
آل ثاني متسلما الجائزة في ايرلندا
“مصدر دبلوماسي”
“لا تظنوا أن السلام سذاجة. إنه أصعب من الحرب، لكنه يستحق كل جهد. إنه أقوى من السخرية، وأعلى صوتا من العنف”. بهذه الكلمات وجّه الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في دولة قطر،رسالة إلى الحاضرين خلال تسلمه جائزة تيبيراري الدولية للسلام، مؤكدا التزام قطر العميق بالسلام كخيار استراتيجي وهوية وطنية.
وأوضح آل ثاني أن ما تقوم به قطر «ليس مناورة تكتيكية، بل انعكاس لهويتنا الوطنية، التي تتشكل من ثقافتنا ويحرّكها إيماننا ويكرّسها دستورنا وتستلهمها قيادتنا». كما أشار إلى أن الجائزة جاءت في لحظة بالغة الأهمية، بعد تعرض قطر لهجوم صاروخي مباشر، مبيّنا أن الدوحة اختارت ضبط النفس من موقع قوة، واضعة استقرار المنطقة ورفاهية شعوبها فوق الخطابات النارية واستعراضات القوة.
أكد الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، “نموذج نادر للقيادة في عالم اليوم؛ فهو لا يكتفي بالحكم، بل يشعر، ويكرّس كل جهده وروحه لكل واجب، من تلبية احتياجات مواطنيه، إلى دعم السلام الإقليمي والدولي”.
ونوه آل ثاني، في كلمة أمام حفل أقيم امس في جمهورية أيرلندا بمناسبة تسليمه جائزة تيبيراري الدولية للسلام، إلى أن سمو الأمير يرى شعوب المنطقة، والأبرياء حول العالم أبناء له، ويحزن على كل روحٍ تُزهق، ويؤمن بأن السلام إرث يجب صيانته”، مضيفا في هذا الصدد أن الكلمات تعجز عن التعبير عن مدى فخره بسموه.

وأضاف : “لقد نلت شرف خدمة بلادي تحت قيادته لأكثر من عشر سنوات، وسأظل أتشرف بذلك ما دمت قادرا. فحكمته، وشغفه، وعزيمته هي مصدر إلهام شخصي لي، وهي ما يدفعني للاستمرار”.
وقال آل ثاني إنه “بكل تواضع وامتنان، أُعبر عن قبولي لجائزة تيبيراري الدولية للسلام، لا بوصفها تكريما شخصيا، بل باسم دولة قطر، وشعبها، ومبادئها، وقيادتها”، مضيفا : “هذه الجائزة تمثل اعترافا بما أصبحت عليه قطر اليوم: صوتا ثابتا للسلام، ومدافعا عن الحوار، وأمة لا تلين أمام التحديات”.
وتابع : “إن اجتماعنا اليوم هنا، في أيرلندا، الدولة التي بلغت السلام عبر المصالحة والشجاعة الأخلاقية، له دلالة عميقة. فمسيرتكم تؤكد ما نؤمن به دوما في قطر: إن السلام لا يُمنح، بل يُبنى”، مذكّرا في هذا السياق بكلمات الراحل جون هيوم: “إن أساس السلام والاستقرار في أي مجتمع يجب أن يكون الاحترام الكامل لحقوق الإنسان لجميع أفراده”.
ومضى رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية قائلا: “اليوم، لا أتحدث إليكم عن قصتي، بل عن قصة شعب قطر الأبي. كثيرا ما يسألني البعض عن دوافع قطر، من غزة إلى أفغانستان، ومن لبنان إلى أوكرانيا. ويزعم البعض أن ما تقوم به قطر يُملى عليها بدافع المصلحة الذاتية. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. فما نقوم به ليس مجرد تعامل تجاري، بل هو عمل تحويلي. ليس مناورة تكتيكية، بل انعكاس لهويتنا الوطنية، التي تتشكل من ثقافتنا، ويحرّكها إيماننا، ويكرّسها دستورنا، وتستلهمها قيادتنا”.
وتابع رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: “تأتي هذه الجائزة في لحظة بالغة الأهمية. قبل أسبوع واحد فقط تعرّضت بلادنا لهجوم صاروخي مباشر، جاء كرد واضح على التهوّر الذي يهدد السلام والاستقرار في منطقتنا. وبينما كانت دفاعاتنا الجوية تقوم بواجبها، كان دبلوماسيونا يعملون بلا كلل لتأمين وقف لإطلاق النار مع بزوغ الفجر. لم تكن تلك اللحظة لحظة انتقام، بل كانت لحظة تضبطها الحكمة وضبط النفس”، مضيفا: “يجب أن أكون واضحا: قطر اختارت ضبط النفس من موقع قوة، لا من موقع ضعف، لأننا وضعنا استقرار منطقتنا ورفاهية شعوبها فوق الخطابات النارية واستعراضات القوة”.
واشار: “لقد حذّرنا مرارا من مخاطر امتداد الصراع الإقليمي، ومن أن سلوك إسرائيل المتهور قد يؤدي إلى تفاقم النزاع إلى مستويات لا تُحتمل. وثمن تجاهل هذه التحذيرات لا يُدفع في غزة وحدها، بل في جميع أنحاء المنطقة. لا مكان تتجلى فيه هذه المأساة أكثر من غزة. الصور القادمة من هناك لا تُحتمل، والخسائر فوق الوصف. ومع ذلك، ورغم هذا الدمار، ظلّ سمو الأمير ثابتا في التزامه تجاه شعب غزة عبر المساعدات المستمرة، والسعي الجاد لتحقيق السلام، والدفاع عن كرامتهم في المحافل الدولية. معاناتهم تُثقل ضمائرنا، لكنها أيضا تُقوّي عزيمتنا. حتى عند الاستفزاز، وحتى عند الهجوم، نظل ملتزمين بالسلام ليس شعارا نردده، بل واجبا نؤديه. فقواتنا المسلحة تحمي سيادتنا بشجاعة، ودبلوماسيونا يبنون الجسور بصمت، وفي خضم كل ذلك، يظل شعبنا واقفا، موحّدا. وكما قال نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ إصلاح ذات البين)”.
ووجه رسالة إلى الجيل القادم بقوله: “لا تظنوا أن السلام سذاجة. إنه أصعب من الحرب، لكنه يستحق كل جهد. إنه أقوى من السخرية، وأعلى صوتا من العنف”.
واختتم آل ثاني كلمته بالقول: “باسم شعب قطر، أتوجه بالشكر إلى مؤتمر تيبيراري للسلام على هذا التقدير. وباسمهم، أقبله بتواضع، وبالتزام متجدد: بأن تظل قطر صوتا للهدوء، وشريكا في السلام، وصديقا لكل من يؤمن بأن الحوار يجب أن ينتصر على الدمار. فلنظل أوفياء لهذه القضية”.