزّأ.
ولو أنجزت الكثير يا دولة الرئيس فسيكتب التاريخ أن نواف سلام أدخل صحافياً وفناناً ساخراً إلى السجن، والأسوأ أنه حلّ جمعية ثقافية لأنها أضاءت الصخرة بصورة السيد نصر الله. بذلك، ضرب عرض الحائط بمشاعر ملايين الناس، فقط لإرضاء ذاته والغرور بسلطة واهية في ظل احتلال وقصف إسرائيلي يومي.
اليوم، غسان تويني وسمير قصير يسألانك يا دولة الرئيس: هل تقبل أن تُنحر حرية التعبير في لبنان من أجل ليّ ذراع طرف ما؟ وأيهما الأهم: هيبة الدولة أم مناخ الحرية في لبنان، بكل فوضويته الذي ميّز هذا البلد عن كل محيطه؟
دولة الرئيس، يقف اسمك اليوم على مفترق دقيق: بين إرث الحرية الذي تربّيت عليه وامتحان السلطة الذي يفرض عليك أن تختار. أيّهما ستنتصر له؟
